موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
مرحبا بكم في منتدي فرع الجمعية الشرعية بقرية
البطاخ التابع لمحافظة سوهاج
يسعدنا انضمامكم لنا عبرسجيلكم فى المنتدى
منتدى فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ
مع تحيات مدير المنتدى
مشرف الدعوة بالفرع
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
مرحبا بكم في منتدي فرع الجمعية الشرعية بقرية
البطاخ التابع لمحافظة سوهاج
يسعدنا انضمامكم لنا عبرسجيلكم فى المنتدى
منتدى فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ
مع تحيات مدير المنتدى
مشرف الدعوة بالفرع
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ هو أحد فروع الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية بمحافظة سوهاج
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مرحبا بكم فى منتدي فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ ساهموا فى نشر موقعنا
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل
صلي الله على محمد صلي الله عليه وسلم
اللهم أعنا على رضاك حتى ترضي رضاءاً ليس بعده سخط ولا غضب
جميع حقوق الطبع والنشر والتوزيع والتصوير لأي كتاب موجود في المنتدي متااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااح بشرط دعوة صالحة بظهر الغيب
أرجو من كل من استفاد أو تعلم شيئاً من المنتدي أن لا ينسانا من صالح دعائه
نعدكم بإذن الله في كل زيارة لنا بالجديد وبالمفيد
بشري سارة لكل طلاب العلم : تم افتتاح ركن في منتدي فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ للإجازات الشرعية المسندة لكل الراغبين في إجازة علمية بالسند مجاناً
هاااااااام جدا لمن لا يعلم :قد تظهر إعلانات على المنتدي بها صور نساء وهي لا تخص المنتدي بل هي تابعة لشركة جوجل ولا يمكن وقفها .

 

 الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ  Empty
مُساهمةموضوع: الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ    الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ  I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 26, 2013 3:59 pm

الإمام الشافعي
( 150 - 204 هـ = 767 - 820 م )
إمام من أئمة المسلمين . . .
وعلم من أعلام الدين . . .
صاحب أحد المذاهب الأربعة المتبوعة . . .
هو الإمام الكامل , العالم العامل . . .
ذو الشرف المنيف , والخلق الظريف . . .
له السخاء والكرم , وهو الضياء في الظلم . . .
أوضح المشكلات , وأفصح عن المعضلات . . .
المنتشر علمه شرقاً وغرباً , المستفيض مذهبه براً وبحراً . . .
المتبع للسنن والآثار , والمقتدي بما اجتمع عليه المهاجرون والأنصار . . .
اقتبس عن الأئمة الأخيار , فحدث عنه الأئمة الأحبار . . .
كان للآثار والسنن تابعاً , وفي استنباط الأحكام والأقضية رائعاً . . .
وبالمقاييس المبنية على الأصول قائلاً , وعن الآراء الفاسدة المخالفة للأصول عادلاً . . .
هو : الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، الإمام ، عالم العصر ، ناصر الحديث ، فقيه
الملة ، أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي، الغزي المولد .
نسيب رسول الله  وابن عمه ، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب .
وأما جده السائب المطلبي ، فكان من كبراء من حضر بدراً مع الجاهلية ، فأسر يومئذ ، وكان يشبه بالنبي  ، ووالدته هي : الشفاء بنت أرقم بن نضلة ، ونضلة هو أخو عبد المطلب جد النبي  ، فيقال : إنه بعد أن فدى نفسه أسلم .
وابنه شافع له رؤية ، وهو معدود في صغار الصحابة .
وولده عثمان تابعي ، لا أعلم له كبير رواية .
وكان أخوال الشافعي من الأزد ـ قبيلة ـ .
وُلد بالاتفاق عام 150هجرية , أي في العام الذي توفي فيه أبو حنيفة , وقد غالى البعض فقال : في اليوم نفسه الذي مات فيه أبو حنيفة .
والصحيح الذي ذهب إليه الجمهور أنه ولِدَ في غزة في فلسطين ، وأن والده قرشي , ويلتقي نسبه مع رسول الله  في عبد مناف جده  .
أما أمه فمن قبيلة أخرى ، من قبيلة الأسد وهي قبيلة عربية أصيلة و لكنها ليست قرشية .
ولِدَ الشافعي في أسرة فقيرة جداً ، وبعد ولادته بعامين توفي أبوه فقررت أمه العودة بإبنها محمد إلى مكة لأنه قرشي حتى لا يضيع نسبه , ولأن له سهم من ذوي القربى .
عن ابن عبد الحكم قال :
" لما حملت والدة الشافعي به ، رأت كأن المشتري خرج من فرجها ، حتى انقض بمصر ، ثم وقع في كل بلدة منه شظية ، فتأوله المعبرون أنها تلد عالماً يخص علمه أهل مصر ، ثم يتفرق في البلدان " . 1
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ :
" ولد الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ بغزة من أرض فلسطين ، ومات أبوه إدريس شاباً ، فنشأ محمد يتيماً في حجر أمه ، فخافت عليه الضيعة ، فتحولت به إلى محتده وهو ابن عامين ، فنشأ بمكة " . 2
وعن أبي عبد الله الشافعي قال :
" ولدت باليمن - يعني القبيلة فإن أمه أزدية – قال : فخافت أمي علي الضيعة ، وقالت : ألحق بأهلك ، فتكون مثلهم ، فإني أخاف عليك أن تُغلب على نسبك ، فجهزتني إلى مكة ، فقدمتها يومئذ وأنا ابن عشر سنين ، فصرت إلى نسيب لي ، وجعلت أطلب العلم فيقول لي : لا تشتغل بهذا ، وأقبل على ما
ينفعك ، فجعلت لذتي في العلم " .3
ولخص ابن خلكان سيرة الشافعي فقال :
" مولده سنة خمسين ومائة ، وقد قيل إنه ولد في اليوم الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة ، وكانت ولادته بمدينة غزة ، وقيل بعسقلان ، وقيل باليمن ، والأول أصح ، وحمل من غزة إلى مكة وهو ابن سنتين فنشأ بها وقرأ القرآن الكريم ، وحديث رحلته إلى مالك بن أنس مشهور ، وقدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام بها سنتين ، ثم خرج إلى مكة ، ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة فأقام بها شهراً ، ثم خرج إلى مصر ، وكان وصوله إليها في سنة تسع وتسعين ومائة ، وقيل سنة إحدى ومائتين .
ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين ودفن بعد العصر من يومه بالقرافة الصغرى ، وقبره يزار بها بالقرب من المقطم ـ رحمه الله ـ " . 4
   

صفته ـ رحمه الله ـ
قال المزني :
" ما رأيت أحسن وجها من الشافعي ـ رحمه الله ـ وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته " .5
وعن إبراهيم بن برانة قال :
" كان الشافعي جسيماً طوالاً نبيلاً " .6
وقال الزعفراني :
" قدم علينا الشافعي بغداد في سنة خمس وتسعين ، فأقام عندنا أشهر ، ثم خرج , وكان يخضب بالحناء ، وكان خفيف العارضين ـ قليل لحم الوجه ـ " .
وقال أحمد بن سنان :
" رأيته أحمر الرأس واللحية - يعني أنه اختضب – " .7
وقال ابن كثير :
" وكان أبيض جميلاً طويلاً مهيباً يخضب بالحناء " . 8
طلبه للعلم ـ رحمه الله ـ
 كما سبق قلنا أن الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ كان فقيراً ، لذلك جاءت به أمه إلى مكة حتى لا يضيع نسبه ، و لأن له سهم من ذوي القربى .
ولكن هذا المال الذي كانت تأخذه من سهم ذوي القربى كان قليلاً وقليلاً جداً، فعانت هي ووليدها محمد حرماناً وفقراً , ولكن الأم كانت قوية الشخصية راسخة الإيمان ، على جانب من العلم والحفظ ، فأرادت لولدها أن يتعلم و يحفظ , فدفعت به إلى مكان في مكة يقرىء الصبيان , ولكن الأم لم تجد أجر المعلم ، فكان الشيخ المقرىء يهمل ويقصِّر في تعليم الصبي المتعطش إلى العلم والمعرفة , ولكن كان المعلم إذا علم صبياً شيئاً ، تلقف الشافعي ذلك الكلام ثم إذا قام المعلم من مكانه ليقضي شأنه , أخذ محمد مكانه وراح يعلم الصبيان تلك الأشياء .
ورآه المعلم يفعل ذلك ، فارتاحت نفسه و نظر إلى أن الشافعي يكفيه من أمر الصبيان أكثر من الأجرة التي يطمع بها منه فترك طلب الأجرة , واستمرت هذه الحال مع الشافعي حتى حفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره , ومنهم من قال و هو ابن سبع سنين .
قال الحميدي :
" سمعت الشافعي يقول : كنت يتيماً في حجر أمي ، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم ، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب ـ أي اقوم
بتعليمهم ـ ، وأخفف عنه " . 9
وقال أحمد بن إبراهيم الطائي :
" حدثنا المزني ، سمع الشافعي يقول : حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين ، وحفظت " الموطأ " وأنا ابن عشر " . 10
 ثم اتجه الشافعي إلى علم الحديث فلزم حلقة سفيان بن عيينة , ومسلم بن خالد الزنجي في المسجد الحرام , وكان الورق غالي الثمن , باهظ التكاليف والشافعي وأمه في قلة وفقر فكيف يفعل في التدوين ؟
يُروى : أنه كان يلتقط العظام العريضة فيكتب عليها , أو يذهب إلى الديوان فيجمع الأوراق المهملة التي يلقى بها فيستوهبها ويكتب على ظهرها .
هذه المعاناة وفقته إلى أن يعتمد على الحفظ فتكونت لديه حافظة قوية ساعدته مستقبلاً على حفظ كل ما يسمع وما يُلقى إليه من علم ومعرفة .
قال الحميدي :
" عن الشافعي قال : كان منزلنا بمكة في شعب الخيف ، فكنت أنظر إلى العظم يلوح ، فأكتب فيه الحديث أو المسألة ، وكانت لنا جرة قديمة ، فإذا امتلا العظم طرحته في الجرة " . 11
وعن الزبير بن سليمان القرشي :
" يذكر عن الشافعي قال : طلبت هذا الأمر عن خفة ذات يد ـ أي عن فقر ـ وكنت أجالس الناس وأتحفظ , ثم اشتهيت أن أدون , وكان منزلنا بمكة بقرب شعب الخيف , فكنت أجمع العظام والأكتاف فأكتب فيها حتى امتلأ من دارنا من ذلك جباب " .12
وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال :
" أخبرني بعض أصحابنا أن الشافعي قال : لم يكن لي مال , كنت أطلب العلم في الحداثة , فكنت أذهب إلى الديوان أستوهب الظهور أكتب عليها " .13
 وبذكائه وملاحظته أدرك الشافعي أنَّ لغة قريش قد دخلتها ألفاظ غريبة ولم يعد لسانها هو اللسان العربي السليم في فصاحته وبيانه ، وعلِمَ أنه لا يستطيع أن يجيد علوم القرآن والحديث واستخراج الأحكام من النصوص إلا إذا أتقن اللغة العربية الصحيحة .
وكان يحضر في المسجد الحرام دروس إمام مصر الليث بن سعد حين يأتي حاجاً أو معتمراً , وكان يوصي مستمعيه أن يتقنوا اللغة وأسرارها وأن يتعلموا خاصة كلام هُذَيل ـ وهم قبيلة في البادية ـ وأن يحفظوا أشعارهم لأن هذيل أفصح العرب .
فانطلق الشافعي إلى مضارب هذه القبيلة فأقام في ظهرانيهم و لازمهم عشرة أعوام , عكف خلالها على دراسة اللغة وآدابها وحفظ الشعر ـ حفظ أكثر من عشرة آلاف بيت ـ وأصبح الشافعي حجة عصره في اللغة , كما تعلم الرماية والفروسية وبرع فيهما .
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ :
" وأقبل على الرمي حتى فاق فيه الأقران ، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة ، ثم أقبل على العربية والشعر ، فبرع في ذلك وتقدم , ثم حبب إليه الفقه فساد أهل زمانه " . 14
وقال عمرو بن سواد :
" قال لي الشافعي : كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم ، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة ، وسكت عن العلم فقلت : أنت والله في العلم أكبر منك في الرمي " .15
وعن حسين الكرابيسي قال :
" سمعت الشافعي يقول : كنت امرأ أكتب الشعر ، فآتي البوادي فأسمع منهم فقدمت مكة ، فخرجت وأنا أتمثل بشعر للبيد ، وأضرب وحشي قدمي بالسوط فضربني رجل من ورائي من الحجبة فقال : رجل من قريش ثم ابن المطلب ، رضي من دينه ودنياه أن يكون معلماً , تفقه يعلمك الله .
فنفعني الله بكلامه ، فكتبت ما شاء الله من ابن عيينة ، ثم كنت أجالس مسلم بن خالد ، ثم قدمت على مالك ، فلما عرضت عليه الموطأ ، قال لي : تفقه يا ابن أخي ، فجئت إلى مصعب بن عبد الله فكلمته أن يكلم لي بعض أهلنا ، فيعطيني شيئاً ، فإنه كان بي من الفقر والفاقة ما الله به عليم " . 16
وقال ابن عبد الحكم :
" سمعت الشافعي يقول : قرأت القرآن على إسماعيل بن قسطنطين ، وقال : قرأت على شبل ، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير ، وقرأ على مجاهد وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس " . 17
وعن أبو عبيد قال :
" رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن ، وقد دفع إليه خمسين دينارا ، وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما وقال : إن اشتهيت العلم فالزم .
قال أبو عبيد : " فسمعت الشافعي يقول : كتبت عن محمد وقر بعير ، ولما أعطاه محمد قال له : لا تحتشم .
قال : لو كنت عندي ممن أحشمك ـ أستحي منك ـ ، ما قبلت بِرّك " .
وعن الربيع بن سليمان :
" سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ـ بعير ـ ليس عليه إلا سماعي " .18
 ثم لازم الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ الإمام مالك وتعلم على يديه ، ولم
يكن يتركه إلى إذا ذهب إلى أمه , أو إلى رحلة علمية يتلقي فيها العلم ـ كما ذهب إلى العراق يتلقي العلم من الإمام أبو حنيفة ـ .
عن الربيع قال :
" سمعت الشافعي يقول : كنت أنا في الكتاب أسمع المعلم يلقن الصبي الآية فأحفظها أنا , ولقد كانوا يكتبون الصبيان أئمتهم , فإلى أن يفرغ المعلم من الإملاء عليهم أكون قد حفظت جميع ما أملي , فقال لي ذات يوم : ما يحل لي أن آخذ منك شيئاً , قال : ثم لما خرجت من الكتاب وكنت ألتقط الخزف والدفوف , وكرب النخل , وأكتاف الجمال وأكتب فيها الأحاديث , وأجئ إلى الدواوين فاستوهب منها الظهور , وأكتب فيها حتى كان لأمي خباب فملأتها أكتافاً وخزفاً .
ثم إني خرجت من مكة فلزمت هذيلاً في البادية ـ قبيلة ـ أتعلم كلامها وآخذ طبعها , وكانت أفصح العرب , فبقيت فيهم سبع عشرة سنة أرتحل برحلتهم وأنزل بنزولهم , فلما أن رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار وأذكر الآداب والأخبار وأيام العرب , فمر بي رجل من بني عثمان من الزبيريين فقال : يا أبا عبد الله عز علي أن لا يكون مع هذه اللغة وهذه الفصاحة والذكاء فقه فتكون قد سدت أهل زمانك , قال : فقلت : ومن بقي يقصد إليه ـ أي من العلماء والأئمة ـ ؟!
فقال لي : هذا مالك بن أنس سيد المسلمين يومئذ , قال : فوقع في قلبي ذلك
فعمدت إلى الموطأ فاستعرته من رجل بمكة فحفظته في تسع ليال ظاهراً , ثم دخلت إلى والي مكة , فأخذت كتابه إلى والي المدينة وإلى مالك بن أنس .
 قلت : المصنف ـ : خشيَ الشافعي أن لا يستقبله الإمام مالك لحداثة سنه فلقد اشتهِرَ عن مالك أنه ـ رغم سماحته و طيب خُلقه ـ كان صارماً في العمل , ولا يبيح وقته للناس ولا يستقبل من يطرق بابه خلال راحته في داره .
قال : فقدمت المدينة , وأبلغت الكتاب إلى الوالي فلما أن قرأه قال : والله يا فتى إن أمشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافياً راجلاً , أهون علي من المشي إلى باب مالك بن أنس , فإني لست أرى الذل حتى أقف على بابه , فقلت : أصلح الله الأمير , إن رأى الأمير أن يوجه إليه ليحضر , فقال : هيهات , ليتني إذا ركبت أنا معك ومن معي وأصابنا من تراب العقيق نلنا حاجتنا , قال : فواعدته العصر وركبنا جميعاً , فوالله لقد كان كما قال , لقد أصابنا تراب العقيق , قال : فتقدم رجل فقرع الباب , فخرجت إلينا جارية سوداء فقال لها الأمير : قولي لمولاك إني بالباب , فدخلت , فأبطأت , ثم خرجت فقالت : إن مولاي يقرئك السلام ويقول : إن كانت مسألة فارفعها في رقعة يخرج إليك الجواب , وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس فانصرف.
فقال لها : قولي له معي كتاب والي مكة إليه في حاجة مهمة , قال : فدخلت ثم خرجت وفي يدها كرسي فوضعت , ثم إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار , وهو شيخ طوال مسنون اللحية , فجلس وهو متطلس , فدفع الوالي الكتاب من يده ثم قال : يا سبحان الله وصار علم رسول الله  يؤخذ بالرسائل قال : فرأيت الوالي وقد تهيبه أن يكلمه فتقدمت إليه فقلت له : أصلحك الله إني رجل مطلبي ومن حالي ومن قصتي , فلما أن سمع كلامي نظر إلي ساعة وكان لمالك فراسة , فقال لي : ما اسمك ؟
فقلت : محمد , فقال لي : يا محمد اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن , ثم قال : نعم وكرامة إذا كان غداً تجئ ويجئ من يقرأ لك الموطأ , قال فقلت : فإني أقوم بالقراءة , قال : فغدوت عليه وابتدأت أن أقرأه ظاهراً والكتاب في يدي , فكلما تهيبت مالكاً وأريد أن أقطع القراءة أعجبه حسن قراءتي وإعرابي يقول لي : بالله يا فتى زد , حتى قرأته في أيام يسيرة , ثم أقمت بالمدينة إلى أن توفي مالك بن أنس " .19
وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال :
" سمعت الشافعي يقول : حفظت الموطأ قبل أن آتي مالكاً , فلما أتيته قال لي : اطلب من يقرأ لك , فقلت : لا عليك أن تستمع لقراءتي فإن أعجبتك وإلا طلبت من يقرأ , فقال : لي اقرأ , فقرأت عليه " .20
وعن الشافعي قال :
" أتيت مالكاً وأنا ابن ثلاث عشرة سنة - كذا قال ، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة – قال : فأتيت ابن عم لي وكان والي المدينة ، فكلم مالكا .
فقال : اطلب من يقرأ لك .
قلت : أنا أقرأ ، فقرأت عليه ، فكان ربما قال لي لشئ قد مر : أعده ، فأعيده حفظا ، فكأنه أعجبه ، ثم سألته عن مسألة فأجابني ، ثم أخرى فقال : أنت تحب أن تكون قاضيا " .21
 إلى جانب هذه العلوم العديدة التى تعلمها الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ , تعلم أيضاً علم " الفراسة " والتى اضطرته إلى أن يذهب إلى اليمن , ليجمع كتب هذا العلم .
فعن الحميدي قال :
" قال محمد بن إدريس الشافعي : خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها , ثم لما حان انصرافي مررت على رجل في الطريق وهو محتب بفناء داره , أزرق العين , ناتىء الجبهة , فقلت له : هل من منزل؟ فقال : نعم .
قال الشافعي : وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة , فأنزلني , فرأيته أكرم ما يكون من رجل , بعث إلي بعشاء وطيب وعلف لدابتي وفراش ولحاف فجعلت أتقلب الليل أجمع ما أصنع بهذه الكتب , إذا رأيت النعت في هذا الرجل فرأيت أكرم رجل , فقلت : أرمي بهذه الكتب , فلما أصبحت قلت للغلام : أسرج , فأسرج , فركبت ومررت عليه وقلت له : إذا قدمت مكة ومررت بذي طوى , فاسأل عن محمد بن إدريس الشافعي , فقال لي الرجل : أمولى لأبيك
أنا ؟!
قال : قلت : لا , قال : فهل كانت لك عندي نعمة ؟
فقلت : لا , فقال : أين ما تكلفته لك البارحة ؟
قلت : وما هو ؟ قال : اشتريت لك طعاماً بدرهمين , وإذا ما بكذا وكذا وعطراً بثلاثة دراهم , وعلفاً لدابتك بدرهمين , وكراء الفرش واللحاف درهمان , قال : قلت : يا غلام اعطه , فهل بقي من شيء ؟ قال : كراء البيت فإني قد وسعت عليك وضيقت على نفسي .
قال الشافعي : فغبطت بتلك الكتب , فقلت له بعد ذلك : هل بقي لك من شيء؟ قال : امض أخزاك الله فما رأيت قط شرا منك " .22
   
شيوخه وتلاميذه ـ رحمه الله ـ
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ :
" أخذ الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ العلم ببلده عن : مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة ، وداود بن عبد الرحمن العطار ، وعمه محمد بن علي بن شافع ، فهو ابن عم العباس جد الشافعي ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، وسعيد بن سالم ، وفضيل بن عياض ، وعدة , ولم أر له شيئا عن نافع بن عمر الجمحي ونحوه ، وكان معه بمكة .
وارتحل - وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة - إلى المدينة فحمل عن مالك بن أنس " الموطأ " عرضة من حفظه ، وقيل : من حفظه لأكثره - وحمل عن : إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر ، وعبد العزيز الدراوردي وعطاف بن خالد ، وإسماعيل بن جعفر ، وإبراهيم بن سعد وطبقتهم .
وأخذ باليمن عن : مطرف بن مازن ، وهشام بن يوسف القاضي ، وطائفة .
وببغداد عن : محمد بن الحسن فقيه العراق ولازمه ، وحمل عنه وقر بعير ، وعن إسماعيل بن علية ، وعبد الوهاب الثقفي وخلق .
حدث عنه : الحميدي ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وأحمد بن حنبل ، وسليمان بن داود الهاشمي ، وأبو يعقوب يوسف البويطي ، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي ، وحرملة بن يحيى ، وموسى بن أبي الجارود المكي ، وعبد العزيز المكي ، وحسين بن علي الكرابيسي ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، والحسن بن محمد الزعفراني ، وأحمد بن محمد الأزرقي ، وأحمد بن سعيد الهمداني ، وأحمد بن أبي شريح الرازي ، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي ، وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي ، وإسحاق بن راهويه ، وإسحاق بن بهلول ، وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم ، والحارث بن سريج النقال ، وحامد بن يحيى البلخي ، وسليمان بن داود المهري ، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص ، وعلي بن معبد الرقي ، وعلي بن سلمة اللبقي ، وعمرو بن سواد ، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني ، ومحمد بن يحيى العدني ، ومسعود ابن سهل المصري ، وهارون بن سعيد الأيلي ، وأحمد بن سنان القطان ، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ، ويونس بن عبد الأعلى ، والربيع ابن سليمان المرادي ، والربيع بن سليمان الجيزي ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وبحر بن نصر الخولاني ، وخلق سواهم .
وقد أفرد الدارقطني كتاب من له رواية عن الشافعي في جزأين " . 23
   




علمه ـ رحمه الله ـ
 كان الإمام ـ رحمه الله ـ آيه من آيات الله في الفقه . . .
ولم يكن الفقه وحده هو الذي نبغ فيه الإمام ـ رحمه الله ـ . . .
بل والشعر أيضاً , فكان ـ رحمه الله ـ يحفظ عشرة ألاف بيت من الشعر . . .
وأيضأ كان الإمام عالماً في علم " الفراسة " . . .
وأيضاً الحديث ، فكان ـ رحمه الله ـ محدثا كبير الشأن , منقطع النظير . . .
حتى قال عنه أحمد بن حنبل : " ما أحد ممن بيده محبرة , أو ورق إلا وللشافعي في رقبته مِنة ـ أي فضل ـ " . 24
قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي :
" سمعت أبي وعمي يقولان : كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شئ من التفسير والفتيا ، ألتفت إلى الشافعي فيقول : سلوا هذا " .25
وقال الربيع :
" سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث : أنتم الصيادلة ، ونحن الأطباء " .26
وعن الحميدي قال :
" سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول للشافعي : أفت يا أبا عبد الله ، فقد والله آن لك أن تفتي - وهو ابن خمس عشرة سنة ـ " . 27
وقال حرملة :
" سئل الشافعي عن رجل في فمه تمرة ، فقال : إن أكلتها فامرأتي طالق ، وإن طرحتها فامرأتي طالق .
قال : يأكل نصفاً ، ويطرح النصف " .28
وقال محمد بن مسلم بن وارة :
" سألت أحمد بن حنبل : ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين ، أهي أحب إليك ، أو التي بمصر ؟ قال : عليك بالكتب التي عملها بمصر ، فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها ، ثم رجع إلى مصر فأحكم تلك .
وقلت لأحمد : ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه ، رأي مالك أو الثوري ، أو الأوزاعي ؟
فقال لي قولاً أجلهم أن أذكره وقال : عليك بالشافعي ، فإنه أكثرهم صواباً وأتبعهم للآثار " . 29
وعن الأزدي قال :
" سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الشافعي ، فقال : لقد من الله علينا به ، لقد كنا تعلمنا كلام القوم ، وكتبنا كتبهم ، حتى قدم علينا ، فلما سمعنا كلامه ، علمنا أنه أعلم من غيره ، وقد جالسناه الأيام والليالي ، فما رأينا منه إلا كل خير ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، كان يحيى وأبو عبيد لا يرضيانه - يشير إلى التشيع وأنهما نسباه إلى ذلك - فقال أحمد بن حنبل : ما ندري ما يقولان والله ما رأينا منه إلا خيراً " . 30
وعن الربيع قال :
" لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته لعجبت ، ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة ، لم نقدر على قراءة كتبه لفصاحته ، وغرائب ألفاظه ، غير أنه كان في تأليفه يوضح للعوام " .
ونقل الامام ابن سريج عن بعض النسابين قال :
" كان الشافعي من أعلم الناس بالأنساب ، لقد اجتمعوا معه ليلة فذاكرهم بأنساب النساء إلى الصباح ، وقال : أنساب الرجال يعرفها كل أحد " . 31
وقال المبرد :
" كان الشافعي من أشعر الناس ، وآدب الناس ، وأعرفهم بالقراءات " . 32
وعن محمد بن عوف قال :
" سمعت أحمد بن حنبل يقول : الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء : في اللغة واختلاف الناس ، والمعاني ، والفقه " .33
وعن محمد بن الفضل البزاز قال :
" سمعت أبي يقول : حججت مع أحمد بن حنبل ونزلت في مكان واحد معه أو في دار ـ يعني بمكة ـ وخرج أبو عبد الله , يعني أحمد بن حنبل باكراً وخرجت أنا بعده , فلما صليت الصبح درت المسجد فجئت إلى مجلس سفيان بن عيينة , فكنت أدور مجلساً مجلساً طلبا لأبي عبد الله , يعني أحمد بن حنبل حتى وجدت أحمد بن حنبل عند شاب أعرابي وعليه ثياب مصبوغة , وعلى رأسه جمة , فزاحمت حتى قعدت عند أحمد بن حنبل , فقلت : يا أبا عبد الله تركت ابن عيينة وعنده الزهري , وعمرو بن دينار , وزياد بن علاقة والتابعين ما الله به عليم , فقال لي : اسكت , فإن فاتك حديث يعلو تجده بنزول لا يضرك في دينك ولا في عقلك أو في فهمك , وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة , ما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي , قلت : من هذا ؟
قال : محمد بن إدريس الشافعي " . 34
وقال ابن ماجة القزويني :
" جاء يحيى بن معين إلى أحمد بن حنبل ، فبينا هو عنده إذا مر الشافعي
على بغلته ، فوثب أحمد يسلم عليه وتبعه فأبطأ ، ويحيى جالس ، فلما جاء قال يحيى : يا أبا عبد الله كم هذا ؟
فقال: دع عنك هذا ؟ إن أردت الفقه فالزم ذنب البغلة " .35
وعن المزني أبا إبراهيم قال :
" قال لي الشافعي : حضرت مالك بن أنس وأنا أسمع منه الحديث ولي دون الأربع عشرة سنة , فجاءه رجل فوقف عليه ثم قال له : إني رجل أبيع القماري فبعت قمريا على هذه , فرده إلي , فقال : ما له صوت , فحلفت بالطلاق أنه لا يسكت , فقال : أوسكت ؟ قلت : نعم , قال : أنت حانث .
قال الشافعي : فتبعته فقلت : له يا رجل كيف حلفت ؟ قال : حلفت بما سمعت قال : فقلت له : صياحه أكثر من سكوته ؟ فقال : صياحه , فقلت : مر فإن امرأتك لك حلال , قال : فماذا أصنع وقد أفتاني مالك بما أفتى ؟
فقال : عد إليه فقل له : إن في مجلسك من أفتاني بأن امرأتي هي لي حلال وأومئ إلي , ودعني وإياه .
فرجع ورجعت , وجلست فيما بين الناس فقال له إني رأيت أن تنظر في يميني , قال : أليس قد أفتيناك بأنك حانث , فقال : في مجلسك من أفتاني بأن امرأتي هي لي حلال , قال : أفي مجلسي ؟ قال : نعم , قال : ومن هو ؟ فأومأ إلي , فقال لي مالك : أنت أفتيته بذلك ؟ قلت : نعم , قال : ولماذا أفتيته بذلك فلت له : سمعتك تروي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله  قال لفاطمة بنت قيس : " إذا حللت فإذنيني " , فلما حلت قالت له : قد خطبني معاوية وأبو جهم فقال : " أما معاوية فصعلوك لا مال له , وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " , وعلم رسول الله  أن أبا جهم يضع عصاه عن عاتقه ويتصرف في أموره , فإنما نسب إلى ضرب النساء , فذكر أنه لا يضع عصاه عن عاتقه وحمله على الأغلب من أمره , وإني سألته وقلت : سكوته أكثر أم صياحه ؟ فقال : صياحه , فأفتيته بذلك .
قال : فتبسم مالك وقال : القول قولك " .36
وعن الحميدي قال :
" قلت لأحمد بن حنبل : الليلة يقعد سفيان بن عيينة ـ أي للتحديث ـ , فقال : الليلة يقعد الشافعي , قال : قلت :سفيان بن عيينة يفوت , والشافعي لا يفوت قال : الشافعي يفوت وابن عيينة لا يفوت .
قال : فحضرنا مجلس الشافعي , قال : فلما قمنا قال : كيف رأيت ؟
قلت : أخطا في ستة أحاديث , قال : يا سبحان الله , رجل من قريش يقعد فيروي في مجلس واحد شبيهاً بمائتي حديث تنكر أن يخطئ في ستة أحاديث أيش هي ؟ قلت : حديث كذا وكذا , قال : هذا رواه فلان , قلت : حديث كذا قال هذا رواه فلان , قال : فإذا الستة كلها صحاح وأنا لم أدر " .37
وعن ابن عبد الحكم قال :
" ما رأينا مثل الشافعي , كان أصحاب الحديث ونقاده يجيئون إليه فيعرضون عليه , فربما أعل نقد النقاد منهم , ويوقفهم على غوامض من علل الحديث لم يقفوا عليها فيقومون وهم يتعجبون منه , ويأتيه أصحاب الفقه المخالفون والموافقون فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والدراية , ويجئ أصحاب الأدب فيقرؤون عليه الشعر فيفسره , ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل بإعرابها وغريبها ومعانيها , وكان من أضبط الناس للتاريخ , وكان يعينه على ذلك شيئان : وفور عقل وصحة دين , وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله " .38
   
مناظراته ـ رحمه الله ـ
 كان الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في ميدان المناظرة ليس له مثيل . . .
وذلك لما أوتي ـ رحمه الله ـ من حجة قويه ، وعذوبه منطق ، وقوة بيان . .
فقد كان ـ رحمه الله ـ أقدر الفقهاء على المناظرة . . .
ولقد سأل ـ رحمه الله ـ عن أقدر الفقهاء على المناظرة فقال : " من عود لسانه الركض في ميدان الألفاظ , لم يتلعثم إذا رمقته العيون " . 39
والإمام ـ رحمه الله ـ كان أماماً في اللغة والفصاحة والبيان . . .
فكان ـ رحمه الله ـ كما وصف إذا ناظر أحد فكأنه سبع . . .
قال ابن عبد الحكم :
" ما رأيت الشافعي يناظر أحداً إلا رحمته , ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك ، وهو الذي علم الناس الحجج " .40
وعن هارون بن سعيد الأيلي قال :
" لو أن الشافعي ناظر على أن هذا العمود الحجر خشب لغلب لاقتداره على المناظرة " .41
وعن أبو حاتم قال :
" حدثنا يونس قال : سمعت الشافعي يقول : ناظرت يوماً محمد بن الحسن ، فاشتد مناظرتي له ، فجعلت أوداجه تنتفخ ، وأزراره تنقطع زرا زراً " . 42
 وإليك أخي القارئ ما وقفت عليه من مناظرات هذا الإمام الكبير ـ رحمه الله تعالى ـ :
قال المزني :
" كنا يوما عند الشافعي ، إذ جاء شيخ عليه ثياب صوف وفي يده عكازة ، فقام الشافعي وسوى عليه ثيابه ، وسلم الشيخ وجلس ، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له ، إذ قال الشيخ : أسأل ؟
قال : سل ، قال : ما الحجة في دين الله ؟
قال الشافعي : كتاب الله .
قال : وماذا ؟
قال : سنة رسول الله  .
قال : وماذا ؟
قال : اتفاق الأمة .
قال : من أين قلت : اتفاق الأمة ؟
فتدبر الشافعي ساعة ، فقال الشيخ : قد أجلتك ثلاثاً ، فإن جئت بحجة من كتاب الله ، وإلا تب إلى الله تعالى ، فتغير لون الشافعي , ثم إنه ذهب فلم يخرج إلى اليوم الثالث بين الظهر والعصر ، وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام ـ مريض ـ فجلس ، فلم يكن بأسرع من أن جاء الشيخ فسلم ، وجلس فقال : حاجتي ؟
فقال الشافعي : نعم ، قال الله تعالى : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} النساء : 115.
قال : فلا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض .
فقال : صدقت ، وقام فذهب .
فقال الشافعي : قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات ، حتى وقفت عليه " . 43
وقال أبي نعيم :
" وردت مسألة من هارون الرشيد يدعو الناس إليها , وقد استكتمها الفقهاء فأجابوه إلى ذلك وقبلوها منه طوعاُ , ومنهم كرهاً , فجيء بالمسألة إلى الشافعي , فلما نظر فيها قال : غفل والله أمير المؤمنين عن الحق وأخطأ المسير عليه بهذا , وحق الله علينا أوجب وأعظم من حق أمير المؤمنين , وهذا خلاف ما كان عليه أصحاب رسول الله  وخلاف ما اعتقدته الأئمة والخلف فكتب بذلك إلى هارون , فكتب في حمله مقيداً , فحمل حتى أحضر في دار أمير المؤمنين , فأجلس في بعض الحجر , ثم دخل محمد بن الحسن وبشر المريسي جميعاً , فقال لهما هارون الرشيد : القرشي الذي خالفنا في مسألتنا قد أحضر في دارنا مقيداً فما الذي تقولان في أمره ؟
فقال محمد بن الحسن : يا أمير المؤمنين وقد بلغني أيضا أنه قد خالف صاحبه وقد رد عليه وعلى صاحبي أيضاً , وجعل لنفسه مقالة يدعو الناس إليها , ويتشبه بالأئمة , فإن رأيت أن تحضره حتى نبلو خبره ونقطع حجته , ثم تضاعف عليه عقوبة أمير المؤمنين , فدعا به بقيده فأحضر بين يدي أمير المؤمنين , فسلم عليه فلم يرد عليه , وبقي قائماً طويلاً لا يؤذن له بالجلوس وأمير المؤمنين مقبل عليهما دونه , ثم أومأ إليه فجلس بين الناس , فقال محمد ابن الحسن : هات مسألة يا شافعي نتكلم عليها .
فقال له الشافعي : سلوني عما أحببتم , فتجرد بشر وقال له : لولا أنك في مجلس أمير المؤمنين وطاعته فرض لننزلن بك ما تستحقه , فليس أنت في كنف العمر , ولا أنت في ذمة العلم فيليق بك هذا .
فقال له الشافعي : عض ما أنت , وهذا بلغة أهل اليمن .
فأنشأ يقول :
أهابك يا عمرو ما هبتنـــــــي وخاف بشراك إذ هبتنــــــــــــي
وتزعم أمي عن أبيـــــــــــــه من أولاد حام بها عبتنـــــــــــي
فأجابه الشافعي وهو يقول :
من هاب الرجال تهيبــــــــوه ومن حقر الرجال فلن يهابــــــــا
من قضت الرجال له حقوقـــا ولم يعص الرجال فما أصابـــــا
فأجابه بشر وهو يقول : هذا أوان الحرب فاشتدي زيم .
فأجابه الشافعي وهو يقول :
سيعلم ما يريد إذا التقينـــــــا بشط الراب أي فتى أكـــــــون
فقال بشر : يا أمير المؤمنين دعني وإياه , فقال له هارون : شأنك وإياه .
فقال له بشر : أخبرني ما الدليل على أن الله تعالى واحد ؟!
فقال الشافعي : يا بشر , ما تدرك من لسان الخواص فأكلمك على لسانهم إلا أنه لا بد لي أن أجيبك على مقدارك من حيث أنت , الدليل عليه به ومنه وإليه , واختلاف الأصوات في المصوت إذا كان المحرك واحداً , دليل على أنه واحد , وعدم الضد في الكمال على الدوام دليل على أنه واحد , وأربع نيرات مختلفات في جسد واحد متفقات على ترتيبه في استفاضة الهيكل دليل على أن الله تعالى واحد , وأربع طبائع مختلفات في الخافقين أضداد غير أشكال مؤلفات على أصلاح الأحوال دليل على أن الله تعالى واحد , وفي خلق السموات والأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون , كل ذلك دليل على أن الله تعالى واحد لا شريك له .
فقال بشر : وما الدليل على أن محمداً رسول الله ؟
قال : القرآن المنزل , وإجماع الناس عليه , والآيات التي لا تليق بأحد وتقدير المعلوم في كون الإيمان بدليل واضح دليل على أنه رسول الله لا بعده مرسل يعزله , وامتحانك إياي بهذين السؤالين , وقصدك إياي بهما دون فنون العلوم دليل على أنك حائر في الدين , تائه في الله عز و جل , ولو وسعني السكوت عن جوابك لاخترته , وإن قلت أمراً لي لا تشمر من سؤاليك هذين لقلت بعيد من بركات اليقين , وكيف قصرت يدي عنك لقد وصل لساني إليك فقال له بشر : ادعيت الإجماع فهل تعرف شيئاً أجمع الناس عليه ؟
قال : نعم , أجمعوا على أن هذا الحاضر أمير المؤمنين فمن خالفه قتل فضحك هارون , وأمر بأخذ القيد عن رجليه .
قال : ثم انبسط الشافعي في الكلام فتكلم بكلام حسن , فأعجب به الرشيد وقربه من مجلسه ورفعه عليهما , قال : ثم غاصا في اللغة وكان بشر مد بها حتى خرجا إلى لغة أهل اليمن , فانقطع بشر في مواضع كثيرة , فقال محمد بن الحسن لبشر : يا هذا إن هذا رجل قرشي واللغة من نسكه , وأنت تتكلفها من غير طبع فدعوني ومالكاً ودعوا مالكاً معي , قال الشافعي : إن كنت أبا ثور يعقر الحرف , فجرى بينهما عشر مسائل انقطع محمد بن الحسن في خمس منها حتى أمر هارون الرشيد بجز رجل محمد بن الحسن , فأراد الشافعي أن يكافئه لما كان له عليه من اليد , فقال : يا أمير المؤمنين والله ما رأيت يمنياً هو أفقه منه , وجعل يمدحه بين يدي أمير المؤمنين ويفضله , فعلم هارون الرشيد ما يريد الشافعي بذلك , فخلع عليهما وحمل كل واحد منهما على مهري قرطاس , يريد بذلك مرضاة الشافعي , وخلع علي الشافعي خاصة وأمر له بخمسين ألف درهم , فانصرف إلى البيت وليس معه شيء قد تصدق بجميع ذلك , ووصل به الناس فقال له هارون الرشيد : أنا أمير المؤمنين وأنت القدوة فلا يدخل علي أحد من الفقهاء قبلك فأنشأ محمد بن الحسن يقول :
أخذت نارا بيـــــــــدي أشعلتها في كبـــــــــدي
فقلت ويحي سيـــــــدي قتلت نفسي بيـــــــــدي 44
وعن الربيع بن سليمان قال :
" سأل رجل من أهل بلخ الشافعي عن الإيمان , فقال للرجل : فما تقول أنت فيه ؟
قال : أقول : إن الإيمان قول .
قال : ومن أين قلت ؟
قال : من قول الله تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } , فصار الواو فصلاً بين الإيمان والعمل , فالإيمان قول , والأعمال شرائعه .
فقال الشافعي : وعندك الواو فصل ؟!
قال : نعم .
قال : فإذا كنت تعبد إلهين , إلهاً في المشرق وإلهاً في المغرب , لأن الله تعالى يقول : { رب المشرقين ورب المغربين } , فغضب الرجل وقال : سبحان الله أجعلتني وثنياً ؟!
فقال الشافعي : بل أنت جعلت نفسك كذلك .
قال : كيف ؟
قال : بزعمك أن الواو فصل .
فقال الرجل : فإني أستغفر الله مما قلت , بل لا أعبد إلا رباً واحداً , ولا أقول بعد اليوم إن الواو فصل , بل أقول إن الإيمان قول وعمل , يزيد وينقص.
قال الربيع : فأنفق على باب الشافعي مالاً عظيماً , وجمع كتب الشافعي وخرج من مصر سنياً ". 45
وعن عثمان بن سعيد قال :
" سمعت المزني يقول : كنت أنظر في الكلام ـ ما يتعلق بالعقيدة والتوحيد ـ قبل أن يقدم الشافعي ، فلما قدم أتيته فسألته عن مسألة من الكلام ، فقال لي : تدري أين أنت ؟
قلت : نعم ، في مسجد الفسطاط .
قال لي : أنت في تاران , ثم ألقى علي مسألة في الفقه ، فأجبت ، فأدخل شيئاً أفسد جوابي ، فأجبت بغير ذلك ، فأدخل شيئاً أفسد جوابي ، فجعلت كلما أجبت بشئ أفسده ، ثم قال لي : هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل الناس ، يدخله مثل هذا ، فكيف الكلام في رب العالمين ، الذي فيه الزلل كثير ؟
فتركت الكلام ، وأقبلت على الفقه " .46
وعن أبويحيى زكريا الساجي قال :
" حدثنا المزني قال : قلت : إن كان أحد يخرج ما في ضميري ، وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي , فصرت إليه وهو في مسجد مصر ، فلما جثوت بين يديه قلت : هجس في ضميري مسألة في التوحيد ، فعلمت أن أحداً لا يعلم علمك ، فما الذي عندك ؟
فغضب ثم قال : أتدري أين أنت ؟
قلت : نعم ، قال : هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون .
أبلغك أن رسول الله  أمر بالسؤال عن ذلك ؟
قلت : لا .
قال : هل تكلم فيه الصحابة ؟
قلت : لا .
قال : تدري كم نجماً في السماء ؟
قلت : لا.
قال : فكوكب منها تعرف جنسه ، طلوعه ، أفوله ، مم خلق ؟
قلت : لا .
قال : فشئ تراه بعينك من الخلق لست تعرفه ، تتكلم في علم خالقه ؟!
ثم سألني عن مسألة في الوضوء ، فأخطأت فيها ، ففرعها على أربعة أوجه فلم أصب في شئ منه ، فقال : شئ تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع علمه وتتكلف علم الخالق ، إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى الله ، وإلى قوله تعالى : { إن في خلق السماوات والارض . . الآية } البقرة : 163 , فاستدل بالمخلوق على الخالق ، ولا تتكلف علم ما لم يبلغه عقلك .
قال : فتبت " . 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ  Empty
مُساهمةموضوع: الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ   الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ  I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 26, 2013 4:02 pm

امتحان الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ
 ومما ورد أيضاً من مناظراته ـ رحمه الله ـ :
أن بعض العلماء في العراق كانوا يحقدون على الإمام الشافعي ، لأنه تربع على قلوب طلاب العلم ، ولذلك اتفقوا على تحضير بعض الأسئلة المعقدة في أسلوب الألغاز حتى يختبروا ذكائه ، أمام الخليفة الرشيد ، وهذه الأسئلة هي :
السؤال الأول : ما قولك في رجل ذبح شاة في منزله ، ثم خرج لحاجة وعاد فقال لأهله : كلوا أنت من الشاة ، فقد حرمت على ؟ فقال أهله : ونحن حرمت علينا كذلك .
قال الشافعي : إن هذا الرجل كان مشركاً ، فذبح الشاة ، وعلى اسم الأنصاب وخرج من منزله لبعض المهمات ، فهداه الله تعالى إلى الإسلام ، وأسلم فحرمت عليه الشاة ، وعندما علم أهله بإسلامه ، أسلموا هم أيضاً ، فحرمت عليهم الشاة كذلك .
الثاني : ما قولك في رجل هرب له غلام ، فقال : هو حر إن أكلت الطعام حتى أجده ، فكيف المخرج له عما قال ؟
قال الشافعي : يهب الغلام لبعض أولاده ، ثم يأكل ، ثم بعد ذلك يسترد ما وهب .
الثالث : شرب مسلمان عاقلان حران الخمر ، يحد أحدهما ، ولا يحد الآخر.
قال الشافعى : إن أحدهما كان بالغاً ، والآخر صبياً .
الرابع : لقيت امرأتان غلامين فقالتا : مرحبا يا ابنينا وزوجينا ، وابنى زوجينا .
قال الشافعى : إن الغلامين كانا ابنى امرأتين ، فتزوجت كل واحدة منهن بابن صاحبتها ، فكان الغلامين ابنيهما وزوجيهما ، وابنى زوجيهما .
الخامس : أخذ رجل قدح من ماء ليشرب ، فشرب نصفه حلالاً ، وحرم عليه بقية ما فى القدح .
قال الشافعى : إن الرجل شرب نصف القدح ، ورعف فى الماء الباقى فى القدح ، فاختلط الدم بالماء فصار حراماً عليه .
السؤال السادس : زنى خمسة نفر بامرأة ، فوجب على أولهم القتل ، وثانيهما الرجم ، وثالثهما الجلد ، ورابعهم نصف الجلد ، وخامسهم لا شئ عليه
قال الشافعى : استحل الأول الزنا فصار مرتداً ، فوجب عليه القتل ، والثانى كان متزوجاً محصناً ، والثالث كان غير محصن ، والرابع كان عبداً ، والخامس كان مجنوناً .
السؤال السابع : رجل صلى ولما سلم عن يمينه طلقت زوجته ، ولما سلم عن يساره بطلت صلاته ، ولما نظر الى السماء وجب عليه دفع ألف درهم ؟
قال الشافعي : لما سلم الرجل عن يمينه رأى شخصاً تزوج ـ هو المصلى ـ امرأته فى بيته ، فلما حضر طلقت منه ، ولما نظر الى يساره ، رأى نجاسة فى ثوبه فبطلت صلاته ، ولما نظر الى السماء رأى الهلال وقد ظهر فى السماء ، وكان عليه دين ألف درهم يستحق سداده فى أول الشهر ، من ظهور الهلال .
السؤال الثامن : كان إمام يصلى مع أربعة نفر فى مسجد ، فدخل عليهم رجل وصلى عن يمين الإمام ، فلما سلم الإمام عن يمينه ، وذلك الرجل وجب على الإمام القتل وعلى المصلين الأربعة الجلد ، ووجب هدم المسجد إلى أساسه .
قال الشافعي : إن الرجل كانت له زوجة ، وسافر وتركها في بيت أخيه ، فقتل الإمام هذا الرجل ، وادعى أن المرأة كانت زوجة المقتول ، فتزوج منها ، وشهد على ذلك الأربعة المصلون ، وأن المسجد كان بيتاً للمقتول ، فجعله الإمام مسجداً .
السؤال التاسع : أعطى رجل لامرأته كيساً مملوءاً مختوماً ، وطلب إليها أن تفرغ ما فيه بشرط ألا تفتحه ، أو تفتقه ، أو تكسر ختمه ، أو تحرقه ، وهى إن فعلت شيئاً من ذلك فهي طالق .
قال الشافعي : إن الكيس كان مملوءاً بالسكر أو الملح ، وما على المرأة إلا أن تضعه في الماء فيذوب ما فيه .
السؤال العاشر : رأى رجل وامرأة غلامين في الطريق , فقبلاهما ، ولما سئلا عن ذلك ، قال الرجل : أبى جدهما ، وأخي عمهما ، وزوجتي امرأة أبيهما ، وقالت المرأة : أمي جدتهما ، وأختي خالتهما ؟
قال الشافعي : إن الرجل كان أباً الغلامين ، والمرأة أمهما .
فأعجب الرشيد بالشافعي ، فقال : لله درُ بنى عبد مناف ، فقد بينت فأحسنت ، وفسرت فأبلغت ، وعبرت فأفصحت .
فقال الشافعي : أطال الله عمر أمير المؤمنين , إني سائل هؤلاء العلماء في مسألة ، فإن أجابوا عليها فالحمد لله ، و إلا فأرجو من أمير المؤمنين أن يكف عنى شرهم .
فقال الرشيد : لك ذلك , وسلهم ما تريد يا شافعي .
فقال لهم : مات رجل عن 600 درهم , فلم تنل أخته من هذه التركة إلا درهماً واحداً ، فكيف كان النظر في توزيع التركة ؟
فنظر بعضهم إلى بعض , ولم يستطيعوا الجواب .
فقال الرشيد : قل لهم الجواب يا شافعي .
فقال الشافعي : مات هذا الرجل عن ابنتين ، وأم ، وزوجة ، واثني عشر أخاً وأختاً ، فأخذت البنتان الثلثين وهو400 درهم ، وأخذت الزوجة الثمن ، وهو 75 درهم ، وأخذت الأم السدس ، وهو 100 درهم ، وأخذ الأخوة الإثنا عشر 24 درهم ، وبقى درهم واحد أخذته الأخت .
فتبسم الرشيد ، وقال : أكثر الله في أهلي منك ، وأمر بألفي دينار ، فتسلمها الشافعي وزعها على خدم القصر وحاشيته .48
   
من كلامه ـ رحمه الله ـ
 ترك لنا الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ من نفائس الكلام , ومن جواهرالحكم الشئ الكثير . . .
ولما لا ، وهو كان من أفصح الناس ، و أبلغهم ، وأشعرهم . . .
ولعل الذي ساعده على ذلك نشأته في قبيلة " هذيل " وتعلمه الشعر منها . .
وهذه بعض من نفائس كلامه ـ رحمه الله ـ والتي تبين لنا مدي علمه وحكمته وعقله . . .
فعن الربيع قال :
" قال الشافعي : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من أن يلقاه بشئ من الأهواء " . 49
وعن الحسين بن علي الكرابيسي قال :
" قال الشافعي : كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد ، وما سواه فهو هذيان " . 50
وعن المزني قال :
" سمعت الشافعي يقول : من تعلم القرآن عظمت قيمته ، ومن تكلم في الفقه
نما قدره ، ومن كتب الحديث قويت حجته ، ومن نظر في اللغة رق طبعه ، ومن نظر في الحساب جزل رأيه ، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه " .51
وقال حرملة :
" قال الشافعي : كل ما قلته فكان من رسول الله  خلاف قولي مما صح ، فهو أولى ولا تقلدوني " . 52
وقال الربيع :
" سمعت الشافعي يقول : المراء في الدين يقسي القلب ويورث الضغائن "53
وعن الربيع قال :
" سمعت الشافعي يقول : إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله  فقولوا بها ، ودعوا ما قلته " .54
وسمعته يقول - وقد قال له رجل : تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبد الله ؟
فقال : " متى رويت عن رسول الله  حديثاً صحيحا ولم آخذ به ، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب " . 55
وقال الحميدي :
" روى الشافعي يوماً حديثا فقلت : أتأخذ به ؟ فقال : رأيتني خرجت من كنيسة أو علي زنار حتى إذا سمعت عن رسول الله  حديثا لا أقول به ! " . 56
وقال الربيع :
" وسمعته يقول : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله  حديثاً فلم أقل به " .57
وقال أبو ثور :
" وسمعته يقول : كل حديث عن النبي  فهو قولي وإن لم تسمعوه مني "58
وعن الربيع قال :
" قال لي الشافعي : عليك بالزهد ، فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد " . 59
وعن الأصمعي قال :
" سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول : إن لكل رأي ثمرة ولكل تدبير عافية , ولكل مشورة اختيار , وعلى قدر درجات الصواب تكون العافية والسلامة , وعلى قدر طبقات الخطأ يكون الفوت والندامة " . 60
وقال الأصمعي :
" سمعت الشافعي يقول : العالم يسأل عما يعلم وعما لا يعلم ، فيثبت ما يعلم ويتعلم ما لا يعلم ، والجاهل يغضب من التعلم , ويأنف من التعليم " . 61
وعنه : " ضياع العالم أن يكون بلا إخوان ، وضياع الجاهل قلة عقله ، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له " .
وعنه : " إذا خفت على عملك العُجْب ، فاذكر رضى من تطلب ، وفي أي نعيم ترغب ، ومن أي عقاب ترهب , فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله "
وعنه قال : " آلات الرياسة خمس : صدق اللهجة ، وكتمان السر ، والوفاء بالعهد ، وابتداء النصيحة ، وأداء الأمانة " . 62
وعن الربيع قال :
" سمعت الشافعي يقول : من استغضب فلم يغضب فهو حمار ، ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان " .63
وقال يونس بن عبد الأعلى :
" سمعت الشافعي يقول : يا يونس ، الإنقباض عن الناس مكسبة للعداوة ، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء ، فكن بين المنقبض والمنبسط " . 64
وقال لي : " رضى الناس غاية لا تدرك ، وليس إلى السلامة منهم سبيل ، فعليك بما ينفعك فالزمه " .
وقال : " العلم ما نفع ، ليس العلم ما حفظ " .
وقال : " اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل " . 65
وعنه : " لو أعلم أن الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته " .66
ونقل الإمام الذهبي بعض كلامه فقال :
وقال : " الخير في خمسة : غنى النفس ، وكف الأذى ، وكسب الحلال ، والتقوى ، والثقة بالله " .
وعنه : " أنفع الذخائر التقوى ، وأضرها العدوان " .
وعنه : " اجتناب المعاصي وترك ما لا يعنيك ينور القلب ، وعليك بالخلوة وقلة الأكل ، وإياك ومخالطة السفهاء ومن لا ينصفك ، إذا تكلمت فيما لا يعنيك ملكتك الكلمة ولم تملكها " .
وعنه : " سياسة الناس أشد من سياسة الدواب " .
وعنه : " العاقل من عقله عقله عن كل مذموم " .
وعنه : " للمروءة أركان أربعة : حسن الخلق ، والسخاء ، والتواضع ، والنسك " .
وعنه : " لا يكمل الرجل إلا بأربع : بالديانة والأمانة والصيانة والرزانة " .
وعنه : " ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته " .67
وقال : " أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره ، وأكثرهم فضلاً من لا يرى فضله " .68
وعن يحيى بن علي قال :
" سمعت الشافعي يقول : السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا والآخرة بعد أن لا يلحقهما بدعة " .69
وعن الربيع بن سليمان قال :
" سمعت الشافعي يقول : إذا أنت خفت على عملك العجب فاذكر رضا من تطلب , وفي أي نعيم ترغب , ومن أي عقاب ترهب , وأي عافية تشكر , وأي بلاء تذكر , فإنك إن ذكرت في واحدة من هذه الخصال صغر في عينيك ما قد عملت " . 70
وعن يونس بن عبد الأعلى قال :
" سمعت الشافعي يقول : ليس العاقل الذي يدفع بين الخير والشر فيختار الخير , ولكن العاقل الذي يدفع بين الشرين فيختار أيسرهما " .71
وعن المزني قال :
" سمعت الشافعي يقول : من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه , ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه " .
وعن يونس بن عبد الأعلى قال :
" سمعت الشافعي يقول : كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه ويفرح إذا نسب إليه , وكفى بالجهل شيئا أن يتبرأ منه من هو فيه , ويغضب إذا نسب إليه " .
وعن الربيع بن سليمان قال :
" سمعت الشافعي يقول : أشد الأعمال ثلاثة : الجود من قلة , والورع من خلوة , وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف " .72
وعن الربيع بن سليمان قال :
" سمعت الشافعي يقول : اعلموا أن ذا العلم والحصافة لا تبطره المنزلة الرفيعة ولا تعجبه نفسه بالعز الكامل , كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت به الرياح العواصف , والخفيف السخيف من الناس تبطره أدنى منزلة يصير إليها وأيسر ولاية ينالها فهو مثل الحشيشة تحركه أضعف الرياح " .73
وعن يونس بن عبد الأعلى قال :
" قال لي الشافعي ذات يوم : يا يونس إذا بلغت عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادر بالعداوة وقطع الولاية , فتكون ممن أزال يقينه بشك , ولكن ألقه وقل له : بلغني عنك كذا وكذا , وأجدر أن تسمى المبلغ فإن أنكر ذلك فقل له : أنت أصدق وأبر ولا تزيدن على ذلك شيئاً , وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجهاً بعذر فاقبل منه , وإن لم يرد ذلك فقل له : ماذا أردت بما بلغني عنك ؟ فإن ذكر ماله وجه من العذر فاقبله , وإن لم يذكر لذلك وجهاً لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ اثبتها عليه سيئة أتاها , ثم أنت في ذلك بالخيار إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة , وإن شئت عفوت عنه , والعفو أبلغ للتقوى وأبلغ في الكرم لقول الله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله } , فإن نازعتك نفسك بالمكافأة فاذكر فيما سبق له لديك ولا تبخس باقي إحسانه السالف بهذه السيئة , فإن ذلك الظلم بعينه , وقد كان الرجل الصالح يقول : رحم الله من كافأني على إساءتي من غير أن يزيد ولا يبخس حقا لي .
يا يونس إذا كان لك صديق فشد يديك به فإن اتخاذ الصديق صعب , ومفارقته سهل , وقد كان الرجل الصالح يشبه سهولة مفارقة الصديق بصبي يطرح في البئر حجراً عظيماً فيسهل طرحه عليه , ويصعب إخراجه على الرجال , فهذه وصيتي لك والسلام " . 74
وعن إبراهيم بن خالد قال :
" كتب محمد بن إدريس الشافعي إلى رجل من إخوانه من قريش يعزيه بابن أصيب به فقال : اعلم يا أخي أن كل مصيبة لا يجبر صاحبها ثوابها فهي المصيبة العظمة , فكيف يا أخي رضيت بابنك فتنة ولم ترض به نعمة , وكيف رضيت به مفارقاً ولم ترض به خالداً , وكيف رضيته على التغرير من الفساد ولم ترض به على اليقين من الصلاح , بل كيف لك بمقت منعم لم تعرف له نعمته يريك ما تحب ويرى منك ما يكره , ارجع إلى الله عز و جل وتعز برسول الله  وتمسك بدينك والسلام" . 75
   
تقواه وورعه ـ رحمه الله ـ
 كان الإمام الشافعي تقياً ورعاً مخلصاً لا يحب الشهرة ولا السمعة . . .
حيث كان ـ رحمه الله ـ يقول : " وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني " .76
وعن الربيع بن سليمان قال :
" دخلت على الشافعي وهو مريض ، فسألني عن أصحابنا فقلت : إنهم يتكلمون .
فقال : ما ناظرت أحداً قط على الغلبة ـ أي أنتصر عليه ـ ، وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب - يعني كتبه - على أن لا ينسب إلي منه شئ " .77
وعن الربيع قال :
" سمعت الشافعي يقول : وودت أن الناس تعلموا هذا العلم - يعني كتبه - على أن لا ينسب إلي منه شئ " .78
وعن الحارث بن سريج قال :
" دخلت مع الشافعي على خادم الرشيد ، وهو في بيت قد فرش بالديباج ، فلما أبصره رجع ، فقال له الخادم : ادخل ، قال : لا يحل افتراش الحرم ، فقام الخادم متبسماً ، حتى دخل بيتاً قد فرش بالارمني ـ نوع من الفرش ـ فدخل الشافعي ثم أقبل عليه فقال : هذا حلال ، وذاك حرام ، وهذا أحسن من ذاك وأكثر ثمناَ , فتبسم الخادم وسكت " . 79
وعن الربيع بن سليمان قال :
" قال عبد الله بن عبد الحكم للشافعي : إن عزمت أن تسكن البلد ـ يعني مصر ـ فليكن لك قوت سنة , ومجلس من السلطان تتعزز به .
فقال له الشافعي : يا أبا محمد من لم تعزه التقوى فلا عز له , ولقد ولدت بغزة وربيت بالحجاز وما عندنا قوت " . 80
وقال يونس الصدفي :
" ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوماً في مسألة ، ثم افترقنا ولقيني ، فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة " . 81
   
عبادته ـ رحمه الله ـ
عن محمد بن إسماعيل قال :
" حدثني حسين الكرابيسي قال : بت مع الشافعي ليلة ، فكان يصلي نحو ثلث الليل ، فما رأيته يزيد على خمسين آية ، فإذا أكثر فمئة آية ، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله ، ولا بآية عذاب إلا تعوذ ، وكأنما جمع له الرجاء والرهبة جميعا " . 82
وقال الربيع بن سليمان من طريقين عنه بل أكثر :
" كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة " .
ورواها ابن أبي حاتم عنه فزاد : " كل ذلك في صلاة " .83
وقال إبراهيم بن محمد الشافعي :
" ما رأيت أحداً أحسن صلاة من الشافعي ، وذاك أنه أخذ من مسلم بن خالد وأخذ مسلم من ابن جريج ، وأخذ ابن جريج من عطاء ، وأخذ عطاء من ابن الزبير, وأخذ ابن الزبير من أبي بكر الصديق، وأخذ أبو بكر من النبي  "84
وعن الربيع بن سليمان قال :
" كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء , الثلث الأول يكتب , والثلث الثاني
يصلي , والثلث الثالث ينام " . 85
( مسألة ) : قد يقول قائل : كيف يقرأ الإمام الشافعي القرآن في رمضان ستين مرة ـ كما ورد ـ ولقد قال النبي  : " ما فقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " ؟!
والجواب نقول : إن فهم وفقه القرآن بالنسبة لمن قرأه في ثلاث يختلف فيه حال الناس بحسب مؤهلاتهم اللغوية والعلمية والإيمانية ، فإن من عنده علم بلغة العرب من أهل الإيمان يفهم منه ويفقه أكثر مما يفقه غيره ، ومن لا علم عنده باللغة قد لا يفقه منه إلا القليل ، ومن لا إيمان عنده قد لا يفقه منه شيئاً كما أخبر الله عن حال بعض الكفار فذكر أنهم لهم قلوب لا يفقهون بها ، والمقصود بالحديث أن من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقه أي : لم يفهم ظاهر معانيه في هذه المدة , كذا قال المناوي في " شرح الجامع الصغير " وصاحب شرح سنن ابن ماجه .
ولا يفهم من الحديث أن قراءته في أقل من ثلاث لا تجوز ، إذ المنفي في الحديث هو الفقه والفهم , وليس ثواب القراءة ، فلا يلزم من عدم فهمه في أقل من ثلاث تحريم قراءته في أقل منها ، كذا قال العراقي .
ويدل لهذا أنه نقل عن كثير من السلف ختم القرآن في أقل من ثلاث ، كما نقله النووي في التبيان فيمكن الإطلاع على كلامه كاملاً في التبيان .
   
أخلاقه ـ رحمه الله ـ
 كان الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ يتحلي بمعالى الإخلاق . . .
ويكره سفسافها . . .
وكان قد عرف ـ رحمه الله ـ بكرمه وجوده وبذله . . .
فكان ـ رحمه الله ـ معطاًء كريماً جواداً . . .
ولقد بلغ من جوده وكرمه أنه قد أفلس ثلاث مرات ! . . .
فكان يبيع ـ رحمه الله ـ قليله وكثيره مما يجد ، حتى بلغ به ذلك إلى أن باع حلي ابنته وزوجته . . .
ولقد أنشد ـ رحمه الله تعالى ـ في هذا الشأن فقال :
يا لهف نفسي على مال أفرقـــــه على المقلين من أهل المــــــروءات
إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ما لست أملكه إحدى المصيبــــــات
وعن عمرو بن سواد قال :
" كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام ، فقال لي الشافعي : أفلست من دهري ثلاث إفلاسات ، فكنت أبيع قليلي وكثيري حتى حلي بنتي وزوجتي ، ولم أرهن قط " .87
وعن سعيد بن أحمد اللخمي المصري قال :
" سمعت المزني يقول : كنت مع الشافعي يوماً ، فخرجنا الأكوام ـ جبال ـ فمر بهدف ، فإذا برجل يرمي بقوس عربية ، فوقف عليه الشافعي ينظر ، وكان حسن الرمي ، فأصاب بأسهم ، فقال الشافعي : أحسنت ، وبرك عليه ، ثم قال : أعطه ثلاثة دنانير ، واعذرني عنده " .88
وقال الربيع :
" كان الشافعي ماراً بالحذائين ، فسقط سوطه ، فوثب غلام ومسحه بكمه ، وناوله ، فأعطاه سبعة دنانير " .89
وعن الربيع قال :
" كان بالشافعي هذه البواسير ، وكانت له لبدة محشوة بحلبة يجلس عليها ، فإذا ركب أخذت تلك اللبدة ، ومشيت خلفه ، فناوله إنسان رقعة يقول فيها : إنني بقال ، رأس مالي درهم وقد تزوجت فأعني ، فقال : يا ربيع ، أعطه ثلاثين ديناراً واعذرني عنده .
فقلت : أصلحك الله ، إن هذا يكفيه عشرة دراهم ، فقال : ويحك ! وما يصنع بثلاثين ؟ أفي كذا ، أم في كذا - يعد ما يصنع في جهازه – أعطه " . 90
وعن الزبير بن سليمان القرشي :
" عن الشافعي قال : خرج هرثمة ، فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون ، وقال : قد أمر لك بخمسة آلاف دينار .
قال : فحمل إليه المال ، فدعا بحجام فأخذ شعره ، فأعطاه خمسين ديناراً ، ثم أخذ رقاعاً ، فصر صرراً وفرقها في القرشيين الذين هم بالحضرة ومن بمكة ، حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مئة دينار " .91
وعن الحميدي قال :
" قدم الشافعي صنعاء ، فضربت له خيمة ومعه عشرة آلاف دينار ، فجاء قوم فسألوه ، فما قلعت الخيمة ومعه منها شئ " . 92
وقال ابن عبد الحكم :
" كان الشافعي أسخى الناس بما يجد ، وكان يمر بنا فإن وجدني ، وإلا قال : قولوا لمحمد إذا جاء يأتي المنزل فإني لا أتغدى حتى يجئ " .93
وعن داود بن علي الاصبهاني قال :
" حدثنا أبو ثور قال : كان الشافعي من أسمح الناس ، يشتري الجارية الصناع التي تطبخ وتعمل الحلواء ، ويشترط عليها هو أن لا يقربها لأنه كان عليلاً لا يمكنه أن يقرب النساء لباسور به إذا ذاك .
وكان يقول لنا : اشتهوا ما أردتم " . 94
وعن علي بن أحمد القصري قال :
" حدثني بعض شيوخنا قال : لما أشخص الشافعي إلي " سامراء " دخلها وعليه أطمار ـ ثياب ـ رثة , وطال شعره , فتقدم إلى مزين فاستقذره لما نظر الى رثاثته فقال له : تمضي الى غيري , فاشتد على الشافعي أمره , فالتفت الى غلام كان معه فقال : إيش معك من النفقة ؟ قال : عشرة دنانير , قال : ادفعها إلى المزين , فدفعها الغلام إليه فولى الشافعي وهو يقول :
على ثياب لو يباع جميعهــــــــــــا بفلس لكان الفلس منهن أكثــــــــرا
وفيهن نفس لو يقاس بمثلهـــــــــــا جميع الورى كانت أجل وأخطـــرا
فما ضر نصل السيف إخلاق غمده إذا كان عضبا حيث أنفذته بـــــــرا
فإن تكن الأيام أزرت ببزتــــــــــي فكم من حسام في غلاف تكســـــرا 95
وعن المزني قال :
" ما رأيت رجلاً أكرم من الشافعي , خرجت معه ليلة عيد من المسجد وأنا أذاكره في مسألة , حتى أتيت باب داره فأتاه غلام بكيس فقال : مولاي يقرئك السلام ويقول : لك خذ هذا الكيس , فأخذه منه وأدخله في كمه , فأتاه رجل من الحلقة فقال : يا ابا عبدالله ولدت امرأتي الساعة ولا شئ عندي , فدفع إليه الكيس وصعد وليس معه شئ " . 96
وعن الربيع قال :
" أعطاني الشافعي دراهم فقال : يا ربيع اشتر لنا بهذه الدراهم لحماً , قال فذهبت فاشتريت سمكاً , فلما رجعت قال لي الشافعي : يا ربيع أمرناك أن تشتري لنا لحماً فاشتريت سمكاً , فقلت : هكذا قضي أو كلمة نحو هذا , فقال : يا ربيع اليوم نأكل شهوتك , وغدا تأكل شهوتنا " .97
وعن محمد بن العباس قال :
" سمعت إبراهيم بن بريه يقول ـ وكان جليساً للشافي ـ : دخلت مع الشافعي حماماً وخرجت قبله , وكان الشافعي طوالاً جسيماً نبيلاً , وكان إبراهيم جسيماً طوالاً , فلبس إبراهيم ثياب الشافعي , ولبس الشافعي ثياب إبراهيم , والشافعي لا يعلم أنها ثياب إبراهيم , وإبراهيم لا يعلم أنه ثياب الشافعي , فانصرف الشافعي إلى منزله فنظر فإذا هي لإبراهيم , فأمر بها فطويت وبخرت وجعلت في منديل , ونظر إبراهيم فطواها وجعلها في منديل , ثم راحا جميعاً فجعل الشافعي ينظر إلى إبراهيم ويتبسم إليه , فلما صليت العصر قال إبراهيم أصلحك الله هذه ثيابك , فقال الشافعي : وهذه ثيابك والله لا يعود إلي منها شئ ولا يلبسها غيرك فأخذهما إبراهيم جميعاً " .98
وعن السجستاني قال :
" وحدثني أبو ثور قال : أراد الشافعي الخروج إلى مكة ومعه مال , فقلت له ـ وقل ما كان يمسك الشئ من سماحته ـ : ينبغي أن تشتري بهذا المال ضيعة ـ أرض ـ تكون لك ولولدك من بعدك , فخرج ثم قدم علينا فسألته عن ذلك المال ما فعل به فقال : ما وجدت بمكة ضيعة يمكنني أن أشتريها لمعرفتي بأصلها وأكثرها قد وقفت عليه , ولكن قد بنيت بِمِنى مضرباً ـ منزلاً ـ يكون لأصحابنا إذا حجوا ينزلون فيه " . 99
   
ثناء الناس عليه ـ رحمه الله ـ
 الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ إمام عالم كبير . . .
ولقد أثني عليه خلق كثير مما لا يحصى عددهم . . . .
من المتقدمين ومن المتأخرين ، ومن كافه الخلق أجمعين . . .
فالكل شهدوا له بالعلم وبالعقل وبالفقه . . .
حيث كان الإمام ـ كما قالوا عنه ـ كأنه ساحر ، يسحر الناس بكلامه وبفصاحته , حيث أوتي ـ رحمه الله ـ عذوبة منطق ، وحسن بلاغة ، وفرط ذكاء ، وسيلان ذهن ، وكمال فصاحة ، وحضور حجة . . .
قال أبو عبيد :
" ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي ، وكذا قال يونس بن عبد الأعلى : حتى إنه قال : لو جمعت أمة لوسعهم عقله " .100
وعن أبا عبد الله الصاغاني قال :
" سألت يحيى بن أكثم عن أبي عبيد والشافعي ، أيهما أعلم ؟ قال : أبو عبيد كان يأتينا هاهنا كثيراً ، وكان رجلا إذا ساعدته الكتب ، كان حسن التصنيف من الكتب ، وكان يرتبها بحسن ألفاظه لاقتداره على العربية .
وأما الشافعي فقد كنا عند محمد بن الحسن كثيراً في المناظرة ، وكان رجلاً
قرشي العقل والفهم والذهن ، صافي العقل والفهم والدماغ ، سريع الإصابة - أو كلمة نحوها - ولو كان أكثر سماعاً للحديث ، لاستغنى أمة محمد  به عن غيره من الفقهاء " .
وقال معمر بن شبيب :
" سمعت المأمون يقول : قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شئ، فوجدته كاملاً " 101.
وقال ابن خلكان :
" كان الشافعي كثير المناقب , جم المفاخر , منقطع القرين ، اجتمعت فيه من العلوم بكتاب الله وسنة الرسول  ، وكلام الصحابة  وآثارهم ، واختلاف أقاويل العلماء وغير ذلك من معرفة كلام العرب واللغة والعربية والشعر , حتى إن الأصمعي مع جلالة قدره في هذا الشأن قرأ عليه أشعار الهذليين ما لم يجتمع في غيره ، حتى قال أحمد بن حنبل : ما عرفت ناسخ الحديث ومنسوخه حتى جالست الشافعي " .102
وعن أحمد بن حنبل قال :
" كان الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة , فجاء محمد بن إدريس الشافعي
طبيباً صيدلانياً , ما مقلت العيون مثله أبداً " . 103
وقال تميم بن عبد الله :
" سمعت سويد بن سعيد يقول : كنت عند سفيان ، فجاء الشافعي فسلم ، وجلس ، فروى ابن عيينة حديثا رقيقاً ، فغشي على الشافعي ، فقيل : يا أبا محمد مات محمد بن إدريس .
فقال ابن عيينة : إن كان مات ، فقد مات أفضل أهل زمانه " .104
وقال أبو بكر بن خلاد :
" أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي " . 105
وقال محمد بن هارون الزنجاني :
" حدثنا عبد الله بن أحمد قلت لأبي : أي رجل كان الشافعي ، فإني سمعتك تكثر من الدعاء له ؟
قال : يا بني ، كان كالشمس للدنيا ، وكالعافية للناس ، فهل لهذين من خلف أو منهما عوض " .
وقال أبو داود :
" ما رأيت أبا عبد الله ـ أحمد بن حنبل ـ يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي " 106.
وقال قتيبة بن سعيد :
" الشافعي إمام " . 107
وعن قتيبة بن سعيد قال :
" مات الثوري ومات الورع ، ومات الشافعي وماتت السنن ، ويموت أحمد ابن حنبل وتظهر البدع " .108
قلت ـ المصنف ـ : " وفي قول قتيبة هذا من المبالغة ما لا يخفى ، فإن السنن لم تمت بموت الشافعي ، بل إنه قد جمعت من بعده ودونت ، وضبطت وحفظت " .
وعن أبو ثور الكلبي قال :
" ما رأيت مثل الشافعي ، ولا رأى هو مثل نفسه " .109
وقال أيوب بن سويد :
" ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي " .110
وقال أحمد بن حنبل :
" إن الله يقيض للناس في رأس كل مئة من يعلمهم السنن ، وينفي عن رسول الله  الكذب ، قال : فنظرنا فإذا في رأس المئة عمر بن عبد العزيز ، وفي رأس المئتين الشافعي " .111
وعن يونس بن عبد الأعلى قال :
" ما كان الشافعي إلا ساحراً , ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله ، كأن ألفاظه سكر , وكان قد أوتي عذوبة منطق ، وحسن بلاغة ، وفرط ذكاء ، وسيلان ذهن ، وكمال فصاحة ، وحضور حجة " .112
وعن عبد الملك بن هشام اللغوي قال :
" طالت مجالستنا للشافعي ، فما سمعت منه لحنة قط " .
قلت ـ الذهبي ـ : " أنى يكون ذلك ، وبمثله في الفصاحة يضرب المثل ، كان أفصح قريش في زمانه ، وكان مما يؤخذ عنه اللغة " .113
وقال أحمد بن أبي سريج الرازي :
" ما رأيت أحداً أفوه ولا أنطق من الشافعي " .114
وعن ابن عبد الحكم قال :
" ما رأت عيني قط مثل الشافعي ، قدمت المدينة فرأيت أصحاب عبد الملك بن الماجشون يغلون ـ يتباهون ـ بصاحبهم ، يقولون : صاحبنا الذي قطع الشافعي ، قال : فلقيت عبد الملك فسألته عن مسألة ، فأجابني ، فقلت : الحجة ؟ قال : لأن مالكاً قال كذا وكذا.
فقلت في نفسي : هيهات ، أسألك عن الحجة وتقول : قال معلمي ! وإنما الحجة عليك وعلى معلمك " . 115
وعن أبا عبيد القاسم بن سلام قال :
" ما رأيت قط رجلاً أعقل ولا أروع ولا أفصح من الشافعي " .116
وعن إسحاق بن راهويه قال :
" قد اجتمع مع أحمد بن حنبل ببغداد , والشافعي نازل بباب الطاق , فقلت : يا أحمد بلغني أن رجلاً من قريش جاء إلى بغداد إلى عندكم , وهو نازل بباب الطاق , فكيف ترى أن نلقاه ؟
قال أحمد : إنه رجل إمام من أئمة المسلمين , وقد رأيته مرات وعدت إليه عودة بن عودة , ولكن قم بنا إليه , قال إسحاق : فقمنا إليه فوجدناه يقرأ القرآن فسلمنا عليه وأجلسنا فجلسنا بجنبه , فلما أن فرغ من درسه ألتفت إلى أحمد فقال : يا أبا عبد الله من الرجل ؟ فقال : أخونا إسحاق بن راهويه , قال إسحاق فأدناني منه وأدناني وعانقتي وقال : الحمد لله الذي جمع بيني وبينكما , قال إسحاق : فتناظرنا في الحديث فلم أر أعلم منه , ثم تناظرنا في الفقه فلم أر أفقه منه , ثم تناظرنا في القرآن فلم أر أقرأ منه , ثم تناظرنا في اللغة ووجدته بيت اللغة , وما رأت عيناي مثله قط حتى تمنيت أن أكون سرياَ لثيابه في سرجه.
قال : فخرجنا من عنده فالتفت إلي أحمد فقال لي : يا أبا يعقوب كيف رأيت
الرجل ؟
قال : فقلت : راجحاً وافراً زاد الله مثله في المسلمين " .117
وعن عبد الله بن محمد البلوي بمكة قال :
" جلسنا ذات يوم نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء وما بلغ من فصاحتهم وزهدهم وعلمهم , فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن بنانة فقال : فيم تتحاورون ؟ فقلنا : نتذاكر الزهاد والعباد وفصاحتهم , فقال عمر : والله ما رأيت رجلاً قط أورع ولا أخشع ولا أفصح ولا أصبح ولا أسمح ولا أعلم ولا أكرم ولا أجمل ولا أنبل ولا أفضل من محمد بن إدريس الشافعي ـ رحمة الله ـ
خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا , وكان الحارث بن لبيد قد صحب صالحاً المري وكان من الخاشعين المتقين الزاهدين وكان حسن الصوت بالقرآن فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم : { هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين * فإن كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين } , قال : فرأيت الشافعي قد اضطرب وتغير لونه , وبكا بكاء شديداً حتى لصق بالأرض , قال فأبكاني والله قلقه وشدة خوفه لله عز وجل , ثم لم يتمالك أن قال : إلهي أعوذ بك من مقام الكذابين , وأعلام الغافلين , إلهي خشعت لك قلوب العارفين وولهت بك همم المشتاقين , فهب لي جودك , وجللني سترك , واعف عني بكرم وجهك يا كريم .
قال : ثم قمنا وتفرقنا " .118
وعن محمد بن علي الصايغ بمكة قال :
" سمعت يحيى بن معين يقول : محمد بن إدريس الشافعي في الناس بمنزلة العافية للخلق , والشمس للدنيا , جزاه الله عن الإسلام وعن نبيه  خيرا " .119
وعن هلال بن العلاء الرقي قال :
" من الله تعالى على الناس بأربعة في زمانهم : بالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد , ويحيى بن معين , فأما الشافعي فتفقه بحديث رسول الله  , وأما أبو عبيد ففسر لهم غريب الحديث ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ , وأما يحيى بن معين فنفى الكذب عن النبي  وبين الصادق من الكاذب , وأما أحمد بن حنبل فجعله الله للناس إماماً في القرآن ولولا ذلك لكفر الناس " .120
وعن محمد بن أحمد قال يمدح الشافعي :
ما أن ترى قط فيمن ظل مجتهــداً كالشافعي ولا في حسن مذهبـــــــه
ذاك امرؤ لا ترى في رأيـــه أوداً فتق تقر بقويم الرأي مثقبـــــــــــــه
موفق للذي نيط الصواب بـــــــه حسب امرئ طالب تزيين مطلبــــه
ما انفك يتبع المفروض طاعتــــه فزاده رفعة في فضل منصبـــــــــه
لم يتبع قط إلا ماله ثبتـــــــــــــت عن النبي دلالات تقوم بـــــــــــــــه
لم يرض إلا كتاب الله قدوتـــــــه وسنة المصطفى المتبوع فارض به
لا تجعلن كمن لم يلف منتحبــــــاً عن الأمور فنكث ما تجئ بــــــــــه
هل مثله أحد ساواه نعلمـــــــــــه في علمه النافع القاصي ومنصبــــه
مقالة حسن عدل بلا حتــــــــــف مهذب ليس واعيه بمكذبـــــــــــــــه
أني يوازي متين القول لجلجـــــه كلا يكون سنا صبح كغيهبــــــــــــه
كم ضمنت كتبه من حكمة عظـــ مت مزينا ببليغ القول معجبـــــــــــه
هل كالرسالة في الأول التـــــــي سطروا أنى لهم ببديع النطق مذهبــه
قد خصه الله بالتوفيق فهو بـــــــه مقارن لسديد الأمر أصوبــــــــــــــه
قد قلب الأمر ظهرا منه يقلبــــــه للبطن من حول ناهيك قلبـــــــــــــه
من نصح طال علم ما قد بث مـن حكم يصبح له الرشد مقروناً بمطلبه
أو يفد مقتبساً من علمه غنمـــــت يداه ما كشفت من خير مكسبـــــــــه
الله أشهد أني ما غششت بــــــــذا والنصح ما خلت فالزم ذاك تنج بـــه
لم يأل نصحاً لمن قد ظل يرشـــده فجوزي الخير من ناء ومقربـــــــــه
واجعله يا رب ممن قد شكـــــرت له أفعاله وسعيدا في تقلبــــــــــــــــه
مثواه جنة عدن إذ يقال لــــــــــــه سلام ربك وافى بعد مرحبــــــــــــه 121
وعن الفتح علي بن محمد الكاتب البستي قال :
الشافعي أجل الناس منزلــــــــة وأعلم الناس في دين الهدى أثــــــرا
العدل سيرته والصدق شيمتـــــه والسحر منطومه والدر إن نثــــــرا
فقل لمن عابه وابتاع حاســــــده أراك بعت بخوص النخلة الكثـــــرا
وعن أبو القاسم قال :
الفقه فقه الشافعي وإنمـــــــــــا من بحره كل بقدر يغــــــــــــــرف
لولا ضياء علومه ونجومــــــه ما كان للتحقيق وجه يعـــــــــــرف 122
وعن الأصبهاني قال :
" اجتمع للشافعي ـ رحمه الله ـ من الفضائل ما لم يجتمع لغيره , فأول ذلك شرف نسبه ومنصبه وأنه من رهط النبي  .
ومنها صحة الدين وسلامة الاعتقاد من الأهواء والبدع .
ومنها سخاوة النفس .
ومنها معرفته بصحة الحديث وسقمة .
ومنها معرفته بناسخ الحديث ومنسوخه .
ومنها حفظه لكتاب الله وحفظه لأخبار رسول الله  .
ومعرفته بسير النبي  وبسير خلفائه .
ومنها كشف لتمويه مخالفيه .
ومنها تأليفه الكتب القديمة , والجديد منها .
ومنها ما اتفق له من الأصحاب والتلامذة مثل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه وإقامته على السنة , ومثل سليمان بن داود الهاشمي , وعبد الله بن إدريس الحميدي , والحسين الفلاس , وأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي , والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني , وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي , وحرملة بن يحيى التجيبي , والربيع بن سليمان المرادي , وأبي الوليد موسى بن الجارود , والحارث بن سريج النقال وأحمد بن خالد الخلال , والقائم بمذهبه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني ولم يتفق لأحد من العلماء والفقهاء من الأصحاب ما اتفق له رحمة الله عليه وعليهم أجمعين " . 123

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ  Empty
مُساهمةموضوع: الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ   الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ  I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 26, 2013 4:04 pm

محنته ـ رحمه الله ـ
 كان الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ قد سافر إلى اليمن ـ كا سبق ـ ، وهناك تنامت ثروة الإمام الشافعي العلمية , وذلك بالتعرف على إمام مصر الليث بن سعد الذي كان تلامذته منتشرين هناك .
ولكن والي مدينة نجران قد تحفظ عليه , فوشى إلى هارون الرشيد بشأنه و شأن عدد من الناس معه كان مجموعهم عشرة , و كانت الخلافة العباسية آنذاك تحسب حساباً للشيعة لاسيما العلويين - أي أسرة و ذرية سيدنا علي  - ذلك لأن الخلافة العباسية قامت على سواعد الشيعة , أي المتشيعين والمناصرين لعلي  عنه وأرضاه ، إلا أن العباسيين تنكروا لهم بعد قيام الخلافة .
لذا كانت الخلافة العباسية دائماً تخشى من ثورة العلويين عليهم , وكان والي نجران قد اتهم الشافعي بأنه يحرض العلويين على الثورة , وسيق إلى هارون الرشيد مكبلاً بتهمة خيانة الدولة وكانت عقوبة هذه الخيانة القتل .
قال الشافعي ـ رحمه الله ـ :
" خرجت إلى اليمن وأقمت بها وارتفع بها الشأن , وكان بها وال من قبل هارون الرشيد وكان ظلوماً غشوماً , فكنت ربما آخذ على يده وأمنعه من الظلم .
قال : وكان باليمن سبعة من العلوية قد تحركوا ـ للثورة ـ فكتب والي هارون إلى هارون إن ههنا سبعة من العلوية قد تحركوا , فإني أخاف أن يخرجوا , وههنا رجل من ولد شافع بن المطلب لا أمر لي معه ولا نهي .
فكتب إليه هارون أن أحمل هؤلاء واحمل الشافعي معهم , قال : فاقترنت معهم , فلما أن قدمنا على هارون قال أبو المجاهد : قال الشافعي : فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم عن محمد بن زياد المدني وكان يديم مجلس هارون فقال : كنت جالساً عند هارون حين أدخل عليه الطالبيون والشافعي وعنده محمد بن الحسن , فدعا هارون بالنطع ـ ما يقتل عليه ـ والسيف يضرب رقاب العلوية .
قال : ثم التفت محمد بن الحسن فقال : يا أمير المؤمنين هذا المطلبي ـ أي الشافعي ـ لا يغلبك بفصاحته ولسانه , فإنه رجل لسِن , قال : فقلت : يا أمير المؤمنين فإنك الداعي وأنا المجيب الدعاء , وإنك القادر على ما تريد مني ولست القادر على ما أريد منك , يا أمير المؤمنين ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه والآخر يراني عبده , أيما أحب إلي ؟!
قال : الذي يراك أخاه , قال : قلت : كذاك أنت يا أمير المؤمنين .
فقال لي : كيف ذلك ؟ قال : قلت : يا أمير المؤمنين إنكم ولد العباس ونحن بنو المطلب ترونا إخوانكم , وولد علي هم يرونا عبيدهم , قال : فسري ما كان به واستوى جالساً وقال : يا ابن إدريس كيف علمك بالقرآن ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين عن أي علومه تسألني ؟! عن حفظه فقد حفظته ووعيته في جنبي وعرفت وقفه وابتداءه وعدده مكيه ومدنيه وكوفيه وبصريه , وقد عرفت ناسخه ومنسوخه وليليه ونهاريه ووحشيه وأنسيه وسهليه وجبليه , وما خوطب من العام يريد به الخاص , وما خوطب من العام يراد به العام .
فقال لي : والله يا ابن إدريس لقد ادعيت علماً " .124
وعن محمد بن إسماعيل عن أبيه قال :
" كان محمد بن إدريس الشافعي رجلاً شريفا , وكان يطلب اللغة والعربية والفصاحة والشعر في صغره , وكان كثيراً ما يخرج الى البدو ويحمل ما فيه من الأدب , فبينا هو ذات يوم في حي من أحياء العرب إذ جاء اليه رجل بدوي فقال له ما تقول في امرأة تحيض يوماً وتطهر يوماً ؟
فقال : لا أدري , فقال له : يابن أخي الفضيلة أولى بك من النافلة , فقال له إنما أريد هذا لذاك , وعليه قد عزمت وبالله التوفيق وبه أستعين , ثم خرج الى مالك بن أنس , وكان مالك صدوقاً في حديثه , صادقا في مجلسه , وحيداً في جلوسه , فدخل عليه وارتفع على أصحابه , فنهره مالك , فوجده موقراً في الأدب , فرفعه على أصحابه وقدمه عليهم وقربه من نفسه , فلم يزل مع مالك إلى أن توفي مالك ـ رحمه الله ـ ثم خرج الى اليمن وقد خرج بها الخارجي على هارون الرشيد , وطعن الشافعي عليه وأعرض عمن ساعده , ورفع من قعد عنه , فبلغ ذلك الخارجي ما يقول فيه فبعث إليه فأحضره عنده وهم بقتله فلما سمع كلامه وتبين له شرفه وفضله وعفته عفا عنه , وعرض عليه قضاء اليمن فامتنع من ذلك , ثم أشخص هارون جيشه إلى ذلك الخارجي , فقبض عليه وحمل إلى بساط السلطان , وحمل معه الشافعي , وأحضراً جميعاً بين يدي الرشيد فأمر بقتلهما .
فقال له الشافعي : يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تسمع كلامي وتجعل عقوبتك من وراء لساني ثم تضمني بعد ذلك إلى ما يليق لي من الشدة والرخاء فقال له هات : فبين له القصة وعرفه شرفه , وذكر له كلاماً استحسنه هارون وأمره أن يعيده عليه , فأعاد تلك المعاني بألفاظ أعذب منها .
فقال له هارون : كثر الله في أهل بيتي مثلك " .125
   
كتابه " الرسالة " وأهميته
 بدأ الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ يؤلف في مكة كتابه " الرسالة " ، وكان صيته العلمي في هذا الوقت يطبق الآفاق في مختلف أنحاء البلاد ومقاطعات الدولة الإسلامية الشاسعة ، فيأتيه طلاب العلم والمعرفة من أقصى الأماكن وكان من هؤلاء أحمد بن حنبل الذي كان تلميذاً للإمام ابن عيينة إمام الحديث في عصره في المسجد الحرام , وابن عيينة كان يروي جل أحاديثه عن الزهري وهو أعلى الأسانيد ، فكان الناس يغشون مجلسه .
والذي يدعو إلى الإعجاب أن يكون الشافعي كتب كتابه هذا في أصول الفقه وهو شاب , و كان قد طلبها منه إمام المحدثين في بغداد لكي يستفيد منها هو وغيره من كبار العلماء في كيفية فهم النصوص .
ولما كتب الشافعي الرسالة ووصلت إلى إمام المحدثين في بغداد ، جعل يتعجب ويقول: لو كانت أقل لنفهم .
وقال الإمام المزني : قرأت الرسالة خمسمائة مرة ، ما من مرة إلا واستفدتُ منها فائدة جديدة , وفي رواية عنه قال : أنا أنظر في الرسالة من خمسين سنة ما أعلم أني نظرتُ فيها مرة إلا واستفدتُ شيئاً لم أكن عرفته .
 إن كتاب " الرسالة " هو مقدمة ضخمة لكتابه " الأم " مثل مقدمة ابن خلدون لكتابه " تاريخ الأمم والملوك " ، ومقدمة ابن خلدون ليست كتاباً مستقلاُ , وإنما هي مقدمة لموسوعة تاريخية , ولأهمية هذه المقدمة طُبِعَت طبعاً مستقلاً , وأفردت باسم مستقل , وأصبحت مقدمة ابن خلدون اسم مستقل تماماً , وكذلك كتاب " الرسالة " فهو في أصله عبارة عن مقدمة كبيرة وواسعة جداً لكتاب " الأم " وهو عبارة عن سبعة أجزاء ، إلا أن " الرسالة " فيما بعد أفردَت بالطباعة وأصبحت عبارة عن كتاب مستقل لأنه يحوي علماً مستقلاً ، وقد تضمَّن ما يلي :
أولاً : بيان أن أي علم شرعي لا بد أن يدور على فلك نص مأخوذ من الكتاب أو السُنة , ثم أكد أهمية وحجية حديث الآحاد ـ وحديث الآحاد هو الحديث الذي يرويه صحابي واحد أو اثنين أو ثلاثة عن النبي  ـ .
وكان قد ظهر في عصر الشافعي من يدعي أنه يأخذ بالقرآن الكريم وحده ويدع العمل بحديث الآحاد وهم من الزنادقة ، فرد عليهم الشافعي رداً مفحماً وسمي بذلك " نصير السُنة النبوية " .
ثانيا : ثم عقد الشافعي باباً سماه " الدلالات " أي : كيف تدل النصوص على معانيها سواء كان المفهوم الموافق أو المفهوم المخالف , و كيف نستخرج قواعد القياس على نص في كتاب الله تعالى .
وأوضح البيان ، أي كيف يمكن أن يكون القرآن بعضه بياناً لبعض , وأن النص قد يكون عامّا , وقد يكون خاصاً , وقد يكون مطلقاً وقد يكون مقيداً .
وأوضح أيضاً فيما إذا كان يمكن للسُنة أن تخصص القرآن العام أو أن تقيده وهل يصح العكس .
 باختصار كتاب " الرسالة " هو عبارة عن مفاتيح لكيفية فهم الأحكام من النصوص , وقد كان المجتمع آنذاك يفتقر إلى هذا العلم ولم يكتب فيه أحد قبلاً , صحيح أن الإمام أبو حنيفة والإمام مالك كل منهما بنى فقهه على أصول ومبادىء , ولكن هذه المبادىء لم تسجل ولم يُصرح بها كلها , بل إن تلامذتهما هم الذين استنبطوا الأصول من فروع المسائل .
والذي أعان الشافعي على هذا العلم علم استنباط الأحكام من النصوص فضلاً عن كونه عالماً بالفقه والحديث وبلوغه درجة قصوى من الذكاء ، هو أنه عاش في البادية عشر سنوات ـ كا ذكرنا ـ حيث أخذ الطبيعة العربية والسليقة العربية من ينبوعها ، فكان يعلم كيف يفهم الرجل العربي الجملة وكيف يأخذ المعنى إثر المعنى من الجملة الواحدة ، ومما جعل من الشافعي حجةً في اللغة .
   
شبهة حول الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ
 أثيرت حول الإمام الشافعي شبهة , وهى أن الإمام البخاري رحمه الله لم يخرج له حديث في صحيحه مع جلاله الإمام الشافعي ورسوخه في هذا العلم ، فما هو السبب ؟
يجيب عن هذه الشبهة الإمام الخطيب البغدادي ـ رحمه الله تعالى ـ فيقول :
" سألني بعض إخواننا بيان علة ترك البخاري الرواية عن الشافعي في الجامع ؟ ولولا ما أخذ الله على العلماء فيما يعلمونه ليبيننه للناس ، لكان أولى الأشياء الإعراض عن اعتراض الجهال ، وتركهم يعمهون ، وذكر لي من يشار إليه خلو كتاب مسلم وغيره من حديث الشافعي ، فأجبته بما فتح الله لي ، ومثل الشافعي من حسد ، وإلى ستر معالمه قصد ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ويظهر من كل حق مستوره ، وكيف لا يغبط من حاز الكمال ، بما جمع الله له من الخلال اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل ، أو ذاهب العقل .
ثم أخذ الخطيب يعدد علوم الأمام ومناقبه ، وتعظيم الائمة له ، وقال : أبى الله إلا رفعه وعلوه , وليس لما يعليه ذو العرش واضع , إلى أن قال : والبخاري هذب ما في " جامعه " ، غير أنه عدل عن كثير من الأصول إيثاراً للإيجاز .
قال إبراهيم بن معقل : سمعت البخاري يقول : " ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح ، وتركت من الصحاح لحال الطول " .
فترك البخاري الإحتجاج بالشافعي ، إنما هو لا لمعنى يوجب ضعفه ، لكن غني عنه بما هو أعلى منه ، إذ أقدم شيوخ الشافعي مثل مالك ، والدراوردي ، وداود العطار ، وابن عيينة .
والبخاري لم يدرك الشافعي ، بل لقي من هو أسن منه ، كعبيد الله بن موسى وأبي عاصم ممن رووا عن التابعين ، وحدثه عن شيوخ الشافعي عدة ، فلم ير أن يروي عن رجل ، عن الشافعي ، عن مالك .
فإن قيل : فقد روى عن المسندي ، عن معاوية بن عمرو ، عن الفزاري ، عن مالك ، فلا شك أن البخاري سمع هذا الخبر من أصحاب مالك ، وهو في " الموطأ " فهذا ينقض عليك ؟!
قلنا : إنه لم يرو حديثاً نازلاً وهو عنده عال ، إلا لمعنى ما يجده في العالي ، فأما أن يورد النازل ، وهو عنده عال ، لا لمعنى يختص به ولا على وجه المتابعة لبعض ما اختلف فيه ، فهذا غير موجود في الكتاب , وحديث الفزاري فيه بيان الخبر ، وهو معدوم في غيره ، وجوده الفزاري بتصريح السماع .
ثم سرد الخطيب ذلك من طرق عدة ، قال : والبخاري يتبع الألفاظ بالخبر في بعض الأحاديث ويراعيها ، وإنا اعتبرنا روايات الشافعي التي ضمنها كتبه فلم نجد فيها حديثاً واحداً على شرط البخاري أغرب به ، ولا تفرد بمعنى فيه يشبه ما بيناه ، ومثل ذلك القول في ترك مسلم إياه ، لإدراكه ما أدرك البخاري من ذلك , وأما أبو داود فأخرج في " سننه " للشافعي غير حديث ، وأخرج له الترمذي ، وابن خزيمة ، وابن أبي حاتم " . 126
   
وفاته ـ رحمه الله ـ
 كان الشافعي ـ رحمه الله ـ من الأئمة العاملين . . .
فرابط فترة في مصر في الثغور , وهي المواضع التي يُخشى هجوم العدو منها على بلد مسلم , وفي آخر حياته ظهرت عليه علة البواسير , و كان يظن أن هذه العلة إنما نشأت بسبب استعماله اللبان - وكان يستعمله للحفظ - وبسبب هذه العلة ما انقطع عنه النزيف .
وربما ركب فسال الدم من عقبيه , وكان لا يبرح الطست تحته وفيه لبدة محشوة ، وما لقي أحد من السقم ما لقي .
والعجيب في الأمر بل يكاد يكون معجزاً أن تكون هذه حال الشافعي و يترك في مدة أربعة سنوات كلها سقم من اجتهاده الجديد ما يملأ آلاف الورق مع مواصلة الدروس والأبحاث والمناظرات والمطالعات في الليل والنهار ، وكأن هذا الدأب والنشاط في العلم هو دواؤه الوحيد الشافي !
وألحَّ على الشافعي المرض , وأذابه السقم , ووقف الموت ببابه ينتظر انتهاء الأجل , وفي هذه الحال عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة ، دخل عليه تلميذه المزني فقال : يا أبا عبد الله ، كيف أصبحت ؟
فرفع رأسه وقال : أصبحت من الدنيا راحلاً ، ولإخواني مفارقاً ، ولسوء عملي ملاقياً ، وعلى الله وارداً ، ما أدري روحي تصير إلى جنة فأهنيها ، أو إلى نار فأعزيها ، ثم بكى ، وأنشأ يقول :
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبـــــي جعلت رجائي دون عفوك سلمـــــا
تعاظمني ذنبي فلما قرنتـــــــــــــه بعفوك ربي كان عفوك أعظمــــــا
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منة وتكرمـــــــــــــــا
فإن تنتقم مني فلست بآيــــــــــــس ولو دخلت نفسي بجرمي جهنمـــــا
ولولاك لم يغوى بإبليس عابــــــــد فكيف وقد أغوى صفيك آدمـــــــــا
وإني لآتي الذنب أعرف قـــــــدره وأعلم أن الله يعفو ترحمــــــــــــــا 127
وعن يونس بن عبد الأعلى قال :
" ما رأيت أحداً لقي من السقم ـ المرض ـ ما لقي الشافعي , فدخلت عليه فقال لي : أبا موسى اقرأ علي ما بعد العشرين والمائة من آل عمران , وأخف القرآن ولا تثقل , فقرأت عليه , فلما أردت القيام قال : لا تغفل عني فإني مكروب " . 128
وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال :
" أوصى الشافعي إلى أبي فرأيت في آخر وصيته : ومحمد بن إدريس يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلي على محمد عبده ورسوله , وأن يرحمه فإنه فقير إلى رحمته , وأن يجيره من النار فإن الله غني عن عذابه , وأن يخلفه في جميع ما خلفه بأفضل ما خلف به أحداً من المؤمنين , وأن يكفيهم فقده ويجبر مصيبتهم والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته , وكتب في شعبان سنة ثلاث ومائتين " . 129
وعن الربيع قال :
" كنا جلوساً في حلقة للشافعي بعد موته بيسير , فوقف علينا أعرابي فسلم ثم قال : أين قمر هذه الحلقة وشمسها ؟ فقلنا : توفي ـ رحمه الله ـ فبكى بكاء شديداً وقال : رحمه الله وغفر له , فلقد كان يفتح ببيانه منغلق الحجة , ويسد على خصمه واضح المحجة , ويغسل من العار وجوها مسودة , ويوسع بالرأي أبوابا منسدة , ثم انصرف " . 130
وقال أبو بكر محمد بن السحن يرثي أبا عبد الله الشافعي :
بملتفتيه للمشيب طوالـــــــــــــــــع ذوائد عن ورد التصابــــــــي روادع
تصرفه طوع العنان وربمـــــــــــا دعاه الصبي فاقتاده وهو طائــــــــــع
ومن لم يزعه لبه وحيــــــــــــــاؤه فليس له من شيب فوديـــــــــه وازع
هل النافر المذعور للحظ راجـــــع أم النصح مقبول أم الوعظ نافــــــــع
أم الهمك المهموم بالجمع عالــــــم بأن الذي يرعى من المال ضائـــــــع
وأن قصاراه على فرط ضنـــــــــه فراق الذي أضحى له وهو جامــــــع
ويخمل ذكر المرء ذي المال بعــده ولكن جمع العلم للمرء رافـــــــــــــع
ألم ترى آثار ابن إدريس بعــــــــده دلائلها في المشكلات لوامــــــــــــــع
معالم يغني الدهر وهي خوالـــــــد وتخفض الأعلام وهي فـــــــــــوارع
مناهج فيها للهدى متصــــــــــرف موارد فيها للرشاد شرائـــــــــــــــــع
ظواهرها حكم ومستنبطاتهــــــــــا لما حكم التفريق فيه جوامـــــــــــــــع
لرأي ابن إدريس ابن عم محمــــــد ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطــــــــع
إذا المعضلات المشكلات تشابهــت سما منه نور في دجاهن لامـــــــــــــع
أبى الله إلا رفعه وعلـــــــــــــــوه وليس لما يعليه ذو العرش واضــــــع
توخى الهدى واستنقذته يد التقــــى من الزيغ إن الزيغ للمرء صـــــــارع
ولاذ بآثار الرسول فحكمــــــــــــه لحكم رسول الله في الناس تابــــــــــع
وعول في أحكامه وقضائـــــــــــه على ما قضى في الوحي والحق ناصع
بطئ عن الرأي المخوف التباســـه إليه إذا لم يخشى لبسا مســـــــــــارع
جرت لبحور العلم أمداد فكـــــــره لها مدد في العالمين يتابـــــــــــــــــع
وأنشا له منشيه من خير معـــــــدن خلائق هن الباهرات البــــــــــــوارع
تسربل بالتقوى وليداً وناشئــــــــــاً وخص بلب الكهل مذ هو يافـــــــــــع
وهذب حتى لم تشر بفضيلــــــــــة إذا التمست إلا إليه الأصابــــــــــــــع
فمن بك علم الشافعي أمامــــــــــه فمرتعه في باحة العلم واســــــــــــــع
سلام على قبر تضمن جسمــــــــه وجادت عليه المدجنات الهوامـــــــــع
لقد غيبت أثراؤه جسم ماجــــــــــد جليل إذا التفت عليه المجامــــــــــــــع
لئن فجعتنا الحادثات بشخصــــــــه لهن لما حكمن فيه فواجــــــــــــــــــع
فأحكامه فينا بدور زواهــــــــــــــر وآثاره فينا نجوم طوالــــــــــــــــــع 131

1أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي 2/58ـ59 , و " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/10 .
2 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/6 .
3أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم , و " مناقب الشافعي " للبيهقي , و " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/10 .
4 أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 4/165 .
5 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/11 .
6أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 125 ) , و " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/132 .
7أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/68 .
8أنظر : " البداية والنهاية " لابن كثير 10/277 .
9 أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم (ص : 24 ) , و " المناقب " للبيهقي 1/92 .
10أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 2/62 , و " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/!1 .
11 أنظر : " آداب الشافعي " ( ص : 24 ) , و " حلية الأولياء " 9/73 .
12أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/73 .
13أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/77 .
14 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/6 .
15 أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 2/59 و " أداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 22 )
16 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/70 .
17 أنظر : " المناقب " للبيهقي 1/276 .
18 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/78 , و " تاريخ بغداد " للخطيب 2/176 .
19 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/285ـ286 .
20أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/69 .
21 أنظر : " المناقب " للبيهقي 1/101 , و " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/6 .
22 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/144 .
23 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/7ـ8 .
24 أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 4/1165 .
25 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/240 , و " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/17 .
26أنظر : " سير أعلام النبلاء " 1/23 .
27أنظر : المناقب " للبيهقي 2/234 , و " تاريخ بغداد " للخطيب 2/64 .
28 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/143.
29 أنظر : " أداب الشافعي " لابن ابي حاتم ( ص : 60 ) , " المناقب " للبيهقي /263 .
30 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/58 .
31 " المناقب " للبيهقي 2/488 .
32 " المناقب " للبيهقي 2/48 .
33 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/41 .
34 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/331 .
35" المناقب " للبيهقي 2/252 .
36 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/304 .
37أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/332 .
38 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/335 .
39أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/41 .
40 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/50 , " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/376
41 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/103 .
42أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/104 .
43 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/83ـ84 .
44 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/82ـ85 .
45أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/110 .
46 أنظر : " المناقب " للبيهقي 1/458, " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/25 , وقال البيهقي : " تاران " في بحر القلزم ، يقال : فيها غرق فرعون وقومه ، فشبه الشافعي المزني فيما أورد عليه بعض أهل الإلحاد , ولم يكن عنده جواب , بمن ركب البحر في الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه ، وأشرف على الهلاك ، ثم علمه جواب ما أورد عليه حتى زالت عنه تلك الشبهة .
47 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/31ـ32 .
48أنظر : " من وصايا الرسول " لطه العفيفى 1/536 .
49أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 187 ) و " المناقب " للبيهقي 1/453 .
50 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/20 .
51 أنظر : " المناقب " للبيهقي 1/282 .
52 أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 67 ) و" المناقب " للبيهقي 1/473
53أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/151 .
54أنظر : " المناقب " للبيهقي 1/472 .
55 أنظر : " أداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 67 ) .
56 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/106 .
57 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/106 .
58 أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 94 ) .
59أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/130 .
60 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/ 411 .
61 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10//41 .
62 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/42 .
63 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/202 .
64 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/190 .
65 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/123 .
66 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/187 .
67 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/97ـ98 .
68أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/134 .
69أنظر : " حلية الأولياء " لابي نعيم 9/139 .
70أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/313 .
71 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/140 .
72 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 5/411 .
73 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 5/411 .
74 أنظر : " حلية الاولياء " لأبي نعيم 9/121ـ122 .
75 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/415 .
76 أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 92 ) , و " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/119 .
77أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/76 .
78 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/118 .
79أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 103 ) , و " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/126 .
80 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/397 .
81 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/302 .
82 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/35 .
83 أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 101 ) .
84 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/91 .
85 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/135 .
86 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/404 .
87 أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 126 ) و " حلية الأولياء " 9/77
88 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/37 .
89 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/221 .
90 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/38 .
91 أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 128 ) و " حلية الأولياء " 9/131
92 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/220 .
93 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/39 .
94 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/222 .
95 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/131 .
96 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/132 .
97 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/132 .
98 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/133 .
99 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/395 .
100 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/185 .
101 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/!7 .
102 أنظر : " وفيات الأعيان " لابن خلكان 4/163 .
103 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/334 .
104 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/95 , و " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/18 .
105 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/20 .
106أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/45 .
107 أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 2/67 .
108أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/250 .
109 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي
110 أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 40 ) .
111 أنظر : " تاريخ بغداد " للخطيب 2/62 .
112 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/48 .
113 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/49 .
114 أنظر : " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم ( ص : 137 ) .
115 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/53 .
116 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/301 .
117 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/330 .
118 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/336 .
119 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/355 .
120 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/357 .
121أنظر: " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/424ـ425 .
122 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/427 .
123 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/358 .
124 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/285ـ288.
125 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 9/81 .
126 أنظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي 10/95ـ96 .
127 أنظر : " المناقب " للبيهقي 2/293 , و " معجم الأدباء " 17/303 .
128 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/429 .
129 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/429 .
130 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/435 .
131 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 51/437 .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
 
الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ
» سير أعلام السلف " الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ
» سير أعلام السلف " الإمام الترمذي ـ رحمه الله ـ
» سير أعلام السلف " الإمام أبو داوود ـ رحمه الله ـ
» سير أعلام السلف " الإمام النسائي ـ رحمه الله ـ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ :: كتابات وأبحاث مشرف الدعوة بالفرع :: السير والتراجم :: سير أعلام السلف " الإمام الشافعي "-
انتقل الى: