موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
مرحبا بكم في منتدي فرع الجمعية الشرعية بقرية
البطاخ التابع لمحافظة سوهاج
يسعدنا انضمامكم لنا عبرسجيلكم فى المنتدى
منتدى فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ
مع تحيات مدير المنتدى
مشرف الدعوة بالفرع
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
مرحبا بكم في منتدي فرع الجمعية الشرعية بقرية
البطاخ التابع لمحافظة سوهاج
يسعدنا انضمامكم لنا عبرسجيلكم فى المنتدى
منتدى فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ
مع تحيات مدير المنتدى
مشرف الدعوة بالفرع
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ هو أحد فروع الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية بمحافظة سوهاج
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مرحبا بكم فى منتدي فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ ساهموا فى نشر موقعنا
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل
صلي الله على محمد صلي الله عليه وسلم
اللهم أعنا على رضاك حتى ترضي رضاءاً ليس بعده سخط ولا غضب
جميع حقوق الطبع والنشر والتوزيع والتصوير لأي كتاب موجود في المنتدي متااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااح بشرط دعوة صالحة بظهر الغيب
أرجو من كل من استفاد أو تعلم شيئاً من المنتدي أن لا ينسانا من صالح دعائه
نعدكم بإذن الله في كل زيارة لنا بالجديد وبالمفيد
بشري سارة لكل طلاب العلم : تم افتتاح ركن في منتدي فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ للإجازات الشرعية المسندة لكل الراغبين في إجازة علمية بالسند مجاناً
هاااااااام جدا لمن لا يعلم :قد تظهر إعلانات على المنتدي بها صور نساء وهي لا تخص المنتدي بل هي تابعة لشركة جوجل ولا يمكن وقفها .

 

 الإمام أبو حنيفة النعمان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الإمام أبو حنيفة النعمان Empty
مُساهمةموضوع: الإمام أبو حنيفة النعمان   الإمام أبو حنيفة النعمان I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 26, 2013 3:33 pm

مقدمة
إن الحمد لله . . .
نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (الأحزاب:70-71)
أما بعد . . .
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأن خير الهدى هدى نبيه محمد  ، وأن شر الأمور محدثاتها ، وأن كل محدثة بدعة ، وأن كل بدعة ضلالة ، وأن كل ضلالة في النار .
ثم أما بعد . . .
اعلم أخي المسلم :
إن العلماء بعلومهم ، والحكماء بحكمتهم ، والصالحون بوصاياهم هم ـ بإذن الله ـ نجوم هادية لمن سار في الليالي المظلمة ، ودفة محكمة لمن خاض عُباب البحار الموحشة ، وغيث مدراراً يأتي على الأرض الهامدة ، فتهتز وتربو ثم تنبت من كل زوج بهيج . . .
فهم بحق سراج العباد ، ومنار البلاد , وقوام الأمة ، وينابيع الحكمة , وهم غيظ الشيطان ، بهم تحيا قلوب أهل الحق ، وتموت قلوب أهل الزيغ ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدي بها في ظلمات البر والبحر ، إذا انطمست النجوم تحيروا ، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا . . .
ونحن في هذه السلسلة المباركة الطيبة والتى أسميتها : " إعلام الخلف بسير أعلام السلف " , نتعرف على هؤلاء الأكابر الأفاضل من خلال سيرهم وتراجمهم , والتى امتلأت بها بطون أمهات الكتب , فكأنك أخي الموحد تراهم من قريب , تسمع كلامهم ، وتري أحوالهم , وتراقب سلوكهم في شتي مناحي الحياة ، فهم بحق خير القرون , وخير الناس , أسأل الله تعالى أن يحشرنا في زمرتهم وأن يملأ قلوبنا بحبهم إنه ولى ذلك والقادر عليه .
ومن هؤلاء الأعلام الأكابر أقطاب العلم : " الأئمة الأربعة " ، وهم الإمام أبو حنيفة ، والإمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام مالك ، رحمه الله عليهم جميعاً .
 وقبل أن نشرع في الحديث عن هؤلاء الأئمة أحببت أن نلفت الانتباه إلى شئ هام في البداية ، وهو الحديث عن الإختلاف والفرقة الواقعة بين المسلمين في هذا الزمان بسبب الميل إلى مذهب معين من مذاهب الأئمة الأربعة المتبوعة والتعصب له .
ناهيك عن الذين يقلدون مذهباً معينا من المذاهب ، ويحتجون به دون باقي المذاهب الأخرى ، والذي توهم الكثير من هؤلاء أنه هو المذهب الراجح دون غيره من المذاهب .
فهذا يقول إني شافعي ، وهذا حنفي ، وهذا مالكي ، وهذا حنبلي ، وهذا كله يؤدي إلى وقوع الفرقة والشقاق بين صفوف المسلمين .
ولا شك أن الرسول  ما ألزم الناس أن يلتزموا بمذهب واحد من مذاهب الأئمة الأربعة بعينه ، وإنما أوجب اتباعه  ، فإن الحق محصور فيما جاء به فإذا تأمل المنصف يظهر له أن التقليد لمذهب معين والتعصب له من غير نظر إلى دليل جهل عظيم وبلاء جسيم ، إنما هو مجرد هوى وعصبية ، والأئمة المجتهدون ـ رحمه الله ـ قاطبة على خلاف هذا الذي يحدث بين الناس من تقليد بعضهم دون الآخر ، أو التعصب لمذهب معين دون غيره .
لذلك ولتحرير هذه المسألة نقول وبالله التوفيق :

موقفنا من الأئمة الأربعة
لقد تميزت الأمة المسلمة بثراء فقهي لا يوجد له نظير في سائر الديانات والمعتقدات والمجتمعات ، ونبغ فيه نوابغ قل أن يوجد لهم نظير , حتى إنه ليتضاءل أمامهم من يوصفون بعباقرة العالم - جهلاً أو عصبية - ، ذلك لأنهم لم يقولوا يوماً : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين , فتاه كثير منهم في معمعات كلامية وفلسفية , لو قيل بعضها اليوم لطفل في السادسة لما صدقها أو استساغها .
إن الأئمة الذين نفاخر بهم كُثر , ولكن أشهرهم في المجال الفقهي أربعة هم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد .
لقد شكل هؤلاء الأئمة أربع مدارس فقهية ، سميت بالمذاهب , واستقرت من أيام أصحابها إلى يوم الناس هذا.
والمذاهب الفقهية هي اجتهادات في فهم النصوص الشرعية قد تصيب وقد تخطيء ، ولهذا فالحق ليس محصوراً في أحدها لا يخرج عنه , بل الحق موزع عليها جميعاً , بل وعلى بقية الأئمة ممن كان لهم أتباع ثم انقرضوا كالإسحاقية أتباع اسحاق بن راهوية , والظاهرية أتباع داود وغيرهم , أو ممن ليس لهم أتباع يتبنون أفكارهم ويدافعون عنها كفقهاء المدينة السبعة وغيرهم .
وبالرغم من أن الحق ليس محصوراً في هذه المذاهب الأربعة ، فإن موقفنا
من هؤلاء الأئمة وغيرهم هو موقف سائر المسلمين المنصفين منهم ، وهو موالاتهم وحبهم وتعظيمهم وإجلالهم والثناء عليهم بما هم عليه من العلم والتقوى , واتباعهم في العلم بالكتاب والسنة ، وتقديمها على رأيهم ، وتعلم أقوالهم للاستعانة بها على الحق وترك ما يخالف الكتاب والسنة منها ، وأما المسائل التى لا نص فيها ، فالصواب النظر في اجتهادهم فيها ، وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا ، لأنهم أكثر علماً وتقوى منا ، ولكن علينا أن ننظر ونحتاط لأنفسنا في أقرب الأقوال إلى رضا الله وأحوطها وأبعدها من الاشتباه .
 ولتقريب هذا الموقف أحب أن ألقي الضوء على بعض الأمور :
 اعلم أن الأئمة ـ رحمه الله ـ ليسوا معصومين , وكل من الأئمة أخذت عليه مسائل , قال العلماء : إنه خالف فيها السنة .
فهذا الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ وهو أكثرهم في ذلك لأنه أكثرهم رأيا ، يترك العمل بحديث القضاء بالشاهد واليمين في الأموال ، وبحديث تغريب الزاني البكر وغير ذلك .
وأخِذ على مالك إنكاره صيام الست من شوال ، واستحسانه صيام الجمعة ولو مفرداً ، لأنه لم يبلغه السنة فيهما ، وترك مالك العمل بحديث خيار المجلس ، وهو متفق عليه ! إلى غير ذلك .
وأخذ على الشافعي ـ رحمه الله ـ قوله بنقض الوضوء من مجرد لمس المرأة بدون حائل ، مع ورود ما يخالفه في السنة ، على أن له أجوبة عليها .
وأخذ على أحمد ـ رحمه الله ـ صوم يوم الشك احتياطاً لرمضان ، مع ورود النص بالنهي عن صومه وغير ذلك .
وليس المقصود هنا انتقاص الأئمة وعيبهم فيما أخذ عليهم ، لأنهم ـ رحمه الله ـ بذلوا وسعهم في تعلم ما جاء عن الله على لسان رسوله  ثم اجتهدوا بحسب طاقاتهم ، فالمصيب منهم له أجر اجتهاده وإصابته ، والمخطئ منهم مأجور في اجتهاده معذور في خطأه ، وإنما قصدنا مع الاعتراف بعظم منزلتهم أن نبين أن كتاب الله وسنة رسوله  يجب تقديمها على أقوالهم ، لأنهم غير معصومين من الخطأ . 1
 وليُعلم أنه ليس أحد من الأئمة - المقبولين عند الأمة قبولا عاماً - يتعمد مخالفة رسول الله  في شيء من سنته , دقيق ولا جليل , إنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول  , وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك , إلا رسول الله  , ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه , فلا بد له من عذر في تركه .
 وأعذار الأئمة ـ رحمهم الله ـ في ترك السنة هي : 2
الأول : عدم اعتقاد أن النبي  قاله ، وهذا له أسباب :
ـ أن لا يكون الحديث قد بلغه , ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالماً بموجبه , وإذا لم يكن قد بلغه - وقد قال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر , أو بموجب قياس , أو موجب استصحاب - فقد يوافق ذلك الحديث تارة , ويخالفه أخرى .
وهذا السبب : هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفاً لبعض الأحاديث .
فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة , أو إماماً معيناً فهو مخطئ خطأ فاحشاً قبيحاً .
ـ أن يكون الحديث قد بلغه , لكنه لم يثبت عنده , إما لأن محدثه , أو محدث محدثه , أو غيره من رجال الإسناد مجهول عنده , أو متهم أو سيئ الحفظ .
ـ اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره , مع قطع النظر عن طريق آخر , سواء كان الصواب معه , أو مع غيره , أو معهما عند من يقول : { كل مجتهد مصيب }.
ـ اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً يخالفه فيها غيره , مثل اشتراط بعضهم عرض الحديث على الكتاب والسنة , واشتراط بعضهم أن يكون المحدث فقيهاً إذا خالف قياس الأصول , واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان فيما تعم به البلوى , إلى غير ذلك مما هو معروف في مواضعه .
ـ أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده لكن نسيه .
الثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول ، ولهذا أسباب منها :
ـ عدم معرفته بدلالة الحديث , فتارة لكون اللفظ الذي في الحديث غريباً عنده ومما يختلف العلماء في تفسيره , وتارة لكون معناه في لغته وعرفه غير معناه في لغة النبي  , وهو يحمله على ما يفهمه في لغته , بناء على أن الأصل بقاء اللغة , وتارة لكون اللفظ مشتركاً , أو مجملاً , أو متردداً بين حقيقة ومجاز فيحمله على الأقرب عنده , وإن كان المراد هو الآخر .
ـ وتارة لكون الدلالة من النص خفية , فإن جهات دلالات الأقوال متسعة جدا يتفاوت الناس في إدراكها , وفهم وجوه الكلام بحسب منح الحق سبحانه ومواهبه , ثم قد يعرفها الرجل من حيث العموم , ولا يتفطن لكون هذا المعنى داخلاً في ذلك العام .
ثم قد يتفطن له تارة ثم ينساه بعد ذلك , وهذا باب واسع جداً لا يحيط به إلا الله , وقد يغلط الرجل , فيفهم من الكلام ما لا تحتمله اللغة العربية التي بعث الرسول  بها.
ـ اعتقاده أن لا دلالة في الحديث , والفرق بين هذا وبين الذي قبله , أن الأول لم يعرف جهة الدلالة .
والثاني عرف جهة الدلالة , لكن اعتقد أنها ليست دلالة صحيحة , بأن يكون له من الأصول ما يرد تلك الدلالة , سواء كانت في نفس الأمر صواباً أو خطأ مثل أن يعتقد أن العام المخصوص ليس بحجة , أو أن المفهوم ليس بحجة , أو أن العموم الوارد على سبب مقصور على سببه , أو أن الأمر المجرد لا يقتضي الوجوب , أو لا يقتضي الفور , أو أن المعرف باللام لا عموم له , أو أن الأفعال المنفية لا تنفي ذواتها ولا جميع أحكامها , أو أن المقتضي لا عموم له فلا يدعي العموم في المضمرات والمعاني , إلى غير ذلك مما يتسع القول فيه .
ـ اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل على أنها ليست مرادة , مثل معارضة العام بخاص , أو المطلق بمقيد , أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب أو الحقيقة بما يدل على المجاز إلى أنواع المعارضات , وهو باب واسع أيضا فإن تعارض دلالات الأقوال وترجيح بعضها على بعض بحر خضم .
ـ اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه , أو نسخه , أو تأويله إن كان قابلاً للتأويل , بما يصلح أن يكون معارضاً بالاتفاق مثل آية , أو حديث آخر , أو مثل إجماع .
وهذا نوعان : أحدهما : أن يعتقد أن هذا المعارض راجح في الجملة , فيتعين أحد الثلاثة من غير تعيين واحد منها , وتارة يعين أحدها , بأن يعتقد أنه منسوخ أو أنه مؤول , ثم قد يغلط في النسخ فيعتقد المتأخر متقدماً , وقد يغلط في التأويل بأن يحمل الحديث على ما لا يحتمله لفظه , أو هناك ما يدفعه وإذا عارضه من حيث الجملة , فقد لا يكون ذلك المعارض دالاً , وقد لا يكون الحديث المعارض في قوة الأول إسناداً أو متنا .
فهذه الأسباب وغيرها أكثر ما يُعذر الأمام بمخالفته الحديث من أجله ، وهي في الحقيقة أسباب اختلافهم ـ رحمه الله ـ .
 وإذا تقرر هذا ، فلا يجوز لنا أن نعدل عن قول ظهرت حجته بحديث صحيح وافقه طائفة من أهل العلم , إلى قول آخر قاله عالم يجوز أن يكون معه ما يدفع به هذه الحجة وإن كان أعلم , إذ تطرق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية , فإن الأدلة الشرعية حجة الله على جميع عباده بخلاف رأي العالم .
والدليل الشرعي يمتنع أن يكون خطأ إذا لم يعارضه دليل آخر , ورأي العالم ليس كذلك .
ولو كان العمل بهذا التجويز جائزاً , لما بقي في أيدينا شيء من الأدلة التي يجوز فيها مثل هذا , لكن الغرض : أنه في نفسه قد يكون معذوراً في تركه له ونحن معذورون في تركنا لهذا الترك , وقد قال سبحانه : { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولا تسألون عما كانوا يعملون } البقرة : 134, وقال سبحانه :{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } النساء : 59 .
وليس لأحد أن يعارض الحديث الصحيح عن النبي  بقول أحد من الناس , كما قال ابن عباس  لرجل سأله عن مسألة فأجابه فيها بحديث , فقال له : " قال أبو بكر وعمر" , فقال ابن عباس : " يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء , أقول : قال رسول الله  , وتقولون قال أبو بكر وعمر؟! " .
وإذا كان الترك يكون لبعض هذه الأسباب , فإذا جاء حديث صحيح فيه تحليل أو تحريم أو حكم , فلا يجوز أن يعتقد أن التارك له من العلماء الذين وصفنا أسباب تركهم يعاقب , لكونه حلل الحرام , أو حرم الحلال , أو حكم بغير ما أنزل الله .
وكذلك إن كان في الحديث وعيد على فعل من لعنة أو غضب أو عذاب ونحو ذلك , فلا يجوز أن يقال : إن ذلك العالم الذي أباح هذا , أو فعله داخل في هذا الوعيد .
فمن لم يبلغه الحديث المحرم , واستند في الإباحة إلى دليل شرعي , أولى أن يكون معذوراً .
ولهذا كان هذا مأجوراً محموداً لأجل اجتهاده , قال الله سبحانه : { وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما } الأنبياء 78ـ79 , فاختص سليمان بالفهم , وأثنى عليهما بالحكم والعلم .
وفي الصحيحين عن عمرو بن العاص  : أن النبي  قال : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران , وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " .
فتبين أن المجتهد مع خطئه له أجر , وذلك لأجل اجتهاده , وخطؤه مغفور له , لأن أدرك الصواب في جميع أعيان الأحكام , إما متعذر أو متعسر , وقد قال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } الحج : 78 , وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } البقرة : 185 .
وفي الصحيحين عن النبي  أنه قال لأصحابه عام الخندق : " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " , فأدركتهم صلاة العصر في الطريق , فقال بعضهم : لا نصلي إلا في بني قريظة , وقال بعضهم : لم يرد منا هذا , فصلوا في الطريق , فلم يعب النبي  واحدة من الطائفتين .
 ثم أن الأئمة متفقون على منع تقليدهم ، التقليد الأعمى الذي يتعصب له من يدعو أنهم أتباعهم ، ويتمسكون بمذاهبهم وأقوالهم كما لو كانت نزلت من السماء ، والله عز وجل يقول : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه من أولياء قليلاً ما تذكرون } الأعراف : 3 .
وإليك أخي القارئ ما وقفنا عليه من أقوالهم ـ رحمهم الله ـ في ذلك :3
1 ـ الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ :
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ـ رحمه الله ـ وقد روي عنه أصحابه أقوالاً شتى ، وعبارات متنوعة ، كلها تؤدي إلى شئ واحد وهو : وجوب الأخذ بالحديث ـ وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة له فقال :
ـ " إذا صح الحديث فهو مذهبي " .
ـ " لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه " .
ـ " حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي " .
ـ وفي رواية " فإننا بشر ، نقول القول اليوم ونرجع فيه غداً " .
ـ " إذا قلت قول يخالف كتاب الله تعالى وخبر رسول الله  فاتركوا قولي ".
2 ـ الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ :
وأما الإمام مالك ـ رحمه الله ـ فقال :
ـ " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه " .
ـ " ليس أحد بعد النبي  إلا ويؤخذ من قوله ويترك ، إلا النبي  " .
ـ وقال ابن وهب :
" سمعت عمى يقول : سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء , فقال : ليس ذلك على الناس .
قال : فتركته حتى خف على الناس , فقلت له : عندنا في ذلك سنة .
فقال : وما هى ؟ قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبى عبد الرحمن الحبلى عن المستورد بن شداد القرشي قال " رأيت رسول الله  يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه "
فقال : إن هذا الحديث حسن , وما سمعت به قط إلا الساعة , ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع " .4
3 ـ الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ :
وأما الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ فالنقول عنه ذي ذلك أكثر وأطيب ، وأتباعه أكثر عملاً بها وأسعد ، فمنها :
ـ " ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله  وتعزب عنه ، فمهما قلت من قول ، أو أصلت فيه عن رسول الله  خلاف ما قلت ، فالقول قول رسول الله  ، وهو قولي " .
ـ " أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله  لم يحل له أن يدعها لقول أحد " .
ـ " إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله  ، فقولوا بسنة رسول الله  ، ودعوا قولي " .
ـ " كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله  عند أهل النقل بخلاف ما قلت ، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي " .
ـ " إذا رأيتمونى أقول قولاً ، وقد صح عن النبي  خلافه ، فاعلموا أن عقلي قد ذهب " .
4 ـ الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ :
وأما الإمام أحمد ، فهو أكثر الأئمة جمعاً للسنة وتمسكاً بها ، حتى " كان يكره وضع الكتب التى تشتمل على التفريع والرأي " ، ولذلك قال :
ـ لا تقلدني ، ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثورى، وخذ من حيث أخذوا " .
ـ " من رد حديث رسول الله  ، فهو على شفة هلكة " .
ولقد نظم أحد الشعراء ما قاله الأئمة الأربعة في أرجوزة قصيرة فقال :
وقول أعلما الهدى لا يقبــــــلُ بقولِ ما بدون نصِ يعمــــــــــــــلُ
فيه دليل الأخذ بالحديـــــــــثِ وذاك في القديمِ والحديـــــــــــــــثِ
قال أبو حنيفة الإمــــــــــــــامُ لا ينبغي لمن له إســــــــــــــــــلامُ
أخذاً بأقواليَ حتى تُعــــــرضَ على الحديثِ والكتاب المرتضــــيَ
ومالكُ إمام دار الهجــــــــــرةِ قال وقد أشار نحو الحجــــــــــــرةِ
كل كلام منه ذو قبـــــــــــــولِ ومنه مردود سوى الرســــــــــولِ
والشافعي قال إن رأيتمـــــــوا قولي مخالف لما رويتمـــــــــــــوا
من الحديث فاضربول الجـدارَ بقول المخالف الأخبــــــــــــــــــارَ
وأحمد قال لهم لا تكتبـــــــــوا ما قلته والأصل ذاك فاطلبــــــــوا
فانظر ما قالت الهداة الأربعـة واعمل به فإن فيه منفعــــــــــــــة
لقمعها لكل ذي تعصــــــــــبِ والمنصفون يكتفون بالنبــــــــــي
 تلك هي اقوال الأئمة ـ رحمهم الله ـ في الامر بالتمسك بالحديث ، والنهي عن تقليدهم دون بصيرة ، وهى من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلاًً ولا تأويلاً ، وعليه فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة ، لا يكون مبايناً لمذهبهم ، ولا خارجاً عن طريقتهم ، بل هو متبع لهم جميعاً ، ومتمسك بالعروة الوثقى التى لا انفصام لها ، وليس كذلك من ترك السنة الثابتة لمجرد مخالفتها لقولهم ، بل هو بذلك عاص لهم ، ومخالف لأقوالهم المتقدمة ، والله تعالى يقول : { َلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } النساء : 65 .
وبعد أن استعرضنا موقفنا من الأئمة الأربعة ـ رحمهم الله ـ ، وما قالوه ، وكيف أنهم معذورون في مخالفتهم لسنة من سنن النبي  ، نستعرض مناقبهم وسيرهم , وأحوالهم ـ رحمهم الله جميعاً ـ والتى دونها كثير من علماء المسلمين في كتبهم سواء كانت دونت في كتب الرجال , أو أفرد لكل إمام منهم كتاب على حده .
ونبدأ بالإمام أبي حنيفة النعمان فنقول وبالله التوفيق :

الإمام أبو حنيفة النعمان
(80 - 150 هـ = 699 - 767 م )
عالم من العلماء . . .
وإمام من الأئمة . . .
وفقيه من الفقهاء . . .
أحد أركان الفقة الأربعة . . . .
عالم العراق , وفقيه الملة . . . .
أحد السادة الأعلام . . .
وأحد أصحاب المذاهب الفقهية المعروفة . . .
هو من سمي بالإمام الاكبر , و تلك التسمية لم تأت من فراغ , بل كان الرجل جديراً بها , و لا تعنى عصمته من الزلل , و إنما تدل على مدى وجاهته وعطائه العلمى
هو : أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي ، الكوفي ، مولى بني تيم الله بن ثعلبة , يقال : إنه من أبناء الفرس , ولد سنة " ثمانين " , في حياة صغار الصحابة ، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة .
ولم يثبت له حرف عن أحد منهم . 5
قال أحمد العجلي :
" أبو حنيفة تيمى من رهط حمزة الزيات , وكان خزازا يبيع الخز " . 6
وقال عمر بن حماد بن أبي حنيفة :
أما ( زوطى ) فإنه من أهل كابل ، وولد ثابت علي الاسلام . . .
وكان زوطى مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق , فولاؤه لهم ، ثم لبني قفل
قال : وكان أبو حنيفة خزازاً ، ودكانه معروف في دار عمرو ابن حريث.7
وعن أحمد بن عبيد الله بن شاذان المروزي قال :
" حدثني أبي عن جدي قال : سمعت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة يقول أنا إسماعيل بن حماد بن النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار , والله ما وقع علينا رق قط , ولد جدي في سنة ثمانين وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب  وهو صغير , فدعا له بالبركة فيه , وفي ذريته , ونحن نرجو من الله أن يكون قد استجاب الله ذلك لعلي بن أبي طالب  فينا " .8
قال الذهبي ـ رحمه الله ـ :
" عني بطلب الآثار ، وارتحل في ذلك ، وأما الفقه , والتدقيق في الرأي و
غوامضه ، فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك " .9
قال ابن خلكان :
" كان أبو حنيفة حسن الوجه , حسن المجلس ، شديد الكرم , حسن المواساة لإخوانه ، وكان ربعة من الرجال ـ متوسط الطول ـ ، وقيل : كان طوالاً تعلوه سمرة ، أحسن الناس منطقاً وأحلاهم نغمة " .10
وقال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ :
" وعن أبي يوسف ـ تلميذ أبو حنيفة ـ قال : كان أبو حنيفة ربعة ، من أحسن الناس صورة ، وأبلغهم نطقا ، وأعذبهم نغمة ، وأبينهم عما في نفسه " .
وعن حماد بن أبي حنيفة قال : كان أبي جميلاً ، تعلوه سمرة ، حسن الهيئة كثير التعطر ، هيوباً ، لا يتكلم إلا جواباً ، ولا يخوض - رحمه الله - فيما لا يعنيه .
وعن ابن المبارك قال : " ما رأيت رجلاً أو قر في مجلسه ، ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة " .11
وقال عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة : " رأيت أبا حنيفة شيخاً يفتي الناس بمسجد الكوفة ، على رأسه قلنسوة سوداء طويلة " .
وعن النضر بن محمد قال :
" كان أبو حنيفة جميل الوجه ، سري الثوب ، عطر الريح , أتيته في حاجة وعلى كساء قرمسي ، فأمر بإسراج بغله ، وقال : أعطني كساءك وخذ كسائي ففعلت .
فلما رجع قال : يا نضر خجلتني بكسائك ، هو غليظ .
قال : وكنت أخذته بخمسة دنانير .
ثم إني رأيته وعليه كساء قومته ثلاثين ديناراً " .12
   
طلبه للعلم ـ رحمه الله ـ
 بدأ الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ في طلب العلم وعمره لا يتجاوز الثانية عشر ، وتتلمذ على يد عالم عصره " حماد بن أبي سليمان " , وتخرج عليه في الفقه , ومكث معه ثمانية عشر عاماً , و استمر معه إلى أن مات .
قال أحمد بن عبد الله العجلي :
" حدثني أبي قال : قال أبو حنيفة : قدمت البصرة فظننت أنى لا أسأل عن شئ إلا أجبت فيه , فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب ، فجعلت على نفسي ألا أفارق حماداً حتى يموت ، فصحبته ثماني عشرة سنة " . 13
وعن زفر بن الهذيل قال :
" سمعت أبا حنيفة يقول : كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع ، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان ، فجاءتني امرأة يوماً فقالت لي : رجل له امرأة أمة ، أراد أن يطلقها للسِنة ـ للفقر ـ ، كم يطلقها ؟ فلم أدرما أقول .
فأمرتها أن تسأل حماداً ، ثم ترجع تخبرني .
فسألته ، فقال : يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين ، فإذا اغتسلت فقد حلت للازواج .
فرجعت فأخبرتني ، فقلت: لا حاجة لي في الكلام ، وأخذت نعلي فجلست إلى حماد ، فكنت أسمع مسائله ، فأحفظ قوله ، ثم يعيدها من الغد فأحفظها ، ويخطئ أصحابه .
فقال : لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبى حنيفة .
فصحبته عشر سنين .
ثم نازعتني نفسي لطلب للرئاسة ، فأحببت أن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي .
فخرجت يوماً بالعشي ، وعزمي أن أفعل ، فلما رأيته لم تطب نفسي أن أعتزله فجاءه تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة ، وترك مالاً وليس له وارث غيره .
فأمرني أن أجلس مكانه ، فما هو إلا أن خرج حتى وردت علي مسائل لم أسمعها منه ، فكنت أجيب وأكتب جوابي ، فغاب شهرين ثم قدم ، فعرضت عليه المسائل ، وكانت نحواً من ستين مسألة ، فوافقني في أربعين ، وخالفني في عشرين , فآليت على نفسي ألا أفارقه حتى يموت " . 14
وعن أبي يوسف قال :
" قال أبو حنيفة : لما أردت طلب العلم ، جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها .
فقيل : تعلم القرآن .
فقلت : إذا حفظته فما يكون آخره ؟ قالوا : تجلس في المسجد فيقرأ عليك الصبيان والأحداث ، ثم لا يلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك أو مساويك فتذهب رئاستك .
قال : قلت : فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني ؟
قالوا : إذا كبرت وضعفت ، حدثت واجتمع عليك هؤلاء الأحداث والصبيان ثم لم تأمن أن تغلط، فيرموك بالكذب ، فيصير عاراً عليك في عقبك .
فقلت : لا حاجة لي في هذا .
ثم قال : قلت : أتعلم النحو .
فقلت: إذا حفظت النحو والعربية ، ما يكون آخر أمري ؟ قالوا : تقعد معلما فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة .
قلت : وهذا لا عاقبة له .
قلت : فإن نظرت في الشِعر فلم يكن أحد أشعر مني ؟ قالوا : تمدح هذا فيهب لك ، أو يخلع عليك ، وإن حرمك هجوته .
قلت : لا حاجة فيه .
قال : قلت : فإن تعلمت الفقه ؟ قالوا : تسأل وتفتي الناس ، وتطلب للقضاء ، وإن كنت شاباً قلت : ليس في العلوم شئ أنفع من هذا فلزمت الفقه وتعلمته " 15
وعن سعيد بن سالم البصري قال :
" سمعت أبا حنيفة يقول : لقيت عطاء بمكة فسألته عن شيء , فقال : من أين أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة , قال أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا , قلت : نعم , قال : فمن أي الأصناف أنت ؟ قلت : ممن لا يسب السلف ويؤمن بالقدر , ولا يكفر أحداً بذنب , قال فقال لي عطاء : عرفت فالزم " .16
وعن أبو مطيع قال :
" قال أبو حنيفة : دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين فقال لي : يا أبا حنيفة عمن أخذت العلم ؟
قال : قلت : عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس .
قال : فقال أبو جعفر : بخ بخ , استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة الطيبين الطاهرين المباركين " .17
   
شيوخه وتلاميذه ـ رحمه الله ـ
 تعلم الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ العلم على يد كثير من المشايخ والعلماء الثقات , ولعل أهمم " حماد بن سليمان " وهو شيخه الأول . . .
وتعلم العلم أيضاً من " عطاء بن أبي رباح " ، وهو أكبر شيخ له , وأفضلهم , على ما قال هو .
وأخذ العلم عن : الشعبي ، وعن جبلة بن سحيم ، وعدى بن ثابت ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعمرو بن دينار ، وأبي سفيان طلحة بن نافع ، ونافع مولى ابن عمر ، وقتادة ، وقيس بن مسلم ، وعون بن عبد الله بن عتبة ، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، ومحارب بن دثار ، وعبد الله بن دينار ، والحكم بن عتيبة ، وعلقمة بن مرثد ، وعلي بن الاقمر ، وعبد العزيز بن رفيع ، وعطية العوفي ، وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه.
وأيضاً : زياد بن علاقة ، وسلمة بن كهيل ، وعاصم بن كليب ، وسماك بن حرب ، وعاصم ابن بهدلة ، وسعيد بن مسروق ، وعبد الملك بن عمير ، وأبي جعفر الباقر ، وابن شهاب الزهري ، ومحمد بن المنكدر ، وأبي إسحاق السبيعي ، ومنصور ابن المعتمر ، ومسلم البطين ، ويزيد بن صهيب الفقير ، وأبي الزبير ، وأبي حصين الاسدي ، وعطاء بن السائب ، وناصح المحلمي ، وهشام بن عروة ، وخلق سواهم .
وحدث عنه خلق كثير , ذكر منهم " الحافظ المزي " في تهذيبه على المعجم وهم : إبراهيم بن طهمان عالم خراسان ، وأبيض بن الاغر بن الصباح المنقري ، وأسباط بن محمد ، وإسحاق الازرق ، وأسد بن عمرو البجلي ، وإسماعيل بن يحيى الصيرفي ، وأيوب بن هانئ ، والجارود بن يزيد النيسابوري ، وجعفر بن عون ، والحارث بن نبهان ، وحيان بن علي العنزي والحسن بن زياد اللؤلؤي ، والحسن بن فرات القزاز ، والحسين بن الحسن ابن عطية العوفي ، وحفص بن عبدالرحمن القاضي ، وحكام بن سلم ، وأبو مطيع الحكم بن عبد الله ، وابنه حماد بن أبي حنيفة ، وحمزة الزيات وهو من أقرانه وخارجة بن مصعب ، وداود الطائي ، وزفر بن الهذيل التميمي الفقيه , وزيد بن الحباب ، وسابق الرقي ، وسعد بن الصلت القاضي ، وسلم بن سالم البلخي وسليمان ابن عمرو النخعي ، وسهل بن مزاحم ، وشعيب بن إسحاق والصباح بن محارب ، والصلت بن الحجاج ، وأبو عاصم النبيل ، وعامر بن الفرات ، وعائذ ابن حبيب ، وعباد بن العوام ، وعبد الله بن المبارك ، وعبد الله بن يزيد المقرئ ، وأبو يحيى عبدالحميد الحماني ، و عبد الرزاق ، وعبد العزيز بن خالد ترمذي ، وعبد الكريم بن محمد الجرجاني ، و عبدالمجيد بن أبى رواد ، وعبيد الله بن الزبير القرشي ، وأبو نعيم ، والفضل بن موسى ، والقاسم بن الحكم العرني ، والقاسم بن معن ، وقيس بن الربيع ، ومحمد بن أبان العنبري كوفي ، ومحمد بن بشر ، ومحمد بن الحسن بن أتش ، والقاضي أبو يوسف وهو أكبر تلاميذه , والذي نشر علمه وفقهه " . 18
   

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الإمام أبو حنيفة النعمان Empty
مُساهمةموضوع: الإمام أبو حنيفة النعمان   الإمام أبو حنيفة النعمان I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 26, 2013 3:36 pm

علمه وفقهه ـ رحمه الله ـ
 كان الإمام ـ رحمه الله ـ أيه من آيات الله تعالى في علوم الفقه . وما يتعلق به . .
قوي الحجة ، سريع البديهه . . .
الناس عيال عليه في الفقه . . .
ولقد أسس ـ رحمه الله ـ مذهباً فقهياً خاصاً يسير عليه إلى الآن نسبة كبيرة من المسلمين خواصهم وعوامهم . . . .
ومذهبه ـ رحمه الله ـ أحد المذاهب الأربعة المتبوعة ، والتى يُرجع إليها في كافة القضايا التي تتعلق بالدين الإسلامي الحنيف .
عن أحمد بن الصباح قال :
" سمعت الشافعي قال : قيل لمالك : هل رأيت أبا حنيفة ؟
قال : نعم .
رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته " . 19
وعن ضرار بن صرد قال :
" سئل يزيد بن هارون : أيما أفقه , أبو حنيفة , أو سفيان ؟ قال : سفيان أحفظ
للحديث , وأبو حنيفة أفقه " . 20
وعن يحيى بن معين قال :
" كان أبو حنيفة ثقة , لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه ، ولا يحدث بما لا يحفظ " .21
وعن أحمد بن مزاحم قال :
" سمعت عبد الله بن المبارك يقول : رأيت أعبد الناس , ورأيت أورع الناس ورأيت أعلم الناس , ورأيت أفقه الناس , فأما أعبد الناس : فعبد العزيز بن أبي رواد , وأما أورع الناس : فالفضيل بن عياض , وأما أعلم الناس فسفيان الثوري , وأما أفقه الناس فأبو حنيفة , ثم قال : ما رأيت في الفقه مثله " . 22
وعن ابن داود قال :
" إذا أردت الآثار , أو قال : الحديث , وأحسبه قال : والورع فسفيان , وإذا أردت تلك الدقائق فأبو حنيفة " .23
وعن محمد بن بشر قال :
" كنت أختلف إلى أبي حنيفة وإلى سفيان , فآتى أبا حنيفة فيقول لي : من أين جئت ؟ فأقول : من عند سفيان , فيقول : لقد جئت من عند رجل لو أن علقمة والأسود ـ أحد علماء الإسلام ـ حضرا لاحتاجا إلى مثله . .
فأتي سفيان فيقول : من أين جئت ؟ فأقول : من عند أبي حنيفة , فيقول : لقد جئت من عند أفقه أهل الأرض " .24
وعن حرملة بن يحيى قال :
" سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : الناس عيال على هؤلاء الخمسة من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة ـ قال : وسمعته يعني الشافعي يقول : كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه ـ ومن أراد أن يتبحر في الشعر فهو عيال على زهير بن أبي سلمى , ومن أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق , ومن أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي , ومن أراد أن يتبحر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل بن سليمان " . 25
وعن محمد بن مقاتل قال :
" سمعت ابن المبارك قال : إن كان الأثر قد عرف واحتيج إلى الرأي فرأي مالك وسفيان وأبي حنيفة , وأبو حنيفة أحسنهم وأدقهم فطنة , وأغوصهم على الفقه , وهو أفقه الثلاثة " . 26
وعن النضر بن شميل قال :
" كان الناس نياماً عن الفقه , حتى أيقظهم أبو حنيفة , بما فتقه , وبينه , و
لخصه " . 27
وعن عن النضر بن محمد قال :
" دخل قتادة ـ عالم كبير ـ الكوفة , ونزل في دار أبي بردة , فخرج يوماً وقد اجتمع إليه خلق كثير , فقال قتادة : والله الذي لا إله إلا هو ما يسألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلا أجبته , فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطاب ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواماً , فظنت امرأته أن زوجها مات فتزوجت ثم رجع زوجها الأول , ما تقول في صداقها ؟ وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه : لئن حدث بحديث ليكذبن , ولئن قال برأي نفسه ليخطئن .
فقال قتادة : ويحك ! أوقعت هذه المسألة ؟
قال : لا , قال : فلم تسألني عما لم يقع ؟
قال أبو حنيفة : إنا نستعد للبلاء قبل نزوله , فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه .
قال قتادة : والله لا أحدثكم بشيء من الحلال والحرام , سلوني عن التفسير فقام إليه أبو حنيفة فقال : له يا أبا الخطاب ما تقول في قول الله عز وجل : { قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك } , قال : نعم هذا آصف بن برخيا بن شمعيا كاتب سليمان بن داود , كان يعرف اسم الله الأعظم .
فقال أبو حنيفة : هل كان يعرف الاسم سليمان ؟
قال : لا , قال : فيجوز أن يكون في زمن نبي من هو أعلم من النبي ؟
قال : فقال قتادة : والله لا أحدثكم بشيء من التفسير , سلوني عما اختلف فيه العلماء , قال : فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطاب أمؤمن أنت ؟
قال : أرجو .
قال : ولم لم تقل كما إبراهيم  : { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } , فقال أبو حنيفة : فهلا قلت كما قال إبراهيم  : { قال أولم تؤمن قال بلى } , فهلا قلت بلى .
قال : فقام قتادة مغضباً ودخل الدار وحلف أن لا يحدثهم " .28
وقال ابن شبرمة :
" كنت شديد الإزراء ـ التنقيص ـ على أبي حنيفة ، فحضرالموسم ـ الحج ـ وكنت حاجاً يومئذ ، فاجتمع إليه قوم يسألونه ، فوقفت من حيث لا يعلم من أنا فجاءه رجل فقال : يا أبا حنيفة قصدتك أسألك عن أمر أهمني وأزعجني , قال وما هو ؟ قال : لي ولد وليس لي غيره ، فإن زوجته طلق ، وإن سريته أعتق ـ وهبته جارية أعتقها ـ ، وقد عجزت عن هذا فهل من حيلة ؟
قال له : نعم , اشتر الجارية التي يرضاها لنفسه ثم زوجها منه ، فإن طلق رجعت إليك مملوكتك , وإن أعتق أعتق ما لايملك ، وإن ولدت ثبت نسبه لك فعلمت أن الرجل فقيه من يومئذ , وكففت عن ذكره إلا بخير " . 29
وعن عبد الرزاق قال :
" كنت عند معمر فأتاه بن المبارك فسمعنا معمراً يقول : ما أعرف رجلاً يحسن يتكلم في الفقه , أو يسعه , أو يقيس ويشرح لمخلوق النجاة في الفقه أحسن معرفة من أبي حنيفة , ولا أشفق على نفسه من أن يدخل في دين الله شيئا من الشك من أبي حنيفة " . 30
وعن الحسن بن زياد اللؤلؤي قال :
" كانت ها هنا امرأة يقال لها " أم عمران " مجنونة , وكانت جالسة في الكناسة , فمر بها رجل فكلمها بشيء فقالت له : يا ابن الزانيين , وابن أبي ليلى حاضر يسمع ذلك , فقال للرجل : أدخلها على المسجد وأقام عليها حدين , حدا لأبيه وحدا لأمه , فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال : أخطأ فيها في ستة مواضع , أقام الحد في المسجد ولا تقام الحدود في المساجد , وضربها قائمة والنساء يضربن قعوداً , وضرب لأبيه حداً ولأمه حداً , ولو أن رجلا قذف جماعة كان عليه حد واحد , وجمع بين حدين ولا يجمع بين حدين حتى يخف أحدهما , والمجنونة ليس عليها حد .
فبلغ ذلك بن أبي ليلى فدخل على الأمير فشكى إليه وحجرعلى أبي حنيفة وقال : لا يفتي , فلم يفتي أياماً حتى قدم رسول من ولي العهد فأمر أن يعرض على أبي حنيفة مسائل حتى يفتي فيها .
فأبي أبو حنيفة وقال : أنا محجور علي , فذهب الرسول إلى الأمير فقال الأمير : قد أذنت له فقعد فافتى " . 31
   
مناظراته ـ رحمه الله ـ
 مما اشتهر به الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ وعرف به أنه كان قوي الحجة فائق الذكاء ، لا يدانيه أحد في ذلك . . .
وكان يمتاز ـ رحمه الله ـ بمناظراته القوية لأهل الباطل والضلال , فكم من مبتدع ناظره وتغلب عليه . . .
وكم من زنديق مارق دحض حجته وتفوق عليه . . .
فلا يستطيع أحد أن يتفوق عليه في المناظرة ، وهذا لا شك نتاج علم وافر غزير تحلى به الإمام ـ رحمه الله ـ . . .
ولقد يسر الله لى أن أجمع بعض من هذه المناظرات من هنا وهناك ، وأن أقوم بذكرها في هذا الكتاب , حتى تستشعر معي أخي القارئ مدي علم هذا الإمام وذكائه , ومدى فضله ـ رحمه الله ـ . . .
يا إمام هل رأيت ربك ؟!
جاء زنديق إلى الإمام أبى حنيفة وقال : يا إمام : هل رأيت ربك ؟
قال الإمام : سبحان الله ، ربى لا تدركه الأبصار .
قال الزنديق : فهل سمعته ؟هل أحسسته ؟ هل شممته ؟ هل لمسته ؟
فقال الإمام : سبحان ربى ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .
فقال الزنديق : إن لم تكن رأيته ولا أحسسته ولا شممته ولا لمسته ، فكيف ثبت أنه موجود ؟
قال الإمام : هل رأيت عقلك ؟
قال : لا .
قال الإمام : فهل أحسست عقلك ؟
قال : لا
فقال الإمام : فهل سمعت عقلك ؟
قال : لا .
فقال الإمام : فهل لمست عقلك ؟
قال : لا .
فقال الإمام : أعاقل أنت أم مجنون ؟!
قال : الزنديق : بل عاقل !
فقال الإمام : فأين عقلك ؟
قال الزنديق : موجود .
فقال الإمام : كذلك الله موجود ، الله فوق كل شئ ، وليس تحته شئ ، وهو في كل شئ ـ بعلمه وإحاطته ـ ، لا كشئ في شئ ، وليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير . 32
هل يجوز ذلك في العقل ؟!
كان الإمام أبو حنيفة جالساً يوما في مجلسه ، إذ انقضت عليه فرقة من الزنادقة يريدون أن يقتلوه ، ولكن أبا حنيفة طلب إليهم في ذلك الموقف العصيب أن يجيبوه عن مسألة يعرضها عليهم ، ثم يفعلوا به ما يريدون .
قال لهم : أجيبوني عن مسألة ، ثم افعلوا ما شئتم .
قالوا له : هات .
قال أبو حنيفة : ما تقولون في رجل يقول لكم : إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال ، مملوءة بالأثقال ، قد احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة ، وهى من بينها تجرى مستوية ، ليس لها ملاح يجريها , ولا متعهد يدفعها ، هل يجوز ذلك في العقل ؟!
قالوا : لا ، هذا شئ لا يقبله العقل .
قال أبو حنيفة : يا سبحان الله ! إذا لم يجز في العقل أن تجرى سفينة في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر ، فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على أختلاف أحوالها ، وتغير أعمالها ، وسعة أطرافها ، وتباين أكنافها من غير صانع ولا حافظ ؟!
فلم يملكوا أمام هذا المنطق إلا أن يقولا : صدقت .
أتريد أن أزوج ابنتي من يهودي ؟!
يروى أن رجلاً من أهل الكوفة ، وكان ذا قدر في عيون بعض الناس ، وصاحب كلمة مسموعة لديهم ، وكان الرجل يزعم للناس فيما يزعمه لهم أن "عثمان بن عفان " كان يهوديا في أصله ، وأنه ظل على يهوديته بعد الإسلام أيضاً .
فلما سمع أبو حنيفة مقالته هذه مضى إليه وقال : لقد جئتك خاطباً ابنتك فلانة لأحد اصحابى.
فقال : أهلا بك ومرحباً ، إن مثلك لا ترد له حاجة يا أبا حنيفة ، ولكن من الخاطب ؟
فقال : رجل موسوم ـ معروف ـ بين قومه بالشرف والغنى ، سخي اليد ، مبسوط الكف ، حافظ لكتاب الله عز وجل ، يقوم الليل كله في ركعة ، كثير البكاء من خوف الله تعالى .
فقال الرجل : بخ بخ ، حسبك يا أبا حنيفة ، إن بعض ما ذكرته من صفات الخاطب , يجعله كفئاً لبنت أمير المؤمنين .
فقال أبو حنيفة : غير أن فيه خصلة لا بد من أن تقف عليها .
قال : وما هي ؟!
قال : إنه يهودي .
فانتفض الرجل وقال : يهودي ؟! ، أتريد أن أزوج ابنتي من يهودي يا أبا حنيفة ؟!
فقال أبو حنيفة : تأبى أن تزوج ابنتك من يهودي ، وتنكر ذلك أشد الإنكار ، ثم تزعم أن رسول الله  زوج ابنتيه كلتيهما من يهودي !!
فعرت الرجل رعدة وقال : أستغفر الله من قول سوئ قلته ، وأتوب إلى الله من فرية أفتريتها . 33
تب يا أبا حنيفة !
جاء أحد الخوارج واسمه " الضحاك الشاري " إلى أبى حنيفة ذات يوم وقال : تب يا أبا حنيفة !
فقال : مما أتوب ؟!
فقال الخارجي : من قولك بجواز التحكيم الذي جرى بين على وبين معاوية .
فقال أبو حنيفة : ألا تقبل أن تناظرني في هذا الأمر ؟
فقال الخارجي : بلى .
فقال أبو حنيفة : فإن اختلفنا في شئ مما نتناظر فيه ، من يحكم بيننا ؟
فقال الخارجي : حكم من تشاء .
فالتفت أبو حنيفة إلى رجل من أصحاب الخارجي كان معه ، وقال : احكم
بيننا فيما نختلف فيه . .
ثم قال للخارجي : أنا رضيت بصاحبك فهل ترى أنت به ؟
فسر الخارجي وقال : نعم .
فقال أبو حنيفة : ويحك ! أتجوز التحكيم فيما يشجر بيني وبينك ، وتنكره على اثنين من صحابة رسول الله  ؟!
فبهت الخارجي ، ولم يحر جواباً .
سل ما بدا لك
جاء جهم بن صفوان ـ رأس الفرقة الجهمية الضالة المبتدعة ـ ، وزارع الشر في أرض الإسلام ، جاء مرة أبا حنيفة وقال : لقد أتيتك لأكلمك في شئ هيأتها لك . .
فقال أبو حنيفة : الكلام معك عار ، والخوض فيما تذهب إليه نار تلظى .
فقال جهم : كيف حكمت على بما حكمت ، وأنت لم تلقني من قبل ، ولم تسمع كلامي ؟!
فقال أبو حنيفة : لقد بلغتني عنك أقاويل لا تصدر عن رجل من أهل القبلة .
فقال جهم : أتحكم على بالغيب ؟
فقال أبو حنيفة : لقد شهر ذلك عنك واستفاض ، وعرفته العامة والخاصة ، فجاز لي أن أثبته عليك بما تواتر عنك .
فقال جهم : أنا لا أريد أن أسألك إلا عن الإيمان .
فقال أبو حنيفة : أو لم تعرف الإيمان إلى هذه الساعة حتى تسألني عنه ؟!
فقال جهم : بلى ، ولكني شككت في نوع منه .
فقال أبو حنيفة : الشك في الإيمان كفر .
فقال جهم : لا يحل لك أن تصمني بالكفر , إلا إذا سعت منى ما يكفر .
فقال أبو حنيفة : سل ما بدا لك .
فقال جهم : أخبرني عن رجل عرف الله بقلبه ، وعلم أنه واحد لا شريك له ، ولا ند ، وعرف بصفاته ، وأنه ليس كمثله شئ ، ثم مات ولم يعلن الإيمان بلسانه ، أفيموت مؤمناً أم كافراً ؟
فقال أبو حنيفة : يموت كافراً ، ويكون من أهل النار ، إذا لم يصرح بلسانه عما عرفه بجنانه , ما لم يمنعه من التصريح باللسان مانع .
فقال جهم : كيف لا يكون مؤمناً ، وقد عرف الله حق معرفته ؟!
فقال أبو حنيفة : إن كنت تؤمن بالقرآن وتجعله حجة كلمتك به ، وإن كنت لا تؤمن بالقرآن ولا تراه حجة ، كلمتك بما نكلم من خالف الإسلام .
فقال جهم : بل أومن بالقرآن , وأجعله حجة .
فقال أبو حنيفة : إن الله تبارك و تعالى جعل الإيمان بجارحتين اثنتين , بالقلب واللسان لا بواحدة منهما ، وكتاب الله وحديث رسول الله  طافحن بتقرير ذلك ، قال تعالى : { َمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ } المائدة : 83،85 .
فهم عرفوا الحق بجنابهم ، ونطقوا به بلسانهم ، فأدخلهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار .
وقال تعالى : { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } البقرة : 136 .
فأمرهم بالقول ، ولم يكتف منهم بالمعرفة والعلم .
وقال  : " قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " .
فلم يجعل الفلاح بالمعرفة وحدها ، وإنما ضم إليها القول .
ولو كان القول لا يحتاج إليه ، ويكتفي بالمعرفة من دونه لكان إبليس مؤمناً ، لأنه عارف بربه ، فهو يعلم أنه هو الذي خلقه ، وهو الذي يميته ، وهو الذي يبعثه ، وهو الذي أغواه .
قال تعالى على لسانه : { خلقتني من نار وخلقته من طين } .
ولو كان ما تزعمه صحيحاً ، لكان كثير من الكفار مؤمنين بمعرفتهم لربهم مع إنكارهم له بلسانهم ، قال تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } النمل : 14.
ومضى أبو حنيفة يتدفق على هذا النسق تارة بالقرآن ، وأخرى بالحديث حتى بدا الانبهار والخذلان على وجه " جهم " ، وانسل من بيد يدي أبى حنيفة وهو يقول : لقد أذكرتني شيئاً كنت ناسيه ، وسأرجع إليك ، ثم مضى إلى غير عودة . 34
   
ذكائه وفطنته ـ رحمه الله ـ
 كما قلنا عرف الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ بذكاء حاد ، وبفطنه بالغة وهذا ملاحظ من ما سبق في مناظراته مع أهل البدع والضلال . . . .
ولقد عقد الإمام ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في كتابه : " الأذكياء " فصل خاص بالإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ يظهر فيه مدي فطنه الإمام , ومدي ذكائه في مواجهه المواقف التى تعرض له . . .
فعن محمد بن شجاع قال :
" سمعت علي بن عاصم يقول : لو وزن عقل أبي حنيفة بعقل نصف أهل الأرض لرجح بهم " . 35
وها هي لمحات صغيرة من ذكاء الإمام وفطنته ـ رحمه الله ـ : . .
عن أبي يوسف القاضي ـ رحمه الله ـ قال :
" دعا أبو جعفر المنصور أبا حنيفة ، فقال الربيع صاحب المنصور ـ وكان يعادي أبا حنيفة ـ : يا أمير المؤمنين ، هذا أبو حنيفة يخالف جدك ، كان عبد الله بن عباس  يقول : " إذا حلف على اليمين ثم استثنى بعد ذلك بيوم أو بي ومين جاز الإستثناء " وقال أبو حنيفة : لا يجوز الاستثناء إلا متصلاً باليمين .
فقال أبو حنيفة : يا أميرالمؤمنين ، إن الربيع يزعم أنه ليس لك في رقاب جندك بيعة ، قال : وكيف ؟ قال : يحلفون لك ثم يرجعون إلى منازلهم فيستثنون فتبطل أيمانهم ، فضحك المنصور وقال : يا ربيع ، لا تتعرض لأبي حنيفة.
فلما خرج أبو حنيفة قال له الربيع : أردت أن تشيط بدمي ، قال : لا ، ولكنك أردت أن تشيط بدمي فخلصتك وخلصت نفسي " .36 .
وكان أبو العباس الطوسي سيء الرأي في أبي حنيفة ، وكان أبو حنيفة يعرف ذلك ، فدخل أبو حنيفة على المنصور " الخليفة " ، وكثر الناس ، فقال الطوسي : اليوم أقتل أبا حنيفة ، فأقبل عليه فقال : يا أبا حنيفة ، إن أمير المؤمنين يدعو الرجل فيأمره بضرب عنق الرجل لا يدري ما هو ، أيسعه أن يضرب عنقه ؟
فقال : يا أبا العباس , أمير المؤمنين يأمر بالحق أم الباطل ؟
فقال : بالحق ، قال : أنقذ الحق حيث كان ولا تسأل عنه , ثم قال أبو حنيفة لمن قرب منه : إن هذا أراد أن يوثقني فربطته " . 37
وعن محمد بن الحسن قال :
" دخل اللصوص على رجل فأخذوا متاعه واستحلفوه بالطلاق ثلاثاً أن لا يعلم أحداً , قال : فأصبح الرجل وهو يرى اللصوص يبيعون متاعه وليس يقدر أن يتكلم من أجل يمينه , فجاء الرجل يشاور أبا حنيفة , فقال له أبو حنيفة أحضرني أمام حيك والمؤذن والمستورين منهم , فأحضره إياهم , فقال لهم أبو حنيفة : هل تحبون أن يرد الله على هذا متاعه ؟
قالوا : نعم , قال : فاجمعوا كل ذي فاجر عندكم وكل متهم , فأدخلوهم في دار أو في مسجد , ثم أخرجوا واحداً واحداً فقولوا : هذا لصك , فإن كان ليس بلصه , وإن كان لصه فليسكت , فإذا سكت فاقبضوا عليه , ففعلوا ما أمرهم به أبو حنيفة فرد الله عليه جميع ما سرق منه " . 38
وعن يحيى بن معين قال :
" دخل الخوارج مسجد الكوفة , وأبو حنيفة وأصحابه جلوس , فقال أبو حنيفة : لا تبرحوا , فجاؤوا حتى وقفوا عليهم فقالوا لهم : ما أنتم ؟
فقال أبو حنيفة : نحن مستجيرون , فقال أمير الخوارج : دعوهم وأبلغوهم مأمنهم , واقرؤوا عليهم القرآن , فقرؤوا عليهم القرآن وأبلغوهم مأمنهم " . 39
وعن يحيى بن جعفر قال :
" سمعت أبا حنيفة يقول : احتجت إلى ماء بالبادية فجاءني أعرابي ومعه قربة من ماء فأبى أن يبيعها إلا بخمسة دراهم , فدفعت إليه خمسة دراهم وقبضت القربة , ثم قلت : يا أعرابي ما رأيك في السويق ؟
فقال : هات , فأعطيته سويقاً ملتوياً بالزيت فجعل يأكل حتى امتلأ ثم عطش فقال : شربة , قلت : بخمسة دراهم , فلم أنقصه من خمسة دراهم على قدح من ماء , فاستردت الخمسة وبقي معي الماء " . 40
وحكى الحسن بن زياد قال :
" دفن رجل مالاً في موضع ، ثم نسي في أي موضع دفنه فلم يقع عليه ، فجاء إلى أبي حنيفة فشكا إليه , فقال له أبو حنيفة : ما هذا فقه فأحتال لك ، ولكن اذهب فصل الليلة .
ففعل الرجل ، ولم يقم إلا أقل من ربع الليل حتى ذكر الموضع ، فجاء إلى أبي حنيفة فأخبره .
فقال له : قد علمت أن الشيطان لا يدعك تصلي حتى يذكرك ، فهلا أتممت ليلتك شكراً لله عزوجل " .41
وعن ابن الوليد قال :
" كان في جوار أبي حنيفة فتى يعتني مجلس أبي حنيفة ويكثر الجلوس عنده فقال يوماً لأبي حنيفة : أني أريد التزويج إلى فلان من أهل الكوفة , وقد خطبت إليهم وقد طلبوا مني من المهر فوق وسعي وطاقتي , وقد تعلقت نفسي بالتزويج .
فقال أبو حنيفة : فاستخر الله تعالى وأعطهم ما يطلبونه منك , فأجابهم إلى ما طلبوه , فلما عقدوا النكاح بينهم وبينه جاء إلى أبي حنيفة فقال له : أني قد سألتهم أن يأخذوا مني البعض وليس في وسعي الكل وقد أبوا أن يحملوها إلا بعد وفاء الدين كله فماذا ترى ؟
قال : احتل واقترض حتى تدخل بأهلك , فإن الأمر يكون أسهل عليك من تشدد هؤلاء القوم , ففعل ذلك واقرضه أبو حنيفة فيمن اقرضه , فلما دخل بأهله وحملت إليه قال أبو حنيفة : ما عليك أن تظهر أنك تريد الخروج عن هذا البلد إلى موضع بعيد وأنك تريد أن تسافر بأهلك معك , فاكترى الرجل جملين وجاء بهما وأظهر أنه يريد الخروج إلى خراسان في طلب المعاش , وأنه يريد حمل أهله معه , فاشتد ذلك على أهل المرأة وجاؤوا إلى ابن حنيفة ليسألوه ويستعينوه في ذلك , فقال لهم أبو حنيفة : له أن يخرجها إلى حيث شاء .
قالوا له : ما يمكننا أن ندعها تخرج , فقال لهم أبو حنيفة : فأرضوه بأن تردوا عليه ما أخذتموه منه , فأجابوه إلى ذلك , فقال أبو حنيفة للفتى : أن القوم قد سمحوا أن يردوا عليك ما أخذوه منك من المهر ويبرؤك منه , فقال له الفتى وأنا أريد منهم شيئاً آخر فوق ذلك , فقال أبو حنيفة : أيما أحب إليك أن ترضى بهذا الذي بذلوه لك , وإلا أقرت المرأة لرجل يدين لا يمكنك أن تحملها ولا تسافر بها حتى تقضي ما عليها من الدين , قال : فقال الرجل : الله الله لا يسمعوا بهذا فلا آخذ منهم شيا فأجاب إلى الجلوس وأخذ ما بذلوه من المهر" 42.
   
عبادته واجتهاده ـ رحمه الله ـ
 كان الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ كثير الاجتهاد في العبادة . . .
تالياً لكتاب الله جل وعلا . . . .
قوام بالليل ، صوام بالنهار . . . .
فعن أسد بن عمرو قال :
" صلى أبو حنيفة فيما حفظ عليه صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة فكان عامة الليل يقرأ جميع القرآن في ركعة واحدة , وكان يسمع بكاؤه بالليل حتى يرحمه جيرانه , وحفظ عليه أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعين ألف مرة " . 43
وقال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ :
" وروى بشر بن الوليد عن القاضي أبي يوسف قال : بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلا يقول لآخر : هذا أبو حنيفة لا ينام الليل .
فقال أبو حنيفة : والله لا يُتحدث عني بما لم أفعل .
فكان يحيى الليل صلاة وتضرعا ودعاء .
وقد روى من وجهين : أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة " .44
وعن يحيى بن عبدالحميد الحماني عن أبيه :
" أنه صحب أبا حنيفة ستة أشهر قال : فما رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة ، وكان يختم كل ليلة عند السحر " .45
وقال أبو عاصم النبيل :
" كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته " .
وعن القاسم بن معن :
" أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى : { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } القمر : 46 , ويبكي ويتضرع إلى الفجر " .46
وقال يزيد بن الكميت :
" كان أبو حنيفة شديد الخوف من الله تعالى ، فقرأ بنا علي بن الحسن المؤذن ليلة العشاء الأخيرة سورة { إذا زلزلت } , وأبو حنيفة خلفه ، فلما قضى الصلاة وخرج الناس نظرت إلى أبي حنيفة وهو جالس يتفكر ويتنفس ، فقلت : أقوم لا يشتغل قلبه بي ، فلما خرجت تركت القنديل ولم يكن فيه إلا زيت قليل ، فجئت وقد طلع الفجر وهو قائم وقد أخذ بلحية نفسه ، وهو يقول : يا من يجزي بمثقال ذرة خيرً خيراً ، ويا من يجزي بمثقال ذرة شر شراً ، أجر النعمان عبدك من النار ، ومما يقرب منها من السوء ، وأدخله في سعة رحمتك.
قال : فأذنت , وإذا القنديل يزهر وهو قائم ، فلما دخلت قال لي : تريد أن تأخذ القنديل ؟ قلت : قد أذنت لصلاة الغداة ، فقال : اكتم علي ما رأيت ، وركع ركعتين , وجلس حتى أقمت الصلاة , وصلى معنا الغداة على وضوء أول الليل " . 47
وعن مسعر بن كدام قال :
" دخلت ذات ليلة المسجد , فرأيت رجلاً يصلي , فاستمليت قراءته فقرأ سبعاً , فقلت يركع , ثم قرأ الثلث ثم النصف فلم يزل يقرأ القرآن حتى ختمه كله في ركعة , فنظرت فإذا هو أبو حنيفة " .48
وعن عن أبي معاذ عن مسعر بن كدام قال :
" أتيت أبا حنيفة في مسجده , فرأيته يصلى الغداة ثم يجلس للناس في العلم إلى أن يصلي الظهر , ثم يجلس إلى العصر , فإذا صلى العصر جلس إلى المغرب , فإذا صلى المغرب جلس إلى أن يصلى العشاء , فقلت في نفسي : هذا الرجل في هذا الشغل متى يتفرغ للعبادة لأتعاهدنه الليلة .
قال : فتعاهدته , فلما هدأ الناس خرج إلى المسجد فانتصب للصلاة إلى أن طلع الفجر ودخل منزله ولبس ثيابه وخرج إلى المسجد وصلى الغداة , فجلس للناس إلى الظهر ثم إلى العصر ثم إلى المغرب ثم إلى العشاء , فقلت في نفسي أن الرجل قد تنشط الليلة لأتعاهدنه الليلة , فتعاهدته فلما هدأ الناس خرج فانتصب للصلاة , ففعل كفعله في الليلة الأولى , فلما أصبح خرج إلى الصلاة وفعل كفعله في يوميه , حتى إذا صلى العشاء قلت في نفسي : أن الرجل لينشط الليلة والليلة لأتعاهدنه الليلة , ففعل كفعله في ليلتيه , فلما أصبح جلس كذلك , فقلت في نفسي : لألزمنه إلى أن يموت أو أموت , قال : فلازمته في مسجده .
قال بن أبي معاذ : فبلغني أن مسعراً مات في مسجد أبي حنيفة في سجوده " 49
وعن خارجة بن مصعب قال :
" ختم القرآن في الكعبة أربعة من الأئمة : عثمان بن عفان , وتميم الداري وسعيد بن جبير , وأبو حنيفة " . 50
وعن أحمد بن يونس قال :
" سمعت زائدة يقول : صليت مع أبي حنيفة في مسجده عشاء الآخرة وخرج الناس ولم يعلم أني في المسجد , وأردت أن أسأله عن مسألة من حيث لا يراني أحد , قال : فقام فقرأ وقد افتتح الصلاة حتى بلغ إلى هذه الآية : { فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم } , فأقمت في المسجد أنتظر فراغه , فلم يزل يرددها حتى أذن المؤذن لصلاة الفجر " . 51
وعن أبي الجورية قال :
" صحبت حماد بن أبي سليمان , ومحارب بن دثار , وعلقمة بن مرثد وعون بن عبد الله , وصحبت أبا حنيفة , فما كان في القوم رجل أحسن ليلاً من أبي حنيفة , لقد صحبته أشهراً فما منها ليلة وضع فيها جنبه " .52
وعن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة عن أبيه قال :
" لما مات أبي سألنا الحسن بن عمارة أن يتولى غسله ففعل , فلما غسله قال رحمك الله وغفر لك , لم تفطر منذ ثلاثين سنة , ولم يتوسد يمينك بالليل منذ أربعين سنة , وقد أتعبت من بعدك وفضحت القراء " . 53
   
تقواه وورعه ـ رحمه الله ـ
كان الإمام أبوحنيفة ـ رحمه الله ـ تاجراً أميناً ورعاً ، و كان يبيع القماش , و استمرت معه المهنة ، حتى أثر عنه بعدها من حرصه على الكسب الحلال أن كان يقول : " أفضل المال الكسب من الحلال , وأطيب ما يأكله المرء من عمل يده " .
و نقف هنا مع هذا التاجر الصدوق لنستعرض أمانته وتقواه في تجارته ، وفي معاملته مع الناس . . . .
فقد روي : أنه جاءته امرأة بثوب من الحرير تبيعه له , فقال : كم ثمنه ؟ قالت : مئة ، فقال : هو خير من مئة ، يعنى هو من يقول لها ارفعى الثمن فهو يستحق أكثر و لا يستغل الفرصة كتاجر ! ـ
فقالت : مئتين ، فقال : هو خير من ذلك ، حتى وصلت إلى أربع مئة , فقال هو خير من ذلك ، قالت : أتهزأ بي ؟
فجاء برجل فاشتراه بخمسمائة , يعنى هو من جاءها بالمشترى ابتغاء مرضاة الله , و لم يأخذ نسبة على الوساطة .
وعن جعفر بن عون العمري قال :
" أتت امرأة أبا حنيفة تطلب منه ثوب خز ـ حرير ـ , فأخرج لها ثوباً , فقالت له : إني امرأة ضعيفة , وإنها أمانة فبعني هذا الثوب بما يقوم عليك , فقال : خذيه بأربعة دراهم , فقالت : لا تسخر بي وأنا عجوز كبيرة , فقال : أني اشتريت ثوبين , فبعت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم فبقي هذا الثوب علي بأربعة دراهم " .54
وعن علي بن حفص البزاز قال :
" كان حفص بن عبد الرحمن شريك أبي حنيفة , وكان أبو حنيفة يجهز عليه فبعث إليه في رفقة بمتاع , وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيباً , فإذا بعته فبين عيبه , فباع حفص المتاع ونسي أن يبين عيبه , ولم يعلم ممن باعه , فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله " . 55
وعن مليح بن وكيع قال :
" حدثنا أبي قال : كان أبو حنيفة قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إلا تصدق بدرهم , فحلف فتصدق به , ثم جعل على نفسه إن حلف ان يتصدق بدينار , فكان إذا حلف صادقاً في عرض الكلام تصدق بدينار وكان إذا انفق على عياله نفقة تصدق بمثلها , وكان إذا اكتسى ثوباً جديداً كسى بقدر ثمنه الشيوخ العلماء , وكان إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه فوضعه على الخبز حتى يأخذ منه بقدر ضعف ما كان يأكل , فيضعه على الخبز ثم يعطيه انساناً فقيراً , فإن كان في الدار من عياله إنسان يحتاج إليه دفعه إليه وإلا أعطاه مسكيناً " .56
وعن مغيث بن بديل قال :
" قال خارجة بن مصعب : أجاز المنصور أبا حنيفة بعشرة آلاف درهم فدعى ليقبضها , فشاورني وقال : هذا رجل إن رددتها عليه غضب , وإن قبلتها دخل علي في ديني ما أكره , فقلت : إن هذا المال عظيم في عينه فإذا دعيت لتقبضها فقل : لم يكن هذا أملي من أمير المؤمنين .
فدعى ليقبضها , فقال ذلك : فرفع إليه خبره فحبس الجائزة , قال : فكان أبو حنيفة لا يكاد يشاور في أمره غيري " . 57
وعن محمد بن أبي عبد الرحمن المسعودي عن أبيه قال :
" ما رأيت أحسن أمانة من أبي حنيفة , مات يوم مات وعنده ودائع بخمسين ألفا ما ضاع منها ولا درهم واحد " .
وعن يوسف السمتي :
" أن أبا جعفر المنصور أجاز أبا حنيفة بثلاثين ألف درهم في دفعات , فقال يا أمير المؤمنين إني ببغداد غريب وليس لها عندي موضع فاجعلها في بيت المال , فأجابه المنصور إلى ذلك , قال : فلما مات أبو حنيفة أخرجت ودائع الناس من بيته , فقال المنصور خدعنا أبو حنيفة " .58
وعن مليح بن وكيع قال :
" سمعت أبي يقول : كان والله أبو حنيفة عظيم الأمانة , وكان الله في قلبه جليلاً كبيراً عظيماً , وكان يؤثر رضاء ربه على كل شيء ولو أخذته السيوف
في الله لأحتمل , رحمه الله ورضي عنه رضى الأبرار فلقد كان منهم " .59
وعن يزيد بن كميت :
" أنه سمع رجلا يقول لأبي حنيفة : اتق الله ، فانتفض , واصفر، وأطرق ، وقال : جزاك الله خيراً " .60
وعن عبد الله بن صهيب الكلبي قال :
كان أبو حنيفة النعمان بن ثابت يتمثل كثيراً بهذه الأبيات :
عطاء ذي العرش خير من عطائكم وسيبه واسع يرجي وينتظــــــــــــر
أنتم يكدر ما تعطون منكــــــــــــــم والله يعطي بلا من ولا كـــــــــــــدر 61

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الإمام أبو حنيفة النعمان Empty
مُساهمةموضوع: الإمام أبو حنيفة النعمان   الإمام أبو حنيفة النعمان I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 26, 2013 3:38 pm

أخلاقه ـ رحمه الله ـ
 كما تحلى الإمام ـ رحمه الله ـ بالتقوي والورع تحلى أيضاً بمكارم الأخلاق ومعاليها ، فكان سمحاً إذا باع وإذا اشتري ، معطاء يكرم أهل العلم والعلماء ، وينفق عليهم ابتغاء وجه الله تعالى . . .
متواضعاً لأصحابه ورفاقه وكافة الناس , على الرغم من علمه ومكانته عند الخلق . . .
فعن عبد الله ابن المبارك قال :
" رأيت أبا حنيفة في طريق مكة ، وشوي لهم فصيل سمين ، فاشتهوا أن يأكلوه بخل فلم يجدوا شيئاً يصبون فيه الخل فتحيروا ، فرأيت أبا حنيفة وقد حفر في الرمل حفرة وبسط عليها السفرة ، وسكب الخل على ذلك الموضع ، فأكلوا الشواء بالخل , فقالوا : تحسن كل شيء , فقال : عليكم بالشكر ، فإن هذا شيء ألهمته لكم فضلاً من الله عليكم " . 62
وقال علي بن عاصم :
" دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذه من شعره ، فقال للحجام : تتبع مواضع البياض ، فقال الحجام : لا تزد ، فقال : ولم ؟ قال : لأنه يكثر ، قال فتتبع مواضع السواد لعله يكثر ، وحكيت لشريك هذه الحكاية فضحك وقال :
لو ترك أبو حنيفة قياسه لتركه مع الحجام " .63
وعن الحسن بن الربيع قال :
" كان قيس بن الربيع يحدثني عن أبي حنيفة : انه كان يبعث بالبضائع إلى بغداد فيشتري بها الأمتعة ويحملها إلى الكوفة , ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم وكسوتهم وجميع حوائجهم , ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم , فيقول : أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا الله , فإني ما أعطيتكم من مالي شيئاً , ولكن من فضل الله علي فيكم , وهذه أرباح بضائعكم فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره " . 64
وقال عبد الله بن رجاء :
" كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف ـ يصلح الأحذية ـ يعمل نهاره أجمع ، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله ، وقد حمل لحماً فطبخه أو سمكة فيشويها ثم لا يزال يشرب ، حتى إذا دب الشراب فيه غرد بصوت وهو يقول :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغــــــــــر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم ، وكان أبو حنيفة يسمع جلبته كل ليلة ، وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله ، ففقد أبو حنيفة صوته فسأل عنه ، فقيل : أخذه العسس ـ الشرطة ـ منذ ليال وهو محبوس ، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غدٍ ، وركب بغلته ، واستأذن على الأمير ، فقال الأمير ايذنوا له وأقبلوا به راكباً ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط ببغلته ، ففعل ، ولم يزل الأمير يوسع له في مجلسه ، وقال : ما حاجتك ؟
فقال : لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليال ، يأمر الأمير بتخليته ، فقال : نعم ، وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا ، فأمر بتخليتهم أجمعين ، فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه وقال يا فتى أضعناك .
فقال : لا ، بل حفظت ورعيت جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار ورعاية الحق ، وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان عليه " .65
وعن الحسن بن زياد قال :
" رأى أبو حنيفة على بعض جلسائه ثياباً رثة , فأمره فجلس حتى تفرق الناس وبقي وحده فقال له : ارفع المصلى وخذ ما تحته , فرفع الرجل المصلى فكان تحته ألف درهم , فقال له : خذ هذه الدراهم فغير بها من حالك .
فقال الرجل : إني موسر ـ غني ـ وأنا في نعمة ولست أحتاج إليها , فقال له أما بلغك الحديث إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده , فينبغي لك أن تغير حالك حتى لا يغتم بك صديقك " . 66
وعن حفص بن حمزة القرشي قال :
" كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة , فإذا قام سأل عنه , فإن كانت به فاقة ـ فقر ـ وصله , وإن مرض عاده حتى يجره إلى مواصلته , وكان أكرم الناس مجالسة " .67
وعن أبو سعيد الكندي قال :
" كان أبو حنيفة يبيع الخز فجاءه رجل فقال : يا أبا حنيفة قد احتجت إلى ثوب خز , فقال : ما لونه ؟
فقال : كذا وكذا , فقال له : اصبر حتى يقع وآخذه لك ان شاء الله .
قال : فما دارت الجمعة حتى وقع فمر به الرجل , فقال له أبو حنيفة : قد وقعت حاجتك , قال : فاخرج إليه الثوب فأعجبه , فقال : يا أبا حنيفة كم أزن للغلام ؟ قال : درهما .
قال : يا أبا حنيفة ما كنت أظنك تهزأ .
قال : ما هزأت , إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهم , وإني بعت أحدهما بعشرين دينارا وبقى هذا بدرهم وما كنت لأربح على صديق " .68
وعن مساور الوراق قال :
كنا من الدين قبل اليوم في سعـــة حتى ابتلينا بأصحاب المقاييــــــــــس
قاموا من السوق إذ قلت مكاسبهم فاستعملوا الرأي عند الفقر والبـــؤس
أما العريب فأمسوا لا عطاء لهــم وفي الموالي علامات المغاليـــــــــس
فلقيه أبو حنيفة فقال : هجوتنا , نحن نرضيك فبعث إليه بدراهم فقال :
إذا ما أهل مصر بادهونـــــــــا بداهية من الفتيا لطيفـــــــــــــــــة
أتيناهم بمقياس صحيــــــــــــح صليب من طراز أبي حنيفــــــــة
إذا سمع الفقيه به حواه وأثبتـــه بحبر في صحيفــــــــــــــــــــــــة69
   
شجاعته وجرأته ـ رحمه الله ـ
 كان ـ رحمه الله ـ شجاعاً , جريئاً في الحق . . .
لا يخشي في الله لومة لائم . . .
فكم تصدي لكثير من ضلالات المفترين . . . .
وكم وقف أمام شبهات المشككين . . .
وكم من مرة وقف أمام الخيلفة المنصور وصدع بالحق أمامه دون خوف أو مهابة , أو وجل . . .
فعن ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ قال :
" انتفض أهل الموصل على أبي جعفر المنصور , وقد اشترط المنصور عليهم أنهم إن انتفضوا تحل دماؤهم له , فجمع المنصور الفقهاء وفيهم الإمام أبو حنيفة .
فقال : أليس صحيحاً أنه  قال : " المؤمنون عند شروطهم " , وأهل الموصل قد شرطوا ألا يخرجوا علي , وقد خرجوا على عاملي وقد حلت دماؤهم .
فقال رجل منهم : يدك مبسوطة عليهم , وقولك مقبول فيهم , فإن عفوت فأنت أهل العفو , وإن عاقبت فبما يستحقون .
فقال لأبي حنيفة : ما تقول أنت يا شيخ ؟ ألسنا في خلافة نبوة وبيت أمان؟.
فأجاب : إنهم شرطوا لك ما لا يملكون ـ وهو استحلال دمائهم ـ وشرطت عليهم ما ليس لك , لأن دم المسلم لا يحل إلا بأحد معان ثلاث ـ الحديث ـ .
فأمرهم المنصور بالقيام فتفرقوا فدعاه وحده .
فقال : يا شيخ , القول ما قلت , انصرف الى بلادك ولا تفت الناس بما هو شين على أمامك فتبسط أيدي الخوارج " .70
وروي أنه وقع يوماً بين الخليفة المنصور وزوجته شقاق وخلاف بسبب ميله عنها ، فطلبت منه العدل فقال لها : من ترضين في الحكومة بيني وبينك ؟
قالت : أبا حنيفة ، فرضي هو به فجاءه فقال له : يا أبا حنيفة زوجتي تخاصمني فانصفني منها .
فقال له أبو حنيفة : لِيتكلم أمير المؤمنين .
فقال المنصور : كم يحل للرجال أن يتزوج من النساء ؟
قال : أربع .
قال المنصور لزوجته : أسمعتِ .
فقال أبو حنيفة : يا أمير المؤمنين إنما أحل الله هذا لأهل العدل , فمن لم يعدل أو خاف أن لا يعدل فواحدة لقوله تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} النساء : 3 ، فينبغي لنا أن نتأدب مع الله و نتعظ بمواعظه .
فسكت المنصور وطال سكوته ، فقام أبو حنيفة وخرج فلما بلغ منزله أرسلت إليه زوجة المنصور خادماً ومعه مال وثياب ، فردها وقال : أقرئها السلام وقل لها إنما ناضلت عن ديني , وقمت بذلك المقام لله ولم أرد بذلك تقرباً إلى أحد ولا التمستُ به دنيا .
   
محنته ـ رحمه الله ـ
تعرض الإمام أبي حنيفة لمحنة عصيبة مع الخليفة المنصور , ومع " ابن هبيرة " , وكان ابن هبيرة والياً بالكوفة ، حيث ظهرت الفتن بالعراق ، فجمع فقهاءها ببابه , و فيهم ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود بن أبي هند ، فولى كل واحد منهم صدراً من عمله , وأرسل إلى أبي حنيفة طالباً جعل الخاتم في يده , ولا يُنفذ كتاب إلا من تحت يده , ولا يخرج من بيت المال شيء إلا من تحت يده .
و كان إخضاع أبي حنيفة قهراً أو إغراء . .
فامتنع الإمام وقال : لو أرادني أن أعد له أبواب ماجد واسط لما فعلت!
وعن مغيث بن بديل قال :
دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع ، فقال : أترغب عما نحن فيه ؟
فقال : لا أصلح .
قال : كذبت .
قال : فقد حكم أمير المؤمنين علي أني لا أصلح ، فإن كنت كاذباً ، فلا أصلح وإن كنت صادقاً ، فقد أخبرتكم أني لا أصلح ، فحبسه .
وعن الربيع الحاجب قال :
" وفيها قال أبو حنيفة : والله ما أنا بمأمون الرضى , فكيف أكون مأمون الغضب ؟ فلا أصلح لذلك .
قال المنصور: كذبت , بل تصلح .
فقال : كيف يحل أن تولي من يكذب ؟! " .
وقال الفقيه أبو عبد الله الصيمري :
" لم يقبل العهد بالقضاء ، فضرب وحبس ، ومات في السجن " . 71
وعن عباس الدوري قال :
" حدثونا عن المنصور أنه لما بنى مدينته ونزلها , ونزل المهدي في الجانب الشرقي وبنى مسجد الرصافة , أرسل إلى أبي حنيفة فجيئ فعرض عليه قضاء الرصافة فأبى .
فقال له : إن لم تفعل ضربتك بالسياط .
قال : أو تفعل ؟
قال : نعم , فقعد في القضاء يومين , فلم يأته أحد , فلما كان في اليوم الثالث أتاه رجل صفار ومعه آخر , فقال الصفار : لي على هذا درهمان وأربعة دوانيق بقية ثمن تور صفر .
فقال أبو حنيفة : اتق الله وانظر فيما يقول الصفار , قال : ليس له علي شيء فقال أبو حنيفة للصفار : ما تقول ؟
قال : استحلفه لي .
فقال أبو حنيفة للرجل : قل والله الذي لا إله إلا هو .
فجعل يقول , فلما رآه أبو حنيفة معزماً على أن يحلف قطع عليه وضرب بيده إلى كمه فحل صرة وأخرج درهمين ثقيلين , فقال للصفار : هذان الدرهمان عوض من باقي تورك , فنظر الصفار إليهما وقال : نعم , فأخذ الدرهمين .
فلما كان بعد يومين اشتكى أبو حنيفة فمرض ستة أيام ثم مات " .72
   
ثناء الناس عليه ـ رحمه الله ـ
عن يس بن الربيع قال :
" كان أبو حنيفة رجلاً ورعاً فقيهاً محسوداً , وكان كثير الصلة والبر لكل من لجأ إليه , كثير الأفضال على إخوانه , قال : وسمعت قيساً يقول : كان النعمان بن ثابت من عقلاء الرجال " . 73
وعن أبي يوسف قال :
" قال لي هارون الرشيد : صف لي أبا حنيفة , فقلت : كان والله شديد الذب عن محارم الله ، طويل الصمت ، دائم الفكر ، لم يكن مهداراً ولا ثرثاراً ، صائنا لدينه ونفسه ، مشتغلاً بما هو فيه عن الناس ، ولا يذكر أحداً إلا بخير .
فقال هارون : هذه والله أخلاق الصالحين " .74
وعن عبد الله بن المبارك قال :
" لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان ، كنت كسائر الناس " . 75
وعن حجر بن عبد الجبارقال :
" قيل للقاسم بن معن : ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة ؟
قال : ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة " 76. .
وعن عن قيس بن الربيع قال :
" كان أبو حنيفة ورعا , تقيا ، مفضلا على إخوانه " .
وعن عبد الله بن داود الخريبي قال :
" يجب على أهل الإسلام أن يدعوا الله لأبي حنيفة في صلاتهم , قال : و
ذلك لحفظه عليهم السنن والفقه " .77
وعن يزيد بن هارون قال :
" أدركت الناس فما رأيت أحدا أعقل ولا أفضل ولا أورع من أبي حنيفة , وعن محمد بن عبد الله الأنصاري قال : كان أبو حنيفة يتبين عقله في منطقه ومشيه , ومدخله , ومخرجه " . 78
وعن ابن المبارك قال :
" ما كان أوقر مجلس أبي حنيفة , كان يشبه الفقهاء , وكان حسن السمت حسن الوجه , حسن الثوب , ولقد كنا يوماً في مسجد الجامع فوقعت حية فسقطت في حجر أبي حنيفة وهرب الناس غيره , فما رأيته زاد على أن نفض الحية وجلس مكانه " . 79
وقال ابن المبارك أيضاً :
" قلت لسفيان الثوري : يا أبا عبد الله ، ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة ، ما سمعته يغتاب عدواً له قط ، فقال : هو أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهبها " .80
وعن ابن المبارك قال :
" كان أبو حنيفة آية , فقال له قائل : في الشر يا أبا عبد الرحمن أو في الخير؟
فقال : اسكت يا هذا , فإنه يقال : غاية في الشر , وآية في الخير , ثم تلا هذه الآية : { وجعلنا بن مريم وأمه آية } .81
وعن هلال بن مزاحم قال :
" بذلت الدنيا لأبي حنيفة فلم يردها وضرب عليها بالسياط فلم يقبلها " .82
وعن الحماني قال :
" سمعت بن المبارك يقول : رأيت الحسن بن عمارة آخذاً بركاب أبي حنيفة وهو يقول : والله ما أدركنا أحداً تكلم في الفقه أبلغ , ولا أصبر , ولا أحضر جواباً منك , وإنك لسيد من تكلم فيه في وقتك غير مدافع وما يتكلمون فيك إلا حسداً " . 83
وعن الفضيل بن عياض قال :
" كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفا بالفقه مشهوراً بالورع , واسع المال معروفاً بالأفضال على كل من يطيف به , صبوراً على تعليم العلم بالليل والنهار , حسن الليل , كثير الصمت , قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام فكان يحسن أن يدل على الحق هارباً من مال السلطان " . 84
وعن عن أبي بكر بن عياش قال :
" مات عمر بن سعيد أخو سفيان فأتيناه نعزيه , فإذا المجلس غاص بأهله وفيهم عبد الله بن إدريس إذ أقبل أبو حنيفة في جماعة معه , فلما رآه سفيان تحرك من مجلسه ثم قام فاعتنقه وأجلسه في موضعه وقعد بين يديه , قال أبو بكر : فاغتظت عليه , وقال ابن إدريس : ويحك ألا ترى , فجلسنا حتى تفرق الناس , فقلت لعبد الله بن إدريس : لا تقم حتى نعلم ما عنده في هذا , فقلت يا أبا عبد الله رأيتك اليوم فعلت شيئا أنكرته وأنكره أصحابنا عليك , قال : وما هو ؟
قلت : جاءك أبو حنيفة فقمت إليه وأجلسته في مجلسك وصنعت به صنيعاً بليغاً , وهذا عند أصحابنا منكر , فقال : وما أنكرت من ذاك , هذا رجل من العلم بمكان , فإن لم أقم لعلمه قمت لسنه , وإن لم أقم لسنه قمت لفقهه , وإن لم أقم لفقهه قمت لورعه " .85
وعن غسان بن محمد بن عبد الله بن سالم التميمي قال :
وضع القياس أبو حنيفة كلـــــه فأتى بأوضح حجة وقيـــــــــــاس
وبنى على الآثار رأس بنائــــه فأتت غوامضه على الأســـــــاس
والناس يتبعون فيها قولـــــــــه لما استبان ضياؤه للنــــــــــــاس86
وعن ابن المبارك قال :
رأيت أبا حنيفة كل يـــــــــوم يزيد نبالة ويزيد خيـــــــــــــــرا
وينطق بالصواب ويصطفيــه إذا ما قال أهل الجور جــــــورا
يقايس من يقايسه بلـــــــــــب فمن ذا تجعلون له نظيــــــــــرا
كفانا فقد حماد وكانـــــــــــت مصيبتنا به أمرًا كبيــــــــــــــرا
فرد شماتة الأعداء عنــــــــا وأبدى بعده علماً كثيـــــــــــــرا
رأيت أبا حنيفة حين يؤتـــى ويطلب علمه بحرا غزيــــــــرا
إذا ما المشكلات تدافعهــــــا رجال العلم كان بها بصيـــــــرا 87
   
تلميذه أبي يوسف ـ رحمه الله ـ
ومن تلاميذ الإمام الأعلام الذين صاروا علماء و أصبحوا آية بعده , و كتبوا فتاويه و اجتهاداته كلها العالم القاضى " أبي يوسف " , مدون فقه أبي حنيفة في الكتب , و كذا فعل محمد بن الحسن الشيبانى , الذي دون كل فقهه والاجتهادات الأخرى حتى التي تراجع عنها .
وأبو حنيفة هو من رتب مسائل الفقه حسب أبوابها من طهارة وصلاة , ودون أغلبها الإمام أبو يوسف في سجلات بلغت عشرات الألاف من المسائل المدونة . . .
وأحببت أن أذكر في هذا الفصل نبذه يسيرة عن هذا العالم من باب أن نبوغ التلميذ يدل على تفوق شيخه ومعلمه . . .
هو : القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد بن حبتة الأنصاري - وسعد بن حبتة أحد الصحابة ـ وهو مشهور في الأنصار بأمه ، وهي حبتة بنت مالك من بني عمرو بن عوف .
كان القاضي أبو يوسف من أهل الكوفة ، وهو صاحب أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ كان فقيهاً عالماً حافظاً ، سمع أبا إسحاق الشيباني وسليمان التيمي ويحيى بن سعيد الأنصاري والأعمش وهشام بن عروة وعطاء بن السائب ومحمد بن إسحاق بن يسار ، وتلك الطبقة .
وجالس محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى , ثم جالس أبا حنيفة النعمان بن ثابت ، وكان الغالب عليه مذهب أبي حنيفة وخالفه في موضع كثيرة .
وكان قد سكن بغداد وتولى القضاء بها لثلاثة من الخلفاء : المهدي وابنه الهادي ثم هارون الرشيد ، وكان الرشيد يكرمه ويجله ، وكان عنده حظياً مكيناً وهو أول من دعي بقاضي القضاة ، ويقال إنه أول من غير لباس العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها في هذا الزمان ، وكان ملبوس الناس قبل ذلك شيئاً واحداً ، لا يتميز أحد عن أحد بلباسه .
ولم يختلف يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني في ثقته في النقل .88
   
ما حدث معه ومع الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ
قال الخطيب البغدادي :
" أن أبا يوسف قال : كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مقل رث الحال ـ فقير ـ فجاء أبي يوماً وأنا عند أبي حنيفة ، فانصرفت معه ، فقال : يا بني ، لا تمد رجلك مع أبي حنيفة ، فإن أبا حنيفة خبزه مشوي ـ أي ميسور الحال ـ ، وأنت تحتاج إلى المعاش ، فقصرت عن كثير من الطلب وآثرت طاعة أبي ، فتفقدني أبو حنيفة وسأل عني ، فجعلت أتعاهد مجلسه ، فلما كان أول يوم أتيته بعد تأخري عنه , قال لي : ما شغلك عنا ؟
قلت : الشغل بالمعاش وطاعة والدي ، فجلست ، فلما انصرف الناس دفع إلي صرة وقال : استمتع بها ، فنظرت فإذا فيها مائة درهم ، فقال لي : ألزم الحلقة , وإذا فرغت هذه فأعلمني ، فلزمت الحلقة ، فلما مضت مدة يسيرة دفع إلي مائة أخرى ، ثم كان يتعاهدني ، وما أعلمته بخلة قط , ولا أخبرته بنفاد شيء ، وكأنه كان يخبر بنفادها ، حتى استغنيت وتمولت .
وحكي : أن والد أبي يوسف مات وخلف أبا يوسف طفلاً صغيراً ، وأن أمه هي التي أنكرت عليه حضور حلقة أبي حنيفة .
ثم روى الخطيب أيضاً بإسناد متصل إلى علي بن الجعد قال : أخبرني أبو يوسف القاضي قال : " توفي أبي وخلفني صغيراً في حجر أمي ، فأسلمتني إلى قصار أخدمه ، فكنت أدع القصار وأمر إلى حلقة أبي حنيفة فأجلس أستمع فكانت أمي تجيء خلفي فتأخذ بيدي فتذهب بي إلى القصار ، وكان أبو حنيفة يعتنى بي ، لما يرى من حضوري وحرصي على التعلم ، فلما كثر ذلك على أمي , وطال عليها هربي قالت لأبي حنيفة : ما لهذا الصبي فساد غيرك ، هذا صبي يتيم لا شيء له وإنما أطعمه من مغزلي ، وآمل أن يكسب دانقاً يعود به على نفسه .
فقال لها أبو حنيفة : مري يا رعناء ـ بلهاء ـ ، ها هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق ـ نوع من الحلوي ـ فانصرفت عنه وقالت له : أنت شيخ قد خرفت وذهب عقلك .
ثم لزمته فنفعني الله تعالى بالعلم ، ورفعني حتى تقلدت القضاء ، وكنت أجالس الرشيد وآكل معه على مائدته ، فلما كان في بعض الأيام قدم إلى هارون فالوذجة ، فقال لي : يا يعقوب كل منها فليس في كل يوم يعمل لنا مثلها فقلت : وما هذه يا أمير المؤمنين فقال : هذه فالوذجة بدهن الفستق ، فضحكت فقال لي : مم ضحكك ؟!
فقلت : خيراً ، أبقى الله أمير المؤمنين ، قال : لتخبرني ، وألح علي ، فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها ، فعجب من ذلك وقال : لعمري إن العلم لينفع دنيا وديناً ، وترحم على أبي حنيفة وقال : كان ينظر بعين عقله ما لا يراه بعين رأسه " .89
( قصة ) : قال الفضل بن غانم :
" كان أبو يوسف مريضاً شديد المرض فعاده أبو حنيفة مراراً ، فصار إلى آخر مرة ، فرآه ثقيلاً فاسترجع ثم قال : لقد كنت أؤملك بعدي للمسلمين , ولئن أصيب الناس بك ليموتن معك علم كثير .
ثم رزق العافية وخرج من الغد , فأخبر أبو يوسف بقول أبي حنيفة فيه فارتفعت نفسه , وانصرفت وجوه الناس إليه فعقد لنفسه مجلساً في الفقه ، وقصر عن لزوم مجلس أبي حنيفة , فسأل عنه فأخبر أنه عقد مجلساً وأنه يلقي كلامك فيه ، فدعا رجلاً كان له عنده قدر فقال : سر إلى مجلس يعقوب فقل له ما تقول في رجل دفع إلى قصار ثوباً ليقصره بدرهم , ثم عاد إليه بعد أيام في طلب الثوب ، فقال له القصار : ما لك عندي شيء وأنكره ، ثم إن رب الثوب رجع إليه فدفع له الثوب مقصوراً ، أله أجرة ؟ فإن قال لك : له أجرة , فقل له أخطأت ، وإن قال : لا أجرة له , فقل : أخطأت , فسار إليه وسأله ، فقال أبو يوسف : له أجرة ، فقال : أخطأت ، فنظر ساعة ثم قال : لا أجرة له ، فقال له أخطأت , فقام أبو يوسف من ساعته فأتى أبا حنيفة فقال : ما جاء بك إلى مسألة القصار ، قال : أجل ، قال : سبحان الله ، من قعد بفتي الناس وعقد مجلساً يتكلم في دين الله وهذا قدره ، لا يحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات , فقال: يا أبا حنيفة ، علمني ، فقال : إن كان قصره بعدما غصبه فلا أجرة , لا أنه قسر لصاحبه ؛ ثم قال : من ظن أنه يستغني عن التعلم فلبيك على نفسه " .90
   
علمه ـ رحمه الله ـ وثناء الناس عليه ـ
قال طلحة بن محمد بن جعفر :
" أبو يوسف مشهور الأمر ظاهر الفضل ، وهو صاحب أبي حنيفة ، وأفقه أهل عصره ، ولم يتقدمه أحد في زمانه ، وكان النهاية في العلم والحكم والرياسة والقدر ، وأول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة ، وأملى المسائل ونشرها ، وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض .
وقال عمار بن أبي مالك :
" ما كان في أصحاب أبي حنيفة مثل أبي يوسف ، لولا أبو يوسف ما ذكر أبو حنيفة ولا محمد بن أبي ليلى ، ولكنه هو نشر قولهما وبث علمهما " .
وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة :
" مرض أبو يوسف في زمن أبي حنيفة مرضاً خيف عليه منه ، فعاده أبو حنيفة ونحن معه ، فلما خرج من عنده وضع يده على عتبة بابه وقال : إن يمت هذا الفتى فإنه أعلم من عليها ، وأومأ إلى الأرض " . 91 .
وقال حماد بن أبي حنيفة :
" رأيت أبا حنيفة يوماً وعن يمينه أبو يوسف وعن يساره زفر ـ وهو من أشهر تلاميذه أيضاً ـ ، وهما يتجادلان في مسألة ، فلا يقول أبو يوسف قولاً إلا أفسده زفر ، ولا يقول زفر قولاً إلا أفسده أبو يوسف ، إلى وقت الظهر ، فلما أذن المؤذن رفع أبو حنيفة يده فضرب بها فخذ زفر ، وقال : لا تطمع في رياسة ببلدة فيها أبو يوسف ، وقضى لأبي يوسف على زفر ، ولم يكن بعد أبي بها ، والثانية يوسف في أصحاب أبي حنيفة مثل زفر " . 92
من كلامه ـ رحمه الله ـ
قال ـ رحمه الله تعالى ـ :
" صحبة من لا يخشى العار عار يوم القيامة " .
وكان يقول : " رؤوس النعم ثلاثة : فأولها نعمة الإسلام التي لا تتم نعمة إلا بها , والثانية : نعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها ، والثالثة : نعمة الغنى التي لا يتم العيش إلا بها " .
وقال علي بن الجعد :
" سمعت أبا يوسف يقول : العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كذلك ، وأنت إذا أعطيته كذلك من إعطائه البعض كنت على غرر " .
وقال طاهر بن أحمد الزبيري :
" كان يجلس إلى أبي يوسف رجل فيطيل الصمت ، فقال له أبو يوسف : ألا تتكلم ، فقال : بلى ، متى يفطر الصائم ؟ فقال : إذا غابت الشمس ، فقال : فإن لم تغب إلى نصف الليل ؟ ، فضحك أبو يوسف وقال : أصبت في صمتك وأخطأت أنا في استدعاء نطقك ، ثم تمثل :
عجبت إزراء الغبي بنفســــــه وصمت الذي قد كان بالقول أعلما
وفي الصمت ستر للغبي وإنما صحيفة لب المرء أن يتكلمـــــــــا93
   
وفاته ـ رحمه الله ـ
قال ابن خلكان :
" كانت ولادة القاضي أبي يوسف سنة ثلاث عشرة ومائة , وتوفي يوم الخميس لوقت الظهر لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين ومائة ببغداد .
وقيل : إنه توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة ، والأول أصح , وولي القضاء سنة ست وستين ومائة ، ومات وهو على القضاء ، رحمه الله تعالى " .94
   
وفاته ـ رحمه الله ـ
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ :
" توفي الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ في سنة خمسين ومئة , وله سبعون سنة ، وعليه قبة عظيمة ومشهد فاخر ببغداد ، والله أعلم .
وابنه الفقيه حماد بن أبي حنيفة كان ذا علم ودين وصلاح وورع تام , لما توفي والده ، كان عنده ودائع كثيرة ، وأهلها غائبون ، فنقلها حماد إلى الحاكم ليتسلمها ، فقال : بل دعها عندك فإنك أهل .
فقال : زنها واقبضها حتى تبرأ منها ذمة الوالد ، ثم افعل ما ترى .
ففعل القاضي ذلك .
وبقي في وزنها وحسابها أياماً ، واستتر حماد , فما ظهر حتى أودعها القاضي عند أمين .
توفي حماد سنة ست وسبعين ومئة كهلا " . 95
وقال ابن خلكان :
" وكانت ولادة أبي حنيفة سنة ثمانين للهجرة , وتوفي في رجب ، وقيل في شعبان سنة خمسين ومائة ، وقيل لأحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى من السنة ، وقيل إحدى وخمسين وقيل ثلاث وخمسين ، والأول أصح ؛ وكانت
وفاته في السجن ليلي القضاء فلم يفعل ، هذا هو الصحيح .
وقيل إنه لم يمت في السجن .
وقيل : توفي في اليوم الذي ولد فيه الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ ودفن بمقبرة الخيرزان ، وقبره هناك مشهور يزار " .96
   
1 أنظر : " أضواء البيان " للشنقيطي 7/556ـ576 .
2 هذا الجزء مأخوذ من كتاب : " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لابن تيمية بتصرف يسير .
3أنظر : " مقدمة صلاة النبي  " للعلامة الألباني ( ص : 46ـ57 ) .
4 أنظر : " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم 1/31 .
5 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/391 .
6 الخز : القماش والثياب .
7 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/394 .
8 أنظر : " تهذيب الكمال " للحافظ المزي 29/423 , و " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي 13/326 .
9 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/392 .
10 أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/409 .
11 أنظر: " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/400 .
12 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/399 .
13 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/398 .
14 أنظر : " سير أعلام النبلاء " 6/397ـ398 , و : " تهذيب الكمال " للمزي 29/424 .
15 أنظر : " تهذيب الكمال " للمزي 29/424 , و " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي 13/331ـ332 .
16 " تاريخ بغداد " 13/334 .
17 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/334 .
18 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/392ـ394 , وستأتي ترجمه " أبي يوسف القاضي " وما حدث معه ومع الإمام أبو حنيفة في آخر الكتاب بإذن الله .
19 أنظر : " سير أعلام النبلاء " 6/399 , و " تاريخ بغداد " 10/114 .
20 " تهذيب الكمال " للمزي 29/429 .
21 " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/395
22 " تهذيب الكمال " للمزي 29/430 .
23 " تهذيب الكمال " للمزي 29/431 .
24" تهذيب الكمال " للمزي 29/431 .
25 أنظر : " تهذيب الكمال " للمزي 29/434 , و " تاريخ بغداد " للخطيب 10/114
26" تاريخ بغداد " للخطيب 13/343 .
27" تاريخ بغداد " للخطيب 13/345 .
28 والقصة موجودة في : " تاريخ بغداد " للخطيب 13/348ـ349 .
29" أنظر : " وفيات الاعيان " لابن خلكان 5/411 .
30 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/339 .
31" تاريخ بغداد " للخطيب 13/351 .
32أنظر : " من قصص الصالحين " لمصطفى مراد .
33 والقصة موجودة في : " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي .
34أنظر : " صور من حياة التابعين " لعبد الرحمن رأفت الباشا .
35 أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 13/363 .
36أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/412 .
37أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/412 .
38 أنظر : " الأذكياء " لابن الجوزي .
39 أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 13/366 .
40 أنظر : " الاذكياء " لابن الجوزي .
41 أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/411 .
42 " الأذكياء " لابن الجوزي .
43 أنظر : " تهذيب الكمال " للمزي 29/434 .
44 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/399 .
45 " سير أعلام النبلاء " 6/400 .
46 " سير أعلام النبلاء " 6/401 .
47 أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/412 .
48 أنظر : " تهذيب الكمال " للمزي 29/436 .
49 أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 13/356 .
50 " تاريخ بغداد " 13/356 .
51 " تاريخ بغداد " 13/357 .
52 أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 13/355
53 أنظر : " تهذيب الكمال " للمزي 29/435.
54 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/361 .
55 أنظر : " تهذيب الكمل " للمزي 29/436 .
56 أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 13/358 .
57 " تهذيب الكمال " للمزي 29/438 .
58 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/359 .
59 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/358 .
60 " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/400.
61 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/358 .
62 " وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/410 .
63" وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/409 .
64 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/360 .
65 أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/410 , و " تاريخ بغداد " للخطيب 13/362 .
66أنظر : " تاريخ بغداد " 13/361 .
67 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/361 .
68" تاريخ بغداد " للخطيب 13/362 .
69" تهذيب الكمال " للمزي 29/440 .
70 أنظر : " المناقب " لابن الحوزي 2/17 .
71أنظر : " وفيات الاعيان " لابن خلكان 5/407 , و " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/394 .
72 أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 13/329 .
73 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/360 .
74 أنظر : " مناقب أبي حنيقة " للموفق المكي 1/181 .
75 " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/398 , ويقصد بهذا الجملة أن يظهر مدي فضل هذان العالمان الكبيران عليه .
76" سير أعلام النبلاء " 6/398 .
77 أنظر : " البداية والنهاية " لابن كثير 10/114 , و" تهذيب الكمال " للمزي 29/432 .
78 " تهذيب الكمال " للمزي 29/439 .
79 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/336 .
80 " وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/411 .
81" تاريخ بغداد " للخطيب 13/336 .
82" تاريخ بغداد " للخطيب 13/337 .
83 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/367 .
84 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/340 .
85 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/341 .
86 " تاريخ بغداد " للخطيب 13/350 .
87" تهذيب الكمال " للمزي 29/441 .
88أنظر : " تاري بغداد " للخطيب 14/242ـ244 , و " وفيات الأعيان " لابن خلكان 6/378ـ379 .
89والخبر موجود في " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي 14/244ـ245 , و " وفيات الأعيان " لابن خلكان 6/397ـ380 .
90 أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/408 .
91أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 6/382 , و " تاريخ بغداد " 14/246 .
92" فيات الاعيان " 6/383 , و " تاريخ بغداد " 14/247.
93 أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان " 6/383 , و " تاريخ بغداد " 14/248 .
94 " وفيات الأعيان " 6/388 .
95 " سير أعلام النبلاء " للذهبي 6/403 .
96" أنظر وفيات الأعيان " لابن خلكان 5/414 .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
 
الإمام أبو حنيفة النعمان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صورة من خط أبي البركات النعمان بن محمود بن عبد الله الألوسي
» الإمام مالك بن أنس
»  مكتبة الإمام ابن كثير
»  مكتبة الإمام الذهبي
» مكتبة الإمام ابن رجب الحنبلي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ :: كتابات وأبحاث مشرف الدعوة بالفرع :: السير والتراجم :: سير أعلام السلف " الإمام أبو حنيفة النعمان "-
انتقل الى: