موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
مرحبا بكم في منتدي فرع الجمعية الشرعية بقرية
البطاخ التابع لمحافظة سوهاج
يسعدنا انضمامكم لنا عبرسجيلكم فى المنتدى
منتدى فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ
مع تحيات مدير المنتدى
مشرف الدعوة بالفرع
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
مرحبا بكم في منتدي فرع الجمعية الشرعية بقرية
البطاخ التابع لمحافظة سوهاج
يسعدنا انضمامكم لنا عبرسجيلكم فى المنتدى
منتدى فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ
مع تحيات مدير المنتدى
مشرف الدعوة بالفرع
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ هو أحد فروع الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية بمحافظة سوهاج
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مرحبا بكم فى منتدي فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ ساهموا فى نشر موقعنا
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل
صلي الله على محمد صلي الله عليه وسلم
اللهم أعنا على رضاك حتى ترضي رضاءاً ليس بعده سخط ولا غضب
جميع حقوق الطبع والنشر والتوزيع والتصوير لأي كتاب موجود في المنتدي متااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااح بشرط دعوة صالحة بظهر الغيب
أرجو من كل من استفاد أو تعلم شيئاً من المنتدي أن لا ينسانا من صالح دعائه
نعدكم بإذن الله في كل زيارة لنا بالجديد وبالمفيد
بشري سارة لكل طلاب العلم : تم افتتاح ركن في منتدي فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ للإجازات الشرعية المسندة لكل الراغبين في إجازة علمية بالسند مجاناً
هاااااااام جدا لمن لا يعلم :قد تظهر إعلانات على المنتدي بها صور نساء وهي لا تخص المنتدي بل هي تابعة لشركة جوجل ولا يمكن وقفها .

 

 روائع المناظرات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

روائع المناظرات  Empty
مُساهمةموضوع: روائع المناظرات    روائع المناظرات  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 2:39 pm

مقدمة
إن الحمد لله . . .
نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (الأحزاب:70-71)
أما بعد . . .
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأن خير الهدى هدى نبيه محمد  ، وأن
شر الأمور محدثاتها ، وأن كل محدثة بدعة ، وأن كل بدعة ضلالة ، وأن كل ضلالة في النار .
ثم أما بعد . . .
أخي المسلم :
بين يديك كتاب : " اللآلئ المتناثرات من روائع المناظرات "
جمعت فيه بعون الله وتوفيقه ما تيسر لي من المناظرات الشهيرة والمعروفة والتي حدثت بين كثير من علماء المسلمين ، وبين كثير من الفرق الضالة والتي يقوم فيها علماء الأمة بإفحام من يناظرونهم بالحجج العقلية والعلمية .
قال المزني ـ رحمه الله ـ :
" لا تعدو المناظرة إحدى ثلاث :
أما تثبيت لما في يدي المناظر .
أو انتقال من خطأ كان عليه .
أو ارتياب فلا يقدم من الدين على شك .
وحق المناظرة أن يراد بها الله عز وجل وأن يقبل منها ما يتبين . ا هـ . 1
 أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب في ميزان حسناتنا يوم نلقاه ، وأن ينفع به المسلمين والمسلمات ، إنه ولى ذلك والقادر عليه .
   
مناظرة إبليس ـ لعنه الله ـ لربه جل وعلا
لما أردا الله تعالى خلق آدم ـ  ـ أخبر ملائكته بذلك فقال : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة : 30.
و قد يتبادر إلى الأذهان أن الملائكة قد اعترضت على خلق الله تعالى لآدم وذريته ، وذلك في قولها : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ، وليس هذا القول من باب الاعتراض على الله تعالى ـ فحاشهم أن يفعلوا ذلك ـ وقال قال الله تعالى : { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } الأنبياء :27
قال ابن كثير : أى لا يتقدمون بين يديه بأمر , ولا يخالفونه فيما أمرهم به بل يبادرون إلى فعله .
وأما معنى قول الملائكة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء . . .}
قال ابن كثير : وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ، ولا على وجه الحسد لبنى آدم , كما قد يتوهمه بعض المفسرين ، و قد وصفهم الله تعالى : بأنهم لا يسبقونه بالقول ، أى لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهن فيه .
وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك , يقولون : يا ربنا من خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ؟ ، فإن كان المراد عبادتك ، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، أى نصلى لك ، ولا يصدر منا شئ من ذلك ، وهلا وقع الاقتصار علينا؟
قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال : { إني أعلم ما لا تعلمون } ، أى : أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها، ما لا تعلمون أنتم ، فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد . . . الخ . 2
ثم أمر الله عز وجل الملائكة بالسجود لهذا المخلوق الجديد الذي خلقه الله عز وجل بيده فقال : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } الحجر : 29، فسجدت الملائكة أجمعون بدون تردد ولا تفكير ، طاعة لأمر الله عز وجل ، وسجود الملائكة لآدم كان إكراماً من الله لآدم ـ  ـ ، ولم يكن سجود عبادة ، فسجدوا كلهم ، إلا واحداً فقط لم يسجد لآدم ، حسداً وحقداً منه لآدم ، وهو إبليس ـ لعنه الله تعالى ، قال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } البقرة : 34
وإبليس هذا كان من الجن ، لم يكن من الملائكة طرفة عين ـ كما يقول بعض المفسرين ـ لقول الله تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } الكهف : 50
فقال الله عز وجل : { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ . . } الأعراف : 12
فقال إبليس ـ لعنه الله ـ : { قالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} .
فامتنع إبليس ـ لعنه الله ـ من السجود لآدم ، وعلل عدم سجوده بأن العنصر الذي خلق منه وهو النار أشرف من العنصر الذي خلق منه آدم وهو الطين ، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ، ولم ينظر إلى التشريف العظيم ، وهو أن الله تعالى خلق دم بيده ونفخ فيه من روحه ، وقاس قياساً خاسراً في مقابله نص . 3
ولا شك أن في هذا ضروباً من الجهالة ، وأنواعاً من الفسق والعصيان ، تتجلى فيما يلي :
اعتراضه على مولاه وخالفه ، بما تضمنه ا لجواب .
احتجاجه عليه بما يؤيد به اعتراضه ، والمؤمن المذعن لأمر ربه يعلم أن لله الحجة البالغة الكاملة ، فيما يفعل ويأمر وينهى .
إنه جعل امتثال الأمر موقوفاً على استحسانه له وموافقته لهواه ، وهذا رفض لطاعة الخالق ، وترفع عن مرتبة العبودية .
قال القرطبي : أخطأ عدو الله من حيث فضل النار على الطين ، وإن كانا في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق ، فإن الطين أفضل من النار من وجوه أربعة :
أحدهما : أن من جوهر الطين الرزانة والسكون ، والوقار والأناة ، والحلم والحياء ، ومن جوهر النار :الخفة ، والطيش ، والحدة والإرتفاع ، وذلك هو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الإستكبار والإصرار ، فأورثه الهلاك والعذاب واللعنة والشقاء .
الثاني : أن الخبر ناطق بأن تراب الجنة مسك أذفر ، ولم ينطق الخبر بأن في الجنة ناراً ، وأن في النار تراباً .
الثالث : أن النار سبب العذاب ، وهى عذاب الله لأعدائه ، وليس التراب سبباً للعذاب .
الرابع : أن الطين مستغن عن النار ، والنار محتاجة إلى المكان ، ومكانها التراب .4
ثم قال الله عز وجل : { قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } الأعراف : 13.
قال الشوكانى : أى أهبط من السماء التي هي محل المطيعين من الملائكة الذين لا يعصون الله فيما أمرهم ، إلى الأرض التي هي مقر من يعصى ويطيع فإن السماء لا تصلح لمن يتكبر ويعصى أمر ربه مثلك 5.
فقال إبليس ـ لعنه الله ـ : { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } الإسراء : 62.
أى : أرأيت هذا المخلوق الذي ميزته عليَّ ؟ ، لئن أبقيتني حيًا إلى يوم القيامة لأستولين على ذريته بالإغواء والإفساد ، إلا المخلصين منهم في الإيمان ، وهم قليل.
وقال لعنه الله : { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ، أى : أمهلني إلى يوم البعث ; وذلك لأتمكن من إغواء مَن أقدر عليه من بني آدم .
فقال الله عز وجل : { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } ، أى : إنك ممن كتبتُ عليهم تأخير الأجل إلى النفخة الأولى في القرن , إذ يموت الخلق كلهم .
فقال ـ لعنه الله ـ : { قالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } الأعراف : 17
فقال له الله عز وجل : { قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } الأعراف : 18

مناظرة إبراهيم  للنمرود
قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } البقرة : 258
يذكر ربنا جل وعلا مناظره خليله مع هذه الملك المتمرد الذي ادعى لنفسه الربوبيه ، فأبطل الخليل عليه دليله ، وبين كثرة جهله وقله عقله ، وألجمه الحجة ، وأوضح له طريق المحجة .
قال إبراهيم الخليل ـ  ـ : ربى الذي يحيى ويميت .
قال النمرود : وأنا أحيى وأميت .
قال قتادة والسدى : يعنى أنه إذا أوتى بالرجلين قد تحتم قتلهما ، فإذا أمر بقتل أحدهما ، وعفا عن الآخر ، فكأنه قد أحيا هذا ، وأمات هذا .
وهذا ليس معارضه للخليل ، بل هو كلام خارج عن مقام المناظرة ، ليس بمنع ولا بمعارضة ، بل هو تشغيب محض ، وهو انقطاع في الحقيقة ، فإن الخليل استدل على وجود الصانع بحدوث هذه المشاهدات ، من إحياء الحيوانات وموتها ، على وجود فاعل لهذه الحوادث المشاهدة من خلقها وتسخيرها .
قال إبراهيم  : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب.
أى أن : هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق ، كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها ، فإن كنت زعمت من أنك الذي تحيى وتميت ، فأت بهذه الشمس من المغرب ، فإن الذي يحيى ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب ، فإن لم تفعله فلست كما زعمت .
فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه ، وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهله قومه ، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به ، بل انقطع وسكت ولهذا قال : { فبهت الذي كفر والله لا يهدى القوم الظالمين } البقرة : 258 .

ابن عباس  والخوارج
أثناء الحرب التي دارت بين على ومعاوية ، خرج فريق كفر علياً ومعاوية وجاءوا بأمور لم تكن معروفة من قبل ، وذهب بن عباس إليهم ليوضح الحق ويكشف الشبهة .
عن ابن عباس  قال : لما اعتزلت حروراء ، وكانوا في دار على حدتهم قلت لعلى : يا أمير المؤمنين أبرد عن الصلاة ، لعلى آتى هؤلاء القوم فأكلمهم قال : فإني أتخوفهم عليك ، قال : قلت : كلا إن شاء الله .
قال : فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمنية ـ ثياب ـ ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة ، فدخلت على قوم لم أر قوماً قط أشد منهم اجتهاداً منهم ـ في العبادة ـ أيديهم كأنها ثغن من الإبل ، ووجوههم معلبة من آثار السجود .
قال : فدخلت ، فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، ما جاء بك ؟
قال : جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله  نزل الوحي وهو أعلم بتأويله فقال بعضهم : لا تحدثوه ، وقال بعضهم : لنحدثنه .
قال : قلت : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله  وختنه ، وأول من آمن به ـ يقصد علياً ـ وأصحاب رسول الله  معه ؟
قالوا : ننقم عليه ثلاثاً .
قلت : ما هن ؟
قالوا : أولهن : أنه حكم الرجال في دين الله ، وقد قال الله : { إن الحكم إلا لله} .
قال : قلت : وماذا ؟
قالوا : وقاتل ، ولم يسب ولم يغنم ، لئن كانوا كفاراً ، لقد حلت له أموالهم ، ولئن كانوا مؤمنين ، لقد حرمت عليه دماؤهم .
قال : قلت : وماذا ؟
قالوا : ومحا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين ، فهو أمير الكافرين .
قال : قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم ، وحدثتكم من سنة نبيكم  ما لا تنكرون ، أترجعون ؟
قالوا : نعم .
قال : قلت : أما قولكم : أنه حكم الرجال في دين الله ، فإنه يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنت حرم } , إلى قوله : { يحكم به ذوا عدل منكم } ، وقال في المرأة وزوجها : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها } ، أنشدكم الله ، أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق ، أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟
قالوا : اللهم في حقن دمائهم ، وصلاح ذات بينهم .
قال : خرجت من هذا ؟
قالوا : اللهم نعم .
وأما قولكم : أنه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أتريدون أن تسبون أمكم ـ عائشةـ أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ؟ فقد كفرتم ، وإن زعمتم أنها ليست بأمكم ، فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام ، إن الله عز وجل يقول : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } , فأنتم تترددون بين ضلالتين ، فاختاروا أيهما شئتم ؟ أخرجتم من هذه ؟
قالوا : اللهم نعم .
قال : وأما قولكم : أنه محي نفسه من أمير المؤمنين ، فإن رسول الله  دعا قريش يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا ، فقال : " اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " قالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، فقال : " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب يا على محمد بن عبد الله " فرسول الله  كان أفضل من على ،أخرجتم من هذه ؟
قالوا : اللهم نعم .
فرجع منهم عشرون ألفاً ، وبقى منهم أربعة آلاف فقتلوا .6

مناظرة مقلد
ذكر الإمام ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ :
في كلامه في ذم التقليد ومنعه ، بعد ما بين ذلك بالآثار ، أن جماعة من الفقهاء وأهل النظر احتجوا على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية ، فقال :
فأحسن ما رأيت من ذلك قول المزني ـ رحمه الله ـ وأنا أورده :
قال : يقال لمن حكم بالتقليد ، هل لك من حجة فيما حكمت به ؟
فإن قال : نعم ، أبطل التقليد ، لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد .
وإن قال : حكمت فيه بغير حجة .
قيل له : فلم أرقت الدماء , وأبحت الفروج , وأتلفت الأموال ، وقد حرم الله ذلك إلا بحجة ، قال الله جل وعز : { هل عندكم من سلطان بهذا } ، أي من حجة بهذا .
فإن قال : أنا أعلم إني قد أصبت ، وإن لم أعرف الحجة ، لأني قلدت كبيراً من العلماء ، وهو لا يقول إلا بحجة خفيت على .
قيل له : إذا جاز لك تقليد معلمك ، لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك ، فإن قال : نعم ، ترك تقليد معلمه ، إلى تقليد معلم معلمه ، وكذلك من هو أعلى ، حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله  ، وإن أبي ذاك ، نقض قوله .
وقيل له : كيف تجوز تقليد من هو أصغر منك واقل علماً ، ولا تجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علماً ، وهذا متناقض .
فإن قال : لأن معلمي ، وإن كان أصغر ، فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه فهو أبصر بما أخذ ، واعلم بما ترك .
قيل له : وكذلك من تعلم من معلمك ، فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه ، فيلزمك تقليده وترك تقليد معلمك ، وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك ، لأنك جمعت علم معلمك ، وعلم من فوقه إلى علمك .
فإن أعاد قوله : جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء ، أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله صلى الله  وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليد التابع والتابع من دونه في قياس قوله ، والأعلى الأدنى أبدا ، وكفى بقول يؤول إلى هذا قبحاً وفساداً .
قال أبو عمر : يقال لمن قال بالتقليد : لم قلت به ، وخالفت السلف في ذلك فإنهم لم يقلدوا ؟
فإن قال : قلدت لأن كتاب الله جل وعز لا علم لي بتأويله ، وسنة رسوله لم أحصها ، والذي قلدته قد علم ذلك ، فقلدت من هو أعلم مني .
قيل له : أما العلماء إذا اجتمعوا على شيء من تأويل الكتاب ، أو حكاية سنة عن رسول الله  أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه ، ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض ، فما حجتك في تقليد بعض دون بعض ، وكلهم عالم ؟ ، ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه ؟
فإن قال : قلدته لأني علمت أنه صواب .
قيل له : علمت ذلك بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع ، فقد أبطل التقليد وطولب بما ادعاه من الدليل .
وإن قال : قلدته لأني أعلم منى .
قيل له : فقلد كل من هو أعلم منك ، فإنك تجد من ذلك خلقاً كثيراً ، ولا تخص من قلدته إذ علتك فيه أنه أعلم منك .
فإن قال : قلدته لأنه أعلم الناس .
قيل له : فهو إذا أعلم من الصحابة ، وكفى بقول مثل هذا قبحاً .
وإن قال : إنما أقلد بعض الصحابة .
قيل له : فما حجتك في ترك من لم يقلد منهم ، ولعل من تركت قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله ، على أن القول لا يصح لفضل قائله ، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه ، وقد ذكر ابن مزين : عن عيسى ابن دينار عن ابن القاسم عن مالك قال : ليس كلما قال رجل قولاً ، وإن كان له فضل ، يتبع عليه ، يقول الله تعالى : { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } .
فإن قال : قصري وقلة علمي يحملني على التقليد .
قيل له : أما من قلد فيما ينزل به من أحكام شريعته عالماً بما يتفق له على علمه ، فيصدر في ذلك عن ما يخبره به ، فمعذور ، لأنه قد أتى ما عليه , وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله ، ولا بد له من تقليد عالمه فيما جهله ، لإجماع المسلمين إن : المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة ، لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك ، ولكن من كانت هذه حالة ، هل تجوز له الفتوى في شرائع دين الله فيحمل غيره على إباحة الفروج ، وإراقة الدماء ، واسترقاق الرقاب ، وإزالة الأملاك ، وتصييرها إلى غير من كانت في يديه بقول لا يعرف صحته ولا قام له الدليل عليه ، وهو مقرن قائله ، يخطئ ويصيب ، وأن مخالفه في ذلك ربما كان المصيب فيما خالفه فيه ، فإن أجاز الفتوى لمن جهل الأصل والمعنى لحفظه الفروع ، لزمه أن يجيزه للعامة ، وكفى بهذا جهلاً ورداً للقرآن .7

الحجاج بن يوسف والغلام
بينما الحجاج بن يوسف الثقفي جالساً في منظرة له ، وعنده وجوه أهل العراق ، أتى بصبي يبلغ من العمر نحو بضع عشرة سنه ، وله ذؤابتان ـ ضفيرتان ـ مرخيتان ، قد بلغتا خصره ، فلما أدخل عليه لم يعبأ بالحجاج ، ولم يكترث به ، وإنما صار ينظر إلى بناء المنظرة , وما فيها من العجائب ، ويلتفت يمينا وشمالا ، ثم اندفع يقول : { أتبنون بكل ريع آية تعبثون . . . }
وكان الحجاج متكئا فاستوى في مقعده ، وقال للغلام : يا غلام ! ، إني أرى لك عقلاً وذهناً ، أحفظت القرآن ؟!
قال الغلام : أو خفت عليه من الضياع حتى أحفظه ، وقد حفظه الله تعالى !
قال الحجاج : أفجمعت القرآن ؟!
فقال الغلام : أو كان مفرقاً حتى أجمعه ؟!
قال الحجاج : أفأحكمت القرآن ؟!
قال الغلام : أليس الله أنزله محكماً ؟!
قال الحجاج : أفاستظهرت القرآن ؟!
قال الغلام : معاذ الله أن أجعل القرآن وراء ظهري .
فقال الحجاج : وقد ثار غضباُ : ويلك ! قاتلك الله ! ، ماذا أقول ؟!
قال الغلام : الويل لك ولقومك ، قل : أوعيت القرآن في صدرك ؟!
فقال الحجاج : أقرأ شيئاً .
فاستفتح الغلام : أعوذ بالله من الشيطان الجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم { إذا جاء نصر الله والفتح } ورأيت الناس يخرجون { من دين الله أفواجا } .
فقال الحجاج : ويحك إنهم { يدخلون } .
قال الغلام : كانوا { يدخلون } ، أما اليوم فقد صاروا يخرجون .
قال الحجاج : ولم ؟!
قال الغلام : لسوء فعلك بهم .
قال الحجاج : ويلك يا غلام ! ، وهل تعرف من تخاطب ؟
قال الغلام : نعم ، شيطان ثقيف : الحجاج .
قال الحجاج : ويلك ! ، من رباك ؟
قال الغلام : الذي زرعك .
قال الحجاج : فمن أمك ؟
قال الغلام : التي ولدتني .
قال الحجاج : فأين ولدت ؟
قال الغلام : في بعض الفلوات .
قال الحجاج : فأين نشأت ؟
قال الغلام : في بعض البراري .
قال الحجاج : أمجنون أنت فأعالجك ؟
قال الغلام : لو كنت مجنوناً لما وصلت إليك , ووقفت بين يديك ، كأنني ممن يرجو فضلك أو يخاف عقابك .
قال الحجاج : فما تقول في أمير المؤمنين ؟
قال الغلام : رحم الله أبا الحسن ، وأسكنه جنان خلده .
قال الحجاج : ليس هذا عنيت ، إنما أعنى عبد الملك بن مروان .
قال الغلام : على الفاسق الفاجر لعنه الله .
قال الحجاج : ويحك ! ، بما استحق اللعنة أمير المؤمنين ؟
قال الغلام : أخطأ خطيئة ملأت ما بين السماء والأرض .
قال الحجاج : ما هي ؟
قال الغلام : استعماله إياك على رعيته ، تستبيح أموالهم ، وتستحل دماءهم.
فالتفت الحجاج إلى جلسائه ، وقال : ما تشيرون في هذا الغلام ؟
قالوا : اسفك دمه ، فقد خلع الطاعة ، وفارق الجماعة .
فقال الغلام : يا حجاج ! جلساء أخيك فرعون خير من جلسائك ، حيث قالوا لفرعون عن موسى وأخيه { أرجه وأخاه } ، وهؤلاء يأمرون بقتلى ، إذن والله تقوم عليك الحجة بين يدي الله ملك الجبارين ، ومذل المتكبرين .
فقال له الحجاج : هذب ألفاظك ، وقصر لسانك ، فإني أخاف عليك بادرة الأمر ، وقد أمرت لك بأربعة آلاف درهم .
فقال الغلام : لا حاجة لي بها ، بيض الله وجهك , وأعلى كعبك .
فالتفت الحجاج إلى جلسائه وقال : هل علمتم ما أراد بقوله : بيض الله وجهك , وأعلى كعبك ؟!
قالوا : الأمير أعلم .
قال : أراد بقوله : بيض الله وجهك : العمى والبرص ، وبقوله : أعلى كعبك التعليق والصلب .
ثم التفت إلى الغلام وقال : ما تقول فيما قلت ؟
قال الغلام : قاتلك الله , ما أفهمك !
فاستشاط الحجاج غضباً ، وأمر بضرب عنقه ، وكان الرقاشي حاضراً ، فقال : أصلح الله الأمير ، هبه لي .
قال الحجاج : هو لك ، لا بارك الله لك فيه .
فقال الغلام :أما والله لا أدرى أيكما أحمق من صاحبه ؟! , الواهب آجلاً قد حضر ، أم المستوهب أجلاً لم يحضر ؟!
فقال الرقاشى: استنقذتك من القتل ، وتكافئني بهذا الكلام ؟ !
فقال الغلام : هنيئا لي الشهادة ، أدركتني السعادة ، والله إن القتل في سبيل الله أحب إلى من أرجع إلى أهلي صفر اليدين .
فأمر له الحجاج بجائزة ، وقال يا غلام : قد أمرنا لك بمائة ألف درهم ، وعفونا عنك لحداثة سنك ، وصفاء ذهنك ، وحسن توكلك على الله ، وإياك والجرأة على أرباب الأمر ، فتقع مع من لا يعفو عنك .
فقال الغلام : العفو بيد الله لا بيدك ، والشكر له ، لا لك ، ولا جمع الله بيني وبينك .8

أرني عقلك
جاء زنديق إلى الإمام أبى حنيفة وقال : يا إمام : هل رأيت ربك ؟
قال الإمام : سبحان الله ، ربى لا تدركه الأبصار .
قال الزنديق : فهل سمعته ؟هل أحسسته ؟ هل شممته ؟ هل لمسته ؟
فقال الإمام : سبحان ربى ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .
فقال الزنديق : إن لم تكن رأيته ولا أحسسته ولا شممته ولا لمسته ، فكيف ثبت أنه موجود ؟
قال الإمام : هل رأيت عقلك ؟
قال : لا .
قال الإمام : فهل أحسست عقلك ؟
قال : لا
فقال الإمام : فهل سمعت عقلك ؟
قال : لا .
فقال الإمام : فهل لمست عقلك ؟
قال : لا .
فقال الإمام : أعاقل أنت أم مجنون ؟!
قال : الزنديق : بل عاقل !
فقال الإمام : فأين عقلك ؟
قال الزنديق : موجود .
فقال الإمام : كذلك الله موجود ، الله فوق كل شئ ، وليس تحته شئ ، وهو في كل شئ ـ بعلمه وإحاطته ـ ، لا كشئ في شئ ، وليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير .9

هل ركبت البحر
هذا جعفر الصادق ناقشه أحد الزنادقة في وجود الله تعالى فسأله جعفر : هل ركبت البحر ؟
فقال الزنديق : نعم .
قال : هل رأيت أهواله ؟
قال : بلى ، هاجت يوماً رياح هائلة ، فكسرت السفن وأغرقت الملاحين ، فتعلقت أنا ببعض ألواحها ، ثم ذهب عنى ذلك اللوح ، فإذا أنا مدفوع في تلاطم الأمواج ، حتى دفعت إلى الساحل .
قال جعفر : قد كان اعتمادك من قبل على السفينة والملاح ، ثم على اللوح حتى تنجيك ، فلما ذهبت عنك هذه الأشياء ، هل أسلمت نفسك للهلاك ، أم كنت ترجو السلامة بعد ؟
قال : بل رجوت السلامة .
قال : ممن كنت ترجوها ؟
فسكت الرجل .
قال جعفر : إن الصانع هو الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت ، وهو الذي أنجاك من الغرق .

هل يجوز ذلك في العقل ؟ !
كان الإمام أبو حنيفة جالساً يوما في مجلسه ، إذ انقضت عليه فرقة من الزنادقة يريدون أن يقتلوه ، ولكن أبا حنيفة طلب إليهم في ذلك الموقف العصيب أن يجيبوه عن مسألة يعرضها عليهم ، ثم يفعلوا به ما يريدون .
قال لهم : أجيبوني عن مسألة ، ثم افعلوا ما شئتم .
قالوا له : هات .
قال أبو حنيفة : ما تقولون في رجل يقول لكم : إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال ، مملوءة بالأثقال ، قد احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة ، وهى من بينها تجرى مستوية ، ليس لها ملاح يجريها , ولا متعهد يدفعها ، هل يجوز ذلك في العقل ؟!
قالوا : لا ، هذا شئ لا يقبله العقل .
قال أبو حنيفة : يا سبحان الله ! إذا لم يجز في العقل أن تجرى سفينة في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر ، فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على أختلاف أحوالها ، وتغير أعمالها ، وسعة أطرافها ، وتباين أكنافها من غير صانع ولا حافظ ؟!
فلم يملكوا أمام هذا المنطق إلا أن يقولا : صدقت .

ورقة التوت هي الدليل
وسأل الشافعي : ما الدليل على وجود الصانع ؟
قال : ورقة القرصاد ـ التوت ـ طعمها ولونها وريحها واحد عندكم ؟
قالوا : نعم .
قال : فتأكلها دودة القز ، فيخرج منها الحرير .
والنحلة فيخرج منها العسل .
والشاة فيخرج منها البعر .
ويأكلها الظباء فينعقد في نوافجها المسك .
فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الجميع واحد ؟
فاستحسنوا منه هذا البيان ، وأسلموا على يديه ، وكانوا سبعة عشر رجلا ، والإمام الشافعي استلهم هذا المعنى من قول الله تعالى :{ وفى الأرض قطع متجاورات . . } الرعد : 4

أكثر الله في أهلي منك !
يُحكى أن بعض العلماء في العراق كانوا يحقدون على الإمام الشافعي ، لأنه تربع على قلوب طلاب العلم ، ولذلك اتفقوا على تحضير بعض الأسئلة المعقدة في أسلوب الألغاز حتى يختبروا ذكائه ، أمام الخليفة الرشيد ، وهذه الأسئلة هي :
السؤال الأول : ما قولك في رجل ذبح شاة في منزله ، ثم خرج لحاجة وعاد فقال لأهله : كلوا أنت من الشاة ، فقد حرمت على ؟ فقال أهله : ونحن حرمت علينا كذلك .
قال الشافعي : إن هذا الرجل كان مشركاً ، فذبح الشاة ، وعلى اسم الأنصاب وخرج من منزله لبعض المهمات ، فهداه الله تعالى إلى الإسلام ، وأسلم فحرمت عليه الشاة ، وعندما علم أهله بإسلامه ، أسلموا هم أيضاً ، فحرمت عليهم الشاة كذلك .
الثاني : ما قولك في رجل هرب له غلام ، فقال : هو حر إن أكلت الطعام حتى أجده ، فكيف المخرج له عما قال ؟
قال الشافعي : يهب الغلام لبعض أولاده ، ثم يأكل ، ثم بعد ذلك يسترد ما وهب .
الثالث : شرب مسلمان عاقلان حران الخمر ، يحد أحدهما ، ولا يحد الآخر.
قال الشافعى : إن أحدهما كان بالغاً ، والآخر صبياً .
الرابع : لقيت امرأتان غلامين فقالتا : مرحبا يا ابنينا وزوجينا ، وابنى زوجينا .
قال الشافعى : إن الغلامين كانا ابنى امرأتين ، فتزوجت كل واحدة منهن بابن صاحبتها ، فكان الغلامين ابنيهما وزوجيهما ، وابنى زوجيهما .
الخامس : أخذ رجل قدح من ماء ليشرب ، فشرب نصفه حلالاً ، وحرم عليه بقية ما فى القدح .
قال الشافعى : إن الرجل شرب نصف القدح ، ورعف فى الماء الباقى فى القدح ، فاختلط الدم بالماء فصار حراماً عليه .
السؤال السادس : زنى خمسة نفر بامرأة ، فوجب على أولهم القتل ، وثانيهما الرجم ، وثالثهما الجلد ، ورابعهم نصف الجلد ، وخامسهم لا شئ عليه
قال الشافعى : استحل الأول الزنا فصار مرتداً ، فوجب عليه القتل ، والثانى كان متزوجاً محصناً ، والثالث كان غير محصن ، والرابع كان عبداً ، والخامس كان مجنوناً .
السؤال السابع : رجل صلى ولما سلم عن يمينه طلقت زوجته ، ولما سلم عن يساره بطلت صلاته ، ولما نظر الى السماء وجب عليه دفع ألف درهم ؟
قال الشافعي : لما سلم الرجل عن يمينه رأى شخصاً تزوج هو ـ المصلى ـ امرأته فى بيته ، فلما حضر طلقت منه ، ولما نظر الى يساره ، رأى نجاسة فى ثوبه فبطلت صلاته ، ولما نظر الى السماء رأى الهلال وقد ظهر فى السماء ، وكان عليه دين ألف درهم يستحق سداده فى أول الشهر ، من ظهور الهلال .
السؤال الثامن : كان إمام يصلى مع أربعة نفر فى مسجد ، فدخل عليهم رجل وصلى عن يمين الإمام ، فلما سلم الإمام عن يمينه ، وذلك الرجل وجب على الإمام القتل وعلى المصلين الأربعة الجلد ، ووجب هدم المسجد إلى أساسه .
قال الشافعي : إن الرجل كانت له زوجة ، وسافر وتركها في بيت أخيه ، فقتل الإمام هذا الرجل ، وادعى أن المرأة كانت زوجة المقتول ، فتزوج منها ، وشهد على ذلك الأربعة المصلون ، وأن المسجد كان بيتاً للمقتول ، فجعله الإمام مسجداً .
السؤال التاسع : أعطى رجل لامرأته كيساً مملوءاً مختوماً ، وطلب إليها أن تفرغ ما فيه بشرط ألا تفتحه ، أو تفتقه ، أو تكسر ختمه ، أو تحرقه ، وهى إن فعلت شيئاً من ذلك فهي طالق .
قال الشافعي : إن الكيس كان مملوءاً بالسكر أو الملح ، وما على المرأة إلا أن تضعه في الماء فيذوب ما فيه .
السؤال العاشر : رأى رجل وامرأة غلامين في الطريق , فقبلاهما ، ولما سئلا عن ذلك ، قال الرجل : أبى جدهما ، وأخي عمهما ، وزوجتي امرأة أبيهما ، وقالت المرأة : أمي جدتهما ، وأختي خالتهما ؟
قال الشافعي : إن الرجل كان أباً الغلامين ، والمرأة أمهما .
فأعجب الرشيد بالشافعي ، فقال : لله درُ بنى عبد مناف ، فقد بينت فأحسنت ، وفسرت فأبلغت ، وعبرت فأفصحت .
فقال الشافعي : أطال الله عمر أمير المؤمنين , إني سائل هؤلاء العلماء في مسألة ، فإن أجابوا عليها فالحمد لله ، و إلا فأرجو من أمير المؤمنين أن يكف عنى شرهم .
فقال الرشيد : لك ذلك , وسلهم ما تريد يا شافعي .
فقال لهم : مات رجل عن 600 درهم , فلم تنل أخته من هذه التركة إلا درهماً واحداً ، فكيف كان النظر في توزيع التركة ؟
فنظر بعضهم إلى بعض , ولم يستطيعوا الجواب .
فقال الرشيد : قل لهم الجواب يا شافعي .
فقال الشافعي : مات هذا الرجل عن ابنتين ، وأم ، وزوجة ، واثني عشر أخاً وأختاً ، فأخذت البنتان الثلثين وهو400 درهم ، وأخذت الزوجة الثمن ، وهو 75 درهم ، وأخذت الأم السدس ، وهو 100 درهم ، وأخذ الأخوة الإثنا عشر 24 درهم ، وبقى درهم واحد أخذته الأخت .
فتبسم الرشيد ، وقال : أكثر الله في أهلي منك ، وأمر بألفي دينار ، فتسلمها الشافعي وزعها على خدم القصر وحاشيته . 10

لو رميتك بالتراب أيوجع ؟
قال رجل لإياس بن معاوية : لو أكلت التمر تضربني ؟
قال : لا .
قال : لو شربت قدراً من الماء تضربني ؟
قال : لا .
قال : شراب التمر ـ النبيذ ـ أخلاط منها ، فكيف يكون حراماً .
قال إياس : لو رميتك بالتراب أيوجع ؟
قال : لا .
قال : لو صببت عليك قدرا من الماء ، أينكسر عضو من أعضائك ؟
قال : لا .
قال : لو صنعت من الماء والتراب طوباً فجف في الشمس ، فضربت به رأسك كيف يكون ؟
قال : ينكسر الرأس .
قال إياس : ذلك مثل هذا .

إن مثلك لا ترد له حاجة
يروى أن رجلاً من أهل الكوفة ، وكان ذا قدر في عيون بعض الناس ، وصاحب كلمة مسموعة لديهم ، وكان الرجل يزعم للناس فيما يزعمه لهم أن "عثمان بن عفان " كان يهوديا في أصله ، وأنه ظل على يهوديته بعد الإسلام أيضاً .
فلما سمع أبو حنيفة مقالته هذه مضى إليه وقال : لقد جئتك خاطباً ابنتك فلانة لأحد اصحابى.
فقال : أهلا بك ومرحباً ، إن مثلك لا ترد له حاجة يا أبا حنيفة ، ولكن من الخاطب ؟
فقال : رجل موسوم ـ معروف ـ بين قومه بالشرف والغنى ، سخي اليد ، مبسوط الكف ، حافظ لكتاب الله عز وجل ، يقوم الليل كله في ركعة ، كثير البكاء من خوف الله تعالى .
فقال الرجل : بخ بخ ، حسبك يا أبا حنيفة ، إن بعض ما ذكرته من صفات الخاطب , يجعله كفئاً لبنت أمير المؤمنين .
فقال أبو حنيفة : غير أن فيه خصلة لا بد من أن تقف عليها .
قال : وما هي ؟!
قال : إنه يهودي .
فانتفض الرجل وقال : يهودي ؟! ، أتريد أن أزوج ابنتي من يهودي يا أبا حنيفة ؟!
فقال أبو حنيفة : تأبى أن تزوج ابنتك من يهودي ، وتنكر ذلك أشد الإنكار ، ثم تزعم أن رسول الله  زوج ابنتيه كلتيهما من يهودي !!
فعرت الرجل رعدة وقال : أستغفر الله من قول سوئ قلته ، وأتوب إلى الله من فرية أفتريتها .11

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

روائع المناظرات  Empty
مُساهمةموضوع: روائع المناظرات   روائع المناظرات  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 2:41 pm

تب يا أبا حنيفة !
جاء أحد الخوارج واسمه " الضحاك الشاري " إلى أبى حنيفة ذات يوم وقال تب يا أبا حنيفة !
فقال : مما أتوب ؟!
فقال الخارجي : من قولك بجواز التحكيم الذي جرى بين على وبين معاوية .
فقال أبو حنيفة : ألا تقبل أن تناظرني في هذا الأمر ؟
فقال الخارجي : بلى .
فقال أبو حنيفة : فإن اختلفنا في شئ مما نتناظر فيه ، من يحكم بيننا ؟
فقال الخارجي : حكم من تشاء .
فالتفت أبو حنيفة إلى رجل من أصحاب الخارجي كان معه ، وقال : احكم بيننا فيما نختلف فيه . .
ثم قال للخارجي : أنا رضيت بصاحبك فهل ترى أنت به ؟
فسر الخارجي وقال : نعم .
فقال أبو حنيفة : ويحك ! أتجوز التحكيم فيما يشجر بيني وبينك ، وتنكره على اثنين من صحابة رسول الله  ؟!
فبهت الخارجي ، ولم يحر جواباً .

سل ما بدا لك
جاء جهم بن صفوان ـ رأس الفرقة الجهمية الضالة المبتدعة ـ ، وزارع الشر في أرض الإسلام ، جاء مرة أبا حنيفة وقال : لقد أتيتك لأكلمك في شئ هيأتها لك . .
فقال أبو حنيفة : الكلام معك عار ، والخوض فيما تذهب إليه نار تلظى .
فقال جهم : كيف حكمت على بما حكمت ، وأنت لم تلقني من قبل ، ولم تسمع كلامي ؟!
فقال أبو حنيفة : لقد بلغتني عنك أقاويل لا تصدر عن رجل من أهل القبلة .
فقال جهم : أتحكم على بالغيب ؟
فقال أبو حنيفة : لقد شهر ذلك عنك واستفاض ، وعرفته العامة والخاصة ، فجاز لي أن أثبته عليك بما تواتر عنك .
فقال جهم : أنا لا أريد أن أسألك إلا عن الإيمان .
فقال أبو حنيفة : أو لم تعرف الإيمان إلى هذه الساعة حتى تسألني عنه ؟!
فقال جهم : بلى ، ولكني شككت في نوع منه .
فقال أبو حنيفة : الشك في الإيمان كفر .
فقال جهم : لا يحل لك أن تصمني بالكفر , إلا إذا سعت منى ما يكفر .
فقال أبو حنيفة : سل ما بدا لك .
فقال جهم : أخبرني عن رجل عرف الله بقلبه ، وعلم أنه واحد لا شريك له ، ولا ند ، وعرف بصفاته ، وأنه ليس كمثله شئ ، ثم مات ولم يعلن الإيمان بلسانه ، أفيموت مؤمناً أم كافراً ؟
فقال أبو حنيفة : يموت كافراً ، ويكون من أهل النار ، إذا لم يصرح بلسانه عما عرفه بجنانه , ما لم يمنعه من التصريح باللسان مانع .
فقال جهم : كيف لا يكون مؤمناً ، وقد عرف الله حق معرفته ؟!
فقال أبو حنيفة : إن كنت تؤمن بالقرآن وتجعله حجة كلمتك به ، وإن كنت لا تؤمن بالقرآن ولا تراه حجة ، كلمتك بما نكلم من خالف الإسلام .
فقال جهم : بل أومن بالقرآن , وأجعله حجة .
فقال أبو حنيفة : إن الله تبارك و تعالى جعل الإيمان بجارحتين اثنتين , بالقلب واللسان لا بواحدة منهما ، وكتاب الله وحديث رسول الله  طافحن بتقرير ذلك ، قال تعالى : { َمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ } المائدة : 83،85
فهم عرفوا الحق بجنابهم ، ونطقوا به بلسانهم ، فأدخلهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار .
وقال تعالى : { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } البقرة : 136
فأمرهم بالقول ، ولم يكتف منهم بالمعرفة والعلم .
وقال  : " قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " .
فلم يجعل الفلاح بالمعرفة وحدها ، وإنما ضم إليها القول .
ولو كان القول لا يحتاج إليه ، ويكتفي بالمعرفة من دونه لكان إبليس مؤمناً ، لأنه عارف بربه ، فهو يعلم أنه هو الذي خلقه ، وهو الذي يميته ، وهو الذي يبعثه ، وهو الذي أغواه .
قال تعالى على لسانه : { خلقتني من نار وخلقته من طين } .
ولو كان ما تزعمه صحيحاً ، لكان كثير من الكفار مؤمنين بمعرفتهم لربهم مع إنكارهم له بلسانهم ، قال تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } النمل : 14.
ومضى أبو حنيفة يتدفق على هذا النسق تارة بالقرآن ، وأخرى بالحديث حتى بدا الانبهار والخذلان على وجه " جهم " ، وانسل من بيد يدي أبى حنيفة وهو يقول : لقد أذكرتني شيئاً كنت ناسيه ، وسأرجع إليك ، ثم مضى إلى غير عودة . 12

فهلا قلت كما قال إبراهيم 
دخل قتادة الكوفة ، ونزل في دار أبي بردة ، فخرج يوماً وقد اجتمع إليه خلق كثير ، فقال قتادة : والله الذي لا إله إلا هو ما يسألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلا أجبته .
فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطاب ! ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواماً ، فظنت امرأته أن زوجها مات فتزوجت ، ثم رجع زوجها الأول ما تقول في صداقها ، وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه : لئن حدث بحديث ليكذبن ، ولئن قال برأي نفسه ليخطئن .
فقال قتادة : ويحك أوقعت هذه المسألة .
قال : لا .
قال : فلم تسألني عما لم يقع .
قال أبو حنيفة : إنا نستعد للبلاء قبل نزوله ، فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه .
قال قتادة : والله لا أحدثكم بشيء من الحلال والحرام ، سلوني عن التفسير .
فقام إليه أبو حنيفة فقال له : يا أبا الخطاب ! ما تقول في قول الله عز وجل { قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ . . } النمل : 40
قال : نعم هذا آصف بن برخيا بن شمعيا ، كاتب سليمان بن داود ، كان يعرف اسم الله الأعظم .
فقال أبو حنيفة : هل كان يعرف الإسم سليمان .
قال : لا .
قال : فيجوز أن يكون في زمن نبي من هو أعلم من النبي .
قال : فقال قتادة : والله لا أحدثكم بشيء من التفسير ، سلوني عما اختلف فيه العلماء .
قال : فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطاب ! أمؤمن أنت .
قال : أرجو .
فقال أبو حنيفة : فهلا قلت كما قال إبراهيم ـ  ـ { قال أولم تؤمن قال بلى} فهلا قلت : بلى .
قال : فقام قتادة مغضباً ، ودخل الدار وحلف أن لا يحدثهم . 13

مناظرة مع صوفي
قال الصوفى : علام تنقمون أيها السنية على التصوف أو الصوفية ؟ , أليس التصوف هو جوهر الإسلام , وهو حقيقة الإحسان ؟
قال السنى : أولاً القضية ليست قضية هوى ، والخصومة ليست في عرض و لا متاع ، فنحن لم نصاحب ابن عربي , ولا أبا يزيد البسطامي حتى تنظر بهذا المنظور ، القضية قضية دين .
قال الصوفى : ولكن ما وجه مخالفة التصوف للدين ؟ فأنتم تعترضون على لفظ التصوف ، لا مضمونه فقط !
قال السنى : أيها الصوفى ! لا بد لكل متحاورين أن يؤصلا أصلا يرجعان إليه عند الإختلاف .
قال الصوفى : ما هذا الأصل الذي نريد أن نرجع إليه ؟
قال السنى : كتاب الله , وسنه رسوله  .
قال الصوفى : وأن أتفق معك على ذلك .
ثم قال الصوفى : قل لي : هل أنتم تعترضون على لفظ التصوف ؟
قال السنى : نعم ، نحن نعترض على لفظ التصوف , وأصل اشتقاقه في المقام الأول .
قال الصوفى : فما وجه اعتراضكم على هذا اللفظ ؟
قال السنى : ماذا تظن أنت في هذا اللفظ ؟
قال الصوفى : التصوف عندنا من الصفاء .
قال السنى : وهذا لا يقبل في اللغة , ولا في الشرع , ولا في الدين .
قال الصوفى : لماذا ؟
قال السنى : الحقيقة التي تغيب عنك أن اشتقاق مادة التصوف قد حيرت علماء اللغة ، واختلفوا فيها كثيراً ، والصحيح أنها في الغالب ترجع إلى لبس الصوف ، وهى لا تصلح أن تكون من الصفاء ، لأن الاشتقاق من الصفاء صفوي ، وهى لا تصلح أن تكون من أهل الصفة ، لأن الاشتقاق من أهل الصفة صُفى ، ولا تصلح أن تكون من الصف الأول ، لأن الاشتقاق من الصف الأول صَفى ، إذا لا يبقى صحيحاً سوى الاشتقاق من الصوف ، فيكون صوفي .
قال الصوفى : أظن أن كلامك هذا لا اعتراض عليه ، ولكن دعنا من الشكليات ، أليس التصوف كان في الصدر الأول من الإسلام ؟
قال السنى : هذا الكلام يحتاج إلى دليل ، ولابد أن يسند الدليل إلى من يقبل منه العلم ، فلا تكن كحاطب ليل ، لا يتقى ضره ، ولا يجمع ما ينفعه .
قال الصوفى : النبي  أعطى خرقة الصوفية لعلى بن أبى طالب ، وعلى بدوره أعطاها للحسن البصري .
قال السنى : ولماذا يعطى النبي  الخرقة لعلى فقط ؟! ألم يوجد في الصحابة غير على ؟ ، بل ومن أفضل من على ؟ بل ولماذا يعطى على بن أبى طالب الخرقة للحسن البصري ، ولا يعطيها لولديه الحسن والحسين ؟ أليس هذا من الأولى والمناسب ؟
قال الصوفى : هذا الذي أعلمه ، وهذا هو الذي سمعته من مشايخي .
قال السنى : بل هذا نوع من التشيع لعلى  على حساب بقية الصحابة فاحفظ هذا .
قال الصوفى : وما وجه اعتراضك على الحسن البصري ؟
قال السنى :أنا لا أعترض على الحسن البصري ، ومن أنا حتى أعترض عليه .
قال الصوفى : إذا كان الحسن كما تقول ، فلماذا تعترض على خرقة الصوفية ؟
قال السنى : لقد أجمع علماء الحديث أن الحسن البصري لم يسمع من على بن أى طالب  شيئاً ، وهذا يكفيك في بيان انقطاع الصلة بين على والحسن ويكفيك في بطلان أمر الخرقة ، وقد ذكر العجلونى في " كشف الخفاء " رقم (2035) " لبس خرقة الصوفية وكون الحسن البصري لبسها من على " قال في المقاصد : قال ابن دحيه وابن الصلاح : باطل ، ولم يسمع الحسن من على حرفاً بالإجماع ، فكيف يلبسها إذن .
وقال ابن حجر : " ليس في شئ من طرقها ما يثبت ، ولم يرد في خبر صحيح ولا حسن ولا ضعيف أن النبي  ألبس الخرقة على الصورة المتعارفة بين الصوفية لبعض أصحابه ، ولا أمر أحداً من الصحابة بفعل ذلك وكل ما روى في ذلك صريحاً باطلاً " أنظر : فتح الباري (2/137)
قال الصوفى : لقد قال لي مشايخي غير ذلك ، وأنا متحير في الأمر .
قال السنى : لقد ذكرت لك الإجماع ، والإجماع تحرم مخالفته ، حتى لو من أهل الفن ، فاحفظ ذلك .
قال الصوفى : إذا كنت تشكك في أمر الخرقة ، فأنت إذن تشكك في موطن التصوف ؟
قال السنى : نعم أشكك فيه .
قال الصوفى : ولماذا ؟
قال السنى : لان التصوف لم ينشأ في مدينة الرسول  ، وكل ما وصف به التصوف من لوامع وطوالع وأذواق ومواجد ومكاشفات وصحو وسكر ، لم يعرفه أهل المدينة على الإطلاق ، بل نشأ التصوف في بلاد فارس أولاً ، وبالتحديد في " بلخ " ، ثم ترعرع في البصرة والكوفة من بلاد العراق ، فقد كان فيها المبالغة في الزهد والتكلف في الذكر والعبادة .
قال الصوفى : إن التصوف أول ما نشأ كان في صورة الزهد .
قال السنى : ليس التصوف هو الزهد ، بل ولا هو مجرد الخَلق ، هذا نوع من التدليس ، وإنما هو صفاء ومشاهدة ، وتلك المشاهدة لا يعتد بها إذا جاءت بالعلم أو بالدراسة ، أنما طريقها المجاهدات والرياضات .
قال الصوفى : يعنى أنت لا اعتراض عندك على الصفاء , ولا المشاهدات ولا الكرامات ؟
قال السنى : القضية ليست في الصفاء , ولا في المكاشفات , ولا في الكرامات , ولكن أمر المشاهدات فيه كلام كثير ، ولكن القضية في أمر جلل ألا وهو تلك الانحرافات والخرافات التي تضمنتها دعوة التصوف حين ركبت موجة الكرامات ، فالتصوف إذا كان أوله رغبه في الوصول إلى الله تعالى بالذكر فهذا شئ طيب ، ولكنه بالكرامات أصبح غلواً في الصالحين .
قال الصوفى : فهل عندكم اعتراض على الذكر أيضاً ؟
قال السنى :أنت لم تفقه إلى الآن أن الخصومة التي بيننا وبينكم تنبع في المقام الأول من مخالفة النصوص ، وتحميلها ما لا تطيق من التأويلات المنحرفة ، التي لم يسبقكم إليها الأولون من السلف الصالح .
قال الصوفى : وهل من الضرورة أن ألتزم بمفاهيم السلف الصالح ، لماذا تهملون الأذواق والإلهامات والمكاشفات ، يعنى أنت تريد أن تقول أنني على باطل ، وأن التصوف باطل ، وأن شيخي الرجل الولي الصالح الذي تجرى على يديه الكرامات ، والتي رأيتها بعيني على باطل ، هذا ظلم فادح .
قال السنى : أيها الصوفى لقد عرضت قضية الذكر ، ولم تسمع أوجه اعتراض أهل السنة عليها ؛ إن ذكر الله تعالى نور القلوب وجنة العيون ، فهو الطريق المقرب إلى الله تعالى ، ولا يضاهيه شئ في الإسلام ، هذا باختصار الذكر عند أهل السنة : " كلام مفيد مفسر ن لا تعنت فيه ولا تكلف ، ولا غموض ، ولا تطرف "
أما الذكر عندكم فهو: كرده ده ده أحما حميثاً أطما طميثاً . . الخ
وهذا قد بلغ من الغموض مداه ، وقد يكون سباً لله أو استهزاء بدينه ، ولكنكم لا تعلمون ، أعيتكم العربية ، فقلتم نذكر بالسريانية !
أنظر إلى هذا الذكر " أه أه أه " ماذا يريد أن يقول هذا الذاكر ؟ هل يقبل حاكم بلد أن يقف أمامه مجموعة من هؤلاء يقولون : " أه اه اه اه " لا أظن ذلك ، فكيف بالله تعالى ؟ أنظر إلى قولهم في الذكر المفرد : " حي حي حي ، قيوم قيوم قيوم " ، ماذا يريد الذاكر بهذا الذكر ؟ هل أفاد معنى مفيداً ؟ هل نزه الله تعالى تنزيها كاملاً ؟ هل سأل الله تعالى سؤالاً واضحاً بيناً ؟
أما الذكر عند أهل السنة تسبيح وثناء وتمجيد ، وعند الصوفية للوصول ، فإذا وصل الصوفى أصبح الذكر عليه حراماً !
قال الصوفى : وما وجه اعتراضك على المكاشفات ؟
قال السنى : المكاشفات منها ما هو حق ومنها هو باطل ، وهى على كل حال لا يمكن أن تنسخ شيئاً من الكتاب ولا في السنة على الإطلاق ، ولا يمكن أن يأتي الرسول  لأحد في منامه ليحل حراماً أو يحرم حلالاً ، فالأصل كتاب الله تعالى , وسنة رسوله  والدين قد تم .
وإني سائلك أيها الصوفى : لو كوشف لك في المنام بداية رمضان يوم الأحد ، هل تستطيع الصيام يوم الأحد والناس قد أجمعوا أنه يوم الاثنين مثلا؟ً لا أظنك ستجرؤ على ذلك ، فإذا كان هذا في أمر الناس ، فماذا في أمر الله تعالى , وأمر رسوله  .
قال الصوفى : نعم لا أستطيع ، لابد أن ألتزم بالشرع .
قال السنى : ولكن بعضكم ربما يقول غير ذلك ، بحجة أن شيخه معصوم لا يخطئ .
قال الصوفى : الشيخ محفوظ , وليس معصوماً .
قال السنى : لا فرق بين محفوظ أو معصوم ، فالإثنان يرميان إلى معنى واحد ، هو أن الولي ممنوع من ارتكاب الكبائر .
قال الصوفى : وهل في ذلك خطأ شرعي ، وهل تظن أن الله تعالى يصطفى ولياً عاصياً ؟
قال السنى : نعم إن الله تعالى لا يصطفى العصاة ، ولكنه يصطفى الأتقياء والأتقياء ليس من شروطهم أن يكونوا معصومين من الخطأ .
قال الصوفى : لماذا ؟
قال السنى : لأن الله تعالى بين أنه يكفر عنهم سيئاتهم كما في قوله : { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } الزمر : 33،35
وقال الرسول  : " كل بنى آدم خطاء ، وخير الخطاءين التوابون " حسن أنظر : " صحيح الجامع " رقم (1515)
قال الصوفى : لكن لا أدرى لماذا يجذبني حبي لشيخي من عدم الإذعان لك والتصديق لما تقول : ولو أنك جئت إلى شيخي لكي تقنعه بذلك لكان خيراً لي ولك .
قال السنى : أيها الصوفى : إن ما يحزنني أن أحدكم إذا عجز أمام أحد في المناظرة يقول له تعالى إلى الشيخ ، كلم الشيخ ، وهل هذا الشيخ سيسأل نيابة عنك قبرك ؟
قال الصوفى : الطريق معك طويل أيها السنى ، وأنا لم أعد أقدر على الصبر فيما تقوله لي ، فهو أشد على من المر .
قال السنى : عجيب أمركم أيها الصوفية تصبرون على الجوع ، وتصبرون على الخلوة ، وتصبرون على السهر ، ومع ذلك لا تصبرون على العلم ، وهو الحق الذي يقربنا إلى الله تعالى .
قال الصوفى : يا سني كل ذلك يهون لعز الوصول ، ولكن العلم يقطع النفوس ، العلم طريق شاق ، العلم أشق علينا من كل شئ ، أنا أجوع عاماً ولا اقدر على هذا العلم .
قال السنى : الله أكبر ، صدق الشافعي وابن الجوزى رحمهما الله تعالى .
قال الصوفى : وما المناسبة ؟
قال السنى : لأنك وصلت إلى الذي أنتهي إليه أذهان هذان الإمامان ، فاسمع ما قاله الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ : " أسس التصوف على الكسل " أنظر : " تلبيس إبليس " لابن الجوزي , ص : 330
قال الصوفى : اسأل الله تعالى بحق جاه أوليائه وأنبيائه وأهل البيت الكرام أن يجعل جلوسي معك برداً وسلاماً على .
قال السنى : أيها الصوفى أنت لا تحسن الدعاء .
قال الصوفى : وهل أخطأت في الدعاء ؟
قال السنى : الخطأ في قولك بحق جاه النبي , وأولياء الله , وأهل البيت الكرام .
قال الصوفى : أنتم يا أيها السنية تكرهون أولياء الله الصالحين ، ولا تحبون أهل البيت الكرام ، وتظنون أن جاه النبي  لا يستشفع به إلى الله تعالى .
قال السنى : أنا لا أتعجب من قولك هذا ، فقد سمعت منكم من يلوك هذا الكلام بلسانه ، ويتخذه دخلاً للوقيعة بين السلاطين والأئمة ، وهذا كذب مفترى علينا ، أنا نحب النبي  وآل بيته الطيبين الكرام ، وأولياء الله الصالحين ، فهذا لا ينتطح فيه كبشان ، ولا يقول بخلاف ذلك إلا جاهل مفتر علينا , وعلى الله تعالى وعلى نبيه  ، فحب النبي  وآل بيته الكرام من الإيمان ومن أبغض النبي  فقد كفر ، ومن أبغض آل بيته فقد كفر ، ومن أبغض أولياء الله الصالحين فقد عرض نفسه لحرب من الله تعالى ، لقوله  " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " رواة البخارى .
أما سؤال الله تعالى بجاه النبي  فهذا غير جائز ، ولا يمارى في جاه النبي  ، فالنبي أشرف مخلوق على الإطلاق في الوجود ، ولكن مع ذلك لم يكن مجرد الجاه وسيلة حتى للنبي  نفسه .
قال الصوفى : ألم يكن السلف الصالح يتوسلون إلى الله تعالى بذوات الأولياء والصالحين ؟
قال السنى : لا ، لم يكن أحد منهم يتوسل إلى الله تعالى بذات أحد , أو بجاهه , لأن العمل في الدين لا يقبل إلا إذا كان خالصاً صواباً ، والخالص ما كان لله وحده ، والصواب ما كان على نهج السنة المطهرة ، وليس من السنة التوجه إلى الله تعالى بذات أحد أو بجاهه ، والتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته يكفى في التقرب إليه تعالى ذكره ، واستمداد الخير منه .
قال الصوفى : الصوفية حين أباحوا التوسل بجاه الرسول  إنما اعتمدوا على آثار نبوية وردت في الدلالة على ذلك .
قال السنى : وما تلك الآثار ؟
قال الصوفى : أثار كثيرة منها قوله  : " توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم " , وقوله  : " أسالك بحق السائلين ، وبحق ممشاي هذا "
قال السنى : مما يؤسف له أنكم تبنون طريقتكم على الآثار الموضوعة والأحاديث الضعيفة ، والمنامات المقلوبة ، كل ما ذكرت إما موضوع أو لا أصل له ، وإما موجه إلى معنى غير الذي قصدت ، فقولك أن رسول الله قال " توسلوا بجاهي . . . . " فهذا لا أصل له ، وانظر " السلسة الضعيفة " للألباني رقم : (22)
أما حديث : " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاى هذا " فهو حديث ضعفه كثير من أهل العم من عدة جهات ، وفيه عطيه العوفي.
قال ابن حجر في " التقريب " 1/393 : " صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا " .
قال الصوفى : عندي حديث آخر ذكره الأئمة ، وهو : " لما اقترف آم الخطيئة قال : يارب أسألك بحق محمد لما غفرت لي . . . الخ "
قال السنى : هذا حديث موضوع ، قال الألباني : موضوع ، ونقل تعليق الذهبي عليه ، وفيه قال الذهبي : موضوع ، وعبد الرحمن واه ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدرى من هو ، أنظر " السلسلة الضعيفة " 1/89
قال الصوفى : أيها السنى لو بقيت معك إلى آخر الحوار , ربما تخرج روحي مع انتهاء هذا الحوار ، ولكن سوف أكمل معك الطريق ، توكلنا على الله مدد يا بدوى ، مدد يا أهل البيت ، مدد يا أولياء الله الصالحين ، الفاتحة للنبي والسالكين .
قال السنى : أيها الصوفى كلما تخرج من مصيبة تدخل فيما هو أشد منها ، أنت تطلب المدد من الأموات ، والحقيقة الغائبة عنك أن الأموات في حاجة إلى الأحياء دون العكس ، فالأموات لا يقدرون على مد أحد بشئ ، فأنت تقول " مدد يا بدوى " فأصبح البدوي مطلوباً وليس مطلوباً به ، وهذا شرك أكبر ، وصاحب الشرك الأكبر إذا مات دون توبة دخل النار وخلد فيها .
قال الصوفى : كنت عندما أصاحب شيخي في السفر يقول ذلك ، في الحقيقة لقد غلبتني بحججك ، وتركتني بعد حديثك الشائق الشائك في حيرة من أمري فأنا بين أن أخضع لما تقول , وبين مقامات شيوخي وأحوالهم .
قال السنى : أنا أدعوك إلى كتاب الله تعالى وسنة رسله  وما كان عليه الصدر الأول في الإسلام ، وأنا لا أدعوك لتختار بيني وبين مشايخك ، وإنما أدعوك لتقديم ما كان عليه الصحابة على مشايخك ، وليس هناك بعد الأنبياء والمرسلين أفضل من أصحاب رسول الله  .14

أسألك أو تسألني؟
روى يعقوب الشحام قال :
قال لي أبو الهذيل : بلغني أن رجلاً يهودياً قدم البصرة ، وقد قطع وغلب عامة متكلميهم ، فقلت لعمى : امض إلى هذا اليهودي كلمه ، فقال : يا بنى ، هذا غلب جماعة متكلمي البصرة ، فقلت : لا بد ، فأخذ بيدي ، فدخلنا على اليهودي ، فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه نبوة موسى ـ  ـ ثم يجحد نبوة نبينا  .
فيقول : نحن على ما اتفقنا عليه من نبوة موسى ، إلى أن نتفق على غيره ، فنقر به .
قال : فدخلت عليه ، فقلت له : أسألك أو تسألني ؟
فقال : يا بنى ، أو ما ترى ما أفعله بمشايخك ؟
فقلت : دع عنك هذا ، واختر .
قال : بل أسألك ، أخبرني أليس موسى نبياً من أنبياء الله قد صحت نبوته ؟ وثبت دليله ، تقر بهذا أو تجحده ، فتخالف صاحبك ؟
فقلت له : إن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين ، أحدهما : إني اقر بنبوة موسى الذي أخبرنا بصحه نبوة محمد  ، وأمرنا بإتباعه , وبشر بنبوته ، فإن كان عن هذا تسألني ، فأنا مقر بنبوته ، وإن كان الذي سألتني عنه لا يقر بنبوة نبينا محمد  ولم يأمر بإتباعه ، ولا بشر به ، فلست أعرفه ، ولا اقر بنبوته ، وهو عندي شيطان مخزي ، فتحير مما قلت له .
فقال لي : فما تقول في التوراة ؟
فقلت : أمر التوراة أيضاً عندي على وجهين ، إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى الذي أقر بنبوة نبينا محمد  ، فهي التوراة الحق ، وإن كانت الذي تدعيه ، فباطل ، وأنا غير مصدق بها .
فقال : أحتاج أن أقول لك شيئا بيني وبينك .
فظننت أنه يقول شيئاً من الخير ، فتقدمت إليه فسارني ، وقال : أمك كذا وكذا وأم الذي علمك كذا وكذا ، وقد رأى أنى أرد عليه ، و يقول : أنه قد رد على ، فأقبلت على من كان في المجلس ، فقلت : أعزكم الله : أليس قد أجبته ؟
قالوا : نعم .
فقلت : أليس عليه أن يرد جوابي ؟
فقالوا : نعم .
فقلت : إنه لما سارني شتمني ، بالشتم الذي يوجب الحد ، وشتم من علمني ، وأنه ظن أنى أرد عليه ، فيدعى أنا أثبناه ، وقد عرفتكم شأنه ، فأخذته الأيدي بالنعال ، فخرج هارباً من البصرة ، وقد كان له بها دين كثير ، فتركه وخرج هارباً لما لحقه من الإنقطاع . 15

أتدرى من أنت ؟!
عن المزني قال :
قلت : إن كان أحد يخرج ما في ضميري ، وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي ، فصرت إليه ، وهو في مسجد مصر ، فلما جثوت بين يديه قلت : هجس في ضميري مسألة في التوحيد ، فعلمت أن أحداً لا يعلم علمك ، فما الذي عندك ؟
فغضب الشافعي ، ثم قال : أتدرى من أنت ؟
قلت : نعم .
قال : في هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون ، أبلغك أن رسول الله  أمر بالسؤال عن ذلك ؟
قلت : لا .
قال : تدرى كم نجم في السماء ؟
قلت : لا .
قال : فكوكب منها ، تعرف جنسه ، طلوعه ، أفوله ، مم خلق ؟
قلت : لا .
قال : فشئ تراه بعينك من الخلق لست تعرفه ، تتكلم في علم خالقه ؟
ثم سألني عن مسألة في الوضوء ، فأخطأت فيها ، ففرعها على أربعة أوجه فلم أصب في شئ منه .
فقال : شئ تحتاج إليه في اليوم خمس مرات ، تدع علمه ، وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك ، فارجع إلى الله وإلى قوله تعالى : { وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } البقرة : 163,164 , فاستدل بالمخلوق على الخالق ، ولا تتكلف علم ما لم يبلغه عقلك .
قال : فتبت .

هل قست رأسك بعد ؟!
قال ابن شبرمة:
دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد ، فقال لابن أبى ليلى: من معك ؟
قال: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين .
قال: لعله يقيس أمر الدين برأيه ؟
قال: نعم .
فقال جعفر لأبى حنيفة: ما اسمك ؟ قال: نعمان .
قال: يا نعمان ، هل قست رأسك بعد ؟
قال: كيف أقيس رأسي ؟!
قال: ما أراك تحسن شيئاً !
قال جعفر: فهل علمت كلمة أولها كفر ، وآخرها إيمان ؟
قال: لا .
فقال ابن أبى ليلى: يا ابن رسول الله ، أخبرني بهذه الأشياء التي سألته عنه؟
قال جعفر: إذا قال العبد : لا إله ، فقد كفر ، فإذا قال : إلا الله ، فهو إيمان ، ثم أقبل على أبى حنيفة ، فقال: يا نعمان ، أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس قال تعالى له ، اسجد لآدم ، فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس , لأنه اتبعه القياس .
ثم قال جعفر: أيهما أعظم : قتل النفس أو الزنا ؟
قال: قتل النفس .
قال: فإن الله تعالى قبل في قتل النفس شاهدين ، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة
ثم قال: أيهما أعظم : الصلاة أو الصيام ؟
قال: الصلاة .
قال: فما بال الحائض تقضى الصوم ، ولا تقضى الصلاة ؟! فكيف ويحك يقوم لك قياس ؟! اتق الله ولا تقس الدين برأيك . 16

بين على  وابنه الحسن
عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث قال :
سأل علي  ابنه الحسن عن أشياء من أمر المروءة . .
فقال : يا بني ما السداد ؟
قال : يا أبت السداد : دفع المنكر بالمعروف .
قال : فما الشرف ؟
قال : اصطناع العشيرة ، وحمل الجريرة .
قال : فما المروءة ؟
قال : العفاف ، وإصلاح المال .
قال : فما الرأفة ؟
قال : النظر في اليسير ، ومنع الحقير .
قال : فما اللؤم ؟
قال : إحراز المرء نفسه ، وبذله عرسه .
قال : فما السماح ؟
قال : البذل في العسر واليسر .
قال : فما الشح ؟
قال : أن ترى ما في يديك شرفاً ، وما أنفقته تلفاً .
قال : فما الإخاء ؟
قال : المواساة في الشدة والرخاء .
قال : فما الجبن ؟
قال : الجرأة على الصديق ، والنكول عن العدو .
قال : فما الغنيمة؟
قال : الرغبة في التقوى ، والزهادة في الدنيا ، هي الغنيمة الباردة .
قال : فما الحلم ؟
قال : كظم الغيظ ، وملك النفس .
قال : فما الغنى ؟
قال : رضي النفس بما قسم الله تعالى لها ، وإن قل ، وإنما الغنى غنى النفس
قال : فما الفقر ؟
قال : شره النفس في كل شئ .
قال : فما المنعة ؟
قال : شدة البأس ، ومنازعة أعزاء الناس .
قال : فما الذل ؟
قال : الفزع عند المصدوقة .
قال : فما العي ؟
قال : العبث باللحية ، وكثرة البزق عند المخاطبة .
قال : فما الجرأة ؟
قال : موافقة الأقران .
قال : فما الكلفة ؟
قال : كلامك فيما لا يعنيك .
قال : فما المجد ؟
قال : أن تعطي في الغرم ، وتعفو عن الجرم .
قال : فما العقل ؟
قال : حفظ القلب كلما استوعيته .
قال : فما الخَرَق ؟
قال : معاداتك إمامك ، ورفعك عليه كلامك .
قال : فما الثناء ؟
قال : إتيان الجميل ، وترك القبيح .
قال : فما الحزم ؟
قال : طول الأناة ، والرفق بالولاة .
قال : فما السفه ؟
قال : إتباع الدناة ، ومصاحبة الغواة .
قال : فما الغفلة ؟
قال : تركك المجد ، وطاعتك المفسد .
قال : فما الحرمان ؟
قال : تركك حظك وقد عرض عليك .
قال : فما السيد ؟
قال : الأحمق في ماله ، والمتهاون في عرضه ، يشتم فلا يجيب ، والمتحزن بأمر عشيرته هو السيد . 17

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

روائع المناظرات  Empty
مُساهمةموضوع: روائع المناظرات   روائع المناظرات  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 2:43 pm


من مناظرات الإمام الشافعي
قال الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ :
لم اسمع أحداً نسبه الناس , أو نسب نفسه إلي علم ، يخالف في أن رضا الله عز وجل في إتباع آمر رسول الله  ، والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا إتباعه ، وانه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله  ، وان ما سواهما تبع لهم ، وان فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله واحد ، لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله  إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى :
قال لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه : أنت عربي ، والقرآن نزل بلسان من أنت منه ، وأنت أدرى بحفظه ، وفيه لله فرائض أنزلها , لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها استتبته ، فإن تاب وإلا قتلته ، وقد قال الله عز وجل في القرآن : { تبيانا لكل شيء } ، فكيف جاز عند نفسك , آو لأحد في شيء فرضه الله أن يقول : مرة الفرض فيه عام ، ومرة الفرض فيه خاص , ومرة الأمر فيه فرض ، ومرة الأمر فيه دلالة ، وإن شاء ذو إباحة ، وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر عن آخر ، أو حديثان أو ثلاثة حتى تبلغ به رسول الله  ، وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرئون أحداً لقيتموه ، وقدمتموه في الصدق والحفظ ، ولا أحدا لقيت ممن لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطئ في حديثه ، بل وجدتكم تقولون لغير واحد منهم : أخطأ فلان في حديث كذا ، وفلان في حديث كذا ، ووجدتكم تقولون : لو قال رجل لحديث أحللتم به وحرمتم من علم الخاصة ، لم يقل هذا رسول الله إنما أخطأتم ، أو من حدثكم كذبكم ، لم تستتيبوه ولم تزيدوا على أن تقولوا له : بئس ما قلت ، أفيجوز أن يفرق بين شيء من أحكام القرآن , وظاهره واحد عند من سمعه يخبر من هو ، كما وصفتم فيه ، وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله ، وأنكم تعطون بها وتمنعون بها .
فقلت : إنما نعطي من وجه الإحاطة ، أو من جهة الخبر الصادق ، وجهة القياس , وأسبابها عندنا مختلفة ، وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض
قال : ومثل ماذا ؟
قلت : إعطائي من الرجل بإقراره وبالبينة ، وإبائه اليمين ، وحلف صاحبه والإقرار أقوى من البينة ، والبينة أقوى من إباء اليمين ، ويمين صاحبه ، ونحن وإن أعطينا بها عطاء واحدا فأسبابها مختلفة .
قال : وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم ، وفيهم ما ذكرت ، من أمركم بقبول أخبارهم وما حجتكم فيه على من ردها ؟
فقلت : لا أقبل منها شيئاً إذا كان يمكن فيه الوهم ، ولا أقبل إلا ما أشهد به على الله ، كما أشهد بكتابه الذي لا يسع أحدا الشك في حرف منه ، أو يجوز أن يقوم شيء مقام الإحاطة وليس بها .
فقلت له : من علم اللسان الذي به كتاب الله وأحكام الله ، دله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله  والفرق بين ما دل رسول الله  على الفرق بينه من أحكام الله ، وعلم بذلك مكان رسول الله  إذ كنت لم تشاهده خبر الخاصة وخبر العامة .
قال : نعم .
قلت : فقد رددتها إذ كنت تدين بما تقول .
قال : أفتوجدني مثل هذا مما تقوم بذلك الحجة في قبول الخبر ، فإن أوجدته كان أزيد في إيضاح حجتك وأثبت للحجة على من خالفك ، وأطيب لنفس من رجع من قوله لقولك .
فقلت : إن سلكت سبيل النصفة ، كان في بعض ما قلت دليل على إنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال عنه ، وأنت تعلم إن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغي إن تغفل من أمر دينك .
قال : فأذكر شيئاً إن حضرك .
قلت : قال الله عز وجل : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} الجمعة : 2.
قال : فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله ، فما الحكمة ؟
قلت : سنة رسول الله .
قال : أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة ، والحكمة خاصة ، وهي أحكامه؟
قلت : تعني بأن يبين لهم عن الله عز وعلا ، مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها ، فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه ، وبين كيف هي لسان نبيه  .
قال : إنه ليحتمل ذلك .
قلت : فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله  .
قال : فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام ؟
قلت : وأيهم أولى به ، إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين ، أو شيئا واحدا ، فأظهرهما أولاهما في القرآن دلالة على ما قلنا ، وخلاف ما ذهبت إليه .
قال : وأين هي ؟
قلت : قال الله عز وجل : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } الأحزاب :34 , فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان .
قال : فهذا القرآن يتلى ، فكيف تتلى الحكمة ؟
قلت : إنما معنى التلاوة : أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها .
قال : فهذه أبين في أن الحكمة غير القران من الأولى .
قلت : قد أفترض الله علينا إتباع نبيه  .
قال : وأين ؟
قلت : قال الله عز وجل : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء :65
وقال عز وجل : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } .
قال : ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله  ولو كان بعض ما قال أصحابنا إن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله  وحكمته ، إنما هو مما أنزله ، لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله  .
قلت : لقد فرض الله عز وجل علينا إتباع أمره ، فقال : { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } .
قال : أنه لبين في التنزيل ، إن علينا فرضاً أن نأخذ الذي أمرنا به ، وننتهي عما نهانا رسول الله  .
قلت : والفرض علينا وعلى من هو من قبلنا ومن بعدنا واحد .
قال : نعم .
قلت : فإن كان ذلك علينا فرضاً في إتباع أمر رسول الله  أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئاً ، فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه ؟
قال : نعم .
قلت : فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في إتباع أوامر رسول الله  أو أحد قبلك ، أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله  ، إلا بالخبر عن رسول الله  .
وأن لا اخذ ذلك إلا بالخبر ، لما دلني على أن الله أوجب علي أن أقبل عن رسول الله  .
وقلت : أيضاً يلزمك في ناسخ القرآن ومنسوخة .
قال : فاذكر منه شيئاً .
قلت : قال تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ } البقرة :180
وقال في الفرائض : { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً } النساء :11
فزعمنا بالخبر عن رسول الله  ، إن أية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين ، فلو كنا ممن لا يقبل الخبر لقال قائل : الوصية نسخت الفرائض ، هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله .
قال : هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة ، بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله  ، وقد صرت إلى قبول الخبر لزم للمسلمين لما ذكرت ، وما في مثل معانيه في كتاب الله ، وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه ، بل أتدين بأن علي الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيت الحق ، ولكن أرأيت العام في القران كيف جعلته عاماً مرة وخاصا أخرى ؟
قلت له : لسان العرب واسع ، وقد تنطق بالشيء عاماً تريد به الخاص ، فيبين في لفظها ، ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم ، وكذلك أنزل في القرآن فبين في القرآن مرة ، وفي السنة أخرى .
قال : فاذكر منها شيئا .
قلت : قال الله عز وجل : { الله خالق كل شيء } ، فكان مخرجاً بالقول عاما يراد به العام .
وقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات : 13 ، فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى ، فهذا عام يراد به العام ، وفيه الخصوص .
وقال : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ، فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم .
وقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } الحج : 73 ، وقد أحاط العلم إن كل الناس في زمان رسول الله  لم يكونوا يدعون من دونه شيئا ، لأن فيهم المؤمن ، ومخرج الكلام عاماً ، فإنما أريد من كان هكذا .
وقال : { واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } الأعراف : 163
فقال : هو كما قلت كله ، ولكن بين لي العام الذي لا يوجد في كتاب الله أنه أريد به خاص ؟
قلت : فرض الله الصلاة تجدها على الناس عاماً .
قال : بلى .
قلت : وتجد الحيض مخرجات منه .
قال : نعم .
وقلت : وتجد الزكاة على الأموال عامة ، وتجد بعض الأموال مخرجاً منها .
قال : بلى .
قلت : وفرض المواريث للآباء وللأمهات عاماً ، ولم يورث المسلمون كافراً من مسلم ، ولا عبداً من حر ، ولا قاتلاً ممن قتل بالسنة .
قال : نعم , ونحن نقول ببعض هذا .
قلت : فما دلك على هذا .
قال : السنة ، لأنه ليس فيه نص قرآن .
قلت : فقد بان لك في أحكام الله تعالى في كتابه ، فرض الله طاعة رسوله والموضع الذي وضعه الله عز وجل به من الإبانة عنه ، ما أنزل خاصاً وناسخاً ومنسوخاً .
قال : نعم : وما زلت أقول بخلاف هذا حتى بان لي خطأ من ذهب هذا المذهب ولقد ذهب فيه أناس مذهبين ، أحد الفريقين لا يقبل خبراً ، وفي كتاب الله البيان . 18

مناظرة للشيخ الألباني
قال الشيخ الألباني : الإحتفال بالمولد النبوي الشريف ، هل هو خير أم شر ؟
محاور الشيخ : خير .
الشيخ الألباني : حسناً ، هذا الخير هل كان رسول الله  ، وأصحابه يجهلونه ؟
محاور الشيخ : لا .
قال الشيخ : أنا لا أقنع منك إلى أن تقول لا ، بل يجب أن تبادر وتقول : هذا مستحيل أن يخفى هذا الخير إن كان خيرا أو غيره على رسول الله  وأصحابه ، ونحن لم نعرف الإسلام والإيمان إلا عن طريق محمد ، فكيف نعرف خيرا هو لم يعرفه ؟! هذا مستحيل .
محاور الشيخ : إقامة المولد النبوي إحياء لذكره  ، وفى ذلك تكريم له .
الألباني : هذه فلسفة نحن نعرفها ، نسمعها من كثير من الناس ، وقرأناها في كتبهم ، لكن الرسول  حينما دعا الناس ، هل دعاهم إلى الإسلام كله ؟ أم إلى التوحيد ؟
المحاور : التوحيد .
الشيخ : أول ما دعاهم للتوحيد ، بعد ذلك فرضت الصلوات ، بعد ذلك فرض الصيام ، بعد ذلك الحج ، هكذا ، ولذلك امش أنت على هذه السنة الشرعية خطوة خطوة ، وكما اتفقنا أنه من المستحيل أن يكون عندنا خير ولا يعرفه رسول الله  ، فالخير كله عرفناه من طريق رسول الله  ، وهذه لا يختلف فيه اثنان ، ولا ينتطح فيه كبشان ، وأنا أعتقد أن من شك في هذا ليس مسلماً ، ومن أحاديث رسول الله  التي تؤيد هذا الكلام : قوله  : " ما تركتُ شيئاً يقربكم الى الله إلا وأمرتك به " .
فإن كان المولد خيراً ، وكان مما يقربنا إلى الله زلفى ، فينبغي أن يكون الرسول  قد دلنا عليه ، صحيح ، أم لا ؟
أنا أريد منك أن توافق دون أن تقتنع بكل حرف مما أقوله ، ولك كامل الحرية في أن تقول : أرجوك ، هذه النقطة ما اقتنت بها .
فهل توقفت في شيء مما قلتهُ حتى الآن أم أنت ماشٍ معي تماماً ؟
محاور الشيخ : معاك تماماً .
الشيخ الألباني : جزاك الله خيراً .
نحن نقول لجميع من يقول بجواز إقامة هذا المولد :
هذا المولد خير ـ في زعمكم - فإما أن يكون رسول الله  قد دلنا عليه , وإما أن يكون لم يدلنا عليه .
فإن قالوا : قد دلنا عليه .
قلنا لهم : { هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } . ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً أبدا .
فالجميع سواء المحتفلون بالمولد أو الذين ينكرون هذا الاحتفال متفقون على أن هذا المولد لم يكن في عهد الرسول  ولا في عهد الصحابة الكرام ولا في عهد الأئمة الأعلام .
لكن المجيزون لهذا الاحتفال بالمولد يقولون : وماذا في المولد ؟ إنه ذكر لرسول الله  ، وصلاة عليه ونحو ذلك .
ونحن نقول : لو كان خيراً لسبقونا إليه .
أنت تعرف حديث الرسول : " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " وهو في الصحيحين , وقَرنه  هو الذي عاش فيه وأصحابه ثم الذين يلونهم التابعون ، ثم الذين يلونهم أتباع التابعين , وهذه أيضاً لا خلاف فيها , فهل تتصور أن يكون هناك خير نحن نسبقهم إليه علماً وعملاً ؟ هل يمكن هذا ؟
محاور الشيخ : من ناحية العلم لو أن رسول الله  قال لمن كان معه في زمانه أن الأرض تدور .
الشيخ الألباني : عفواً ، أرجوا عدم الحيدة ، فأنا سألتك عن شيئين علم وعمل ، والواقع أن حيدتك هذه أفادتني ، فأنا أعني بطبيعة الحال بالعلم العلم الشرعي , لا الطب مثلاً , فأنا أقول أن الدكتور هنا أعلم من ابن سينا زمانه لأنه جاء بعد قرون طويلة , وتجارب عديدة وعديدة جداً , لكن هذا لا يزكيه عند الله , ولا يقدمه على القرون المشهود لها , لكن يزكيه في العلم الذي يعلمه ونحن نتكلم في العلم الشرعي بارك الله فيك , فيجب أن تنتبه لهذا , فعندما أقول لك : هل تعتقد أننا يمكن أن نكون أعلم , فإنما نعني بها العلم الشرعي لا العلم التجريبي , كالجغرافيا والفلك والكيمياء والفيزياء .
وافترض مثلاُ في هذا الزمان إنسان كافر بالله ورسوله  لكن هو أعلم الناس بعلم من هذه العلوم , هل يقربه ذلك إلى الله زُلفى ؟
محاور الشيخ : لا.
الشيخ الألباني : إذاً نحن لا نتكلم الآن في مجال ذلك العلم , بل نتكلم في العلم الذي نريد أن نتقرب به إلى الله تبارك وتعالى ، وكنا قبل قليل نتكلم في الاحتفال بالمولد , فيعود السؤال , الآن وأرجو أن أحظى بالجواب بوضوح بدون حيدة ثانية .
فأقول : هل تعتقد بما أوتيت من عقل وفهم أنه يمكننا ونحن في آخر الزمان أن نكون أعلم من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين في العلم الشرعي , وأن نكون أسرع إلى العمل بالخير والتقرب إلى الله من هؤلاء السلف الصالح؟
محاور الشيخ : هل تقصد بالعلم الشرعي : تفسير القرآن ؟
الشيخ الألباني : هم أعلم منا بتفسير القرآن ، وهم أعلم منا بتفسير حديث الرسول  ، هم في النهاية أعلم منا بشريعة الإسلام .
محاور الشيخ : بالنسبة لتفسير القرآن , ربما الآن أكثر من زمان الرسول  فمثلاً الآية القرآنية : { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } النمل : 88 , فلو أن رسول الله  قال لأحد في زمانه إن الأرض تدور هل كان سيصدقه أحد ؟! ما كان صدقه أحد .
الشيخ الألباني : إذاً أنت تريدنا – ولا مؤاخذة – أن نسجل عليك حيدةً ثانية , يا أخي أنا أسأل عن الكل لا عن الجزء ، نحن نسأل سؤالاً عاماً :
الإسلام ككل ، من هو أعلم به ؟
محاور الشيخ : طبعاً رسول الله  وصحابته .
الشيخ الألباني : هذا الذي نريده منك بارك الله فيك , ثم التفسير الذي أنت تدندن حوله ليس له علاقة بالعمل ، له علاقة بالفكر والفهم , ثم قد تكلمنا معك حول الآية السابقة , وأثبتنا لك أن الذين ينقلون الآية للاستدلال بها على أن الأرض تدور مخطئون , لأن الآية تتعلق بيوم القيامة : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} , لسنا على كل حال في هذا الصدد , وأنا أسلِّم معك جدلاً أنه قد يكون رجلاً من المتأخرين يعلم حقيقة علمية أو كونية أكثر من صحابي أو تابعي . . الخ , لكن هذا لا علاقة له بالعمل الصالح , فاليوم مثلاً العلوم الفلكية ونحوها الكفار أعلم منا فيها لكن ما الذي يستفيدونه من ذلك ؟ لاشيء .
فنحن الآن لا نريد أن نخوض في هذا اللاشيء ، نريد أن نتكلم في كل شيء يقربنا إلى الله زلفى , فنحن الآن نريد أن نتكلم في المولد النبوي الشريف ,
وقد اتفقنا أنه لو كان خيراً لكان سلفنا الصالح , وعلى رأسهم رسول الله  أعلم به منا وأسرع إلى العمل به منا , فهل في هذا شك ؟
محاور الشيخ : لا , لا شك فيه .
الشيخ الألباني : فلا تحد عن هذا إلى أمور من العلم التجريبي لا علاقة لها بالتقرب إلى الله تعالى بعمل صالح .
الآن ، هذا المولد ما كان في زمان النبي  - باتفاق الكل ـ إذاً هذا الخير ما كان في زمن الرسول  والصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ،
كيف خفي هذا الخير عليهم ؟! , لابد أن نقول أحد شيئين :
علموا هذا الخير كما علمناه ـ وهم أعلم منا ـ ، أو لم يعلموه ، فكيف علمناه نحن ؟!
فإن قلنا : علموه - وهذا هو القول الأقرب والأفضل بالنسبة للقائلين بمشروعية الاحتفال بالمولد - فلماذا لم يعملوا به ؟! هل نحن أقرب إلى الله زلفى ؟!
لماذا لم يُخطيء واحدٌ منهم مرة صحابي أو تابعي أو عالم منهم أو عابد منهم فيعمل بهذا الخبر ؟!
هل يدخل في عقلك أن هذا الخير لا يعمل به أحدٌ أبداً ؟! وهم بالملايين ، وهم
أعلم منا , أصلح منا , وأقرب إلي الله زلفى ؟ً
أنت تعرف قول الرسول  ـ فيما أظن ـ : " لا تسبوا أصحابي , فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفه " .
أرأيت مدي الفرق بيننا وبينهم ؟!
لأنهم جاهدوا في سبيل الله تعالى ، ومع رسول الله  ، وتلقوا العلم منه غضاً طرياً بدون هذه الوسائط الكثيرة التي بيننا وبينه  ، كما أشار إلى مثل هذا المعنى في الحديث الصحيح : " من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً فليقرأهُ على قراءة ابن أم عبد " , يعني عبد الله بن مسعود . " غضاً طرياً " يعني طازج , جيد .
هؤلاء السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة ، لايمكننا أن نتصور أنهم جهلوا خيراً يُقربهم إلى الله زلفى , وعرفناه نحن , وإذا قلنا إنهم عرفوا كما عرفنا , فإننا لا نستطيع أن نتصور أبداً أنهم أهملوا هذا الخير .
لعلها وضحت لك هذه النقطة التي أُدندنُ حولها إن شاء الله ؟
محاور الشيخ : الحمد لله .
الشيخ الألباني : جزاك الله خيراً , هناك شيء آخر ، هناك آيات وأحاديث كثيرة تبين أن الإسلام قد كَمُل , وأظن هذه حقيقة أنت متنبه لها , ومؤمن بها ولا فرق بين عالم وطالب علم , وعامِّي في معرفة هذه الحقيقة , وهي : أن الإسلام كَمُل ، وأنه ليس كدين اليهود والنصارى في كل يوم في تغيير وتبديل .
وأذكرك بمثل قول الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } المائدة : 3
الآن يأتي سؤال : وهي طريقة أخرى لبيان أن الاحتفال بالمولد ليس خيراً غير الطريقة السابقة , وهي أنه لو كان خيراً لسبقونا إليه وهم ـ أي السلف الصالح ـ أعلم منا وأعبد .
هذا المولد النبوي إن كان خيراً فهو من الإسلام , فنقول : هل نحن جميعاً من منكرين لإقامة المولد ومقرين له هل نحن متفقون - كالاتفاق السابق أن هذا المولد ما كان في زمان الرسول  ـ هل نحن متفقون الآن على أن هذا المولد إن كان خيراً فهو من الإسلام وإن لم يكن خيراً فليس من الإسلام ؟
ويوم أُنزلت هذه الآية : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } , لم يكن هناك احتفال بالمولد النبوي , فهل يكون ديناً فيما ترى ؟ , أرجو أن تكون معي صريحاً ، ولا تظن أني من المشائخ الذين يسكتون الطلاب ، بل عامة الناس : اسكت أنت ما تعلم أنت ما تعرف ، لا خذ حريتك تماماً كأنما تتكلم مع إنسان مثلك ودونك سناً وعلماً , إذا لم تقتنع قل : لم أقتنع .
فالآن إذا كان المولد من الخير فهو من الإسلام , وإذا لم يكن من الخير فليس من الإسلام , وإذا اتفقنا أن هذا الاحتفال بالمولد لم يكن حين أُنزلت الآية السابقة , فبديهي جداً أنه ليس من الإسلام .
وأوكد هذا الذي أقوله بأحرف عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس : قال :
" من ابتدع في الإسلام بدعة ـ لاحظ يقول بدعة واحدة وليس بدعاً كثيرة ـ يراها حسنة , فقد زعم أن محمداً  خان الرسالة " .
وهذا شيء خطير جدا ً ، ما الدليل يا إمام ؟
قال الإمام مالك : اقرؤا إن شئتم قول الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } .
فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً . انتهى كلامه .
متى قال الإمام مالك هذا الكلام ؟ , في القرن الثاني من الهجرة ، أحد القرون المشهود لها بالخيرية ! , فما بالك بالقرن الرابع عشر ؟!
هذا كلام يُكتب بماء الذهب , لكننا غافلون عن كتاب الله تعالى ، وعن حديث رسول الله  ، وعن أقوال الأئمة الذين نزعم نحن أننا نقتدي بهم , وهيهات هيهات ، بيننا وبينهم في القدوة بُعد المشرقين .
هذا إمام دار الهجرة يقول بلسانٍ عربيٍ مبين : " فما لم يكن يومئذٍ ديناً , فلا يكون اليوم ديناً " .
اليوم الاحتفال بالمولد النبوي دين ، ولولا ذلك ما قامت هذه الخصومة بين علماء يتمسكون بالسنة , وعلماء يدافعون عن البدعة .
كيف يكون هذا من الدين , ولم يكن في عهد الرسول  ولا في عهد الصحابة , ولا في عهد التابعين , ولا في عهد أتباع التابعين ؟!
الإمام مالك من أتباع التابعين ، وهو من الذين يشملهم حديث : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " .
يقول الإمام مالك : " ما لم يكن حينئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً ، ولا يَصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُح به أولها " .
بماذا صلح أولها ؟ , بإحداث أمور في الدين والُتقرب إلى الله تعالى بأشياء ما تقرب بها رسول الله  ؟!
والرسول  هو القائل : " ما تركتُ شيئاً يُقربكم إلى الله إلى وأمرتكم به "
لماذا لم يأمرنا رسول الله  أن نحتفل بمولده ؟! , هذا سؤال وله جواب :
هناك احتفال بالمولد النبوي مشروع ضد هذا الاحتفال غير المشروع , هذا الاحتفال المشروع كان موجوداً في عهد رسول الله  بعكس غير المشروع مع بَون شاسع بين الاحتفالين :
أول ذلك : أن الاحتفال المشروع عبادة متفق عليها بين المسلمين جميعاً .
ثانياً : أن الاحتفال المشروع يتكرر في كل أسبوع مرة , واحتفالهم غير المشروع في السنة مرة .
هاتان فارقتان بين الإحتفالين : أن الأول عبادة ويتكرر في كل أسبوع بعكس الثاني غير المشروع فلا هو عبادة , ولا يتكرر في كل أسبوع .
وأنا لا أقول كلاماً هكذا ما أنزل الله به من سلطان ، وإنما أنقل لكم حديثاً من صحيح مسلم ـ رحمه الله تعالى ـ عن أبي قتادة الأنصاري قال : جاء رجل إلى النبي  فقال : يا رسول الله : ما تقول في صوم يوم الاثنين ؟
قال : " ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه ، وأُنزل القرآن عليَّ فيه " .
ما معنى هذا الكلام ؟ كأنه يقول : كيف تسألني فيه والله قد أخرجني إلى الحياة فيه ، وأنزل عليَّ الوحي فيه ؟! أي ينبغي أن تصوموا يوم الاثنين شكراً لله تعالى على خلقه لي فيه , وإنزاله الوحي عليَّ فيهِ .
وهذا على وزان صوم اليهود يوم عاشوراء ، ولعلكم تعلمون أن صوم عاشوراء قبل فرض صيام شهر رمضان كان هو المفروض على المسلمين .
وجاء في بعض الأحاديث أن النبي  لما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء , فسألهم عن ذلك , فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنده , فصمناه شكراً لله , فقال  : " نحن أحق بموسى منكم " , فصامه , وأمر بصومه , فصار فرضاً إلى أن نزل قوله تعالى :
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه } .
فصار صوم عاشوراء سنة ونسخ الوجوب فيه .
الشاهد من هذا أن الرسول  شارك اليهود في صوم عاشوراء شكراً لله تعالى أن نجى موسى من فرعون , فنحن أيضاً فَتَح لنا باب الشكر بصيام يوم الاثنين , لأنه اليوم الذي وُلد فيه رسول الله  واليوم الذي أُوحي إليه فيه .
الآن أنا أسألك : هؤلاء الذين يحتفلون بالمولد الذي عرفنا أنه ليس إلى الخير بسبيل , أعرف أن كثيراً منهم يصومون يوم الاثنين كما يصومون يوم الخميس لكن تُرى أكثر المسلمين يصومون يوم الاثنين ؟
لا ، لا يصومون يوم الاثنين ، لكن أكثر المسلمين يحتفلون بالمولد النبوي في كل عام مرة ! أليس هذا قلباً للحقائق ؟!
هؤلاء يصدق عليهم قول الله تعالى لليهود : { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } .
هذا هو الخير : صيام متفق عليه بين المسلمين جميعاً وهو صيام الاثنين ومع ذلك فجمهور المسلمين لا يصومونه !!
نأتي لمن يصومه , وهم قلة قليلة : هل يعلمون السر في صيامه ؟ لا , لا يعلمون .
فأين العلماء الذين يدافعون عن المولد , لماذا لا يبينون للناس أن صيام الاثنين هو احتفال مشروع بالمولد , ويحثونهم عليه بدلاً من الدفاع عن الاحتفال الذي لم يُشرع ؟!!
وصدق الله تعالى : { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} .
وصدق رسول الله  حين قال : " لتتبعنَّ سَنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع , حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " .
وفي رواية أخرى خطيرة : " حتى لو كان فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق لكان فيكم من يفعل ذلك " .
فنحن اتبعنا سنن اليهود , فاستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، كاستبدالنا المولد النبوي الذي هو كل سنة وهو لا أصل له بالذي هو خير وهو الاحتفال في كل يوم اثنين , وهو احتفال مشروع بأن تصومه , مع ملاحظة السر في ذلك , وهو أنك تصومه شكراً لله تعالى على أن خلق رسول الله  فيه ، وأنزل الوحي فيه .
وأختم كلامي بذكر قوله  :
" أبى الله أن يقبل توبة مبتدع " .
والله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } .
محاور الشيخ : قراءة سيرة النبي  أليس تكريماً له ؟
الشيخ الألباني : نعم
محاور الشيخ : فيه ثواب , هذا الخير من الله ؟
الشيخ الألباني : كل الخير .
أنا أسألك الآن سؤالاً : إذا كان هناك عبادة مشروعة ، لكن الرسول  ما وضع لها زمناً معيناً ، ولا جعل لها كيفية معينة , فهل يجوز لنا أن نحدد لها من عندنا زمناً معيناً ، أو كيفية معينة ؟ هل عندك جواب ؟
محاور الشيخ : لا، لا جواب عندي .
الشيخ الألباني : قال الله تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } .
وكذلك يقول الله تعالى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } التوبة : 31
لما سمع عدي بن حاتم هذه الآية ـ وقد كان قبل إسلامه نصرانياً ـ أشكلت عليه , فقال : إنا لسنا نعبدهم .
قال  : " أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه , ويحلّون ما حرم الله ، فتحلونه ؟ " .
فقال : بلى .
قال : " فتلك عبادتهم " .
وهذا يبين خطورة الابتداع في دين الله تعالى . 19
   
1" جامع العلوم والحكم " لابن عبد البر
2" تفسير القرآن العظيم " لابن كثير 1/69
3" تفسير القرآن العظيم " لابن كثير 3/241
4 أنظر : " الجامع لأحكام القرآن " القرطبي 7/152
5" فتح القدير " للشوكانى 2/199
6رواة الطبراني ( 10598)، وأبو نعيم في " الحلية " 1/318،320، وقال العدوى : إسناده حسن
7" جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر .
8" علماء في مواجه الحكام " لمجدى الشهاوى .
9" من قصص الصالحين " لمصطفى مراد .
10" من وصايا الرسول " لطه العفيفى 1/536
11" صور من حياة التابعين " لعبد الرحمن رأفت الباشا .
12" صور من حياة التابعين " لعبد الرحمن رأفت الباشا .
13" تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي 13/349
14 لمزيد من التفصيل أنظر : " حوار مع صوفي " لعلى بن سيد الوصيفى .
15 أنظر : " من قصص الصالحين ونوادر الزاهدين " لهاني الحاج .
16أنظر : " الحلية " لأبي نعيم 3/198 ، و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم 2/487
17 أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 2/35،26
18أنظر : " جماع العلم " للإمام الشافعي .
19من شريط " سلسلة الهدى والنور " للألباني ، رقم الشريط 1/94


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
 
روائع المناظرات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ :: كتابات وأبحاث مشرف الدعوة بالفرع :: الرقاق والمواعظ والمنوعات :: اللألئ المتناثرات من روائع المناظرت-
انتقل الى: