حامل المسك المدير العام للمنتدى
عدد المساهمات : 1631 تاريخ التسجيل : 21/03/2012
| موضوع: سير أعلام السلف " الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ الأربعاء نوفمبر 27, 2013 1:44 pm | |
| مقدمة إن الحمد لله . . . نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102) { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (الأحزاب:70-71) أما بعد . . . فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأن خير الهدى هدى نبيه محمد ، وأن شر الأمور محدثاتها ، وأن كل محدثة بدعة ، وأن كل بدعة ضلالة ، وأن كل ضلالة في النار . ثم أما بعد . . .
اعلم أخي المسلم : إن العلماء بعلومهم ، والحكماء بحكمتهم ، والصالحون بوصاياهم هم – بإذن الله – نجوم هادية لمن سار في الليالي المظلمة ، ودفة محكمة لمن خاض عُباب البحار الموحشة ، وغيث مدراراً يأتي على الأرض الهامدة ، فتهتز وتربو ثم تنبت من كل زوج بهيج . . . فهم بحق سراج العباد ، ومنار البلاد , وقوام الأمة ، وينابيع الحكمة , وهم غيظ الشيطان ، بهم تحيا قلوب أهل الحق ، وتموت قلوب أهل الزيغ ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدي بها في ظلمات البر والبحر ، إذا انطمست النجوم تحيروا ، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا . . . ومن أبرز هؤلاء العلماء الربانيين الذين شاع ذكرهم بين العامة والخاصة , وانتشر علمهم في جميع الأرجاء : أصحاب الستة الصحاح ، الإمام البخاري ، والإمام مسلم ، والإمام النسائي ، والإمام ابن ماجة ، والإمام أبو داود ، والإمام الترمذي ـ رحمه الله عليهم أجمعين ـ . والكتب الصحاح هي : الكتب التي دونت فيها أحاديث النبي ، والتي شهد لها علماء الأمة من المتقدمين والمتأخرين بالصحة والقبول . هؤلاء العلماء الذين بذلوا جهداً علمياً ضخماً ومستمراً على اختلاف الأزمنة والأمكنة لخدمة الدين ، ولخدمة سنة رسول الله r . وهذا الجهد الذي بذلوه ـ رحمه الله عليهم ـ يُعد مفخرة لعلماء المسلمين أجمعين , وصورة مشرقة في الذب عن الشريعة الغراء على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم . حديثنا في هذا الكتاب عن هؤلاء الأجلاء الأفاضل ، نتعرف عليهم و نتعلم منهم ، وندرس سيرهم المليئة بالعبر والمواعظ . . . . اسأل الله أن يجعله عملاً صالحاً متقبلاً ، وأن ينفع به المسلمين والمسلمات المحبين لسنة النبي المصطفى . ولا أنسي أن أنبه أن هذا الكتاب إنما هو جزء من كتاب : " سير أعلام السلف " الذي أسأل الله أن يعينني على إتمامه وإكماله إنه ولى ذلك والقادر عليه . وأخيراً : أرجو من كل من يقرأ هذا الكتاب أن لا ينسانا من صالح دعائه ، فدعوة المسلم لأخيه المسلم مستجابة بإذن الله .
الإمام مسلم ( 204 - 261 هـ = 820 - 875 م ) عالم جليل من علماء المسلمين . . . جهبذ من جهابذة الحديث . . . صاحب أصح كتب الحديث . . . . هذا الكتاب الذي اتفق علي جلالته المتأخرين والمتقدمين . . . تلميذ الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ . . . ويدل تفوق ونبوغ التلميذ علي مكانه وعظم أستاذه . . . . هو الإمام الكبير الحافظ المجود الحجة الصادق : أبو الحسين مسلم ابن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري صاحب " الصحيح " . شئ من سيرته ـ رحمه الله ـ هو : مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري . كنيته : أبو الحسين . . . والقشيري : بضم القاف وفتح الشين المعجمة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفي آخرها راء هذه النسبة إلى : قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة , قبيلة كبيرة ينسب إليها كثير من العلماء منهم : الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري . 107 والنيسابوري نسبة إلى بلده " نيسابور " من مدن خراسان . قال ياقوت الحموي : مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة , معدن الفضلاء ، ومنبع العلماء لم أر فيما طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها . اهـ .108 أما مولده ـ رحمه الله ـ فاختلف أهل العلم في ذلك , علي أقول أصحها قول ابن الصلاح . قال ابن الصلاح ـ رحمه الله ـ : مات مسلم ـ رحمه الله ـ سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور ، وهذا مشهور لكن تاريخ مولده ، ومقدار عمره كثيراً ما تطلب الطلاب علمه ، فلا يجدونه ، وقد وجدناه ـ ولله الحمد ـ فذكر الحاكم أبو عبد الله ابن البيع الحافظ في كتاب "المزكين لرواة الأخبار" أنه سمع أبا عبد الله ابن الأخرم الحافظ يقول : توفي مسلم بن الحجاج ـ رحمه الله ـ عشية يوم الأحد ، ودفن يوم الأثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ، وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وهذا يتضمن أن مولده كان في سنة ست ومائتين ، والله أعلم .109 وقال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : وأصح هذه الأقوال قول ابن الأخرم , لأنه من أئمة هذا الشأن ، وله عناية بمسلم ، وذهب أكثر عمره في جمع المستخرج على مسلم ، وهو أيضاً قريب العهد جداً من مسلم , فتوفي مسلم وعمره إحدى عشرة سنة ، وهو بلديه ، والحاكم قد ارتضى قوله ، و الحاكم خبير بأهل بلده أيضا ، وله فيهم تأريخه العظيم . . . " تأريخ نيسابور " , والله أعلم . 110 وقال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ : وأول سماعه في سنة ثمان عشرة من يحيى بن يحيى التميمي ، وحج في سنة عشرين وهو أمرد ، فسمع بمكة من القعنبي ، فهو أكبر شيخ له ، وسمع بالكوفة من أحمد بن يونس ، وجماعة . وأسرع إلى وطنه ، ثم ارتحل بعد أعوام قبل الثلاثين . وأكثر عن علي بن الجعد، لكنه ما روى عنه في " الصحيح " شيئاً. وسمع بالعراق والحرمين ومصر .111 وقال الحاكم : رأيت مسلم بن الحجاج يحدث في خان محمش ، فكان تام القامة ، أبيض الرأس واللحية ، يرخي طرف عمامته بين كتفيه .112 وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء : كان مسلم من علماء الناس . . . وكان بزازاً ـ أي : يبيع الثياب ـ . 113 شيوخه وتلاميذه ـ رحمه الله ـ تلقى الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ العلم عن جموع من العلماء من أبرزهم هؤلاء الأئمة : عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وقتيبة بن سعيد ، وسعيد بن منصور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي خيثمة زهير بن حرب ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن بشار ـ بندار ـ ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبي كريب محمد بن العلاء ، وأبي الربيع الزهراني ، وأبي موسى محمد بن المثنى ، وهناد بن السري ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، والبخاري ، وعبد الله الدارمى ، وإسحاق الكوسج وخلق سواهم . 114 وأخذ الحديث والعلم عن الإمام مسلم خلق من الرواة من أبرزهم : الإمام أبو عيسى الترمذي ، والفقيه إبراهيم بن محمد بن سفيان ، وأبو حامد أحمد بن حمدون ، والحافظ أبو الفضل أحمد بن سلمة ، وأبو حامد ابن الشرقي ، والحافظ أبو عمرو الخفاف ، والحافظ سعيد بن عمرو البرذعي ، والحافظ صالح بن محمد البغدادي ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن إسحاق السراج ، وأبو عوانة الإسفراييني ، وأبو محمد القلانسي ، ومكي بن عبدان ، وخلق غيرهم .115 علمه ـ رحمه الله ـ وصل الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ إلى درجة كبيرة من العلم والإتقان حتى أنه ـ رحمه الله ـ كان يصحح الخطأ على مشايخه . قال أبو عمرو المستملي : أملى علينا إسحاق الكوسج سنة إحدى وخمسين ، ومسلم ينتخب عليه ـ يعدل عليه ـ . وأنا أستملي ، فنظر إليه إسحاق ، وقال : لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين . 116 وقال أحمد بن سلمة : رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلماً في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما .117 قال أبو قريش الحافظ : سمعت محمد بن بشار يقول : حفاظ الدنيا أربعة : أبو زرعة بالري
ومسلم بنيسابور ، وعبد الله الدارمى بسمرقند ، ومحمد بن إسماعيل ببخاري . 118 علو همته ـ رحمه الله ـ كان الإمام ـ رحمه الله ـ واسع الهمة ، شديد الطلب على العلم ، حتى أنه سأل مرة عن حديث فلم يعرفه ، فرجع إلى منزله وأخذ يبحث عنه حتى وجده ـ رحمه الله ـ . قال أحمد بن سلمة : وعقد لمسلم مجلس الذاكرة ، فذكر له حديث لم يعرفه . . . فانصرف إلى منزله ، وأوقد السراج . . . وقال لمن في الدار : لا يدخل أحد منكم . فقيل له : أهديت لنا سلة تمر . . . فقال : قدموها . . . فقدموها إليه ، فكان يطلب الحديث ، ويأخذ تمرة تمرة ، فأصبح وقد فني التمر ، ووجد الحديث . رواها أبو عبد الله الحاكم , ثم قال : زادني الثقة من أصحابنا أنه منها مات . 119 ثناء العلماء عليه ـ رحمه الله ـ أثني علي الإمام مسلم ـ رحمه الله تعالي ـ جميع أهل العلم ، وذلك لفضله الكبير ، ولعلمه الواسع . . . قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : كان مسلم ثقة من الحفاظ . . . كتبت عنه بالري . . . وسئل أبي عنه ، فقال : صدوق .120 وقال أبو عمرو بن حمدان : سألت الحافظ ابن عقدة عن البخاري ومسلم : أيهما أعلم ؟ . فقال : كان محمد عالماً ، ومسلم عالم . فكررت عليه مراراً ، فقال : يا أبا عمرو ، قد يقع لمحمد الغلط في أهل الشام ، وذلك أنه أخذ كتبهم ، فنظر فيها ، فربما ذكر الواحد منهم بكنيته ، ويذكره في موضع آخر باسمه ، يتوهم أيهما اثنان ، وأما مسلم فقلما يقع له من الغلط في العلل ، لأنه كتب المسانيد ، ولم يكتب المقاطيع ولا المراسيل . قلت ـ الذهبي ـ : عنى بالمقاطيع : أقوال الصحابة والتابعين في الفقه والتفسير . 121 وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الاخرم الحافظ : إنما أخرجت نيسابور ثلاثة رجال : محمد بن يحيى . . ومسلم بن الحجاج . . . وإبراهيم بن أبي طالب .122 وقال الحاكم : سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : رأيت شيخاً حسن الوجه والثياب ، عليه رداء حسن ، وعمامة قد أرخاها بين كتفيه . فقيل : هذا مسلم . فتقدم أصحاب السلطان ، فقالوا : قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج إمام المسلمين ، فقدموه في الجامع ، فكبر ، وصلى بالناس .123 وعن محمد بن عبد الوهاب الفراء قال : كان مسلم بن الحجاج من علماء الناس ، ومن أوعية العلم . وعن أحمد بن سلمة قال : رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما . 124 صحيح مسلم صنف الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ كتابه الجامع لأحاديث النبي ، والذي يعد من أصح الكتب التي ألفت في هذا الفن . . . . وتأتي مرتبته بعد صحيح البخاري ، ومع أن هناك بعض العلماء من فضلوا صحيح مسلم علي صحيح البخاري . . . . وكان سبب تأليف الإمام مسلم كتابه بناء على طلب طُلب منه ، وهذا نص كلامه : قال الإمام مسلم في مقدمة الصحيح : فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك ذكرت أنك هممت بالفحص عن تعرف جملة الأخبار المأثورة عن رسول الله في سنن الدين وأحكامه ، وما كان منها في الثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب وغير ذلك من صنوف الأشياء بالأسانيد التي بها نقلت ، وتداولها أهل العلم فيما بينهم . . . إلى أن قال : وللذي سألت أكرمك الله حين رجعت إلى تدبره ، وما تؤول به الحال ـ إن شاء الله ـ عاقبة محمودة ومنفعة موجودة ، وظننت حين سألتني تجشم ذلك أن لو عزم لي عليه ، وقضي لي تمامه , كان أول من يصيبه نفع ذلك إياي خاصة قبل غيري من الناس . . . إلى أن قال : كن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة ، وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها , خف على قلوبنا أجابتك إلى ما سألت . 125 وقال أحمد بن سلمة : كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة . 126 وقال الحسين بن محمد الماسرجسي : سمعت أبي يقول : سمعت مسلماً يقول : صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاث مئة ألف حديث مسموعة . 127 وقال مكي بن عبدان : سمعت مسلما يقول : عرضت كتابي هذا " المسند " على أبي زرعة ، فكل ما أشار علي في هذا الكتاب أن له علة وسبباً تركته ، وكل ما قال : إنه صحيح ليس له علة ، فهو الذي أخرجت . ولو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مئتي سنة , فمدارهم على هذا " المسند " . 128 ثناء العلماء علي صحيح مسلم : قال ابن الصلاح : هذا الكتاب ثاني كتاب صنف في صحيح الحديث ، ووسم به ، ووضع له خاصة سبق البخاري إلى ذلك ، ووصل مسلم ، ثم لم يلحقهما لاحق ، وكتاباهما أصح ما صنفه المصنفون .129 وقال ابن الصلاح أيضاً : جميع ما حكم مسلم بصحته من هذا الكتاب , فهو مقطوع بصحته والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر . . . وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ، ووفاقه في الإجماع . 130 وقال النووي ـ رحمه الله ـ : ومن حقق نظره في صحيح مسلم ـ رحمه الله ـ واطلع على ما أورده في أسانيده ، وترتيبه وحسن سياقته . . وبديع طريقته من نفائس التحقيق ، وجواهر التدقيق . . وأنواع الورع ، والاحتياط والتحري في الرواية . . وتلخيص الطرق . . . واختصارها وضبط متفرقها . . . وانتشارها . . وكثرة إطلاعه . . واتساع روايته . . . وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات . . واللطائف الظاهرات والخفيات . . علم أنه إمام لا يلحقه من بعد عصره . . وقل من يساويه بل يدانيه من أهل وقته ودهره . . وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .131 وقال أيضا : اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ، ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول . . إلى أن قال : وقد انفرد مسلم بفائدة حسنه ، وهي كونه أسهل متناولاً . . من حيث أنه جعل لكل حديث موضعاً واحداً يليق به جمع فيه طرقه التي ارتضاها . . وأورد فيه أسانيده المتعددة ، وألفاظه المختلفة ، فيسهل على الطالب النظر في وجهه ، واستثمارها ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه .132 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : فإن الذي اتفق عليه أهل العلم أنه ليس بعد القرآن كتاب أصح من كتاب البخاري ، ومسلم ، وإنما كان هذان الكتابان كذلك , لأنه جرد فيهما الحديث الصحيح . 133 وقال أيضاً : وأما كتب الحديث المعروفة مثل البخاري ومسلم ، فليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن . 134 وقال الذهبي ـ رحمه الله ـ : وهو كتاب نفيس كامل في معناه . 135 وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : وأهل الحديث متفقون على أحاديث الصحيحين , وإن تنازعوا في أحاديث يسيرة منها جداً . . . وهم متفقون على لفظها ومعناها , كما اتفق المسلمون على لفظ القرآن ومعناه . 136 وقال ابن حجر ـ رحمه الله ـ : حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله ، بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل ، وذلك لما اختص به من جمع الطرق ، وجودة السياق ، والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ، ولا رواية بمعنى . . وقد نسج على منواله خلق عن النيسابوريين فلم يبلغوا شأنه وحفظت منهم أكثر من عشرين إماماً ممن صنف المستخرج على مسلم فسبحان المعطي الوهاب .137 وقال ولي الله الدهلوي : توخى تجريد الصحاح المجمع عليها بين المحدثين المتصلة المرفوعة مما يستنبط منه السنة . . . وأراد تقريبها إلى الأذهان ، وتسهيل الاستنباط منها . . فرتب ترتيباً جيداً ، وجمع طرق كل حديث في موضع واحد ليتضح اختلاف المتون ، وتشعب الأسانيد أصرح ما يكون ، وجمع بين المختلفات ، فلم يدع لمن له معرفة بلسان العرب عذراً في الإعراض عن السنة إلى غيرها . 138 وقال الحافظ ابن مندة : سمعت أبا علي النيسابوري الحافظ يقول : ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم . 139 موازنة بين صحيح البخاري ومسلم قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ : حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط , لم يحصل لأحد مثله، بحيث إن بعض الناس كان يفضله على " صحيح " محمد بن إسماعيل ، وذلك لما اختص به من جمع الطرق . . . وجودة السياق , والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى . 140 وقال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز : " الصحيحان " البخاري ومسلم ، وتلقتهما الأمة بالقبول . وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد , ومعارف ظاهرة وغامضة . وقد صح أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري ، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث . وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث . وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ شيخ الحاكم أبي عبد الله بن البيع : كتاب مسلم أصح ، ووافقه بعض شيوخ المغرب، والصحيح الأول. وقد قرر الإمام الحافظ الفقيه النظار أبو بكر الإسماعيلي ـ رحمه الله ـ في كتابه " المدخل " ترجيح كتاب البخاري . . وروينا عن الإمام أبي عبد الرحمن النسائي ـ رحمه الله ـ أنه قال : ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري . قلت ـ النووي ـ : ومن أخصر ما ترجح به اتفاق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم وأعلم بصناعة الحديث منه ، وقد انتخب علمه عليه ولخص ما ارتضاه في هذا الكتاب ، وبقي في تهذيبه وانتقائه ست عشرة سنة ، وجمعه من ألوف مؤلفة من الأحاديث الصحيحة . . . ومما ترجح به كتاب البخاري أن مسلماً ـ رحمه الله ـ كان مذهبه ، بل نقل الإجماع في أول " صحيحه " أن الإسناد المعنعن له حكم الموصول بسمعت , بمجرد كون المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصر واحد ، وإن لم يثبت اجتماعهما . . . والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما . . . وهذا المذهب يرجح كتاب البخاري . . . وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة ، وهي كونه أسهل متناولاً من حيث انه جعل لكل حديث موضعاً واحداً يليق به ، جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها ، وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة , فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها ، ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه بخلاف البخاري ، فإنه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة ، وكثير منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم أنه أولى به ، وذلك لدقيقة يفهمهما البخاري منه ، فيصعب على الطالب جمع طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره البخاري من طرق هذا الحديث . 141 ولقد نظم الحافظ عبد الرحمن بن علي بن الديبع نظم فقال : تنازع قوم في البخاري ومسلم لدي وقالوا : أي ذين يقــــــــــدم فقلت : لقد فاق البخاري صحة كما فاق في حسن الصناعة مسلم وقال بعضهم : لمسلم فضل قلـــــــت للبخاري جلــــــــــــــلا قالوا : البخاري يكرر قلت : المكرر أحلـــــى 142 وفاته ـ رحمه الله ـ قال ابن الصلاح : وكان لموته سبب غريب نشأ عن غمرة فكرية علمية ـ ثم ساق سنده إلى الحاكم ـ قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب سمعت أحمد بن سلمة يقول : عقد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة ، فذكر له حديث لم يعرفه ، فانصرف إلى منزله ، وأوقد السراج ، وقال لمن في الدار لا يدخلن أحد منكم هذا البيت ، فقيل له : أهديت لنا سلة فيها تمر ، فقال : قدموها إلي ، فقدموها ، فكان يطلب الحديث ، ويأخذ تمرة تمرة يمضغها ، فأصبح وقد فني التمر ، ووجد الحديث . قال الحاكم : زادني الثقة من أصحابنا أنه منها مرض ومات .143 وكانت وفاته عشية يوم الأحد ، ودفن الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ، رحمه الله رحمة واسعة .144 107 أنظر : " الأنساب " لأبي سعد السمعاني 4/501 , و " اللباب في تهذيب الأنساب " لعز الدين بن الأثير 3/37 . 108" معجم البلدان " لياقوت الحموي 5/331 . 109 " صيانة صحيح مسلم " لابن الصلاح ( 1216) . 110" شرح مسلم للنووي " 1/123 . 111 " سير أعلام النبلاء " 12/558 . 112" سير أعلام النبلاء " 12/570 . 113 " تهذيب التهذيب " لابن حجر 10/114 . 114" أنظر : " تاريخ بغداد " 13/100 , و " تاريخ دمشق " لابن عساكر 58/85 , و " سير أعلام النبلاء " 12/558 . 115 أنظر : " تاريخ دمشق " لابن عساكر 58/85 , و " سير أعلام النبلاء " 12/562 . 116" سير أعلام النبلاء " 12/563 . 117 " طبقات الحنابلة " 1/338 , و " البداية والنهاية " لابن كثير 11/33 , و " تذكرة الحفاظ " 2/589 . 118" سير أعلام النبلاء " 12564 . 119 أنظر : " تاريخ بغداد " 12/102 , و " تهذيب التهذيب " 10/127 , و " البداية والنهاية " 11/34 . 120 " سير أعلام النبلاء " 12/564 . 121" سير أعلام النبلاء " 12/565 . 122" سير أعلام النبلاء " 12/565 . 123 " سير أعلام النبلاء " 12/566 . 124" سير أعلام النبلاء " 12/576 . 125" صحيح مسلم " 1/2 . 126" سير أعلام النبلاء " 12/566 . 127" طبقت الحنابلة " 1/338 , و " البداية والنهاية " 11/33 . 128" مسلم بشرح النووي " 1/15 . 129" صيانة صحيح مسلم " لابن الصلاح ص : ( 1217) . 130" صيانة صحيح مسلم " لابن الصلاح ص : ( 1222) . 131" مسلم بشرح النووي " 1/122 . 132 " مسلم بشرح النووي " 1/128 . 133" مجموع الفتاوى " لابن تيمية 20/321 . 134 " مجموع الفتاوى " لابن تيمية 18/74 . 135" سير أعلام النبلاء " للذهبي 12/567 . 136 " الصواعق المرسلة " لابن القيم 2/655 . 137 " تهذيب التهذيب " لابن حجر 10/114 . 138" الإنصاف في بيان سبب الإختلاف " لولي الله الدهلوي ص : ( 292) . 139" سير أعلام النبلاء " 12/566. 140 " تهذيب التهذيب " لابن حجر 10/127 . 141" مسلم بشرح النووي " للنووي 1/14 . 142 أنظر : " الحطة في أصحاب الصحاح الستة " للقنوجي ص : ( 159 ) . 143 " تاريخ بغداد " 13/103 , و " تاريخ دمشق " لابن عساكر 58/94 . 144" طبقات الحنابلة " 2/427 , و " تاريخ دمشق 58/94 , و " صيانة مسلم " ص : (1216) , و " مسلم بشرح النووي " 1/123 . | |
|