موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
مرحبا بكم في منتدي فرع الجمعية الشرعية بقرية
البطاخ التابع لمحافظة سوهاج
يسعدنا انضمامكم لنا عبرسجيلكم فى المنتدى
منتدى فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ
مع تحيات مدير المنتدى
مشرف الدعوة بالفرع
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
مرحبا بكم في منتدي فرع الجمعية الشرعية بقرية
البطاخ التابع لمحافظة سوهاج
يسعدنا انضمامكم لنا عبرسجيلكم فى المنتدى
منتدى فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ
مع تحيات مدير المنتدى
مشرف الدعوة بالفرع
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ هو أحد فروع الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية بمحافظة سوهاج
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مرحبا بكم فى منتدي فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ ساهموا فى نشر موقعنا
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل
صلي الله على محمد صلي الله عليه وسلم
اللهم أعنا على رضاك حتى ترضي رضاءاً ليس بعده سخط ولا غضب
جميع حقوق الطبع والنشر والتوزيع والتصوير لأي كتاب موجود في المنتدي متااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااح بشرط دعوة صالحة بظهر الغيب
أرجو من كل من استفاد أو تعلم شيئاً من المنتدي أن لا ينسانا من صالح دعائه
نعدكم بإذن الله في كل زيارة لنا بالجديد وبالمفيد
بشري سارة لكل طلاب العلم : تم افتتاح ركن في منتدي فرع الجمعية الشرعية بالبطاخ للإجازات الشرعية المسندة لكل الراغبين في إجازة علمية بالسند مجاناً
هاااااااام جدا لمن لا يعلم :قد تظهر إعلانات على المنتدي بها صور نساء وهي لا تخص المنتدي بل هي تابعة لشركة جوجل ولا يمكن وقفها .

 

 الموت وأحواله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الموت وأحواله Empty
مُساهمةموضوع: الموت وأحواله   الموت وأحواله I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 05, 2013 5:07 pm

مقدمة
إن الحمد لله . . .
نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (الأحزاب:70-71)
أما بعد . . .
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأن خير الهدى هدى نبيه محمد  ، وأن شر الأمور محدثاتها ، وأن كل محدثة بدعة ، وأن كل بدعة ضلالة ، وأن كل ضلالة في النار .
ثم أما بعد . . .
يقول تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } آل عمران : 185 .
اعلم أخا الإسلام : أن الموت حتم لازم ، لا تمنع منه حصانه القلاع ، ولا يحول دونه الحجاب ، ولاترده الأبواب ، قال تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } النساء : 78.
لذلك لابد من استقرار هذه الحقيقة في النفس ، حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوته ، محدودة بأجل ، ثم تأتي نهايتها حتماً ، يموت الصالحون ، ويموت الطالحون , الكل في النهاية إلى زوال ، قال تعالى : { قلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } الجمعة : 8 .
الكل يموت ، كل نفس ذائقة الموت ، كل نفس تذوق الجرعة ، وتفارق هذه الحياة ، لا فارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة من هذه الكأس الدائرة على الجميع ، إنما الفارق في شئ آخر ، الفارق في المصير الأخير : { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } .
هذه هي القيمة الحقيقية التى يكون بها الافتراق ، وهذا هو المصير المخوف الذي يستحق أن يحسب له ألف حساب .
لذلك فجدير بمن كان الموت مصرعه , والتراب مضجعه , والدود أنيسه , ومنكر ونكير جليسه , والقبر مقره , وبطن الأرض مستقره , والقيامة موعده والجنة أو النار مورده , أن لا يكون له فكر إلا فى الموت , ولا ذكر إلا له , ولا استعداد إلا لأجله , ولا تدبير إلا فيه , ولا تطلع إلا إليه , ولا تعريج إلا عليه , ولا اهتمام إلا به , ولا حول إلا حوله , ولا انتظار وتربص إلا له , وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى , ويراها فى أصحاب القبور , فإن كل ما هو آت قريب والبعيد ما ليس بآت .
ألا المـــــــــــــــوت كأس أي كأس و أنت لكائسه لا بد حاســــــــــي
إلى كم و الممات إلى قريـــــــــــب تذكر بالممات و أنت ناســـــــــي
فيا من عليه منازل الموت تدور , وهو مستأنس بالمنازل والدور , لا بد أن تخرج من القصور على التواني والقصور , لا بد من الرحيل إلى بلاد القبور على الغفلات وعلى الفتور , أهلكك والله الغرور , بفنون الخداع والغرور , يا مظلم القلب وما للقلب نور , الباطن خراب والظاهر معمور , لو ذكرت القبر المحفور , كانت عين العين تفور , ولو تفكرت في الكتاب المسطور , دفنت الاستغفار بين السطور , ولو تصورت النفخ في الصور , والسماء تتغير وتمور , والنجوم تنكدر وتغور , والصراط ممدود ولا بد من عبور , وأنت متحير في الأمور , تبكي على خلاف المأمور , ستحاسب على الأيام والشهور وترى ما فعلته من فجور , في النهار والديجور , ستحزن بعد السرور على تلك الشرور , إذا وفيت الأجور , وبان المواصل من المهجور, ونجا المخلصون دون أهل الزور , تصلي ولكن بلا حضور , وتصوم والصوم بالغيبة مغمور , لو أردت الوالدان والحور , لسألتهم وقت السحور , كم نتلطف بك يا نقور , كم ننعم عليك يا كفور , كم بارزت بالقبيح والكريم غفور.
قال تعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ } المؤمنون : 115ـ116 .
من أجل ذلك أحببت أن أدلي بدلوي , وأخط بقلمي , فأكتب في هذه القضية قضية الموت وأحواله وصعوبته , والقبر وأهواله وشدته .
فقمت بعون الله جل وعلا : بجمع ما تيسر لى من الأحاديث والآيات التى وردت في هذا الشأن ، مع تعليق أئمتنا وعلمائنا المتأخرين والمتقدمين عليها , إلى جانب ما سطره علماؤنا ـ وعلى رأسهم الإمام ابن الجوزي ـ في كتبهم من الرقائق والأشعار , والتى قد أكثرت منها شيئاً ما ، ثم نختم حديثنا في آخر الكتاب بما يتعلق بالموضوع من الأحكام الفقهية التى وردت فيه ، مع ذكر طرف مما يحدث في زماننا هذا من البدع والمخالفات , والتعليق عليها .
ولقد تعمدت أن أذكر في هذا الكتاب كل ما يتعلق بهذا الموضوع من حيث الأحكام الفقهية الخاصة به ، وذلك لما نراه في هذا الزمان يحدث من كثير من المسلمين من البدع والمخالفات الشرعية التى تتعلق بهذه القضية ، والتى قد تصل إلى حد الإشراك بالله تعالى , نعوذ بالله من ذلك .
ولعل هذا السبب هو الذي أفضي بي إلى جمع هذا الكتاب وتصنيفه ، ذلك لأن معظم الكتب التى وقعت في يدي , والتى تخص هذا الموضوع , رأيت أصحابها يتناولونه من جانب واحد فقط دون باقي جوانبه ، سواء الجانب الخاص بالمواعظ والرقائق ، أو من جانب الأحكام الفقهية ، أو من جانب المخالفات الشرعية . . الخ .
لذلك حرصت في هذا الكتاب أن أجمع بين كل ذلك ، حتى يجد القارئ نفسه أمام موضوع ـ بمشيئة الله ـ متكامل من جميع الجوانب .
نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وأسأل كل من تصفح هذا الكتاب أن لا ينسانا من صالح دعائه ، حتى يقول له الملك : ولك بمثل ، فإن دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة بإذن الله .
    

لماذا الحديث عن الموت ؟
لا شك أن هناك الكثير ممن يقرؤن هذا الكتاب قد يخطر في بالهم هذا السؤال : لماذا الحديث عن الموت ؟!
بداية نقول : لا شك أن الموت موضوع كريه , مزعج ، لا يشجع على التفكير ، أو الحديث فيه .
وقد وصف القرآن الكريم حدوثه : " بالمصيبة " , فى قوله تعالى :{ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ } المائدة : 106 . .
وما ذلك إلا أن الإنسان بطبيعتة يخشى الموت , ويحب الحياة .
وفي الحديث قال النبي  : " قلب الشيخ شاب على حب اثنتين : طول الحياة , وحب المال " . 1
ولذلك ينفر الإنسان من سماع الاسم ، ودليل على ذلك تجد الناس من يشكو مر الشكوى مما في هذه الحياة الدنيا من ألم ومعاناة وبؤس وشقاء . . الخ .
لكنه رغم ذلك كله يركن إليها ، ويتشبث بها ، حتى أنه يستعيذ بالله إذا طرق سمعه كلمة الموت . . .
حتى أن المحتضر نفسه يكره أن يسمع كلمة الموت وهو على فراش الإحتضار . . .
من أجل ذلك وجب عليك أيها المسلم أن تتيقن من هذه الأمور :
 أولاً : أن هذا الإمتداد الإنساني المتلاحق سيتوقف يوماً ما , سيأتي اليوم الذي ينتهي فيه الوجود الإنساني كله ، ، بل سيدمر فيه الكون كله . .
قال تعالى : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } الأنبياء : 104 .
 ثانياً : أن الموت أمر محتم على كل من كان في هذه الدنيا من أهل السموات والأرض , من الإنس , والجن , والملائكة ، وغيرهم من المخلوقات قال الله تعالى :{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } الرحمن : 26،27 , قال تعالى : { َلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } القصص : 88 .
إن الطبيبَ بطبهِ و دوائــــــــــــــــــــهِ لا يستطيع دِفاع نحبِ قد أتـــــــى
ما للطبيبِ يموت بالداءِ الــــــــــــــذي قد كان أبرأ مثله فيما مضـــــــى
مات المداويِ و المداوىَ و الذي جـلب الدواء أو باعه ، و من اشتـــرى
ولقد قال الله تعالى لنبيه  :{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } الأنبياء 34ـ35 .
كن كيف شئت فقصرُك الموت لامرحل عنه ولا فــــــــــــوت
بينا غنى بيت وبَهجتـــــــــــــه زال الغنى وتقوض البيــــــــت
وقال تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } الزمر : 30ـ31 .
إني معزيك لا أني على ثقــــــــــــةِ من الحياة و لكن سنة الديـــــــــنِ
فما المعزي بباق بعد ميتــــــــــــــه و لا المعزى و لو عاش إلى حينِ
 ثالثاً : أن كلاً له أجل محدود , وأمد ممدود ينتهي إليه لا يتجاوزه , ولا يقصر عنه , وقد علم الله تعالى جميع ذلك بعلمه الذي هو صفته , وجرى به القلم بأمره يوم خلقه , ثم كتبه الملك على كل أحد في بطن أمه بأمر ربه عز و جل عند تخليق النطفة في عينه , في أي مكان يكون , وفي أي زمان , فلا يزاد فيه ولا ينقص منه , ولا يغير ولا يبدل عما سبق به علم الله تعالى وجرى به قضاؤه وقدره , وإن كل إنسان مات أو قتل أو حرق أو غرق , أو بأي حتف هلك بأجله لم يستأخر عنه ولم يستقدم طرفة عين , وإن ذلك السبب الذي كان فيه حتفه هو الذي قدره الله تعالى عليه وقضاه عليه وأمضاه فيه , ولم يكن له بد منه , ولا محيص عنه , ولا مفر له ولا مهرب , ولا فكاك ولا خلاص وأني وكيف , وإلى أين ولات حين مناص .
قال تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ . } النساء 78 , وقال تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } آل عمران : 145 , وقال تعالى : { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } آل عمران : 154 .
( موعظة ) : فيا من راح في المعاصي وغدا , ويقول سأتوب اليوم أو غدا , كيف تجمع قلباً قد صار في الهوى مبددا , كيف تلينه وقد أمسى بالجهل جلمدا , كيف تحثه وقد راح بالشهوات مقيداً , لقد ضاع قلبك فاطلب له ناشدا , تفكر بأي وجه تتلقى الردى , تذكر ليلة تبيت في قبرك مفرداً .
الموت لاشك آتٍ فاستعد لــــــــــــه إن اللبيب بذكر الموت مشغـــــول
فكيف يلهو بعيشٍ أو يلذ بـــــــــــــه من التراب عليه عينيه مجعـــــول
 رابعاً : إن الموت هو المقصود الأعظم , فوجب التأهب له قبل نزوله والاستعداد لما بعده قبل حصوله , والمبادرة بالعمل الصالح والسعي النافع قبل دهوم البلاء وحلوله , إذ هو الفيصل بين هذه الدار وبين دار القرار , وهو الفصل بين ساعة العمل والجزاء عليه , والحد الفارق بين أوان تقديم الزاد والقدوم عليه , إذ ليس بعده لأحد من مستعتب ولا اعتذار , ولا زيادة في الحسنات ولا نقص من السيئات , ولا حيلة ولا افتداء , ولا درهم ولا دينار ولا مقعد ولا منزل إلا القبر , وهو إما روضة من رياض الجنة , أو حفرة من حفر النار , إلى يوم البعث والجزاء , وجمع الأولين والآخرين , وأهل السموات والأرضين , والموقف الطويل بين يدي القوي المتين , يوم يقوم الناس لرب العالمين , الحكيم العليم المقسط العدل الحكيم , الذى لا يحيف ولا يجور ولا يظلم مثقال ذرة , إن ربي على صراط مستقيم , ثم إما نعيم مقيم في جنات النعيم , وإما عذاب أليم في نار الجحيم , وإن لكل ظاعن مقرا , ولكل نبأ مستقرا , وسوف تعلمون . . .
قال تعالى : {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} المؤمنون : 99ـ100 , وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } الحشر: 8 .
الموتُ باب وكل الناس داخلـــــــــه ياليت شعري بعد الموت ما الـــدارُ
الدار دار نعيم إن عملت بمــــــــــا يرضي الإله وإن فرطت فالنــــــارُ
أخا الإسلام : إلى متى أعمالك كلها قباح , أين الجد إلى كم المزاح , كثر الفساد فأين الصلاح , ستفارق الأجساد الأرواح , إما في غدو وإما في رواح سينقضي هذا المساء والصباح , وسيخلو البلى بالوجوه الصباح , أفي هذا شك أم الأمر مزاح , أين سكران الراح راح , حل للبلى والدود مباح , لهما اغتباق به ثم اصطباح , عليه نطاق من التراب ووشاح , عنوانه لا يزول مفهومه لا براح , أتاه منكر ونكير كذا في الأحاديث الصحاح , فمن لمحتج مرعوب ومقاتل بلا سلاح , مشغول عن من مدح أو ذم أو بكى أو ناح , لو قيل له تمن كان العود الاقتراح , وأنى وهل يطير مقصوص الجناح .
 لذلك فإن الحديث عن الموت ومعرفته أمر واجب , إذ فى الحديث عنه وتذكره احترام الإنسان لنفسه , وحث على استعداده لما بعد الموت , ودعوة إلى حسن عبادته , وإرشاده له إلى إسلام وجهه , ونفسه , وماله , وولده لله سبحانه وتعالي , فلا يكون لديه إذعان إلا الله تعالى , ولا يكون عنده خوف إلا من الله تعالى . . .
وهنا يدفعه الإذعان لله تعالى إلى الإخلاص له سبحانه وتعالي فى كل ما يقوم به من عمل , وفى كل ما يؤديه من عبادات , وفى كل ما يكون منه من تعاملات , وعموماً يدفعه إلى حسن خلافته لله تعالى على هذه الأرض .
وكذلك يدفعه الخوف من الله وحده إلى تحرره من كل ألوان الخوف التى تعوقه عن القيام بمهمته الأساسية , وهى : عبادته لله تعالى , ودعوته لدين الله تعالى , أمراً بالمعروف , ونهياًً عن المنكر , فلا يكون لديه خوف من جهة الرزق , ولا يكون عنده خوف من غير الله سبحانه وتعالي , أياً كان مصدر هذا الخوف .
وهنا يدفعه هذا الأمن وهذا التحرر إلى : حسن أدائه لرسالته , وكمال قيامه بمهمته , فإن الله { هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } فلا رازق إلا هو , ولا باسط فى الزرق إلا هو , ولا قابض فى الرزق إلا هو , كما أن الرزق فى السماء : { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } , ولا يملك السماء , وما فى السماء , وما من فى السماء إلا الله سبحانه وتعالى , { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } .
إذن فلا يملك الرزق بشر . . أياً كان موضعه ؟ وأياً ما كانت صفته !! .
إذن فلا خوف من جهة الرزق . . وكذلك لا خوف من غير الله سبحانه وتعالى . . فلا خوف إلا من الله , ولا إذعان إلا لله , ولا خضوع إلا لله , ولا تذلل إلا لله .
وعلى ذلك فالموت للمؤمن : أمن لا خوف . . عز لا ذل . . قوة لا ضعف .
ولا يقبل الإسلام من المؤمن خوفاً , ولا ذلاً , ولا ضعفاً , ولا فقراً إلا لله سبحانه وتعالي . . ولا يرضى منه إلا أن يكون : آمناً , عزيزاً , وقوياً , غنياً .
من أجل ذلك أوصانا النبي  بالإكثار من ذكره , فقال  : " أكثروا من ذكر هادم اللذات . . الموت " . 2
وقال عمر بن عبد العزيز لصديق له :
" أكثر ذكر الموت . . , فإن كنت واسع العيش ضيقه عليك . . وإن كنت ضيق العيش . . وسعه عليك " .
( موعظة ) : أين أرباب البيض والسمر , والمراكب الصفر والحمر والقباب والقب الضمر , ما زالوا يفعلون أفعال الغمر , إلى أن تقضى جميع العمر , لو رأيت مرتفعهم بعد النصب قد جر , إلى بيت لا يدرى فيه الحر والقر , وعليه ثوب لا خيط ولا زر , المحنة أنه ما انتقل بما يسر , تالله لقد حال حلوهم إلى المر , وصار ما كان ينفع يضر , باعوا بمخشاب الهوى ثمين الدر , ولا يمكن أن يقال البائع غر , لأنه باع وهو يدري أنه حر .
    

تعريف الموت
شغل موضوع الموت أذهان البشرية كلها , وجذب من الجميع اهتمامهم به , والتفاتهم له . . .
وقد هرب الكثيرون من محاولة دراسته وفهمه . . . .
وقد حاول ذلك القليلون . . .
ومن هؤلاء الذين حاولوا : من ضل الطريق , وأساء الفهم !! .
ومنهم كذلك : من أبصر الطريق وأجاد الفهم . . .
وترتب على ذلك : أن انحرفت الكثرة التى هربت منه عن سواء السبيل , وابتعدت عن الصراك المستقيم .
كما انحرف كذلك : الذين حاولوا دراسته فضلوا الطريق , وأساءوا الفهم , فذهب بعضهم إلى أن قال : أن الموت يعنى انتهاء مسار رحلة الحياة , وخاتمة مطاف العبد , فلا رحلة بعده , ولا حياة تليه , ولا بعث منه , وبعبارة واحدة الموت عندهم يعنى : الفناء والعدم المحض ! .
وقد أخبر القرآن الكريم عن موقف هذا الفريق , وحكى مقولتهم بقول الله تعالي عنهم : { وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } .
ويقول تعالى للمصطفى  : { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } .
وهذا الفريق من البشر ينكر - بناء على ذلك - كل ألوان الثواب والعقاب , البرزخى والأخروى , ويحيا لاهياً بل { يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ } وينكر ما بعد الوت جاهلاً معانداً .
وذهب آخرون وهم جماهير المسلمين , عامتهم , وخاصتهم , ومفكروهم , وفلاسفتهم , ذهبوا إلى أن الموت انتقال من عالم من عوالم الله سبحانه وتعالى إلى عالم آخر من عوالمه سبحانه وتعالى أيضاً .
انتقال من دار الدنيا إلى دار البرزخ , انتظاراً فيها للوصول إلى الدار الآخرة .
انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء . . .
انتقال من دار الزرع إلى دار الحصاد . . .
انتقال من دار التكليف والعمل الدنيوى , إلى دارالثواب والعقاب الأخروى , قال تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } الزلزلة : 7ـ8 .
إخواني : تفكروا لماذا خلقتم فالتفكر عبادة , وامتثلوا أمر الإله فقد أمر عباده والتفتوا عن أسباب الشقاء إلى أسباب السعادة , واعلموا أنكم في نقص من الأعمار لا في زيادة .
ومن هنا : فالموت ينقل العبد من دار الدنيا إلى دار البرزخ , كما أخبر الحق وهو أصدق المخبرين فى قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } المؤمنون : 99ـ100 .
أى : مهلة يمكثون بها حتى ينتقلوا إلى الدار الأخرة , وهذه المهلة التى يمكث بها الإنسان حتى يوم البعث هي ما تسمي : " الحياة البرزخية " .
والبرزخ في اللغة هو : الحاجز بين الشيئين .
والبرزخ : ما بين الدنيا والآخرة ، من وقت الموت إلى البعث ، فمن مات فقد دخل البرزخ 3 , وسيأتي بتفصيل في الجزء الثاني .
إخواني : حبال الأمل رثاث , وساحر الهوى نفاث , رحل الأقران إلى ظلام الأجداث , لله ما صنعت الأجداث في الأحداث , أفسدهم بلاهم فإذا هم بلاهم إي والله وعاث , باتوا شباعاً من الأمل فإذا هم غراث , وبان لهم أن ما كانوا فيه من الهوى أضغاث , واستغاثوا بالخلاص وقد فات الغياث , عجباً لهم مالهم صير النوى مالهم في الميراث , فدبروا أنتم أحوالكم فغدا ترون أموالكم للوراث , أسفاً لأجسام ذكور وعقول إناث .
 أما الموت فإنه نقيض الحياة , فهما متناقضان تناقض الظلام والنور ، والبرد والحرور ، ولذا فإن معاجم اللغة العربية تعرف كل واحد منهما بأنه نقيض الآخر ، ففي تعريف الحياة تقول : " الحياة نقيض الموت ، والحى من كل شئ نقيض الموت ، والجمع أحياء " .4
وفي تعريف الموت تقول : " الموت والحياة نقيضان " .
وأصل الموت في لغة العرب : " السكون ، وكل ما سكن فقد مات " 5 ، فتراهم يقولون : " ماتت النار موتاً : إذا برد رمادها ، فلم يبق من الجمر شئ ، ومات الحر والبرد إذا باخ ، وماتت الريح : ركدت وسكنت ، وماتت الخمر : إذا سكن غليانها ، والموت ما لا روح فيه " .6
وإذا كان السكون أصل الموت في لغتنا ، فإن الحركة أصل الحياة ، ففي لسان العرب لابن منظور : " الحي كل متكلم ناطق ، والحي من النبات ما كان طريا يهتز " .7
والحياة الإنسانية تتحقق بنفخ الروح في جسد الجنين في بطن أمه ، والموت " انقطاع تعلق الروح بالبدن ، ومفارقته وحيلولة بينهما ، وتبدل حال ، وانتقال من دار إلى دار " 8.
فيا آدمي أتدري ما مُنيت بــــــــــــه أم دون ذهنك ستر ليس ينجـــــابُ
يوم ويوم ويفنى العمر منطويــــــــاُ عام جديب وعام فيه إخصـــــــابُ
فلا تغرنك الدنيا بزخرفهــــــــــــــا فأريها أن بلاها عاقل صــــــــابُ
والحزم يجني أموراً كلها شـــــرف والخرق يجني أمورا كلها عــابُ
لقد كنت في غفلة من هذا
كأنك بالعمر قد انقرض ، وهجم عليك المرض ، وفات كل مراد وغرض ، وإذا بالتلف قد عرض أخاذا , { لقد كنت في غفلة من هذا } .
شخص البصر وسكن الصوت ، ولم يمكن التدارك للفوت ، ونزل بك ملك الموت ، فسامت الروح وحاذى , { لقد كنت في غفلة من هذا} .
عالجت أشد الشدائد ، فيا عجباً ممن تكابد ، كأنك سقيت سم الأساود ، فقطع أفلاذا , { لقد كنت في غفلة من هذا } .
بلغت الروح إلى التراقي ، ولم تعرف الراقي من الساقي ، ولم تدر عند الرحيل ما تلاقى ، عياذاً بالله عياذا , { لقد كنت في غفلة من هذا } .
ثم درجوك في الكفن ، وحملوك إلى بيت العفن ، على العيب القبيح والأفن ، إذا الحبيب من التراب قد حفن ، وصرت في القبر جذاذا , { لقد كنت فى غفلة من هذا } .
وتسربت عنك الأقارب تسرى ، تقد في مالك وتفرى ، وغاية أمرهم أن تجرى دموعهم رذاذا , { لقد كنت في غفلة من هذا } .
قفلوا الأقفال وبضعوا البضاعة ، ونسوا ذكرك يا حبيبهم بعد ساعة ، وبقيت هنالك إلى يوم الساعة ، لا تجد وزراُ ولا معاذا , { لقد كنت في غفلة من هذا } .
ثم قمت من قبرك فقيرا ، لا تملك من المال نقيرا ، أصبحت بالذنوب عقيرا فلو قدمت من الخير حقيرا ، صار ملجأ وملاذا { لقد كنت فى غفلة من هذا }
ونصب الصراط والميزان ، و تغيرت الوجوه والألوان ، ونودي : شقي فلان بن فلان ، وما ترى للعذر نفاذا , { لقد كنت في غفلة من هذا } .
كم بالغ عذولك في الملام ، وكم قعد في زجرك وقام ، فإذا قلبك ما استقام ، وقطع الكلام على ذا , { لقد كنت في غفلة من هذا } . 9
( موعظة ) : فيا غافلاً متى تفيق من هذا المرض المراض , متى تستدرك هذه الأيام الطوال العراض , يا غافلاً عن سهام الموت الحداد المواض , تالله لقد أصاب السهم من قبل الإنباض , ولقد آن لجمع الحياة الشتات والإنفضاض , وحان لبنيان السلامة الخراب والإنتقاض , وحق للمقرض أن يطالب المقرض بالإقراض , ودنا من مبسوط الآمال الاجتماع والإنقباض , أما الأعمار كل يوم في انقراض , لقد نهت قبل شكة السهم صكة المقراض , أما ترى الراحلين ماضياً خلف ماض , كم بنيات ما تم حتى تم مأتم وهذا قد استفاض , كم حط ذو خفض على رغم في رغام وانخفاض انهض بجدك والعاقل ناهض قبل الإنهاض , إن الموت إليك كما كان لأبويك في ارتكاض , إن لم تقدر على مشارع الصالحين رد باقي الحياض , إن لم تكن بنت لبون فلتكن بنت مخاض , إلى متى أو حتى أتعبت الرواض , أمالك أنفة من هذا التوبيح ولا امتعاض , كما بنى نصيحك نقضت وما يعلو بناء مع نقاض , يا من باع نفسه بلذة ساعة بيعاً عن تراض , إنما تجزى بقدر عملك عند أعدل قاض .

طبيعة الموت
من مجرد النظرة العابرة إلى طبيعة الموت نجد أنه ينطوى على كثير من المفارقات10 , فطبيعة الموت هى :
 أولاً : الكلية المطلقة , إذ إن جميع البشر فانون , والقرآن الكريم يقرر هذه القاعدة فى أكثر من موضع .
للأنبياء : حيث يقول رب العزة لنبيه  : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } , { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } .
وللمؤمنين : حيث يقول سبحانه وتعالي : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } .
ولجميع الناس : حيث يقول عز وجل : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } .
وفى قاعدة عامة يقول سبحانه وتعالي : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } .
ولهذا قيل : إن الموت يتبع من الجميع سياسة " ديمقراطية " تقوم على المساواة المطلقة ـ إن صح تعبيرهم ـ فهو لا يعرف التمييز بين العباقرة والسوقة , أو بين العلماء والجهال , أو بين الشبان والشيوخ , أو بين الخيار و الأشرار . . . إلخ .11
يُحِب الفتى طولَ البقاءِ كأنـــــــــــه على ثقة أن البقاءَ بقــــــــــــــــاءُ
إِذا ما طوى يوماً طوى اليومُ بعضه ويطويه إِن جَن المساءُ مســــــاءُ
زيادة في الجسم نقْصُ حياتِـــــــــــه وأنى على نقصِ الحياة نمـــــــاءُ
جديدان لا يبقى الجميعُ عليهـــــــــا ولا لهما بعد الجميع بقـــــــــــاءُ
 ثانياً : ووجه المفارق هنا أنه رغم هذا الطابع الكلى المطلق الذى وضح جيداً , فإن الموت يحمل فى طبيعته فى نفس الوقت الجزئية المطلقة . 12
وبيان ذلك : أن الموت فردى , وشخصى , وخاص جداً . . , فكل منا لا بد أن يموت وحده , ولا بد أن يموت هو نفسه .
ويقرر القرآن طبيعته هذا فى قوله تعالى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } .
خُلقْنا للحياة وللممــــــــــــــاتِ ومن هذين كل الحادثــــــــــــاتِ
ومن يولد يعش ويمت كأن لــم يمر خياله بالكائنــــــــــــــــــاتِ
ومهدُ المرءِ في أيدي الرواقـي كنعش المرءِ بين النائحـــــــــاتِ
وما سلمَ الوليدُ من اشتكـــــــاء فهل يخلو المعمرُ مـــــــــن أذاةِ
ولو أن الجهاتِ خُلقن سبعـــــاً لكان الموتُ سابعةَ الجهـــــــات
 ثالثاً : ومن المفارقات التى تنطوى عليها طبيعة موضوع الموت كذلك أنه يجمع بين " اليقين " و " عدم اليقين " .
وبيان ذلك : أنى أعرف يقيناً أننى سأموت , { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ } .
ولسنا الوحيدين فى ذلك , بل الجميع : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } .
وأعرف أيضاً ويقيناً أن ذلك فى ساعة محددة , ووقت معلوم , لا تقديم فيه , ولا تأخير عنه : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } , { وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا } وكذلك { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾
لكننى أجهل يقينا : متى , وأين سيكون ذلك ؟ .
ولله در القائل :
لا تَأمن الموت في طرف وفي نفـــس ولو تَمنَعت بالحجاب والـحــــرسِ
فما تزال سهام الـمـوت نـافــــــــــــذة في جنب مدَرعٍ منـا ومـتـــــــرسِ
ما بال دينك تَرضى أن تـدنـســـــــــه وثوبك الدهر مغسول من الدنـــسِ
ترجو النجاةَ ولم تَسلك مسالـكـهــــــا إن السفينة لا تجري علـى اليبــس
 رابعاً : بل كان هذا الأمر أحد المغيبات الخمس التى اختص الله سبحانه وتعالي بعلمها دون غيره : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.
نعم : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } .
لكن الله سبحانه وتعالي وحده يدرى بالزمان , والمكان الذى فيه , وعليه كل نفس تموت , وغيره أبداً بذلك لا يدرى . . !! .
ولا يَرُد المنايا عن مواقعِهـــــــا سد الحجابِ ولا عز وأحـــــراسُ
إِن الجديدين في طولِ اختلافِهمــا لا ينقصان ولكن ينقصُ النـــــاسُ
 خامساً : وإن من يحاول أن يدرك لطف الله بالإنسان يعرف أن السر هو غاية الوضوح واليسر .
ذلك أن الذى يعرف مكان موته , ونهاية أجله , سوف لا يذهب إليه . .
أعتقد أنه لن يذهب هناك إلا قليل , والقليل جداً , وهى فئة معينة تذهب للموت ولم تعرف مكانه . .
بل إن غالبية البشر لن تذهب إلى هذا المكان أبداً , أو على الأقل فى اللحظة المعينة المعروفة , ولو كان هذا الأمر على هذا لحدث بذلك تعارض شديد ـ حاشا لله ـ بين علمه بمكان موت الإنسان وقضائه فى إماتته , وبين امتناع الإنسان عن الذهاب إلى هذا المكان وعدم رغبته فى تسليم نفسه للموت طائعاً مختاراً .
وأيضاً : فالذى يعرف زمان موته سيكون لهذة اللحظة أسيراً , وتفكيره فيها كثيراً , فاقد الأمل , عديم الرغبة للعمل , حتى ولو كانت بعد زمن بعيد . .
إذ أن كان إنسان يتصرف وكأنه سيعيش الدهر كله , وسيمتلك الدنيا بأسرها ولولا جهله بيوم موته ما أكل ولا شرب , ولأصبحت الطاعة جبراً , والبعد عن المعاصى قهراً , ولفقد نعمة الإختيار , وفضيلة الترجيح , ولأصبحت الحياة بلا طعم , ولا لون , ولا رائحة . .
فالكل يعيش بلا أمل , ويسير نحو موعد ومكان يسلم نفسه فيه للموت .
إنه لون غريب من الحياة , نجد الناس فيه ـ لو حدث ـ سكارى . . حيارى . . يرتدون جميعاً حُلل التعاسة واليأس .
أؤملُ أن أحيا وفي كل ساعــــــةٍ تمر بي الموتى تهز نعوشَهــــــا
وهل أنا إِلا مثلهم غير أن لـــــي بقايا ليالٍ في الزمان أعِشُهـــــــا
 سادساً : ثم نصل إلى السر فى هذه الطبيعة التى تبدو متناقضة , ذلك أن من يتأكد يقيناً من موته , ويتأكد ـ فى نفس الوقت ـ يقيناً من جهله , وجهل غيره بمكان وزمان موته , ويتأكد ثالثاً من أن الله وحده سبحانه وتعالي { يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } .
أى لا يعلم ـ هو ولا غيره ـ زمان موته . . .
ولا يعلم ـ هو ولا غيره ـ مكان موته . . .
ولا يقدر ـ هو ولا غيره ـ على إماتته . . .
بل الذى يعلم كل ذلك , ويقدر على إماتته هو الله وحده دون غيره سبحانه وتعالي .
لهو الإنسان الذى يؤمن بحتمية الموت وعموميته وشموله .
أحبتي في الله : لقد رأيت الحياة تمضي مسرعة , ومعظم أهلها في غفلة . .
أناس يأتون . . وآخرون يرحلون . .
والناس غافلون . . ولا يستيقظون . .
فإلى كم هذا الرقاد ، أما بان لك جد المعاد . .
يمرُ الحَول بعدَ الحولِ عنــــي وتلك مصارعُ الأقوام حولــــــي
كأني بالألى حَفَروا لجـــــــاري وقد أخذوا المحافرَ وانتَحَوا لــي
ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون
أين الذين كانوا في اللذات يتقلبون , ويتجبرون على الخلق ولا يغلبون مزجت لهم كؤوس المنايا فباتوا يتجرعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون }
مدوا أيديهم إلى الحرام , وأكثروا من الزلل والآثام , وكم وعظوا بمنثور ومنظوم من الكلام , لو أنهم يسمعون { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } .
حمل كل منهم في كفن , إلى بيت البلى والعفن , وما صحبهم غيره من الوطن , من كل ما كانوا يجمعون { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } .
ضمهم والله التراب , وسد عليهم في ثراهم الباب , وتقطعت بهم الأسباب والأحباب يرجعون { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } .
أين أموالهم والذخائر , أين أصحابهم والعشائر , دارت على القوم الدوائر ففيم أنتم تطمعون { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } .
شغلوا عن الأهل والأولاد , وافتقروا إلى يسير من الزاد , وباتوا من الندم على أخس مهاد , وإنما هذا من حصاد ما كانوا يزرعون { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } .
أين الجنود والخدم , أين الحِرم والحَرم , أ النِعم والنَعم , بعد ما كانوا يربعون فيما يرتعون { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } .
لو رأيتهم في حلل الندامة , إذا برزوا يوم القيامة وعليهم للعقاب علامة يساقون بالذل لا بالكرامة , إلى النار فهم يوزعون { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } .
يا معشر العاصين قد بقي القليل , والأيام تنادي قد دنا الرحيل , وقد صاح بكم إلى الهدى الدليل , إن كنتم تسمعون { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } 13
(موعظة ) : يا سكران الهوى متى تفيق , رحل الأحباب وما عرفت الطريق , واتسعت الرحاب وأنت في المضيق , وقد بقي القليل وتغص بالريق وتعاين زفير الموت وتعالج الشهيق , ويبطل القوى ويخرس المنطيق , وتغمس في بحر التلف ومن للغريق , ويخلو ببدنك الدود للتقطيع والتمزيق وخرب الحصن وحطم الغصن الوريق , وخلوت بأعمالك وتجافاك الصديق فإذا قمت من قبرك فما تدري في أي فريق .
    

حتمية الموت
من ذلك يتضح للبشر عامة , و للمسلمين خاصة بعد علمهم وتلاوتهم لآيات القرآن الكريم التى سبق ذكرها , وأحاديث نبيه  : أن الموت أمر حتمى لا بد منه , لا مفر ولا محيد عنه .
يقول تعالى : { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } الجمعة : 8 .
وفي هذه الآية لفتة من اللفتات القرآنية الموحية للمخاطبين بها , وغير المخاطبين , تقر في الأخلاد حقيقة ينساها الناس ، وهي تلاحقهم أينما كانوا . .
فهذه الحياة إلى انتهاء , والبعد عن الله فيها ينتهي للرجعة إليه ، فلا ملجأ منه إلا إليه , والحساب والجزاء بعد الرجعة كائنان لا محالة , فلا مهرب ولا فكاك ولا محيد .
عن سمرة بن جندب  قال : " مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب ، تطلبه الأرض بدين ، فجاء يسعى ، حتى إذا أعيا وأنهر دخل جحره ، فقالت له الأرض : يا ثعلب ! ديني , فخرج له حصاص , فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه فمات " . 14
قال تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } .
ويصور الإمام الحسن البصرى هذه الحتمية , وتلك العمومية للموت بصورة مفزعة , مخيفة , ومفيدة إذ يقول : " مامن يوم إلا وملك الموت يتصفح كل بيت ثلاث مرات , فمن وجده منهم قد استوفى رزقه , وانقضى أجله قبض روحه , فإذا قبض روحه أقبل أهله برنة بكاء , وهنا : يأخذ ملك الموت بعضادتى الباب فيقول : والله ما أكلت له رزقاً , ولا أفنيت له عمراً , ولا انتقصت له أجلاً , وإن لى فيكم لعودة بعد عودة حتى لا أبقى منكم أحداً " .
يقول الحسن : " فوالله لو يرون مقامه , ويسمعون كلامه , لذهلوا عن ميتهم وبكوا على أنفسهم " .15
أخا الإسلام : أين من عاشرناه كثيراً وألفنا , أين من ملنا إليه بالوداد وانعطفنا , أين من ذكرناه بالمحاسن ووصفنا , ما نعرفهم لو عنهم كشفنا , ما ينطقون لو سألناهم وألحفنا , وستصير كما صاروا فليتنا أنصفنا , كم أغمضنا من أحبابنا على كرههم جفناً , كم ذكرتنا مصارع من فنى من يفنى , كم عزيز أحببنا دفناه وانصرفنا , كم مؤانس أضجعناه في اللحد وما وقفنا , كم كريم علينا إذا جزنا عليه انحرفنا , ما لنا نتحقق الحق فإذا أيقنا صدفنا , أما ضر أهله التسويف وها نحن قد سوفنا , أما التراب مصيرنا فلماذا منه أنفنا .

إنها الحقيقة
قال تعالى :{ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } ق :19
أخا الإسلام : اعلم أن الحياة على ظهر هذه الحياة موقوتة , محدودة . . .
وستأتي النهاية حتماً , طال العمر أم قصر . . .
إنها الحقيقة التي نهرب منها دائماً . . .
إنها الحقيقة التي يسقط عندها جبروت المتجبرين , وعناد الملحدين , وطغيان البغاة المتألهين . . .
إنها الحقيقة التي شرب من كأسها العصاة , والطائعون . .
وشرب من كأسها الأنبياء ، والمرسلون . . .
قال الله :{ وَ مَاْ جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخَاْلِدُونَ } ..
إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان والمكان ..
في أذن كل سامع . . وفي عقل كل عاقل . . وفي قلب كل حيّ . .
أن الكل سيموت . . أن الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت .
قال الله جل في شأنه : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } . .
إنها الحقيقة التي لا مفر منها ولا مهرب , طال الزمان أو قصر : { قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلِى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . . .
نعم إنه ملاقيكم . . . في أي مكان تكونون ستموتون . . .
أيها القوي الفتي . . أيها الذكي العبقري . . أيها الأمير والكبير . .
أيها الفقير والصغير . . أيها الوزير والحقير . .
كل باكٍ سيُبكى . . وكل ناعٍ سيُنعى . . وكل مذخور سيفنى . .
وكل مذكور سيُنسى . . ليس غير الله يبقى . . من علا فالله أعلى . .
اعلم رعاك الله : أنه من عاش مات . . ومن مات فات . . وكل ما هو آتٍ آت قال تعالى { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ } .
إن حياتك إنما تبدأ بعد مماتك . .
إذا أردت أن تعصي الله
روى أن رجل أتى إبراهيم بن أدهم ، فقال :
يا أبا إسحاق ، إني مسرف على نفسي ، فأعرض على ما يكون لها زاجراً ومستنقذاً .
قال : إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها ، لم تضرك المعصية ، ولم توبقك لذة .
قال : هات يا أبا إسحاق .
قال : الأولى : فإذا أردت أن تعصى الله عز وجل ، فلا تأكل رزقه .
قال : فمن أين آكل وكل ما في الأرض رزقه ؟
قال : يا هذا ! أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه ؟!
قال : لا ، هات الثانية .
قال : وإذا أردت أن تعصيه , فلا تسكن شيئاً من بلاده .
قال : هذه أعظم من الأولى يا هذا ، إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين أسكن ؟
قال : يا هذا ، أفيحسن بك أن تأكل رزقه , وتسكن بلاده وتعصيه ؟!
قال : لا ، هات الثانية .
قال : وإذا أردت أن تعصيه وأنت تأكل رزقه وفى بلاده ، فانظر موضعاً لا يراك فيه ، فاعصه فيه .
قال : يا إبراهيم ، ما هذا ؟ وهو يطلع على ما في السرائر ! .
قال : يا هذا ! أفيسحن بك أن تأكل رزقه , وتسكن بلاده ، وتعصيه وهو يراك ويعلم ما تجاهر به ؟
قال : لا ، هات الرابعة .
قال : فإذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك ، فقل له : أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً ، وأعمل لله صالحاً .
قال : لا يقبل منى .
قال : يا هذا ، فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب ، وتعلم أنه إذا جاءك ، لم يكن له تأخير ، فكيف ترجو وجه الخلاص ؟
قال : هات الخامسة .
قال : إذا جاءك الزبانية يوم القيامة ، ليأخذوك إلى النار ، فلا تذهب معهم .
قال : إنهم لا يدعوني , ولا يقبلون منى .
قال : فكيف ترجو النجاة إذن ؟!
قال له : يا إبراهيم حسبي حسبي ، أنا أستغفر الله وأتوب إليه ، ولزم العبادة حتى فارق الدنيا ـ رحمه الله ـ . 16
أخا الإسلام :
كأنك بالمضي إلى سبيلـــــــــــــــك وقد جد المجهز في رحيلــــــــــــك
وجيء بغاسل فاستعجلـــــــــــــــوه بقولهم له أفرغ من غسيلـــــــــــك
ولم تحمل سوى كفن وقطــــــــــــن إليهم من كثيرك أو قليلـــــــــــــــك
وقد مد الرجال إليك نعشـــــــــــــــاً فأنت عليه ممدود بطولـــــــــــــــك
وَصَلوا ثم إنهم تداعــــــــــــــــــــوا لحملك في بكورك أو أصيلـــــــــك
ولما أسلموك نزلت قبـــــــــــــــرك ومن لك بالسلامة في نزولــــــــــك
أعانك يوم تدخله رحيــــــــــــــــــم رؤف بالعباد على دخولـــــــــــــك
فسوف تجاور الموتى طويــــــــــلاً فدعني من قصيرك أو طويلــــــــك
أخي إني نصحتك فاستمع لــــــــــي وبالله استعنت على قبولــــــــــــــك
ألست ترى المنايا كل يـــــــــــــــوم تصيبك في أخيك وفي خليلـــــــــك
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد
يا مطلقاً نفسه فيما يشتهي ويريد , اذكر عند خطواتك المبدئ المعيد , وخف قبح ما جرى فالمَلِك يرى والملَك شهيد { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }.
هلا استحيت ممن يراك , إذا ركبت من هواك ما نهاك , ستبكي والله عيناك مما جنت يداك , أما تعلم أنه بالمرصاد فقل لي أين تحيد { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } .
لو صدق علمك به لراقبته , ولو خفت وعيده في الحرام ما قاربته , ولو علمت سموم الجزاء في كأس الهوى ما شربته , لقد أضعنا الحديث عند سكران يميد { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }.
يا كثير الكلام حسابك شديد , يا عظيم الإجرام عذابك جديد , يا مؤثراً ما يضره ما رأيك سديد , يا ناطقا بما لا يجدي ولا يفيد { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }.
كلامك مكتوب وقولك محسوب , وأنت يا هذا مطلوب ولك ذنوب وما تتوب وشمس الحياة قد أخذت في الغروب , فما أقسى قلبك من بين القلوب , وقد أتاه ما يصدع الحديد { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }.
أتظن أنك متروك مهمل , أم تحسب أنه ينسى ما تعمل , أو تعتقد أن الكاتب يغفل , هذا صائح النصائح قد أقبل , يا قاتلاً نفسه بكفه لا تفعل , يا من أجله

ينقص وأمله يزيد { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } . 17
( موعظة ) : يا من عمله بالنفاق مغشوش , تتزين للناس كما يزين المنقوش , إنما ينظر إلى الباطن لا إلى النقوش , إذا هممت بالمعاصي فاذكر يوم النعوش , وكيف تحمل إلى قبر بالجندل مفروش , من لك إذا جمع الإنس والجن والوحوش , وقام العاصي من قبره حيران مدهوش , وجيء بالجبار العظيم وهو مغلول مخشوش , فحينئذ يتضاءل المتكبر وتذل الرءوس , ويومئذ يبصر الأكمه ويسمع الأطروش , وينصب الصراط فكم واقع وكم مخدوش , ليس بجادة يقطعها قصل ولا مرعوش , ولا تقبل في ذلك اليوم فدية ولا تؤخذ الأروش , والمتعوس حينئذ ليس بمنعوش , وينقلب أهل النار في الأقذار والريح كالحشوش , لحافهم جمر وكذلك الفروش .
    

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الموت وأحواله Empty
مُساهمةموضوع: الموت وأحواله   الموت وأحواله I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 05, 2013 5:14 pm

عظة الموت
أخي في الله : إن الموت نهاية كل حي ، ولا يتفرد بالبقاء إلا الله وحده ، وفي الموت يستوي كل البشر ، بما فيهم الأنبياء والمرسلون ، والموت ليس نهايةَ المطاف ، إنما هو حلقة لها ما بعدها من حلقات النشأة المقدرة المدبرة ، التي ليس شيء منها عبثاً ولا سدى . . .
إن القرآن الكريم يلمس حكمة الخوف من الموت في النفس البشرية لمسة موحية تطرد ذلك الخوف عن طريق الحقيقة الثابتة في شأن الموت , وشأن الحياة ، وما بعد الحياة والموت من حكمة وتدبير ، ومن ابتلاء للعباد وجزاء .
ومن ثم يقول الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } آل عمران : 145 .
إن لكل نفس كتاباً مؤجلا إلى أجل مرسوم ، ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم ، فالخوف والهلع والحرص والتخلف ، لا تطيل أجلاً ، والشجاعة والثبات والإقدام والوفاء ، لا تقصر عمراً ، فلا كان الجبن ، ولا نامت أعين الجبناء ، والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد ! .
بذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس ، فتترك الاشتغال به ، ولا تجعله في الحساب ، وهي تفكر في الأداء والوفاء بالتكاليف والالتزامات الإيمانية ، وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص ، كما ترتفع على وهلة الخوف والفزع وبذلك تستقيم على الطريق الذي رسمه الله لها بكل تكاليفه وبكل التزاماته ، في صبر وطمأنينة وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده .
والذي يعيش لهذه الأرض وحدها ، ويريد ثواب الدنيا وحدها ، إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام ! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب ، والذي يتطلع إلى الأفق الآخر ، إنما يحيا حياة الإنسان الذي كرمه الله تعالى ، واستخلفه ، وأفرده بهذا المكان ، ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب .
فسبحان الذي أذل بالموت رقاب الجبابرة , وكسر بصدمته ظهور الأكاسرة وقصر ببغتته أمال القياصرة , الذي أدار عليهم حلقته الدائرة , وأخذهم بيده القاهرة , فقذفهم في ظلمات الحافرة , وصيرهم بها رهنا إلى وقفة الساهرة فأصبحوا قد خسروا الدنيا ولم يحصلوا على شيء من الآخرة .
مصيبتهم والله لا يجبر مصابها , ولا يتجرع صابها , ولا تنقضي آلامها ولا أوصابها .
لم يمنعهم ما حصنوه من المعاقل والحصون , ولا حرسهم ما بعثوه من الحرس والعيون , ولا فداهم من ريب المنون ما ادخروه من علق مصون وذهب مخزون , بل صدمهم بركنه الشديد , وصبحهم بجيشه المديد , وأنفذ فيهم ما كتب عليهم من الوعيد .
فنقلهم من لين المهود إلى خشونة اللحود , وصيرهم بين حجرها المنضود وجندلها المعقود , أكلا للهوام وطعماً للدود .
نظر إليهم بعينه الشوساء , وأرسل عليهم كتيبته الخرساء , فأذل عزتهم القعساء , وأبدل من نعمتهم بؤسا , وأنطق بالعويل ألسنة خرسا , وصيرهم حديثاً يذكر على مر الزمان ولا ينسى .
نزلوا عن الأرائك والكلال , والأسِرة والحجال , إلى الحجارة والرمال والأراقم والصلال , وشظف العيش وضيق المجال , وحلوا بربع غير محلال بحيث لا زوال ولا انتقال , ولا عثرة تقال , ولا يسمع فيها مقال , ولا يلتفت عندها إلى من قال .
أرسل عليهم ربك جنوده العاتية , وأخذهم أخذته الرابية , وسلك بهم مسلك الأمم الخالية , والقرون الماضية , فهل تحس منهم من أحد أو هل ترى لهم من باقية , وفيهم قيل وفي أمثالهم :
لمن طلل أسائلــــــــــــــــــــــه معطلة منازلــــــــــــــــــــــــــــــــهُ
غداة رايته تنعــــــــــــــــــــــى أعاليه أسافلـــــــــــــــــــــــــــــــــهُ
وكنت أراه مأهــــــــــــــــــولاً ولكن باد آهلـــــــــــــــــــــــــــــــهُ
وكل لاعتساف الدهـــــــــــــــ ـر معرضة مقاتلــــــــــــــــــــــــــهُ
وما من مسلـــــــــــــــــــك إلا وريب الدهر شاملــــــــــــــــــــــــهُ
فيصرع من يصارعــــــــــــه وينضل من يناضلــــــــــــــــــــــــهُ
ينازل من يهم بـــــــــــــــــــه وأحياناً يخاتلـــــــــــــــــــــــــــــــهُ
وأحياناً يؤخــــــــــــــــــــــره وتاراتِ يعاجلـــــــــــــــــــــــــــــهُ
كفاك به إذا نزلــــــــــــــــــت على قوم كلاكلــــــــــــــــــــــــــــهُ
وكم قد عز من ملـــــــــــــــك تحف به قنابلـــــــــــــــــــــــــــــــهُ
ويثني عطفه مرحــــــــــــــــــــاً وتعجبه شمائلــــــــــــــــــــــــــــهُ
فلما أن أتاه الحــــــــــــــــــــــق ولى عنه باطلـــــــــــــــــــــــــــــهُ
فغمض عينه للمــــــــــــــــــوت واسترحت مفاصلــــــــــــــــــــــهُ
فما لبث السياق بــــــــــــــــــــه إلى أن جاء غاسلـــــــــــــــــــــــهُ
فجهزه إلى جــــــــــــــــــــــدث سيكثر فيه خاذلــــــــــــــــــــــــــهُ
ويصبح شاحط المثــــــــــــــوى مفجعة ثواكلــــــــــــــــــــــــــــــهُ
مخمشة نوادبـــــــــــــــــــــــــه مسلبة غلائلــــــــــــــــــــــــــــــهُ
وكم قد طال من أمـــــــــــــــــل فلم يدركه آملــــــــــــــــــــــــــــهُ
رأيت الحق لا يخفـــــــــــــــــى ولا تخفى شواكلــــــــــــــــــــــــهُ
ألا فانظر لنفســــــــــــــــــك أي زاد أنت حاملـــــــــــــــــــــــــــهُ
لمنزل وحدة بين المـــــــــــــــــ ـقادير أنت نازلــــــــــــــــــــــــــهُ
قصير السمك قد رمضــــــــــت عليك به جنادلــــــــــــــــــــــــــــهُ
بعيد تجاور الجيــــــــــــــــــران ضيقة مداخلـــــــــــــــــــــــــــــهُ
أأيتها المقابر فيــــــــــــــــــــــك من كنا ننازلـــــــــــــــــــــــــــــهُ
ومن كنا نتاجـــــــــــــــــــــــره ومن كنا نعاملــــــــــــــــــــــــــهُ
ومن كنا نعاشــــــــــــــــــــــره ومن كنا نداخلــــــــــــــــــــــــــهُ
ومن كنا نشاربــــــــــــــــــــــه ومن كنا نؤاكلـــــــــــــــــــــــــــهُ
ومن كنا نفاخــــــــــــــــــــــره ومن كنا نطاولــــــــــــــــــــــــــهُ
ومن كنا نراقبـــــــــــــــــــــــه ومن كنا نزايلــــــــــــــــــــــــــــهُ
ومن كنا نكارمــــــــــــــــــــــه ومن كنا نجاملــــــــــــــــــــــــــــهُ
ومن كنا له إلفـــــــــــــــــــــــاً قليلاً ما نزاولــــــــــــــــــــــــــــــهُ
ومن كنا لهه بالأمـــــــــــــــــــ ـس أحياناً نواصلـــــــــــــــــــــــــهُ
فحل محلةً من حلـــــــــــــــــــ ـلها صرمت حبائلــــــــــــــــــــــــهُ
ألا إن المنية منـــــــــــــــــــــــ ـهل والخلق ناهلـــــــــــــــــــــــــــهُ
أواخر من ترى تفنــــــــــــــــى كما فنيت أوائلـــــــــــــــــــــــــــــهُ
لعمرك ما استوى في الأمـــــــــ ـر عالمه وجاهلـــــــــــــــــــــــــــهُ
ليعلم كل ذي عمـــــــــــــــــــــل بأن الله سائلــــــــــــــــــــــــــــــــهُ
فأسرع فائزاً بالخيــــــــــــــــــــ ـر قائله وفاعلــــــــــــــــــــــــــــهُ 18
( موعظة ) : فيا مشغولاً بذنوبه , مغموراً بعيوبه , غافلاً عن مطلوبه أما نهاه القرآن عن حوبه , أنسي العاصي قبيح مكتوبه , لا بد عن سؤاله عن مطعومه ومشروبه , وحركاته وخطواته في مرغوبه , ألا يذكر في زمان راحته أحيان كروبه , ألا يحذر من الأسد قبل وقت وثوبه , ألا يتخذ تقاه تقية من شر هبوبه , ألا يدخر من خصبه لأيام جدوبه , ألا يتفكر في فراقه لمحبوبه ألا يتذكر النعش قبل ركوبه , كيف يغفل من هو في صف حروبه , رب إشراق لم يدرك زمن غروبه , إلى متى في حرصه على الفاني ودؤوبه , لقد وعظه الزمان بفنون ضروبه , وحذره استلابه بأنواع خطوبه , ولقد زجره القرآن بتخويفه مع لذة أسلوبه { هذا بلاغ للناس ولينذروا به } .
فيا مخلوقاً من علق , اكتف من الدنيا بالعلق , واحذر في ري الهوى من شرق , وتذكر يوم الرحيل ذاك القلق , وتفكر في هاجم يسوي بين الملوك والسوق , وتأهب له فربما بكر وربما طرق , يا من شاب وما تاب استلب باقي الرمق , أبعد الحلم جهل أم بعد الشيب نزق , كان الشباب غصناً غضاً فخلي عن ورق , وأنت في الشباب كالشيب تجري على نسق , يا غريقا في الهوى صح من قبل الغرق , كم طالب خلاصاً لما فات ما اتفق .
ليس الغريبُ
ليس الغريب غريب الشام واليمــــــن إن الغريب غريب اللحد والكفـــــــــن
إن الغريب له حق لغربتـــــــــــــــــه على المقيمين فى الأوطان والسكــــن
لا تنهرن غريباً حال غربتـــــــــــــــه الدهر ينهره بالذل والمحــــــــــــــــن
سفر بعيد وزادى لن يبلغنـــــــــــــــى وقوتى ضعفت والموت يطلبنـــــــــى
ولى بقايا ذنوب لست أعلمهـــــــــــــا الله يعلمها فى السر والعلــــــــــــــــن
ما أحلم الله عنى حيث أمهلنــــــــــــى وقد تماديت فى ذنبى ويسترنـــــــــى
تمر ساعات أيامى بلا نـــــــــــــــــدم ولا بكاء ولاخوف ولا حـــــــــــــزن
أنا الذى أغلق الأبواب مجتهــــــــــــد على المعاصى وعين الله تنظرنـــــى
يا زلة كتبت فى غفلة ذهبــــــــــــــت يا حسرة بقيت فى القلب تحرقنـــــى
دعنى أنوح على نفسى وأندبهــــــــــا وأقطع الدهر بالتذكير والحـــــــــزن
دع عنك عذلى يا من كان يعذلنــــــى لو كنت تعلم ما بى كنت تعذرنــــــى
دعنى أسح دموعاً لا أنقطاع لهــــــــا فهل عسى عبرة منها تخلصنــــــــى
كأننى بين تلك الأهل منطرحـــــــــــاً على الفراش وأيديهم تقلبنـــــــــــــــى
كأننى وحولى من ينــــــــــــــــــــوح ومن يبكى على وينعانى ويندبنــــــى
وقد أتوا بطبيب كى يعالجنــــــــــــى ولم أر الطبيب اليوم ينفعنــــــــــــــى
واشتد نزعى وصار الموت يجذبهـــا من كل عرق بلا رفق ولا هــــــــون
واستخرج الروح منى فى تغرغرهــا وصار ريقى مريراً حين غرغرنــى
وغمضونى وراح الكل وانصرفــــوا بعد الإياس وجدوا فى شرا كفنــــــى
وقام من كان أحب الناس فى عجـــل نحو المغسل يأتينى يغسلنـــــــــــــــى
وقال يا قوم نبغى غاسلاً حذقــــــــــاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطــــــــــــــــن
فجائنى رجل منهم فجردنــــــــــــــى من الثياب وأعرانى وأفردنــــــــــــى
وأودعونى على الألواح منطرحــــــاً وصار فوقى خرير الماء ينظفنــــــى
وأسكب الماء من فوقى وغسلنـــــــى غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفـــــــــــن
وألبسونى ثيابا لا كمام لهــــــــــــــــا وصار زادى حنوطى حين حنطنـــى
وأخرجونى من الدنيا فوا أسفــــــــــا على رحيل بلا زاد يبلغنــــــــــــــــى
وحملونى على الأكتاف أربعـــــــــــة من الرجال وخلفى من يشيعنـــــــــى
وقدمونى الى المحراب وانصرفــــوا خلف الإمام فصلى ثم ودعنـــــــــــى
صلوا على صلاة لا ركوع لهـــــــــا ولا سجود لعل الله يرحمنــــــــــــــى
وأنزلونى الى قبرى على مهــــــــــل وقدموا واحدا منهم يلحدنــــــــــــــى
وكشف الثوب عن وجهى لينظرنــــى وأسبل الدمع من عينيه أغرقنـــــــــى
فقام محتزماً بالعزم مشتمـــــــــــــــلاً وصفف اللبن من فوقى وفارقنــــــى
وقال هلوا عليه التراب واغتنمـــــــوا حسن الثواب من الرحمن ذى المنـن
فى ظلمة القبر لا أم هنـــــــــــاك ولا أب شفيق ولا أخ يؤنسنـــــــــــــــــى
وهالنى صورة فى العين إذ نظــــرت من هول مطلع ما قد كان أدهشنــــى
من منكر ونكير ما أقول لهـــــــــــــم قد هالنى أمرهم جداً فأفزعنــــــــــى
وأقعدونى وجدوا فى سؤالهـــــــــــــم ما لى سواك إلهى من يخلصنـــــــي
فامنن على بعفو منك يا أملــــــــــــى فإننى موثق بالذنب مرتهـــــــــــــن
تقاسم الأهل مالى بعدما انصرفـــــــوا وصار وزرى على ظهرى فأثقانـى
واستبدلت زوجتى بعلا لها بدلـــــــــى وحكمته فى الأموال والسكـــــــــــن
وصيرت إبنى عبداً ليخدمــــــــــــــــه وصار مالى لهم حلا بلا ثمـــــــــن
فلا تغرنك الدنيا وزينتهــــــــــــــــــــا وانظر الى فعلها فى الأهل والوطن
وانظر الى من حوى الدنيا بأجمعهــــا هل راح منها بغيرالحنط والكفــــــن
خذ القناعة وارض بهــــــــــــــــــــــا لو لم يكن لك فيها الى راحة البـــدن
يا زارع الخير تحصد بعده ثمــــــــــراً يا زارع الشر موقوف على الوهــن
يا نفس كفى عن العصيان واكتسبـــــى فعلاً جميلا لعل الله يرحمنــــــــــى
يا نفس ويحك توبى واعملى حسنـــــــاً عسى تجزين بعد الموت بالحســـــن
ثم الصلاة على المختار سيدنـــــــــــــا ما وضأ البرق فى شام وفى يمــــن والحمد لله ممسينا ومصبحنـــــــــــــــا بالخير والعفو والإحسان والمنــن 19
ثم إنكم بعد ذلك لميتون
أيها المتيقظون وهم نائمون , أتبنون ما لا تسكنون , وتجمعون ما لا تأكلون كونوا كيف شئتم فستنقلون { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } .
يا مقيمين سترحلون , يا مستقرين ما تتركون , يا غافلين عن الرحيل ستظعنون , أراكم متوطنين تأمنون المنون { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } .
طول نهاركم تلعبون , وطول ليلكم ترقدون , والفرائض ما تؤدون , وقد رضيتم عن الغالي بالدون , لا تفعلوا ما تفعلون { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } .
أما الأموال فتجمعون , والحق فيها ما تخرجون , وأما الصلاة فتضيعون وإذا صليتم تنقرون , أترى هذا إلى كم يكون { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } .
أين العتاة المتجبرون , أين الفراعنة المتسلطون , أين أهل الخيلاء المتكبرون , قدروا أنكم صرتم مثلهم أما تسمعون {ثم إنكم بعد ذلك لميتون }
ما نفعتهم الحصون , ولا رد المال المصون , قد زعزع الموت فكسر الغصون , قدروا أنكم تزيدون عليهم ولا تنقصون{ ثم إنكم بعد ذلك لميتون }
تقلبوا من اللذات في فنون , وأخرجهم البطر إلى الجنون , فأتاهم ما هم عنه غافلون , كم تركوا من جنات وعيون { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } .
لو حصل لكم كل ما تحبون , ونما جميع ما تؤتون , ونلتم من الأماني ما تشتهون , أينفعكم حين ترحلون { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } .
إلى متى وحتى متى تنصحون , وأنتم تكسبون الخطايا وتجترحون , أأمنتم وأنتم تسرحون , ذئب هلاك فلا تبرحون { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } .
لا تفرحوا بما تفرحون , فإنه لغيركم حين تطرحون , وإياكم من يراكم تمرحون , قد خسرتم إلى الآن فما تربحون { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } .
ويحكم الدنيا دار ابتلاء وفتون , وقد زجركم عنها المفتون , وكم رأيتم من هالك بها مفتون , وكأنكم بكم قد حملتم على المتون , كم أدلكم على الجنة وتختارون الأتون { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } . 20
ذكر الموت
إن لتذكر الموت أثر كبير في إصلاح النفوس وتهذيبها ، ذلك أن النفوس تؤثر الدنيا وملذاتها , وتطمع في البقاء المديد في هذه الحياة ، وقد تهفو إلى المعاصي والذنوب ، وقد تقصر في الطاعات ، فإذا كان الموت دائماً على بال العبد ، فإنه تصغر الدنيا في عينه ، ويجعله يسعي في إصلاح نفسه وتقويم المعوج من أمره . .
ولذلك وصانا النبي  بالإكثار من ذكر الموت فقال  : " أكثروا ذكر هادم اللذات " , يعني : الموت .
قال الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ :
قال علماؤنا رحمة الله عليهم قوله  : " أكثروا ذكر هادم اللذات الموت " كلام مختصر وجيز , قد جمع التذكرة و أبلغ في الموعظة , فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره , نغص عليه لذته الحاضرة , و منعه من تمنيها في المستقبل , وزهده فيما كان منها يؤمل , ولكن النفوس الراكدة و القلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعاظ , و تزويق الألفاظ , و إلا ففي قوله  : " أكثروا ذكر هادم اللذات " , مع قوله تعالى : { كل نفس ذائقة الموت } , ما يكفي السامع له و يشغل الناظر فيه , و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات :
لا شيء مما ترى تبقى بشاشتـــه يبقى الإله و يودي المال و الولـــــــدُ
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنــه و الخلد قد حاولت عاد فما خلــــــدوا
و لا سليمان إذ تجري الرياح له و الإنس و الجن فيما بينها تـــــــــرد
أين الملوك التي كانت لعزتهـــا من كل أوب إليها وافد يفــــــــــــد ؟
حوض هنالك مورود بلا كــذب لا بد من ورده يوما كمــــــــا وردوا 21
وقال الغزالي :
" أي : نغصوا بذكره لذاتكم حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله فإنه ـ أي الموت ـ لا يكون في كثير من الأمل والدنيا إلا قلله , أي : صيره قليلا , ولا في قليل من العمل إلا أجزله , أي : صيره جليلاً عظيماً كثيراً , فإن العبد إذا قرب من نفسه موته , وتذكر حال أقرانه وإخوانه الذين عافصهم الموت في وقت لم يحتسبوا أثمر له ما ذكر " . 22
وقال المناوي ـ رحمه الله ـ :
" ذلك لأن نور التوحيد في القلب , وفي الصدر ظلمة من الشهوات , فإذا أكثر الإنسان ذكر الموت بقلبه انقشعت الظلمة واستنار الصدر بنور اليقين فأبصر الموت , وهو عاقبة الأمر فرآه قاطعاً لكل لذة حائلا بينه وبين كل أمينة ورآها أنفاساً معدودة , وأوقاتاً محدودة , لا يدري متى ينفذ العدد وينقضي المدد , فركبته أهوال الحط , وأذهلته العبر وتردد بين الخوف والرجاء , فانكسر قلبه , وخمدت نفسه , وذبلت نار شهوته , فزهد في أمنيته , ورضي بأدنى عيشته .
وقد أخذ بعض الشعراء هذا الحديث فقال :
ماذا تقول وليس عندك حجــة لو قد أتاك منغص اللــــــــذات
ماذا تقول إذا حللت محلــــــة ليس الثقات من أهلها بثقـــــات 23
وعن ابن عمر  : أن النبي  سُئل : أي المؤمنين أكيس ؟ قال : " أكثرهم للموت ذكراً ، وأشدهم استعدادا له ، أولئك الأكياس " .24
خذ من حياتك للممات الآتـــــــــــــــي وبادر ما دام الزمان مواتـــــــــي
لا تغتروا فهو السراب بقيعــــــــــــــة قد خودع الماضي به والآتـــــــي
يا من يؤمل واعظاً ومذكــــــــــــــراً يوماً ليوقظه من الغفـــــــــــلاتِ
هلا اعتبرت ويا لها من عبـــــــــــرة بمدافن الآباء والأمــــــــــــــــاتِ
بالبقيع وناد في عرصاتــــــــــــــــــه فلكم به من جيرة ولــــــــــــــداتِ
درجوا ولست بخالد من بعدهــــــــــم متميز عنهم بوصف حيـــــــــــاةِ
والله ما استهلت حياً صارخـــــــــــــاً إلا وأنت تعد في الأمــــــــــواتِ
لا فوت عن درك الحمام لهــــــــارب والناس صرعى معرك الآفـــاتِ
كيف الحياة لدارج متكلـــــــــــــــــف سنة الكرى بمدارج الحيــــــــاتِ
أسفاً علينا معشر الأمـــــــــــــوات لا ننفك عن شغل بهاك وهـــــــــاتِ
وغرنا لمع السراب فنغتـــــــــــــــدي في غفلة عن هادم اللـــــــــــذاتِ
والله ما نصح امرأً من غشـــــــــــــه والحق ليس بخافت المشكـــــــاةِ
( موعظة ) : فطوبى لعبد بالغ في حذاره , واحتفر بكف فكره قبره قبل احتفاره , وانتهب زمانه بأيدي بداره , وأعذر في الأمر قبل شيب عذاره , ولم يرض في زاده بتقليله واختصاره , ورأى عيب الهوى فلم يصطل بناره , ودافع الشهوات وصابر المكاره , إن بحثت عنه رأيته صائم نهاره , وإن سألت عن ليله فقائم أسحاره , وإن تلمحته فالزفير في إصعاده والدمع في انحداره , ولا يتناول من الدنيا إلا قدر اضطراره , باعها فاشترى بها ما يبقى باختياره , هل فيكم متشبه بهذا أو على نجاره .
فضل ذكر الموت
إن لذكر الموت ووروده دائماً على القلب من الآثار النافعة الشئ الكثير , فإن لذكره أثر كبير في إصلاح النفس ، وتهذيب القلب .
حيث بذكر الموت تهون على الإنسان الدنيا وما فيها من مصائب وهموم وأحزان ، ذلك لأنه يستقر في عقله ووجدانه أن المصائب مهما عظمت ، وأن الهموم مهما كثرت ستنتهي يوماً ما بلا شك ، وذلك بالموت .
كما أن ذكر الموت يجعل العبد دائماً في يقظة وترقب , واستعداداً للقاء الله تعالى ، حيث أن الموت هو المفضي للقائه جل وعلا ، فيحسن العبد العمل , ويكثر من الطاعات والقربات ، ويجتنب المعاصي والمحرمات .
كما أن ذكر الموت يؤدي إلى قصر الأمل ، والأمل هو أكبر الأسباب في نسيان الموت والغفلة عنه ـ وسيأتي ـ .
قال اللفاف : " من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء : تعجيل التوبة , وقناعة القلب ونشاط العبادة , ومن نسيه عوقب بثلاثة أشياء : تسويف التوبة , وترك الرضا بالكفاف , والتكاسل في العبادة , فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته , فيا للموت من وعد ما أصدقه , ومن حاكم ما أعدله , فكفى بالموت مفرحاً للقلوب , ومبكياً للعيون , ومفرقاً للجماعة , وهاذماً للذات وقاطعا للأمنيات . 25
وقال معبد الجهيني : " نعم مصلحة القلب ذكر الموت , يطرد فضول الأمل ويكف عزب التمني , ويهون المصائب , ويحول بين القلب والطغيان " .
وقال الحكماء : " من ذكر المنية ـ الموت ـ نسي الأمنية " .
وقال القرطبي : قال العلماء : " تذكر الموت يردع عن المعاصي ، ويلين القلب القاسي ، ويذهب الفرح بالدنيا ويهون المصائب " . 26
وقال الحافظ : " وجد مكتوباً على حجر : لو رأيت يسير ما بقي من عمرك لزهدت في ما ترجو من أملك , ولرغبت في الزيادة من عملك , وأقصرت من حرصك وحيلك , وإنما يلقاك غداً ندمك , لو قد زلت بك قدمك , وأسلمك أهلك وحشمك , وتبرأ منك القريب وانصرف عنك الحبيب " .27
الصالحين وذكر الموت
لقد ضرب سلفنا الصالح المثل الأعظم في الاستعداد للآخرة بالعمل الصالح بكل أنواعه سواء كان من أعمال القلوب أو الألسنة أوالجوارح ، فلم يتركوا باباً من أبواب الخير إلا وكانوا يتسابقون إلى الدخول فيه ، ولم يتركوا باباً من أبواب الشر إلا وكانوا يحذرون منه ومن الدخول فيه .
لذلك تركوا لنا ـ رحمه الله عليهم ـ من أطايب الكلام وأجوده والذي ينصب جله على الزهد والورع و اليوم الآخر الشئ الكثير .
وفي هذا الفصل نستعرض شيئاً من كلامهم وأقوالهم حول موضوع الموت والدار الأخرة : 28
قال الربيع بن خثيم : " ما غائب ينتظره المؤمن خيراً له من الموت , وكان يقول : لا تشعروا بي أحداً وسلوني إلى ربي سلا " .
وقال الحسن البصري : " فضح الموت الدنيا ، فلم يترك لذي لباً فرحا ، وما ألزم عبد قلبه الموت إلا صغرت الدنيا عليه ، وهان عليه جميع ما فيها " .
وكتب بعض الحكماء إلى رجل من إخوانه : " يا أخي أحذر الموت في هذه الدار , قبل أن تصير إلى دار تتمنى فيها الموت فلا تجده " .
وكان ابن سيرين إذا ذكر عنده الموت مات كل عضو منه .
وكان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة , ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة .
وقال إبراهيم التيمى : " شيئان قطعا عني لذة الدنيا : ذكر الموت , والوقوف بين يدي الله عز وجل " .
وقال كعب : " من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وهمومها " .
وقال مطرف : " رأيت فيما يرى النائم كأن قائلا يقول في وسط مسجد البصرة : قطع ذكر الموت قلوب الخائفين , فوالله ما تراهم إلا والهين " .
وقال أشعث : " كنا ندخل على الحسن فإنما هو النار وأمر الآخرة وذكر الموت " .
وقال الحسن : " ما رأيت عاقلاً قط إلا أصبته من الموت حذراً , وعليه حزيناً " .
وقال عمر بن عبد العزيز لبعض العلماء : عظني , فقال : لست أول خليفة تموت , قال زدني : قال : ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وقد جاءت نوبتك , فبكى عمر لذلك .
وكان الربيع بن خثيم قد حفر قبراً في داره , فكان ينام فيه كل يوم مرات يستديم بذلك ذكر الموت , وكان يقول : " لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة واحدة لفسد " .
وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير : " أن هذا الموت قد نغص على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه " .
تحقيق ذكر الموت في القلب
رب قائل يقول : وإذا كان فضل ذكر الموت كما سبق , فكيف يتحقق ذكر الموت في القلب ؟
قلت ـ المصنف ـ : هناك أسباب شتي لتحقيق ذكر الموت في القلب ، وجعل الموت نصب العين والخاطر دائماً ، فلا يفتر لحظة عن ذكره ، ولا يشغله عنه شئ دونه .
ومن هذه الأسباب : زيارة القبور ، فإن زيارة القبور من أكبر الاشياء التى تذكر بالموت دائماً ، ولذلك وصانا النبي  بزيارة القبور فقال : " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة " . 29
وقال القرطبي :
قال العلماء : ليس للقلوب أنفع من زيارة القبور , و خاصة إن كانت قاسية فعلى أصحابها أن يعالجوها بأربعة أمور :
أحدها : الإقلاع عما هي عليه , بحضور مجالس العلم بالوعظ و التذكر و التخويف و الترغيب و أخبار الصالحين , فإن ذلك مما يلين القلوب و ينجع فيها .
الثاني : ذكر الموت , من ذكر هادم اللذات , و مفرق الجماعات , وميتم البنين والبنات .
الثالث : مشاهدة المحتضرين , فإن في النظر إلى الميت و مشاهدة سكراته و نزعاته و تأمل صورته بعد مماته , ما يقطع عن النفوس لذاتها , و يطرد عن القلوب مسراتها , و يمنع الأجفان من النوم , والأبدان من الراحة , ويبعث على العمل , و يزيد في الاجتهاد و التعب .
يروى أن الحسن البصري دخل على مريض يعوده , فوجده في سكرات الموت فنظر إلى كربه و شدة ما نزل به , فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم , فقالوا له : الطعام يرحمك الله , فقال : يا أهلاه عليكم بطعامكم و شرابكم , فو الله لقد رأيت مصرعاً لا أزال أعمل له حتى ألقاه .
فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه و لزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه , و يستصرخ بها على فتن الشيطان و إغوائه , فإن انتفع بها فذاك , و إن عظم عليه ران القلب و استحكمت فيه دواعي الذنب , فزيارة قبور الموتى تبلغ في دفع ذلك مالا يبلغه الأول و الثاني و الثالث , و لذلك قال  : " زوروا القبور فإن في زيارتها تذكرة " , فالأول : سماع بالأذن , و الثاني : إخبار للقلب بما إليه المصير , و قائم له مقام التخويف و التحذير في مشاهدة من احتضر , و زيارة قبر من مات من المسلمين معاينة , فلذلك كانا أبلغ من الأول و الثاني . 30
وقال الغزالي :
" اعلم أن الموت هائل , وخطره عظيم , وغفلة الناس عنه لقلة فكرهم فيه وذكرهم له , ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ , بل بقلب مشغول بشهوة الدنيا فلا ينجع ذكر الموت في قلبه .
فالطريق فيه أن يفرغ العبد قلبه عن كل شيء إلا عن ذكر الموت الذي هو بين يديه كالذي يريد أن يسافر إلى مفازة ـ صحراء ـ مخطرة , أو يركب البحر فإنه لا يتفكر إلا فيه , فإذا باشر ذكر الموت قلبه فيوشك أن يؤثر فيه , وعند ذلك يقل فرحه وسروره بالدنيا وينكسر قلبه .
وأنجع طريق فيه أن يكثر ذكر أصحابه وأقرانه الذين مضوا قبله , فيتذكر موتهم ومصارعهم تحت التراب , ويتذكر صورهم في مناصبهم وأحوالهم ويتأمل كيف محا التراب الآن حسن صورهم .
وكيف تبددت أجزاؤهم في قبورهم , وكيف أرملوا نساءهم , وأيتموا أولادهم , وضيعوا أموالهم , وخلت منهم مساجدهم ومجالسهم , وانقطعت آثارهم , فمهما تذكر رجل رجلاً في قلبه حاله , وكيفية موته , وتوهم صورته وتذكر نشاطه , وتردده وتأمله للعيش والبقاء , ونسيانه للموت وانخداعه بمواتاة الأسباب , وركونه إلى القوة والشباب , وميله إلى الضحك واللهو وغفلته عما بين يديه من الموت الذريع والهلاك السريع .
وأنه كيف كان يتردد , والآن قد تهدمت رجلاه ومفاصله .
وأنه كيف كان ينطق , وقد أكل الدود لسانه .
وكيف كان يضحك , وقد أكل التراب أسنانه .
وكيف كان يدبر لنفسه ما لا يحتاج إليه إلى عشر سنين في وقت لم يكن بينه وبين الموت إلا شهر وهو غافل عما يراد به , حتى جاءه الموت في وقت لم يحتسبه , فانكشف له صورة الملك , وقرع سمعه النداء إما بالجنة أو بالنار فعند ذلك ينظر في نفسه أنه مثلهم , وغفلته كغفلتهم وستكون عاقبته كعاقبتهم .
قال أبو الدرداء  : " إذا ذكرت الموتى فعد نفسك كأحدهم " .
وقال ابن مسعود  : " السعيد من وعظ بغيره " .
وقال عمر بن عبد العزيز : " ألا ترون أنكم تجهزون كل يوم غاديا أو رائحاً إلى الله عز وجل , تضعونه في صدع من الأرض , قد توسد التراب وخلف الأحباب وقطع الأسباب " .
فملازمة هذه الأفكار وأمثالها , مع دخول المقابر , ومشاهدة المرضى هو الذي يجدد ذكر الموت في القلب حتى يغلب عليه , بحيث يصير نصب عينيه فعند ذلك يوشك أن يسند له ويتجافى عن دار الغرور , وإلا فالذكر بظاهر القلب وعذبة اللسان قليل الجدوى في التحذير والتنبيه , ومهما طاب قلبه بشيء من الدنيا ينبغي أن يتذكر في الحال أنه لا بد له من مفارقته .
نظر ابن مطيع ذات يوم إلى داره فأعجبه حسنها ثم بكى , فقال : والله لولا الموت لكنت بك مسرورا , ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا , ثم بكى بكاء شديدا حتى ارتفع صوته .31
يشغلِ الموتُ عنا مذ أعِد لنــــــا وكلنا عنه باللذاتِ مشغـــــــــــولُ
وليس من موضع يأتيه ذو نَفَـسٍ إلا وللموتِ سيفٌ فيه مسلــــــولُ
ومن يمت فهو مقطوع ومجتنب والحي ماعاشَ مَغشي ومَوصولُ
كل ما بدا لك فالآكالُ فانيــــــــة وكل ذي أكلٍ لابُد مأكــــــــــــولُ
( موعظة ) : إلام تغرنا السلامة وكأن قد تلفنا , أين حبيبنا الذي كان وانتقل , أما غمسه التلف في بحره ومقل , أين الكثير المال الطويل الأمل , أما خلا في لحده وحده بالعمل , أين من جر ذيل الخيلاء غافلاً ورفل , أما سافر عنا وإلى الآن ما قفل , أين من تنعم في قصره وفي قبره قد نزل , فكأنه في الدار ما كان وفي اللحد لم يزل , أين الجبابرة الأكاسرة العتاة الأول , ملك أموالهم سواهم والدنيا دول .
سبب الغفلة عن ذكر الموت
هناك أسباب عديدة تجعل الإنسان يغفل عن ذكر الموت لا محالة , فتكون هذه الأسباب حائل بينه وبين ذكر الموت وتوقع مجيئه .
وأهم هذه الأسباب التى تفضي إلى الغفلة عن ذكر الموت هو : " طول الأمل " ، هذا الداء العضال ، والمرض الفتاك الذي يفتك بالإنسان فينسيه ذكر الموت ، ويجعل الإنسان في غفلة عما هو ملاقيه ، ناظراً فقط لما هو أمامه من التمتع بما في يديه من زينة الدنيا ، فيقع الإنسان لا محالة في الذنوب والمعاصي .
فإن صاحب الأمل الطويل في الدنيا يركن غالباً إلى الشهوات والملذات , ولذلك نجد قلبه لا يتحرك لآيات الله وكلام رسول الله  , ومن أجل ذلك حذر النبي  من طول الأمل .
فعن عبد الله بن عمر  قال :
أخذ رسول الله  بمنكبي فقال : " كن في الدنيا كأنك غريب , أو عابر
سبيل " , وكان ابن عمر يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح , وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء , وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " . 32
والمعنى : " كأنك غريب " , أي : بعيد عن موطنه , لا يتخذ الدار التي هو فيها موطناً , ولا يحدث نفسه بالبقاء .
قال العيني :
هذه كلمة جامعة لأنواع النصائح , إذ الغريب لقلة معرفته بالناس قليل الحسد والعداوة والحقد والنفاق والنزاع , وسائر الرذائل منشؤها الاختلاط بالخلائق , ولقلة إقامته قليل الدار والبستان والمزرعة والأهل والعيال وسائر العلائق التي هي منشأ الاشتغال عن الخالق .
" عابر سبيل " أي : مار بطريق وتعلقاته أقل من تعلقات الغريب .
" خذ من صحتك لمرضك " اشتغل حال الصحة بالطاعات بقدر يسد الخلل والنقص الحاصل بسبب المرض الذي قد يقعد عنها .
" من حياتك لموتك " اغتنم أيام حياتك بالأعمال التي تنفعك عند الله تعالى بعد موتك . 33
وعن ابن عباس  قال : قال رسول الله  لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " . 34
قال العلامة المناوي :
" اغتنم خمسا قبل خمس " أي : أفعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء " حياتك قبل موتك " يعني : اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك , فإن من مات انقطع عمله وفاته أمله وحق ندمه وتوالى همه فاقترض منك لك , " وصحتك قبل سقمك " أي : اغتنم العمل حال الصحة , فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد , " وفراغك قبل شغلك " أي : اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر , فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان , " وشبابك قبل هرمك " أي : اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك , فتندم على ما فرطت في جنب الله , " وغناك قبل فقرك " أي : اغتنم التصدق بفضول مالك , قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيراً في الدنيا والآخرة , فهذه الخمسة لا يعرف قدرها إلا بعد زوالها ولهذا جاء في الخبر الصحيح : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " . 35
وقال الإمام القرطبي :
" وطول الأمل داء عضال ، ومرض مزمن ، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه ، ولم يفارقه داء ، ولا نجح فيه دواء ، بل أعيا الأطباء ، ويئس من برئه الحكماء والعلماء " .
وحقيقة الأمل : الحرص على الدنيا والانكباب عليها ، والحب لها والإعراض
عن الآخرة ، ولذا قال رسول الله  : " صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل " .36
وقيل لإبراهيم بن عيسى اليشكري : كيف أصبحت ؟
فقال : أصبحت في أجل منقوص ، وعمل محفوظ , والموت رقابنا ، والقيامة من ورائنا ، ولا ندري ما يفعل الله بنا . 37
قلت ـ المصنف ـ : إذا كانت هذه حقيقة طول الأمل ، وهذا خوف السلف الصالح منه ، وهذا تحذير النبي  من الوقوع فيه , فالسؤال الآن : ما هو علاج هذا المرض , وكيف يستأصل شأفته من القلب ؟
قال الإمام الغزالي موضحاً أسباب طول الأمل وعلاجه ما ملخصه :
اعلم أن طول الأمل له سببان: أحدهما الجهل , والآخر حب الدنيا .
أما حب الدنيا : فهو أنه إذا أنس بها وبشهواتها ولذاتها وعلائقها ثقل على قلبه مفارقتها , فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها , وكل من كره شيئاً دفعه عن نفسه , والإنسان مشغوف بالأماني الباطلة , فيمنى نفسه أبداً بما يوافق مراده , وإنما يوافق مراده البقاء في الدنيا , فلا يزال يتوهمه ويقدره في نفسه ويقدر توابع البقاء , وما يحتاج إليه من مال وأهل ودار وأصدقاء ودواب وسائر أسباب الدنيا , فيصير قلبه عاكفاً على هذا الفكر موقوفاً عليه , فيلهو عن ذكر الموت , فلا يقدر قربه , فإن خطر له في بعض الأحوال أمر الموت والحاجة إلى الإستعداد له سوف , ووعد نفسه وقال : الأيام بين يديك إلى أن تكبر ثم تتوب , وإذا كبر فيقول : إلى أن تصير شيخاً فإذا صار شيخاً قال : إلى أن تفرغ من بناء هذه الدار , وعمارة هذه الضيعة , أو ترجع من هذا السفر , أو تفرغ من تدبير هذا الولد وجهازه , وتدبير مسكن له , أو تفرغ من قهر هذا العدو الذي يشمت بك .
فلا يزال يُسوف ويؤخر ولا يخوض في شغل إلا ويتعلق بإتمام ذلك الشغل عشرة أشغال أخر , وهكذا على التدريج .
يؤخر يوماً بعد يوم , ويفضى به شغل إلى شغل , بل إلى أشغال , إلى أن تختطفه المنية في وقت لا يحتسبه , فتطول عند ذلك حسرته , وأكثر أهل النار وصياحهم من " سوف " , يقولون وااحزناه من " سوف " .
والمُسوف المسكين لا يدرى أن الذي يدعوه إلى التسويف اليوم هو معه غداً وإنما يزداد بطول المدة قوة ورسوخاً , ويظن أنه يتصور أن يكون للخائض في الدنيا والحافظ لها فراغ قط , وهيهات , فما يفرغ منها إلا من تركها , فما قضى أحد منها لبانته , وما انتهى أرب إلا إلى أرب .
وأصل هذه الأماني كلها حب الدنيا , والأنس بها والغفلة عن معنى قوله  " أحبب من أحببت فإنك مفارقه " .
وأما الجهل : فهو أن الإنسان قد يعول على شبابه , فيستبعد قرب الموت مع الشباب , وليس يتفكر المسكين أن مشايخ بلده لو عدوا لكانوا أقل من عشر رجال البلد , وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر , فإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي وشاب .
وقد يستبعد الموت لصحته , ويستبعد الموت فجأة ولا يدري أن ذلك غير بعيد , وإن كان ذلك بعيداً فالمرض فجأة غير بعيد , وكل مرض فإنما يقع فجأة وإذا مرض لم يكن الموت بعيد , ولو تفكر هذا الغافل وعلم أن الموت ليس له وقت مخصوص من شباب وشيب وكهولة ومن صيف وشتاء وخريف وربيع من ليل ونهار , لعظم استشعاره , واشتغل بالاستعداد له , ولكن الجهل بهذه الأمور , وحب الدنيا دعواه إلى طول الأمل وإلى الغفلة عن تقدير الموت القريب , فهو أبداً يظن أن الموت يكون بين يديه ولا يقدر نزوله به ووقوعه فيه , وهو أبداً يظن أنه يشيع الجنائز ولا يفكر أن تشيع جنازته , لأن هذا قد تكرر عليه وألفه , وهو مشاهدة موت غيره , فأما موت نفسه فلم يألفه ولم يتصور أن يألفه , فإنه لم يقع , وإذا وقع في دفعه أخرى بعد هذه فهو الأول وهو الآخر .
والنجاة من ذلك : أن يقيس نفسه بغيره , ويعلم أنه لا بد وأن تحمل جنازته ويدفن في قبره , ولعل اللبن الذي يغطي به لحده قد ضرب وفرغ منه وهو لا يدري , فتسويفه جهل محض , وإذا عرفت أن سببه الجهل وحب الدنيا فعلاجه دفع سببه .
أما الجهل : فيدفع بالفكر الصافي من القلب الحاضر , وبسماع الحكمة البالغة من القلوب الطاهرة .
وأما حب الدنيا : فالعلاج في إخراجه من القلب شديد , وهو الداء العضال الذي أعيا الأولين والآخرين علاجه , ولا علاج له إلا الإيمان باليوم الآخر وبما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثواب , ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا , فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير فإذا رأى حقارة الدنيا ونفاسة الآخرة , استنكف أن يلتفت إلى الدنيا كلها , وإن أعطى ملك الأرض من المشرق إلى المغرب , وكيف وليس عنده من الدنيا إلا قدر يسير مكدر منغص , فكيف يفرح بها أو يترسخ في القلب حبها مع الإيمان بالآخرة , فنسأل الله تعالى أن يرينا الدنيا كما أراها الصالحين من عباده .
ولا علاج في تقدير الموت في القلب مثل النظر إلى من مات من الأقران والأصدقاء , وأنهم كيف جاءهم الموت في وقت لم يحتسبوا .
أما من كان مستعداً فقد فاز فوزاً عظيماً , وأما من كان مغروراً بطول الأمل فقد خسر خسراناً مبيناً .
فلينظر الإنسان كل ساعة في أطرافه وأعضائه , وليتدبر أنها كيف تأكلها الديدان لا محالة , وكيف تتفتت عظامها , وليتفكر أن الدود يبدأ بحدقته اليمنى أولاً , أو اليسرى فما على بدنه شيء إلا وهو طعمة الدود , وما له من نفسه إلا العلم والعمل الخالص لوجه الله تعالى , وكذلك يتفكر العبد في عذاب القبر وسؤال الملكين , ومن الحشر والنشر وأهوال القيامة . . ، فأمثال هذه الأفكار هي التي تجدد ذكر الموت على قلبه وتدعوه إلى الاستعداد له " . 38

دواهي الموت
اعلم وفقنا الله وإياك أن الموت أعاننا الله وإياك وجميع المسلمين على شدائده وسكراته وغمومه هو الخطب الأفظع ، والأمر الأشنع ، والكأس التي طعمها أكره وأبشع .
وإنه الحادث الهائل العظيم ، الهادم للذات ، والأقطع للراحات ، والأجلب للكريهات ، وإن أمرًا يقطع أوصالك ، ويفرق أعضاءك ، ويفتت أعضادك ، ويهدد أركانك ، لهو الأمر العظيم ، والخطب الجسيم ، وإن يومه لهو اليوم العقيم .
وما ظنك رحمك الله بنازل ينزل بك فيذهب رونقك وبهاءك ، ويغير منظرك وحسنك ويمحو صورة جمالك ، ويمنعك من اجتماعك واتصالك .
ويردك بعد النعمة والنظرة والسطوة والقدرة والنخوة والعزة إلى حالة يبادر أحب الناس لك وأرحمهم بك وأعطفهم عليك فيقذفك في حفرة من الأرض قريبة أنحاؤها , مظلمة أرجاؤها , محكم عليك طينها وأحجارها , متحكم فيك هوامها وديدانها .
ثم بعد ذلك يتمكن منك الإعدام ، وتختلط بالرغام ، وتصير تراباً توطؤ بالأقدام ، وربما ضرب منك إناء فخار , أو أحكم منك بناء جدار , أو طلي منك محبس ماء أو موقد نار .
ثم اعمل وفقنا الله وإياك للاستعداد لما أمامنا من الأهوال والشدائد والكروب والأمور المزعجات .
أخي ما بال قلبك ينقـــــــــــــــــــــــى كأنك لا تظن الموت حقـــــــــــا
أيا ابن الذين فنوا وبــــــــــــــــــــــادوا أما والله ما بادوا وتبقـــــــــــــى
وما أحد بزادك منك أحصــــــــــــــــى وما أحد بزادك منك أشقـــــــــى
وما للنفس عندك مستقـــــــــــــــــــــــر إذا ما استكملت أجلاً ورزقـــــــا
اعلم أخي القارئ : أن للموت دواهي ثلاث ، كل داهية منها أعظم وأكبر من الداهية الآخري ، وهذا هو موضوع هذا الفصل , حيث يكون الحديث عن هذه الدواهي الثلاث ، فنقول وبالله التوفيق :

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الموت وأحواله Empty
مُساهمةموضوع: الموت وأحواله   الموت وأحواله I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 05, 2013 5:17 pm


الداهية الأولى
حسن وسوء الخاتمة
الداهية الأولى من دواهي الموت ، وهي أدهاها . . .
وأعظمها , وأكبرها خطراً , وأشدها هولاً . . .
هي نهاية الحياة الدنيا , وبداية الحياة الآخرة . . .
هي ملخص حياة الإنسان على الأرض . . .
هي نِتاج ما حصله الإنسان من مزرعة الدنيا . . .
هي خلاصة العمل ، وبها يقبل العمل ، وبها يرد . . .
إنها : " الخاتمة " نسأل الله أن يرزقنا حسن الخاتمة .
قال الإمام عبد الحق :
" اعلم رحمك الله : أن هذا أمر إذا ذكر حقيقة ذكره , انفطرت له القلوب وتشققت وانصدعت له الأكباد وتقطعت , ولولا أن الآجال محدودة , والأنفاس معدودة فلا يتجاوز ذلك المحدود , ولا يزاد على ذلك المعدود , لزهقت الأنفس عند أول ذكره زهوقاً لا تجد لسرعته طعم وفاة , بل تكاد تنعدم معه انعداماً لا تعود معه إلى وجود ولا حياة , ولكنها مربوبة مدبرة مقهورة مصرفة , تخرج إذا أذن لها في الخروج , وتلج إذا أذن لها في الولوج , وقد كتب عليها الوجود والبقاء , فلا انعدام ولا مطمع لها في ذلك ولا مرام .
وما يمنع القلوب رحمك الله من الانشقاق والانصداع والانفطار والانقطاع والذي يلقى المختوم له بهذه الخاتمة عذاب لا تقوم السموات والأرض لشدته ولا آخر لمدته , وما منا أحد إلا ويخاف أن يكون هو , وما الذي أمنه منه وما الذي حاد به عنه والخاتمة مغيبة , والعاقبة مستورة , والأقدار غالبة , والنفس كما تدري , والشيطان منها بحيث تدري , وهي مصغية إليه ملتفتة نحوه مقبلة عليه .
كذا جرت الأقلام , وانبرمت الأحكام , فقسم الخلق إلى قسمين , وفرقهم إلى فريقين شقي وسعيد , غوي ورشيد , قريب وبعيد , ذميم وحميد , ارتفاع واتضاع , واتصال وانقطاع , إجابة وامتناع , وأنت يا هذا ما تدري بما جرى سهمك , ولا كيف ثبت في هذه الأسماء اسمك .
قد حكم الله بما شاء مـــــــــن وضع لمن شاء وإعـــــــــــلاء
وقدر الأمر على ما يــــــرى من منع أقوام وإعطــــــــــــاء
وأبرمت أحكامه في الـــورى من قبل بإسعاد وإشقـــــــــــاء
وأنت لا تدري بماذا جــــرت طيرك في محكم الأجــــــــواء
هل بشفاء أو بسعد وهــــــــل مرت برشد أو بإغـــــــــــواء
فاقدح زناد الخوف بين الحشا واقنع من النوم بإغفــــــــــــاء
وابك على نفسك حتى تـــرى ما اسمك في مثبت الأسمـــــاء
فانظر رحمك الله كيف تقر عين عاقل في هذه الدار , وكيف يستقر به فيها قرار , مع هذه الحال , وتوقع هذا المآل , واشتغال هذا الخاطر , وتقسم هذا البال .
كلا لا حلول له ولا قرار , ولا ريع ولا دار , ولا قلب إلا مستطار , ولا نوم ينامه إلا غرار , حتى يدري أين مسقط رأسه ومحط رجله , وما المورد والمنهل , وفي أي المحال يحل , وفي أي المنازل بعد الموت ينزل .
وكيف بالنوم علـــــــــــى زأرة من أسد تكشر أنيابــــــــــــــــــه
وأنت في ذا غير مستعتــــــــب في منزل قد كسرت أبوابـــــــــه
وثلمت بالروع حيطانــــــــــــه وفرقت بالخوف حجابــــــــــــــه
لكن حجاب الغفلة الذي غطى القلوب كثيف , فلا يرى ما وراءه والوقر الذي في الآذان عظيم فلا يسمع من ناصح دعاءه ، نعوذ بالله من الخذلان .39
( موعظة ) : فيا قائماً في مقام الجهالة قد رسخ , يا متكبراً على إخوانه قد علا وشمخ , يا خارجاً عن الحد شغلاً باللهو والطبخ , يا من في بصره كمه وفي سمعه صمخ , يا طامعاً في السلامة مع ترك الإستقامة ألقيت البذر في السبخ , متى ينقى قلبك من هذا الدرن والوسخ , متى تتصور نفخة إسرافيل في الصور إذا نفخ .
تذكر يا من جنى ركوب الجنازة , وتصور يا من ما وفى طول المفازة , ودع الدنيا مودعاً للحلاوة والمزازة , وارقم من قلبك ذكر الموت على جزازه وخلص نفسك من غل الغل وحز الحزازة , وذكرها يوم تمسي في التراب منحازه .
معنى حسن أو سوء الخاتمة
الحسن لغة : هو كون الشئ على وجه تقبله النفس ، ويميل إليه الطبع من حيث الاستمتاع .
واصطلاحاً : القبول للشئ والرضا به ، والحسن : المقبول ، المرضي ، والحسنة : ما يتعلق بها المدح في الآجل والثواب في العاجل . 40
والخاتمة لغة : ختم : أصل واحد ، وهو بلوغ آخر الشئ ، والختم : الطبع على الشئ وهو من الباب ، لأن الطبع على الشئ لا يكون إلا بعد بلوغ آخره ، وقوله تعالى : { ختمه مسك } المطففين : 26 ، أي آخر ما يجدونه منه عند شربهم إياه رائحة المسك . 41
والمراد بحسن الخاتمة : أن يوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الله جل وعلا ، والتوبة من الذنوب والمعاصي ، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير ، ثم يكون موته بعد ذلك وهو على هذه الحالة .
وما يدل على هذا التعريف الأحاديث التى وردت عن النبي  وهي :
عن عمر بن الحمق الخزاعي قال : قال رسول الله  : " إذا أراد الله بعبد خيراً عسله " , قيل : وما عسله ؟ قال : " يفتح له عمل صالح بين يدي موته
حتى يرضى عنه جيرانه أو من حوله " .42
وعن أنس  قال : قال رسول الله  : " إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله " فقيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : " يوفقه لعمل صالح قبل الموت ، ثم يقبضه عليه " .43
وعن أنس  أن رسول الله  قال : " لا عليكم أن لا تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له , فإن العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح , لو مات عليه دخل الجنة , ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً , وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيء , لو مات عليه دخل النار , ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً , وإذا أراد الله بعبد خير استعمله قبل موته " , قالوا : يا رسول الله وكيف يستعمله ؟ قال : " يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه " . 44
وقال النبي  : " إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار , ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة , وإنما الأعمال بخواتيمها " . 45
فالخاتمة هي ملخص حياة العبد في هذا الدنيا ، ونتاج ما زرعه من الإعمال الصالحة أو الأعمال الطالحة فيها , وحينما تأتي الخاتمة يحصد الإنسان ما قد زرعه في عمره . .
ذلك لأن الإنسان يموت على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه .
قال ابن بطال :
" وفى تغييب الله عن عباده خواتيم أعمالهم حكمة بالغة وتدبير لطيف ، وذلك أنه لو علم أحد خاتمته عمله لدخل الإعجاب والكسل من علم أنه يختم له بالإيمان ، ومن علم أنه يختم له بالكفر يزداد غياً وطغياناً وكفراً , فاستأثر الله تعالى بعلم ذلك ليكون العباد بين خوف ورجاء ، فلا يعجب المطيع لله بعمله ولا ييأس العاصى من رحمته ، وليقع الكل تحت الذل والخضوع لله , والافتقار إليه .
وقال حفص بن حميد : قلت لابن المبارك : رأيت رجلاً قتل رجلاً ، فوقع فى نفسى أنى أفضل منه , فقال عبد الله : أمنك على نفسك أشد من ذنبه " .46
قد جرت الأقلام في ذا الــــورى بالختم من أمر العليم الحكيــــــــــــم
وخطت الشيء على حكمــــــــه في علمه السابق منه القديــــــــــــــم
فمن سعيد وشقي ومـــــــــــــــن مثر من المال وعار عديـــــــــــــــم
ومن عزيز رأسه في السهــــــى ومن ذليل وجهه في التخـــــــــــــوم
ومن صحيح شدت أركانــــــــــه وآخر واهي المباني سقيــــــــــــــــم
كل على منهاجه سالــــــــــــــك ذلك تقدير العزيز العليــــــــــــــــم
( موعظة ) : فيا شقي ما هذه الخصال المذمومة , أيؤثر الفهوم لذة مسمومة , إن هذه لعقول مرجومة , متى تيقظ هذه النفوس الملومة , إنها لظالمة وكأنها مظلومة , تعاهدوا والعهود كل يوم مهدومة , لتتمنين أن تكون في غد معدومة , لتعلمن أن اختياراتها كانت مشئومة , من لها إذا بدت لها خصال مكتومة , كيف تصنع إذا نشرت الصحف مختومة , ما هذا الحرص الشديد والأرزاق مقسومة , تصبح حزينة وتمسي مهمومة , أتقدر على رد ما يقدر والأمور مختومة , أسفا لها الموت يطلبها وهي مؤومة , ما حاربت جند هوى إلا وعادت مهزومة , فيا لها من موعظة بين المواعظ كالأيام المعلومة , أحسن من اللآلىء المنثورة والعقود المنظومة .
( مسألة ) : رب قائل يقول : في هذه المسألة شئ غير مفهوم ، كيف يعمل العبد بعمل أهل الجنة طوال حياته ثم يختم له بعمل أهل النار ؟!
والجواب : قلت ـ المصنف ـ : ليس الأمر كذلك كما يتوهم البعض , ولكن المسلم إذا كان ملازماً لطاعة الله , مستقيماً على طاعته , فإنه حري أن يختم له بالخير ، وأن يموت على ما عاش عليه من الطاعة والعقيدة والتوحيد , والذي يضيع نفسه في المعاصي , وأوقاته في المخالفات فإنه يُخشى عليه من سوء الخاتمة ، وأن يموت على خاتمة سيئة .
فعلى المسلم أن يحفظ عمره في طاعة الله سبحانه وتعالى ، وأن لا يدركه الموت وهو على حالة سيئة , فالعمل الصالح والطاعة من الأسباب التي يرجى لصاحبهما أن يختم له بالخير .
وأما المعصية والمخالفات وإضاعة الواجبات فهي من الأسباب التي يخاف أن يختم لصاحبها بشر .
فحسن الخاتمة وسوء الخاتمة لا شك أنهما متعلقان بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى , وقد جاء في الحديث الصحيح : " إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها , وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " , هذا من ناحية القضاء والقدر .
لكن من ناحية عمل الإنسان واهتمام الإنسان ، فإن عليه أن يحرص على طاعة الله ، ويجتنب معصيته ويتمسك بذلك ، وهذا من الأسباب التي يوفقه الله بها لحسن الخاتمة ، والموت على الإسلام .
والله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا ، وهو يحب التوابين ، ويحب المتطهرين والمحسنين ، ورحمته قريب منهم ، وما على الإنسان إلا أن يبذل الأسباب التي تجلب له حسن الخاتمة ، ويترك الأسباب التي تجلب له الشر ، وكل ميسر لما خلق له .
فعن علي  قال : كان النبي  في جنازة , فأخذ شيئاً فجعل ينكت به الأرض فقال : " ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار , ومقعده من الجنة " .
قالوا : يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : " اعملوا , فكل ميسر لما خلق له , أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة , وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة " , ثم قرأ { فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى } الآية " . 47
كذلك اقتضى الله جل وعلا بحكمته أنه من عاش على شئ مات عليه ، ومن مات على شئ بعثه الله تعالى عليه . .
قال النبي  : " من مات على شيء بعثه الله عليه " .48
قال المناوي :
" أي يموت على ما عاش عليه , ويراعى في ذلك حال قلبه لا حال شخصه لأن نظر الله إلى القلوب , دون ظواهر الحركات , فمن صفات القلوب تصاغ الصور في الدار الآخرة , ولا ينجو فيها إلا من أتى الله بقلب سليم , كذا قرره حجة الإسلام " .49
وقال ابن رجب الحنبلي :
" وقوله في الحديث : " فيما يبدو للناس " إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلافِ ذلك , وإن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك ، فتلك الخصلة الخفية توجب سُوء الخاتمة عند الموت ، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير ، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره ، فتوجب له
حسن الخاتمة " . 50
ولقد فصل ابن القيم ـ رحمه الله ـ هذه المسألة فقال :
" أعلم أن سوء الخاتمة أعاذنا الله تعالى منها لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه , فما سُمع بهذا ولا علم به ولله الحمد , وإنما تكون لمن له فساد فى العقيدة , أو اصرار على الكبيرة وإقدام على العظائم , فربما غلب ذلك عليه حتي نزل به الموت قبل التوبة , فيأخذه قبل إصلاح الطوية , ويصطلم قبل الإنابة , فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة ويختطفه عند تلك الدهشة , والعياذ بالله " .51
وقال صديق حسن القنوجي :
" إن حسن وسوء الخاتمة له أسباب يجب على المؤمن أن يحترز عنها , منها : الفساد فى الإعتقاد وإن كان مع كمال الزهد والصلاح , فإن كان له فساد فى اعتقاده مع كونه قاطعاً به متيقناً له , غير ظان أنه أخطأ فيه قد ينكشف له فى حال سكرات الموت بطلان ما اعتقده , وأن هذا الإعتقاد باطل لا أصل له فيكون انكشاف بطلان بعض اعتقاداته سببا لزوال بقية اعتقاداته , فإن خروج روحه فى هذه الحالة قبل أن يتدارك ويعود إلى أصل الايمان يختم له بالسوء ويخرج من الدنيا بغير إيمان , فيكون من الذين قال الله تعالى فيهم : { وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون } , وقال فى آية أخرى : { قلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }الكهف : 103 ـ 104
فإن كل من اعتقد شيئاًً على خلاف ما هو عليه , إما نظراً برأيه وعقله , أو أخذاً ممن هذا حاله فهو واقع فى هذا الخطر ولا يدفعه الزهد والصلاح , وإنما يدفعه الاعتقاد الصحيح المطابق لكتاب الله وسنة رسوله  .
ومنها : الإصرار على المعاصى , فإن من له إصرار عليها يحصل فى قلبه إلفها , وجميع ما ألفه الإنسان فى عمره يعود ذكره عند موته , فإن كان ميله إلى الطاعات أكثر يكون أكثر ما يحضره عند الموت ذكر الطاعات , وإن كان ميله إلى المعاصى أكثر يكون أكثر ما يحضره عند الموت ذكر المعاصى فربما يغلب عليه حين نزول الموت به قبل التوبة شهوة ومعصية من المعاصى فيتقيد قلبه بها , وتصير حجاباً بينه وبين ربه , وسببا لشقاوته فى آخر حياته .
ومن ارتكب ذنباً وتاب عنه فهو بعيد عن هذا الخطر , وأما الذى ارتكب ذنوباً كثيرة حتى كانت أكثر من طاعاته ولم يتب عنها بل كان مصراً عليها فهذا الخطر فى حقه عظيم جداً , إذ قد يكون غلبة الإلف بها سبباً لأن يتمثل فى قلبه صورتها , ويقع منه ميل إليها , وتقبض روحه عليها فيكون سببا لسوء خاتمته .
ويعرف ذلك بمثال وهو : أن الانسان لا شك أنه يرى فى منامه من الأحوال التى ألفها طول عمره , حتى أن الذى قضى عمره فى العلم يرى من الأحوال المتعلقة بالعلم والعلماء , والذى قضى عمره فى الخياطة يرى من الأحوال المتعلقة بالخياطة والخياط , إذ لا يحضر فى حال النوم إلا ما حصل له مناسبة مع قلبه لطول الألف , والموت وإن كان فوق النوم لكن سكراته وما يتقدمه من الغشى قريب من النوم , فطول الإلف بالمعاصى يقتضى تذكرها عند الموت وعودها فى القلب وتمثلها فيه , وميل النفس إليها , وإن قبض روحه فى تلك الحالة يختم له بالسوء .
ومنها : العدول عن الاستقامة , فإن من كان مستقيماً فى ابتدائه , ثم تغير عن حاله وخرج مما كان عليه فى ابتدائه يكون سبباً لسوء خاتمته , كإبليس الذى كان فى ابتدائه رئيس الملائكة , ومعلمهم , وأشدهم اجتهاداً فى العبادة , ثم لما أمر بالسجود لآدم أبى واستكبر وكان من الكافرين .
ومنها : ضعف الإيمان , فإن كان فى إيمانه ضعف يضعف حب الله تعالى فيه , ويقوى حب الدنيا في قلبه ويستولى عليه بحيث لا يبقى فيه موضع لحب الله تعالى , إلا من حيث حديث النفس بحيث لا يظهر له أثره فى مخالفة النفس ولا يؤثر فى الكف عن المعاصى , ولا فى الحث على الطاعات , فينهمك فى الشهوات وارتكاب السيئات , فتتراكم ظلمات الذنوب على القلب فلا تزال تطفئ ما فيه من نور الإيمان مع ضعفه , فاذا جاءت سكرات الموت يزداد حب الله ضعفاً فى قلبه لما يرى أنه يفارق الدنيا وهى محبوبة له , وحبها غالب عليه لا يريد تركها , ويتألم من فراقها , ويرى ذلك من الله تعالى فيخشى أن يحصله فى باطنه بغضه تعالى بدل الحب , وينقلب ذلك الحب الضعيف بغضاً فإن خروج روحه فى اللحظة التى خطرت فيها هذه الخطرة يختم له بالسوء ويهلك هلاكا كبيراً .
والسبب المفضى إلى هذه الخاتمة حب الدنيا والركون إليها , والفرح بها مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله تعالى , وهو الداء العضال الذى قد عم أكثر الخلق , فإن من يغلب على قلبه عند الموت أمر من أمور الدنيا يتمثل ذلك الأمر فى قلبه ويستغرقه حتى لا يبقى لغيره متسع , فإن خرجت روحه فى تلك الحالة يكون رأس قلبه منكوساً إلى الدنيا , ووجهه مصروفاً إليها , ويحصل بينه وبين ربه حجاب " .52
والذي أبكى الجفون دمــــــــــــاً فغدت من ذاك في غــــــــــــــدر
سابق لم يدر كيف جـــــــــــــرى في القضاء الحتم والقـــــــــــــدر
وأمور في الورى خفيــــــــــــت عن ذوي الألباب والنظــــــــــــر
فدع الأنفاس صاعــــــــــــــــــدة ودموع العين تنحـــــــــــــــــــدر
وابك لا جفت دموعك مـــــــــــا ضاع من أيامك الغـــــــــــــــرر
خوف السلف من الخاتمة
مما سبق علم أن الخواتيم ميراث السوابق ، وأنه لا أحد يعلم بماذا سيختم له وأن الله تعالى قد جعل الخاتمة من المغيبات التى لم يطلع أحد عليها .
إذ الطامة الكبرى هي ارتباط أمر العبد بمشيئة مغيبة عنه ، لا يدري ماذا قدر له فيها .
وكيف يأمن العبد تغير حاله ، وحال قلبه , وما سمي القلب قلباً إلا لتقلبه وتغيره ، فهو أشد تقلباً من القدر في غليانها .
ولذلك كان أكثر دعاء النبي  : " لا ومقلب القلوب "53 , وقال  : " إن قلوب بنى آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن , كقلب واحد يصرفه حيث يشاء " , ثم قال رسول الله  : " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك " . 54
من أجل ذلك اشتد خوف السلف جداً من الخاتمة . . .
قال بعض الصالحين : لو حالت بيني وبين من عرفته بالتوحيد خمسين سنة أسطوانة فمات , لم أقطع له بالتوحيد لأني لا أدري ما ظهر له من التقلب " .
وقال بعضهم : " لو كانت الشهادة على باب الدار , والموت على الإسلام عند باب الحجرة , لاخترت الموت على الإسلام , لأني لا أدري ما يعرض لقلبي بين باب الحجرة وباب الدار " .
وكان أبو الدرداء  يحلف بالله ما أحد آمن على إيمانه أن يسلبه عن الموت إلا سلبه .
وكان سهل يقول : خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة , وعند كل حركة , وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال : { وقلوبهم وجلة } .
ولما احتضر سفيان جعل يبكي ويجزع , فقيل له : يا أبا عبد الله عليك بالرجاء فإن عفو الله أعظم من ذنوبك , فقال : أو على ذنوبي أبكي ؟! لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا .
وحكى عن بعض الخائفين : أنه أوصى بعض إخوانه فقال : إذا حضرتني الوفاة فاقعد عند رأسي , فإن رأيتني مت على التوحيد فخذ جميع ما أملكه فاشتر به لوزاً وسكراً وانثره على صبيان أهل البلد , وقل : هذا عرس المنفلت وإن مت على غير التوحيد فأعلم الناس بذلك حتى لا يغتروا بشهود جنازتي ليحضر جنازتي من أحب على بصيرة لئلا يلحقني الرياء بعد الوفاة .
فقال : وبم أعلم ذلك ؟ , فذكر له علامة , فرأى علامة التوحيد عند موته فاشترى السكر واللوز وفرقه . 55
وقال بعض السلف : " ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق " .
وقال سفيان لبعض الصالحين : هل أبكاك قط علم الله فيك ؟ فقال له ذلك الرجل : تركتني لا أفرحُ أبداً .
وكان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتم ، فكان يبكي ويقول : أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا .
ويبكي ويقول : أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت . 56
وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضاً على لحيته ، ويقول : " يا رب ، قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار ، ففي أي الدارين منزل مالك ؟ " . 57
وقال حاتم الأصم : " من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر ، فلا
يأمن الشقاء , الأول : خطر يوم الميثاق حين قال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي ، فلا يعلم في أي الفريقين كان .
والثاني : حين خلق في ظلمات ثلاث ، فنودي الملك بالسعادة والشقاوة ، ولا يدري : أمن الأشقياء هو أم من السعداء ؟ .
والثالث : ذكر هول المطلع ، فلا يدري أيبشر برضا الله أو بسخطه ؟ .
والرابع : يوم يَصدُر الناس أشتاتاً ولا يدري أي الطريقين يُسلك به " . 58
فإن كان هذا خوف الصالحين من الخاتمة مع رسوخ أقدامهم , وقوة إيمانهم من سوء الخاتمة , فكيف لا يخافه الضعفاء أمثالنا .
لدواعي الخير والشـــــــــــــــــــــــــر دنو ونـــــــــــــــــــــــــــــــزوح
كيف إصلاح قلـــــــــــــــــــــــــــوب إنما هن قـــــــــــــــــــــــــــروح
أحسن الله بنــــــــــــــــــــــــــــــــــــا إن الخطايا لا تفــــــــــــــــــــوح
فإذا المستور منـــــــــــــــــــــــــــــــا بين أيديه فضـــــــــــــــــــــــوح
كم رأينا من عزيـــــــــــــــــــــــــــــز طويت عنه الكشـــــــــــــــــــوح
صاح منه برحيــــــــــــــــــــــــــــــل صالح الدهر الصــــــــــــــــدوح
موت بعض الناس فـــــــــــي الأرض على بعض فتـــــــــــــــــــــــــوح
سيصير المرء يومــــــــــــــــــــــــــاً جسداً ما فيـــــــــــــــــــــــه روح
بين عيني كل حـــــــــــــــــــــــــــــي علم الموت يلــــــــــــــــــــــــوح
كلنا في غفلة والـــــــــــــــــــــــــــــــ ـموت يغدو ويـــــــــــــــــــروح
لبني الدنيا من الدنـــــــــــــــــــــــــــــ ـيا غبوق وصبــــــــــــــــــــوح
رحن في الوشي وأصبحــــــــــــــــــــ ـن عليهن المســــــــــــــــــــوح
كل نطاح من الدهـــــــــــــــــــــــــــــ ـر له يوماً نطـــــــــــــــــــــوح
نح على نفسك يا مســـــــــــــــــــــــــ ـكين إن كنت تنــــــــــــــــــــوح
لتنوحن ولو عمــــــــــــــــــــــــــــــــ ـرت ما عمر نـــــــــــــــــــــوح
( موعظة ) : كأنك بما يزعج ويروع , وقد قلع الأصول وقطع الفروع , يا نائما إلى كم هذا الهجوع , إلى متى بالهوى هذا الولوع , أينفعك وقت الموت الدموع , كم لك إلى التقى عند النزع نزوع , هيهات لا ينفع الذل إذاً والخضوع , يقول فرقوا المال فالعجب لجود المنوع , هذا وملك الموت يسلها من بين الضلوع , رشقك سهم المنون فما أغنت الدروع , وأتى حاصد الزرع وأين الزروع , وخلت منك المساكن وفرغت الربوع , وناب غراب البين عن الورقاء السجوع , وتمنيت أن لو زدت من سجود وركوع , فاحذر مكر العدو ولا تقبل قول الخدوع .
أسباب حسن الخاتمة
وبعد أن استعرضنا أخي الحبيب خطورة الخاتمة وهولها , وخوف سلفنا الصالح منها , نستعرض الأسباب التى بها يحصل حسن الخاتمة .
ولا شك أن هناك أسباب إذا فعلها الإنسان حسنت خاتمته ، وبعد عنه خاتمة السوء بإذن الله , وأهم هذه الأسباب التى تفضي إلى حسن الخاتمة :
 إقامة التوحيد لله عز وجل .
لا شك أن أمر التوحيد والعقيدة الصحيحة من أهم الأمور التى تفضي إلى حسن الخاتمة ، بل هو الأساس الذي يقوم عليه الدين كله . .
لذلك يعتبر علم العقيدة الإسلامية الصحيحة من أشرف العلوم وأعظمها وأعلاها ، لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، ومنزلة العلم تقدر بحاجة الناس إليه ، وبما يحصل لصاحبه من الانتفاع به في الدنيا والآخرة .
وحاجة العباد إلى علم العقيدة فوق كل حاجة ، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة , لأنه لا حياة للقلوب , ولا نعيم , ولا طمأنينة , إلا بأن تعرف ربها ومعبودها بأسمائه وصفاته وأفعاله ، وما يجب له وما ينزه عنه ، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه ، ويكون سعيها فيما يقربها إليه .
وكلما كانت معرفة العبد بربه صحيحة تامة كان أكثر تعظيماً واتباعاً لشرع الله وأحكامه ، وأكثر تقديراً للدار الآخرة .
وإذا انطبعت في نفس العبد هذه المعاني الشريفة من العلم بالله وتوحيده ومحبته , وخشيته , وتعظيم أمره ونهيه ، والتصديق بوعده ووعيده ، سعد في الدنيا والآخرة ، وسعد مجتمعه به ، ذلك أن صلاح سلوك الفرد تابع لصلاح عقيدته وسلامة أفكاره ، وفساد سلوك الفرد تابع لفساد عقيدته وانحرافها .
ولهذا يجب على كل مسلم أن يعتني بالعقيدة تعلماً وتعليماً وفهماً وتدبراً واعتقاداً ، ليبني دينه على أساس صحيح سليم ، يحصل به سعادة دنياه وآخرته.
ولعل الحديث الذي مر بنا سابقاً , والذي يوضح فيه النبي  أن الإعمال بالخواتيم , ذكر فيه عبارة يجب التفكر فيها ، وهي : " فيما يبدو للناس " , فهذه العبارة توحي لنا بإيحاءات كثيرة ، لعل أهمها أن هؤلاء الذين يختم لهم بخاتمة السوء هم أهل الإهواء والبدع من الفرق الضالة ، والتى تظهر لنا بزي أهل التقوي والصلاح والتنسك والزهد ، مع فساد عقيدتهم .
قال القنوجي :
" لذلك فإن كان للعبد فساد فى اعتقاده مع كونه قاطعاً به متيقناً له , غير ظان أنه أخطأ فيه , قد ينكشف له فى حال سكرات الموت بطلان ما اعتقده , وأن هذا الإعتقاد باطل لا أصل له , فيكون انكشاف بطلان بعض اعتقاداته سبباً لزوال بقية اعتقاداته , فإن خروج روحه فى هذه الحالة قبل أن يتدارك ويعود إلى أصل الايمان يختم له بالسوء ويخرج من الدنيا بغير إيمان , فيكون من الذين قال الله تعالى فيهم : { وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون } , وقال فى آية أخرى : { قلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }الكهف : 103 ـ 104
فإن كل من اعتقد شيئاًً على خلاف ما هو عليه , إما نظراً برأيه وعقله , أو أخذاً ممن هذا حاله فهو واقع فى هذا الخطر ولا يدفعه الزهد والصلاح , وإنما يدفعه الاعتقاد الصحيح المطابق لكتاب الله وسنة رسوله  " .
فيا عبد الله أقم التوحيد في قلبك ، فإنك سوف تجنى ثمراته في حياتك وعند مماتك ، وفي قبرك ، وعند حشرك ، وسيقودك التوحيد إلى جنات النعيم ,وإلى
رضوان الله جل وعلا .
 التقوي .
ومن أهم الأسباب التى تفضي إلى حسن الخاتمة هي تقوي الله جل وعلا ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران :102 , وقال عز وجل : { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }البقرة : 197
قال ابن رجب الحنبلي :
" وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك , وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه " . 59
وقال طلق بن حبيب : " إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوي " , قالوا : وما التقوي ؟ قال : " أن تعمل بطاعة الله على نور الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله " . 60
وهي أيضاً من أسباب تكفير السيئات ومغفرة الذنوب , قال تعالى : { يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الأنفال : 29.
وهي أيضاً سبب لخروج من كل ضيق وكرب ، قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }الطلاق : 2
كما هي سبب لتيسير سكرات الموت على العبد المؤمن , قال تعالى :{ َمَن
َتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }الطلاق :4 .
 الإستقامة .
ومن الأسباب التى تؤدي الى حسن الخاتمة الإستقامة على طاعة الله جل وعلا , قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } فصلت :30
والاستقامة كلمة جامعة ، آخذه بمجامع الدين ، فهي تتعلق بالأقوال , والأفعال والأحوال ، والنيات .
والإستقامة على قوله : { ربنا الله } .الاستقامة عليها بحقها وحقيقتها . الاستقامة عليها شعوراً في الضمير ، وسلوكاً في الحياة , والاستقامة عليها والصبر على تكاليفها أمر ولا شك كبير وعسير , ومن ثم يستحق عند الله هذا الإنعام الكبير , صحبة الملائكة ، وولاءهم ، ومودتهم , هذه التي تبدو فيما حكاه الله عنهم , وهم يقولون لأوليائهم المؤمنين : لا تخافوا , لا تحزنوا أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون , نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
قال العلامة السعدى :
" { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } أي : اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى ، واستسلموا لأمره ، ثم استقاموا على الصراط المستقيم ، علمًا وعملا , فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
{ تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ } الكرام ، أي : يتكرر نزولهم عليهم ، مبشرين لهم عند الإحتضار , { أَلا تَخَافُوا } على ما يستقبل من أمركم ، { وَلا تَحْزَنُوا } على ما مضى ، فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل ، { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فإنها قد وجبت لكم وثبتت ، وكان وعد الله مفعولا ويقولون لهم أيضا مثبتين لهم ومبشرين : { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } يحثونهم في الدنيا على الخير ، ويزينونه لهم ، ويرهبونهم عن الشر ، ويقبحونه في قلوبهم ، ويدعون الله لهم ، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف ، وخصوصاً عند الموت وشدته ، والقبر وظلمته ، وفي القيامة وأهوالها ، وعلى الصراط ، وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم " . 61
 حسن الظن بالله تعالى .
وهذا السبب من أعظم أسباب حسن الخاتمة . .
قال رسول الله  : " إن الله تعالى يقول : أنا عند حسن ظن عبدي بي ، إن خيراً فخيرا ، وإن شراً فشر " . 62
وعن جابر  قال سمعت رسول الله  قبل موته بثلاث يقول : " لا يموتن
أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " . 63
قال الإمام النووي :
" قوله سبحانه وتعالى : " أنا عند ظن عبدى بى " , قال العلماء : معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه , قالوا : وفى حالة الصحة يكون خائفاً راجياً , ويكونان سواء , وقيل : يكون الخوف أرجح , فإذا دنت أمارات الموت غلب الرجاء أو محضه , لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح , والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال , وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال , فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار الى الله تعالى والاذعان له " .64
وقال المناوي :
" أي : لا يموتن أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة , وهي حسن الظن بالله تعالى , بأن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه , لأنه إذا حضر أجله وأتت رحلته لم يبق لخوفه معنى , بل يؤدي إلى القنوط , وهو تضييق لمجاري الرحمة والإفضال , ومن ثم كان من الكبائر القلبية فحسن الظن وعظم الرجاء أحسن ما تزوده المؤمن لقدومه على ربه .
قال الطيبي : نهى أن يموتوا على غير حالة حسن الظن وذلك ليس بمقدور بل المراد الأمر بحسن الظن ليوافي الموت وهو عليه " . 65
وعن أنس  أن النبي  دخل على شاب وهو في الموت ، فقال له : " كيف تجدك " قال : أرجو الله وأخاف ذنوبي ، فقال رسو ل الله  : " لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجوه ، وأمنه مما يخاف " . 66
فيا أخي المسلم أحسن الظن بالله ولا تموتن إلا وأنت تحسن الظن بربك ، فهو خالقك ورازقك وراحمك , فلا ترج غيره ، ولا تطمع في رحمه سواه , والجأ إليه وتب إليه , فإنه يحب التوابين ويحب المتطهرين .
 الذكر وقراءة القرآن .
كما قلنا : أن الله تعالى اقتضت حكمته أنه من عاش على شئ مات عليه , وأنه من مات على شئ بعثه الله عليه ، لذلك أحببت أن أفرد هذا الباب وأخصه بالذكر , على الرغم من إنه داخل في أسباب استجلاب حسن الخاتمة السابقة .
وذلك لأن العبد حين موته تعرض عليه الدنيا وما حدث له فيها من حوادث وخطوب عرضاً سريعاً ، فإذا كان العبد قد تعلق بشئ من هذه الحوادث في الدنيا وركن إليها قد يفضي ذلك إلي سوء خاتمته .
ويعرف هذا الأمر بمثال وهو : أن الإنسان لا شك أنه يرى فى منامه من الأحوال والحوادث التى اعتادها طول عمره , حتى أن الذى قضى عمره فى العلم , يرى في منامه ما يتعلق بأمر العلم والعلماء , والذى قضى عمره فى أمر من أمور التجارة ـ مثلاً ـ يري في منامه ما يتعلق بأمورها من حسابات
وديون وبيع وشراء . . الخ
إذ لا يحضر فى حال النوم إلا ما حصل له مناسبة مع قلبه لأنه اعتاد ذلك , والموت وإن كان فوق النوم لكن سكراته وما يتقدمه من الغشى قريب من النوم فطول الإلف بالمعاصى يقتضى تذكرها عند الموت , وعودها فى القلب وتمثلها فيه , وميل النفس إليها , وإن قبض روحه فى تلك الحالة يختم له بالسوء .
كما أن طول الإلف بالطاعة , وذكر الله , وقراءة القرآن يقتضي ذكرهما عند الموت ، حيث يتمثل للإنسان عند الموت ما ألفه قلبه واعتاد عليه , وسيأتي في فصل الصالحين وحسن الخاتمة نماذج كثيرة تدل على أنه من اعتاد على أمر من أمور الدنيا ، سواء كان هذا الأمر طاعة ، أو معصية ، فإنه يتمثل له عند موته ، والله المستعان .
 الدعاء .
لا شك أن الدعاء سلاح قوي في استجلاب حسن الخاتمة ، والبعد عن سوءها , وذلك بأن يتوجه العبد إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع والتذلل بين يدي الله تعالى بأن يثبت قلبه على الإيمان , وأن يرزقه حسن الخاتمة .
فها هو النبي  كان لا يفتر لسانه عن هذا الدعاء : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على ديتك " . 67
وها هو المولى جل وعلا يعلمنا أن ندع بهذا الدعاء فيقول :{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ
قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران :8
وقال جل وعلا في تعظيم أمر الدعاء : { قلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } الفرقان :77 .
فاعلم أخي الحبيب أنه لا ملجاً ولا منجا من الله إلا إليه ، فالجأ إلى الله في كل وقت ، وارفع أكف الضراعة إلى الملك وقل : الهم إني أبرأ من الثقة إلا بك ومن الأمل إلا فيك ، ومن التسليم إلا لك ، ومن التفويض إلا عليك ، ومن التوكل إلا عليك ، ومن الرضا إلا عنك ، ومن الطلب إلا منك ، ومن الصبر إلا على بابك ، ومن الذل إلا في طاعتك ، ومن الرهبة إلا لجلالك العظيم .
يا رب أنت رجائــــــــــــــــــــــي و فيك حسنت ظنــــــــــــــــــــــي
يارب فاغفر ذنوبـــــــــــــــــــــي و عافني و اعف عنــــــــــــــــــي
العفو منك إلهـــــــــــــــــــــــــــي و الذنب قد جاء منــــــــــــــــــــي
و الظن فيك جميـــــــــــــــــــــل حقق يارب ظنـــــــــــــــــــــــي
علامات حسن الخاتمة
قال الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ :
" إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة , كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنه , فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ، ويا لها من بشارة .
منها : نطقه بالشهادة عند الموت . . .
قال  : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " . 68
وعن طلحة بن عبيد الله  قال: " رأى عمر طلحة بن عبيد الله ثقيلاً ، فقال
مالك يا أبا فلان ؟ لعلك ساءتك امرأة عمك يا إبا فلان ؟
قال: لا - وأثنى على أبي بكر ـ إلا أني سمعت من رسول الله  حديثاًً ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات ، سمعته يقول : إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ، ونفس الله عنه كربته .
قال : فقال عمر : إني لأعلم ماهي ! قال : وما هي ؟ .
قال : تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت : لا إله إلا الله ؟ قال طلحة : صدقت ، هي والله هي " . 69
ومنها : الموت برشح الجبين . . .
لحديث بريدة بن الخصيب  : " أنه كان بخراسان ، فعاد أخا له وهو مريض ، فوجده بالموت ، وإذا هو بعرق جبينه ، فقال : الله أكبر ، سمعت رسول الله  يقول : " موت المؤمن بعرق الجبين " . 70
قال المناوي :
" أي : عرق جبينه حال موته علامة إيمانه ، لأنه إذا جاءته البشرى مع قبيح ما جاء به خجل واستحيى , فعرق جبينه , لأن أسافله ماتت , وقوة الحياة فيما علا , والحياء في العينين , وذلك وقت البشرى , وانكشاف الغطاء والكافر في عمى عن ذلك .
وقال ابن العربي : معناه : أن المؤمن الذي يهون عليه الموت لا يجد من شدته إلا بقدر ما يفيض جبينه ويتفصد " . 71
ومنها : الموت يوم الجمعة .
قال النبي  : " ما من مسلم يموت يوم الجمعة ، أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر " . 72
قال المناوي :
" فإذا قبض فيه عبد كان دليلاً لسعادته وحسن مآبه , لأن يوم الجمعة هو اليوم الذي تقوم فيه الساعة , فيميز الله بين أحبابه وأعدائه , ويومهم الذي يدعوهم إلى زيارته في دار عدن , وما قبض مؤمن في هذا اليوم الذي أفيض فيه من عظائم الرحمة ما لا يحصى إلا لكتبه له السعادة والسيادة , فلذلك يقيه فتنة القبر " . 73
ومنها : الموت على عمل صالح .
قال النبي  : " من ختم له بصيام يوم دخل الجنة " . 74
وقال  : " ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة " 75
وقال  : " إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله " , قيل : كيف يستعمله ؟ , قال " يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم يقبضه عليه " . 76
ومنها : ثناء أهل الفضل والصلاح علي الميت .
مما لا شك فيه أن المكان الذي يدفن فيه الميت ، أو ساعة الموت ، أو كثرة المشيعين الذين يشيعون الجنازة لا يزيد ذلك في حسنات الميت أو في سيئاته ، إلا إذا كان الميت صالح القلب حسن العمل .
عن أنس  قال : مر بجنازة فأثني عليها خيرا , فقال النبي  : " وجبت وجبت وجبت " ، ومر بجنازة فأثني عليها شرا , فقال نبي الله  : " وجبت وجبت وجبت " , قال عمر : فدى لك أبي وأمي , مر بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شرا فقلت : وجبت وجبت وجبت ؟ فقال الرسول  : " من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار , أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض " . 77
وفي رواية : " إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير و الشر " . 78
وقال الرسول  : " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة " . قلنا وثلاثة ؟ قال : " وثلاثة " .
قلنا : واثنان ؟ قال : " واثنان " ، ثم لم نسأله في الواحد . 79
ومنها : الشهادة بجميع أنواعها .
لا شك أن من مات شهيداً بأي حتف من الحتوف ، كان هذا دليل على حسن خاتمته إن شاء الله تعالى . . .
ونستعرض هنا ما ورد عن النبي  من الأحاديث التى جاءت بوصف شهداء هذه الأمة :
1ـ شهيد الحرب الذي يقتل في ساحة القتال مقبلاً غير مدبر , قال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } آل عمران 169 .
قال الإمام الغزالي :
" وأما الشهادة فلأنها عبارة عن قبض الروح في حالة لم يبق في القلب سوى حب الله تعالى , وخرج حب الدنيا والأهل والمال والولد وجميع الشهوات عن القلب , إذ لا يهجم على صف القتال موطناً نفسه على الموت إلا حباً لله وطلباً لمرضاته , وبائعاً دنياه بآخرته , وراضياً بالبيع الذي بايعه الله به إذ قال تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } والبائع راغب عن المبيع لا محالة ومخرج حبه عن القلب , ومجرد حب العوض المطلوب في قلبه , ومثل هذه الحالة قد يغلب على القلب في بعض الأحوال ولكن لا يتفق زهوق الروح فيها , فصف القتال سبب لزهوق الروح على مثل هذه الحالة , هذا فيمن ليس يقصد الغلبة والغنيمة وحسن الصيت بالشجاعة , فإن من هذا حاله وإن قتل في المعركة فهو بعيد عن مثل هذه الرتبة كما دلت عليه الأخبار " . 80
2ـ وقال رسول الله  : " من صرع عن دابته فهو شهيد " . 81
3ـ وعن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله  : " من فصل في سبيل الله فمات أو قتل ، أو وقصته فرسه أو بعيره ، أو لدغته هامة ، ، أو مات على فراشه بأي حتف من الحتوف شاء الله ، فإنه شهيد وإن له الجنة " . 82
4 ـ وعن ربيع الأنصاري  قال : قال رسول الله  : " الطعن والطاعون والهدم وأكل السبع ، والغرق ، والحرق ، والبطن وذات الجنب شهادة " . 83
5 ـ وقال رسول الله  : " سيد الشهداء : حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره , ونهاه فقتله " . 84
6 ـ وقال  : " من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد " . 85
( فائدة ) : ومن العلامات التى ترى على الميت أثناء تغسيله والتى تشير إلى حسن خاتمته مثل : إشارة إصبع السبابة بـ ( لا إله إلا الله ) ، والوضاءة والإشراقة , والفرحة , والابتسامة التي على وجه الميت , لأنه قد بشر برضا الله والجنة وتسليم الملائكة عليه , فتجد بعض الأموات مبتسماً ابتسامة لا تفارق وجهه حتى يكفن , ولعل من العلامات سهولة تغسيله و ليونة ورقة جسده لأن غالب الأموات تكون أجسامهم متصلبة متخشبة والله أعلم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الموت وأحواله Empty
مُساهمةموضوع: الموت وأحواله   الموت وأحواله I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 05, 2013 5:21 pm

الصالحين وحسن الخاتمة
وها هي بعض الصور المشرقة من حسن الخاتمة لكثير من سلفنا الصالح ، وأيضاً بعض القصص من واقعنا المعاصر ، لننظر ما قاله هؤلاء عند موتهم ، وما ماتوا عليه .
دفن بجوار النبي 
عن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :
لما ثقل أبو بكر قال : أى يوم هذا ؟
قلنا : يوم الاثنين . . .
قال : فإني أرجو ما بيني وبين الليل . . .
قالت : وكان عليه ثوب ردع من مشق ، فقال : إذا أنا مت فاغسلوا ثوبي هذا وضموا إليه ثوبين جديدين ، وكفنوني في ثلاثة أثواب . .
فقلنا : أفلا نجعلها جدداً كلها ؟
قال : لا ، إنما هو للمهلة ، فمات ليلة الثلاثاء . 86
وقال أهل السير :
وأوصى أن تغسله أسماء زوجته فغسلته ، وأن يدفن إلى جنب رسول الله  وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر ، ونزل في حفرته ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة بن عبيد الله ، رحمه الله تعالى . 87
تمنى الشهادة , فنال ما تمنى
عن عمر بن ميمون قال :
إني لقائم ما بيني وبين عمر إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين قال : استووا حتى إذا لم ير فيهن خللاً تقدم فكبر ، وربما قرأ سورة يوسف ، أو النحل ، أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول : قتلني ، أو أكلني الكلب ، حين طعنه وطار العلج بسكين ذات طرفين ، لا يمر على أحد يميناً وشمالاً ، إلا طعنه ، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا ، مات منهم سبعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنساً ، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه ، وتناول عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ، فمن يلي عمر فقد رأى الذي رأى ، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون , غير أنهم فقدوا صوت عمر ، وهم يقولون : سبحان الله , سبحان الله ، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة .
ثم احتمل إلى بيته فانطلقا معه ، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، فقائل يقول : لا بأس ، وقائل يقول : أخاف عليه ، فأتى بنبيذ فشربه ، فخرج من جوفه ، ثم أتى بلبن فشربه ، فخرج من جرحه ، فعرفوا أنه ميت .
فقال : يا عبد الله بن عمر أنظر ما على من الدين فحسبوه ، فوجدوه سبعة وثمانين ألفاً أو نحوه .
قال : إن وفاة مال آل عمر فأده منهم , وإلا فسل في بنى عدى بن كعب ، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين ، فقل لها : يقرأ عمر عليك السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين ، فإني لست اليوم أميرا .
قل : يستأذن عمر بن الخطاب ، أن يدفن مع صاحبيه ، فمضى فسلم واستأذن ، ثم دخل عليها ، فوجدها قاعدة تبكى ، فقال : يقرأ عليك عمر السلام ويقول لك : يستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي .
فلما أقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء . قال : ارفعوني , فأسنده رجل إليه ، فقال : ما لديك ؟ قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين , أذنت ، قال : الحمد لله ما , كان شئ أهم إلى من ذلك ، فإذا أنا قبضت فاحملوني ، ثم سلم وقل : يستأذن عمر بن الخطاب ، فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين .
وعن عثمان بن عفان  قال :
أنا آخركم عهداً بعمر ، دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله ، فقال له : ضع خدي بالأرض , قال : فهل فخذي والأرض إلا سواء ؟
قال : ضع خدي بالأرض لا أم لك ، في الثانية والثالثة , وسمعته يقول :
ويلي وويل أمي إن لم تغفر لي ، حتى فاضت نفسه . 88
اصبر ، فإنك تفطر عندنا
عن مسلم أبى سعيد مولى عثمان :
" أن عثمان  أعتق عشرين مملوكاً له ، ودعا بسراويل فشدها عليه ـ ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام ـ وقال : إني رأيت رسول الله  البارحة في الجنان ورأيت أبا بكر وعمر ، وإنهم قالوا : اصبر ، فإنك تفطر عندنا القابلة ، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه فقتل وهو بين يديه " . 89
مرحباً حبيب جاء على فاقة
ذكر أبي نعيم في " الحلية " :
أن معاذ بن جبل  أنه لما حضره الموت قال : انظروا أصبحنا , فأتي فقيل : لم تصبح . . .
فقال : انظروا أصبحنا , فأتي فقيل له : لم تصبح , حتى أتي في بعض ذلك فقيل : قد أصبحت , قال : أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار , مرحباً بالموت , مرحباً زائر مغيب , حبيب جاء على فاقة , اللهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك , اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار , ولا لغرس الأشجار , ولكن لظمأ الهواجر , ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر . 90
غداً نلقى الأحبة , محمداً وصحبه
قال سعيد بن عبد العزيز :
لما احتضر بلال قال : غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه . .
قال : تقول امرأته : وا ويلاه !
فقال : وافرحاه ! . 91
اللهم إني أحب لقاؤك فاحب لقائي
وعن المقبرى قال :
دخل مروان على أبى هريرة في شكواه ، فقال : شفاك الله يا أبا هريرة .
فقال : اللهم إني أحب لقائك ، فأحب لقائى .
قال : فما بلغ مروان أصحاب القطا ، حتى مات . 92
اليوم لقي أبي الخير
عن سرية الربيع قالت : " لما احتضر الربيع بكت ابنته , فقال : يا بنية لا تبكي ولكن قولي يا بشرى اليوم لقي أبي الخير " . 93
اللهم خير لي في الذي قضيته على
عن عبد الله بن مسلم العبدي قال : " قال مطرف لما حضره الموت : اللهم خير لي في الذي قضيته علي من أمر الدنيا والآخرة , وأمرهم أن يحملوه إلى قبره فختم فيه القرآن قبل أن يموت " . 94
لمثل هذا فليعمل العاملون
ولما حضرت ابن المبارك الوفاة قال لنصر مولاه : اجعل رأسي على التراب . قال : فبكى نصر فقال له : ما يبكيك ؟ قال : أذكر ما كنت فيه من النعيم , وأنت هو ذا تموت فقيراً غريباً , فقال له : اسكت فإني سألت الله تبارك وتعالى أن يجنبني جباه الأغنياء , وأن يميتني ميتة الفقراء . ثم قال : لقني ولا تعد علي إلا أن أتكلم بكلام ثان .
ولما حضر ابن المبارك جعل رجل يلقنه : قل لا إله إلا الله , فأكثر عليه فقال : إنك ليس تحسن وأخاف أن تؤذي بها رجلا مسلما بعدي . إذا لقنتني فقلت : لا إله إلا الله , ثم لم أحدث كلاماً بعدها فدعني , فإذا أحدثت كلاماً بعدها فلقني حتى تكون آخر كلامي .
وروي : أنه لما احتضر فتح عينيه وضحك وقال : " لمثل هذا فليعمل العاملون " . 95
لو ترى ما أري لقرت عينك
عن ابن زيد قال : " أتى صفوان بن سليم إلى محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال : يا أبا عبد الله كأني أراك قد شق عليك الموت , فما زال يهون عليه الأمر وينجلي عن محمد حتى لكأن وجهه المصابيح , ثم قال له محمد : لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك , ثم قضى رحمه الله " . 96
إني في وردي السادس أوالسابع
عن محمد بن ثابت البناني قال : " ذهبت ألقن أبي وهو في الموت , فقلت : يا أبة قل لا إله إلا الله , فقال : يا بني خل عني , فإني في وردي السادس أو السابع " . 97
تلك الدار الآخرة
عن عبيدة بن حسان قال : " لما احتضر عمر بن عبدالعزيز قال : اخرجوا عني فلا يبقى أحد , فخرجوا فقعدوا على الباب , فسمعوه يقول : مرحباً بهذه الوجوه , ليست بوجوه أنس ولا جان , ثم قال : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } , ثم هدي الصوت , فقال مسلمة لفاطمة : قد قبض صاحبك , فوجدوه قد قبض وغمض وسوى " . 98
وأما بنعمة ربك فحدث
وعن أبو يحيى الزهري قال : " قال عبد الله بن عبد العزيز العمري عند موته : بنعمة ربي أحدث إني لم أصبح أملك إلا سبعة دراهم من لحاء شجر فتلته بيدي , وبنعمة ربي أحدث لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي لا يمنعني من أخذها إلا أن أزيل قدمي عنها ما أزلتها " . 99
المسك يخرج من قبره
وعن محمد بن أبي حاتم : " سمعت أبا منصور غالب بن جبريل , وهو الذي نزل عليه أبو عبد الله ـ يقصد الإمام البخاري ـ يقول : إنه أقام عندنا أياماًَ ، فمرض ، واشتد به المرض حتى وجه رسولاً إلى مدينة سمرقند في إخراج محمد , فلما وافى تهيأ للركوب ، فلبس خفيه ، وتعمم ، فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها ، وأنا آخذ بعضده ، ورجل أخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها فقال ـ رحمه الله ـ : أرسلوني ، فقد ضعفت .
فدعا بدعوات ، ثم اضطجع ، فقضى رحمه الله .
فسال منه العرق شئ لا يوصف , فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه , وكان فيما قال لنا ، وأوصى إلينا أن كفنوني في ثلاثة أثواب بيض ليس
فيها قميص ولا عمامة , ففعلنا ذلك .
فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك ، فدام ذلك أياماً ثم علت سواري بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره ، فجعل الناس يختلفون ويتعجبون .
وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر ، حتى ظهر القبر ، ولم نكن نقدر على حفظ القبر بالحراس .
وغلبنا على أنفسنا ، فنصبنا على القبر خشباً مشبكاً , لم يكن أحد يقدر على الوصول إلى القبر , فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب ، ولم يكونوا يخلصون إلى القبر .
وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياماً كثيرة ، حتى تحدث أهل البلدة ، وتعجبوا من ذلك ، وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته ، وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا شرعوا فيه من مذموم المذهب . 100
ختم القرآن أربعة آلاف ختمة
وعن حسين بن عمرو العنقري قال : " لما نزل بابن ادريس الموت بكت ابنته , فقال : لا تبكي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة " .101
لا تبك على
وعن الحماني قال : " لما حضرت أبا بكر بن عياش الوفاة بكت أخته فقال لا تبك , انظري إلى تلك الخزانة أو الزاوية التي في البيت , قد ختم أخوك في هذه الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة " . 102
بحبي لك إلا رفقت بي
عن أبو علي المقدسي قال : " لما حضرت آدم بن إياس الوفاة ختم القرآن وهو مسجى , ثم قال : بحبي لك إلا رفقت بي في هذا المصرع , كنت أؤملك لهذا اليوم , كنت أرجوك , ثم قال لا إله إلا الله ثم قضى " . 1-3
مات وهو يقرأ حديث
عن أبا جعفر التستري قال : " حضرنا أبا زرعة وكان في السوق وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم والمنذر شاذان وجماعة من العلماء , فذكروا حديث التلقين , وقوله  : " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " , فاستحيوا من أبي زرعة وهابوا أن يلقنوه , فقالوا : تعالوا نذكر الحديث , فقال محمد بن مسلم : حدثنا الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح ولم يجاوز , والباقون سكوت , فقال أبو زرعة وهو في السوق : حدثنا بندار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح عن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله  : " من كان آخر كلامه لا
إله إلا الله دخل الجنة " , وتوفي رحمه الله " . 104
وهو يموت لم يفته أدب من آداب الشريعة
عن عبد الله بن علي التميمي قال : " سألت جعفر بن محمد بن نصير بكران الدينوري وكان يخدم الشبلي ما الذي رأيت منه عند وفاته ؟ فقال : قال : علي درهم مظلمة قد تصدقت عن صاحبه بألوف , فما على قلبي شغل أعظم منه , ثم قال : وضئني للصلاة , ففعلت , فنسيت تخليل لحيته وقد أمسك على لسانه فقبض على يدي وأدخلها في لحيته , ثم مات , فبكى جعفر وقال : ما تقولون في رجل لم يفته في آخر عمره أدب من آداب الشريعة " . 105
دعوني أتهني لمقابلته
حدثت عن ابن عقيل أنه لما احتضر بكى أهله فقال لهم : " لي خمسون سنة أوقع عنه , فدعوني أتهنى لمقابلته " . 106
يموت الإنسان على ما عاش عليه
كان يعمل نجاراً في إحدى المدن , لا يعرف الغش ولا الكذب ، ولا المكر ولا الخديعة ، قد رضي بما قسم الله له من الزرق الحلال وإن كان قليلاً , و في ضحى كل صباح كان يغلق دكانه وينطلق إلى المسجد القريب ليتوضأ ويصلي ما كتب الله له صلاة الضحى , ثم يعود إلى دكانه ليباشر عمله إلى وقت صلاة الظهر , وفي ضحى أحد الأيام أغلق دكانه وتوجه إلى المسجد يحث الخطى وهو في شوق إلى مناجاة ربه والوقوف بين يديه ، ودلف إلى المسجد وكبّر للصلاة فقرأ ما تيسر له من القرآن ، ثم ركع ثم رفع , ثم سجد , ثم قال إلى الركعة الثانية واضعاً يديه اليمنى على اليسرى ، فإذا بملك الموت قد حضر في تلك اللحظة ليقبض روح هذا العبد الصالح وهو واقف بين يدي ربه ، يناجيه بأحب الكلام إليه ، فتخرج روحه من جسده ، ويخر ساقطاً على الأرض ، ويده اليمنى على اليسرى ، فما علم به أحد إلا وقت صلاة الظهر ، ويُحمل إلى بيته فلما أرادوا خلع ثيابه لتغسيله أبت يده اليمنى - بإذن الله عز وجل - أن تفارق يده اليسرى وكأنه لا يزال في صلاة ، وبعد محاولات عديدة كفنوه على هذه الحال ووضعوه في قبره ليلقى ربه مصلياً . 107
المصابيح والأنوار خرجت من قبره
حكى الشيخ القحطاني : أنه أنزل رجلاً في قبره في ليلة ظلماء شديدة الظلمة وكان الجو غائماً ، وكان هذا الرجل من الدعاة ، وقد مات ليلة الجمعة بعملية جراحية وصلى عليه الشيخ عبد العزيز بن بار ـ رحمه الله ـ فقد كان له محاضرة في الجامع الكبير الذي أحضر إليه الميت , وبعد المحاضرة ذهبنا للمقبرة ، وطلبنا من أحد الأخوة أن يأتينا بسراج ، أو كشاف لكي ننور القبر ، ولكنه أبطأ علينا ، فأخذت أعس اللحد بيدي فقلت للإخوة : أعطونا الميت ، فلما سللته من جهه الرجلين وضعته في قبره , ففككت تلك الأربطة وكشفت عن وجه الميت ، وإذا بالمصابيح والأنوار خرجت من ذلك القبر ، وأنار القبر ، ورآه كل من كان معي ، وكانت رائحة المسك تخرج من ذلك القبر ، ثم ذكر
الشيخ بعض من حضروه وشاهدوا ذلك الامر . 108
هل سمعتم بخاتمة أحسن من هذه الخاتمة ؟
امرأة صالحة , ومربية عظيمة , ومتصدقة كريمة , هذا ما شهد به المقربون منها , خمسون عاماً مرت عليها وهي بكماء ولم تنبس ببنت شفة .
أعتاد زوجها وأهلها هذا الوضع ، مؤمنين بقضاء الله وقدره ، فله سبحانه الحكمة البالغة في كل ما يدبره في هذا الكون , وهكذا ينبغي للمسلم أن يرضى بقضاء الله وقدره في كل ما يصيبه من كرب أو بلاء .
في ليلة من الليالي - وعلى غير عادتها - استيقظت مبكرة قبل الفجر بساعات ، ووقفت تصلي بين يدي الله عز وجل , وفجأة , نطقت بصوت مسموع , واستيقظ الزوج على إثر ذلك الصوت يا إلهي , ما الذي حدث ، أبعد هذه العقود الخمسة من الصمت المطبق ينطلق لسانها , نعم نطقت ، وبالشهادتين ، بلغة واضحة وصريحة ، وتضرعت إلى الله بالدعاء بالكلمة المسموعة . وانتظر زوجها فراغها من الصلاة وهو في غاية اللهفة ، ليسألها عما حدث , ولكن قدر الله كان أسبق ، فما إن فرغت من صلاتها حتى قبضت روحها وهي لم تبرح سجادتها الأثيرة ، وقد ختمت حياتها بكلمة التوحيد والدعاء ، فهل سمعتم بخاتمة أحسن من هذه الخاتمة ؟! . 109
وأخيراً حاملة القرآن
خرجت من دار تحفيظ القرآن الكريم , كانت تحمل في يدها كتاب ربها ، وفي يدها الأخرى طبقاً خيرياً , وقبل ذلك وبعده تحمل في قلبها هم الإسلام ، وهم إخوتها المسلمين .
لم تشتر الطبق الخيري لتأكله ، وإنما لتنفق من مالها في سبيل الله , لتتذكر وهي تأكله إخوانها المسلمين في شتى بقاع الأرض , وما يعانونه من بؤس وجوع وألم ولعل الله أراد أن يكون شاهداً لها يوم القيامة .
خرجت من تلك الدار العامرة لتتخطفها يد المنون , ليختارها الله إلى جواره - نحسبها كذلك ولا نزكي على الله أحداً ـ سيارة مسرعة يمتطيها سائق متهور تحطم ذلك الجسد الطاهر , تطرحه أرضاً , ويهتز المصحف في يدها ، ويتناثر الطبق الخيري , والقلب لا يزال ينبض بالحياة وتنقل إلى المستشفى وهي في حالة خطرة , كان ذلك يوم الأحد ، وفي يوم الجمعة تخرج روحها إلى بارئها .
رحمكِ الله يا حاملة القرآن ، لم تحملي شريطاً ماجناً ، ولا مجلة ساقطة , ولا خرجت من مرقص أو ملهى ، أو سوق تتسكعين فيه متبرجة سافرة . وإنما خرجتِ من روضة القرآن , يا حاملة القرآن , هنيئاً لك بشارة رسول الله  : " ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر " . 110
    

أسباب سوء الخاتمة
إن لسوء الخاتمة ـ أعاذنا الله منها ـ أسباب كثيرة ، نذكر هنا أهم هذه الأسباب التى تفضي إليها :
 الشك والجحود والابتداع في الدين .
ومعناها : أن يعتقد الإنسان في ذات الله تعالى أو صفاته أو أفعاله خلاف الحق ، إما تقليداً ، أو برأيه الفاسد ، فإذا انكشف الغطاء عند الموت بان له بطلان ما اعتقده ، فظن أن جميع ما اعتقده لا أصل له .
وكم من أناس ختم لهم بهذا عندما ابتدعوا في الدين وزاغوا وانحرفوا عن صراط الله المستقيم ، وظهرت حقيقتهم في أول لقاء لهم مع رب العالمين سبحانه .
ولذلك كان من أهم أسباب حسن الخاتمة ـ والتى مضى ذكرها ـ هي العقيدة الصحيحة التى يعتقدها العبد المسلم ، والتى تنجيه بإذن الله من سوء الخاتمة .
قال الإمام الغزالي :
" فاعلم أن سوء الخاتمة على رتبتين إحداهما أعظم من الأخرى , فأما الرتبة العظيمة الهائلة : فأن يغلب على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله إما الشك وإما الجحود , فتقبض الروح على حال غلبة الجحود أو الشك فيكون ما غلب على القلب , من عقدة الجحود , حجاباً بينه وبين الله تعالى أبدا
وذلك يقتضي البعد الدائم والعذاب في النار " . 111
 حب الدنيا والركون إليها .
لعل هذا السبب هو أكثر الأسباب التى به يختم للعبد بخاتمة السوء وليعاذ بالله , ذلك لأن الإنسان عند موته تعرض له الدنيا عرضاً سريعاً ـ كما أشرنا سابقاً ـ فإذا كان القلب قد تعلق بشئ منها ركن إليه وتعلق به ، وكره أن يفارقه فيكره الموت الذي يفضي به إلى ترك ما قد تعلق القلب به وأحبه ، وهنا قد يتكلم الإنسان بكلام فيه تسخط على الله تعالى ، أو كلام قد اعتاد عليه في حياته فيذكره عند وفاته ، مما يختم له بسوء .
لذلك فإن أصل هذا كله هو حب الدنيا والأنس بها ، والغفلة عن قول النبي  : " أحبب ما شئت فإنك مفارقه " . 112
قال أبي حامد الغزالي :
" وأما السبب الثاني فهو ضعف الإيمان في الأصل ثم استيلاء حب الدنيا على القلب , ومهما ضعف الإيمان ضعف حب الله تعالى وقوى حب الدنيا فيصير بحيث لا يبقى في القلب موضع لحب الله تعالى , إلا من حيث حديث النفس , ولا يظهر له أثر في مخالفة النفس والعدول عن طريق الشيطان فيورث ذلك الانهماك في اتباع الشهوات , حتى يظلم القلب ويقسو ويسود وتتراكم ظلمة النفوس على القلب , فلا يزال يطفئ ما فيه من نور الإيمان على ضعفه حتى يصير طبعاً وريناً , فإذا جاءت سكرات الموت ازداد ذلك الحب أعني حب الله ضعفاً لما يبدو من استشعار فراق الدنيا , وهي المحبوب الغالب على القلب , فيتألم القلب باستشعار فراق الدنيا , ويرى ذلك من الله , فيختلج ضميره بإنكار ما قدر عليه من الموت , وكراهة ذلك من حيث إنه من الله فيخشى أن يثور في باطنه بغض الله تعالى بدل الحب , كما أن الذي يحب ولده حباً ضعيفاً إذا اخذ ولده أمواله التي هي أحب إليه من ولده وأحرقها انقلب ذلك الحب الضعيف بغضاً , فإن اتفق زهوق روحه في تلك اللحظة التي خطرت فيها هذه الخطرة فقد ختم له بالسوء , وهلك هلاكا شديدأً , والسبب الذي يفضي إلى مثل هذه الخاتمة هو غلبة حب الدنيا والركون إليها والفرح بأسبابها مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله تعالى , فمن وجد في قلبه حب الله أغلب من حب الدنيا , وإن كان يحب الدنيا أيضا فهو أبعد عن هذا الخطر وحب الدنيا رأس كل خطيئة وهو الداء العضال , وقد عم أصناف الخلق وذلك كله لقلة المعرفة بالله تعالى , إذ لا يحبه إلا من عرفه ولهذا قال تعالى : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } التوبة : 24 .
فإذن كل من فارقته روحه في حالة خطرة الإنكار على الله تعالى بباله وظهر بغض فعل الله بقلبه في تفريقه بينه وبين أهله وماله وسائر محابه , فيكون موته قدوماً على ما أبغضه , وفراقاً لما أحبه , فيقدم على الله قدوم العبد المبغض الآبق إذا قدم به على مولاه قهرا , فلا يخفى ما يستحقه من الخزي والنكال , وأما الذي يتوفى على الحب , فإنه يقدم على الله تعالى قدوم العبد المحسن المشتاق إلى مولاه الذي تحمل مشاق الأعمال , ووعثاء الأسفار طمعاً في لقائه , فلا يخفى ما يلقاه من الفرح والسرور بمجرد القدوم , فضلاً عما يستحقه من لطائف الإكرام وبدائع الإنعام " . 113
قلت ـ المصنف ـ : وقد مر بنا أسباب حب الدنيا وعلاج ذلك فلا داعي لذكره مرة أخرى .
 تعلق القلب بغير الله عز وجل .
وهذا السبب أحد أسباب حب الدنيا والميل إليها ، فهو تابع له متعلق به ، قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}الرعد : 28 .
لذلك فحياة القلب في تعلقه بالله جل وعلا ، وشقاء القلب في إعراض صاحبه عن الله جل وعلا ، فمن تعلق قلبه بغير الله فهذا إيذان بسوء الخاتمة .
وهذا السبب من أسباب سوء الخاتمة لهو أكثر الأسباب وقوعاً وحدوثاً ، وسيأتي ذلك حينما نستعرض قصص الذين ختم لهم بخاتمة السوء , فإننا سوف نلاحظ أننا نجد أكثرهم لا يتلكمون عند موتهم إلا بما قد تعلق به قلبهم من أمور الدنيا ، فيموتون وهم يرددون ما اعتادوا عليه وألفوه .
وحقاً : يعيش المرء على ما مات عليه .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
" قد أجمع السائرون إلى الله أن القلوب لا تعطي مناها حتى تصل الى مولاها , ولا تصل الى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة , ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها فتصير نفس دوائها , ولا يصح لها ذلك إلا بمخالفة هواها , وهواها مرضها , وشفاؤها مخالفته , فإن استحكم المرض قتل أو كاد وكما أن من نهى نفسه عن الهوى كانت الجنة مأواه , كذلك يكون قلبه في هذه الدار في جنة عاجلة , لا يشبه نعيم أهلها نعيم البتة , بل التفاوت الذي بين النعيمين كالتفاوت الذى بين نعيم الدنيا والآخرة , وهذا أمر لا يصدق به إلا من باشر قلبه هذا وهذا , ولا تحسب أن قوله تعالى { إن الابرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم } , مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط , بل في دورهم الثلاثة كذلك , أعني دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار , فهؤلاء في نعيم وهؤلاء في جحيم , وهل النعيم إلا نعيم القلب وهل العذاب إلا عذاب القلب وأي عذاب أشد من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر وإعراضه عن الله والدار الآخرة , وتعلقه بغير الله وانقطاعه عن الله بكل واد منه شعبة , وكل شيء تعلق به وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب , فكل من أحب شيئاً غير الله عذب به ثلاث مرات في هذه الدار , فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل , فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته والتنغيص والتنكيد عليه وأنواع المعارضات , فإذا سلبه اشتد عذابه عليه , فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار .
وأما في البرزخ فعذاب يقارنه ألم الفراق الذي لا يرجي عوده وألم فوات ما فاته من النعيم العظيم باشتغاله بضده , وألم الحجاب عن الله وألم الحسرة التي تقطع الأكباد , فالهم والغم والحسرة والحزن تعمل في نفوسهم نظير ما تعمل الهوام والديدان في أبدانهم , بل عملها في النفوس دائم مستمر حتى يردها الله إلى أجسادها , فحينئذ ينتقل العذاب الى نوع هو أدهى وأمر , فأين هذا من نعيم من يرفص قلبه طرباً وفرحاً وأنساً بربه , واشتياقاً إليه وارتياحاً بحبه , وطمأنينة بذكره , حتى يقول بعضهم في حال نزعه : واطربا , ويقول الآخر إن كان أهل الجنة في مثل هذا الحال أنهم لفي عيش طيب , ويقول الآخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا لذيذ العيش فيها , وما ذاقوا أطيب ما فيها , ويقول الآخر : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف , ويقول الآخر : في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة , فيا من باع حظه الغالي بأبخس الثمن , وغبن كل الغبن في هذا العقد وهو يرى أنه قد غبن , إذا لم يكن لك خبرة بقيمة السلعة فاسئل المقومين , فيا عجباً من بضاعة معك , الله مشتريها , وثمنها جنة المأوي , والسفير الذي جرى على يده عقد التبايع وضمن الثمن عن المشتري هو الرسول  وقد بعتها بغاية الهوان .
إذا كان هذا فعل العبد بنفسه , فمن ذاله من بعده ذلك يكرم , ومن يهن الله فماله من مكرم , إن الله يفعل ما يشاء " . 114
 ألف المعصية واعتيادها .
كما سبق وقلنا : أن الإنسان حين موته لا يتذكر إلا ما قد اعتاد عليه وألفه من الدنيا ، لذلك إذا كان الإنسان قد اعتاد على فعل معصية بعينها وألف فعلها فإنها تعرض عليه عند موته , فتكون وليعاذ بالله حجاباً بينه وبين نطقه بالشهادة .
قال ابن القيم :
" ومن عقوباتها ، أي المعاصي ـ أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه فإن كل أحد محتاج إلى معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده . . .
إلى أن قال : وثم أمر أخوف من ذلك وأدهي وأمر , وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والإنتقال إلى الله تعالى , فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهد الناس كثيراً من المحتضرين أصابهم ذلك , حتى قيل لبعضهم : قل لا إله إلا الله , فقال : آه آه , لا أستطيع أن أقولها , وقيل لآخر : قل لا إله إلا الله , فقال : شاه رخ غلبنك ـ يقصد الشطرنج ـ , ثم قضى , وقيل لآخر : قل لا إله إلا الله , فقال :
يارب قائلة يوما وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب
ثم قضى , وقيل لآخر : قل لا إله إلا الله , فجعل يهذي بالغناء ويقول : تاتا نتنتا , فقال : وما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية إلا ركبتها , ثم قضى ولم يقلها , وقيل لآخر ذلك , فقال : وما يغني عني وما أعلم أني صليت لله تعالى صلاة , ثم قضى ولم يقلها , وقيل لآخر ذلك , فقال : هو كافر بما تقول وقضي وقيل لآخر ذلك , فقال : كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها , وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته فجعل يقول : لله , فليس لله فليس حق قضي , وأخبرني بعض التجار عن قرابة له ،نه احتضر وهو عنده , فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو يقول : هذه القطعة رخيصة , هذا مشتري جيد , هذه كذا حتى قضي , وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبرا , والذي يخفي عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم , وإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه قد تمكن منه الشيطان واستعمله بما يريده من المعاصي , وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى , وعطل لسانه من ذكره وجوارحه عن طاعته , فكيف الظن به عند سقوط قواه , واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع , وجمع الشيطان له كل قوته وهمته وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته , فإن ذلك آخر العمل , فأقوي ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت , وأضعف ما يكون هو في تلك الحالة , فمن تري يسلم علي ذلك , فهناك يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء .
فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره , واتبع هواه وكان أمره فرطا , فبعيد من قلب بعيد من الله تعالى , غافل عنه , متعبد لهواه مصير لشهواته , ولسانه يابس من ذكره , وجوارحه معطلة من طاعته مشتغلة بمعصية الله أن يوفق لحسن الخاتمة " . 115
وقال أبي حامد الغزالي :
" وذلك لأن مقارفة المعاصي سببها غلبة الشهوات ورسوخها في القلب بكثرة الإلف والعادة .
وجميع ما ألفه الإنسان في عمره يعود ذكره إلى قلبه عند موته , فإن كان ميله الأكثر إلى الطاعات , كان أكثر ما يحضره ذكر طاعة الله , وإن كان ميله الأكثر إلى المعاصي غلب ذكرها على قلبه عند الموت , فربما تقبض روحه عند غلبة شهوة من الشهوات الدنيا ومعصية من المعاصي فيتقيد بها قلبه ويصير محجوباً عن الله تعالى , فالذي لا يقارف الذنب إلا الفينة بعد الفينة فهو أبعد عن هذا الخطر , والذي لم يقارف ذنباً أصلاً فهو بعيد جداً عن هذا الخطر والذي غلبت عليه المعاصي وكانت أكثر من طاعاته وقلبه بها أفرح منه بالطاعات فهذا الخطر عظيم في حقه جداً .
ونعرف هذا بمثال وهو : أنه لا يخفى عليك أن الإنسان يرى في منامه جملة من الأحوال التي عهدها طول عمره , حتى إنه لا يرى إلا ما يماثل مشاهدته في اليقظة , ثم لا يخفى أن الذي قضى عمره في الفقه يرى من الأحوال المتعلقة بالعلم والعلماء أكثر مما يراه التاجر الذي قضى عمره في التجارة والتاجر يرى من الأحوال المتعلقة بالتجارة وأسبابها أكثر مما يراه الطبيب والفقيه , لأنه إنما يظهر في حال النوم ما حصل له مناسبة مع القلب بطول الإلف , أو بسبب آخر من الأسباب والموت شبه النوم ولكنه فوقه ولكن سكرات الموت وما يتقدمه من الغشية قريب من النوم , فيقضي ذلك تذكر المألوف وعوده إلى القلب , وأحد الأسباب المرجحة لحصول ذكره في القلب
طول الإلف , فطول الإلف بالمعاصي والطاعات أيضاً مرجح " . 116
( فائدة ) : قلت ـ المصنف ـ : وإذا كان الأمر كذلك فإن الذين يستمعون إلى هذه الأغاني الماجنة الساقطة لهم أشد الناس وقوعاً في خطر سوء الخاتمة حيث كما مر أن الإنسان إذا ألف المعصية واعتاد عليها , فإنها ترد عليه عند موته فتتملك منه ولا يستطيع ردها ، وأي معصية هي أخطر ولا أكبر من سماع الأغاني ، هذه الداء وهذه المعصية الذي انتشرت بين كثير جداً من شباب وفتيات المسلمين بشكل خطير وكبير .
لذلك أخي المسلم وأختى المسلمة : أقول لكم بقلب مشفق نصوح والله يعلم ذلك أنه لو لم يكن في سماع هذه الأغاني إلا خطر سوء الخاتمة لكان كفي ، وكما قلنا أن الإنسان يموت علي ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه , فهل ترضي أخي الحبيب هذا لنفسك ، هل ترضي حينما يهجم عليك الموت بغصصه وكرباته أن يكون آخر عهد لك بالدنيا هو أنك تغني !! .
أختى الحبيبة : هل ترضين على نفسك أن تقفي أمام الله جل وعلا وأنت ترددي بعض ما كنت تسمعين من هذا الكلمات الساقطة الفاجرة , هل ترضين بذلك ؟!! , نعوذ بالله من الخذلان .
 مخالفة الظاهر للباطن .
أيضاً من أسباب سوء الخاتمة هو مخالفة ظاهر الإنسان لباطنه , فقد يكون العبد ممن يظهر الصلاح للناس ، فإذا خلا بنفسه أطلق العنان لشهواته وملذاته وحارب الله بالذنوب والمعاصي ، قال تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } النساء : 108
وهؤلاء الصنف من الناس يأتون يوم القيامة بحسنات كأمثال الجبال فيجعلها الله هباء منثوراً .
فعن أبي عامر الألهاني قال : قال رسول الله  : " لأعلمن أقواماً يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا , فيجعلها الله هباء منثورا " , قال ثوبان : يا رسول الله ! صفهم لنا , جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم.
قال : " أما إنهم إخوانكم , ومن جلدتكم , ويأخذون من الليل كما تأخذون , ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم الله انتهكوها " . 117
وقال النبي  : " إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار , ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة , وإنما الأعمال بخواتيمها " . 118
( فائدة ) : ومن العلامات التي تظهر على الميت بعد وفاته أو أثناء تغسيله والتى قد تدل على سوء خاتمته : اسوداد الوجه وعبوسه وظلمته ، ورؤية وجهه كالمغضب ، ويجد المغسل صعوبة في تغسيله وتقليبه .
وهذه العلامات تظهر بسبب رؤية المحتضر ملائكة العذاب وملك الموت و
تبشيرها له بسخط الله والنار - والعياذ بالله - , نسأل الله العافية والسلامة .
ولكن مثل هذه لا يجزم بأنها علامة على سوء الخاتمة , لعدم ورود دليل ، ولأن حصول مثل هذه قد يكون بأسباب طبيعية يعرفها الأطباء , مثل : نقص الأكسجين في الدم في منطقة معينة في الجسم - مثل القدم - فتسود أو قد يتجمع الدم في منظقة معينة وغير ذلك .
( تنبيهات ) : إذا رأى المغسل علامات سوء الخاتمة المعنوية أو الحسية فإنه لا يخبر بها أحد ، ولكن يذكر ذلك عن مجهول لا يعرف , من أجل العظة والعبرة .
ويستحب لمن يراى علامات حسن الخاتمة - من بياض الوجه ، وإشراقه ، أو إشارة السبابة بالتشهد ، أو غير ذلك - أن يخبر بها الناس ، خاصة أهله , حتى يكثروا له الدعاء والترحم ، و من باب العظة والعبرة للناس والإقتداء بأعماله قبل موته ، إذ بها حصلت له علامات تشير إلى حسن خاتمة .
والخلاصة , قال الإمام الغزالي :
" وإذ بان لك معنى سوء الخاتمة , وما هو مخوف فيها , فاشتغل بالاستعداد لها , فواظب على ذكر الله تعالى وأخرج من قلبك حب الدنيا , وأحرص عن فعل المعاصي جوارحك , وعن الفكر فيها قلبك , واحترز عن مشاهدة المعاصي ومشاهدة أهلها جهدك , فإن ذلك أيضاً يؤثر في قلبك ويصرف إليه فكرك وخواطرك , وإياك أن تسوف وتقول : سأستعد لها إذا جاءت الخاتمة فإن كان نفس من أنفاسك خاتمتك , إذ يمكن أن تختطف فيه روحك , فراقب قلبك في كل تطريفة , وإياك أن تهمله لحظة , فلعل تلك اللحظة خاتمتك , إذ يمكن أن تختطف فيها روحك هذا ما دمت في يقظتك , وأما إذا نمت فإياك أن تنام إلا على طهارة الظاهر والباطن , وأن يغلبك النوم إلا بعد غلبة ذكر الله على قلبك لست أقول على لسانك فإن حركة اللسان بمجردها ضعيفة الأثر .
واعلم قطعاً أنه لا يغلب عند النوم على قلبك إلا ما كان قبل النوم غالباً عليه وأنه لا يغلب في النوم إلا ما كان غالباً قبل النوم , ولا ينبعث عن نومك إلا ما غلب على قلبك في نومك , والموت والبعث شبيه النوم واليقظة , فكما لا ينام العبد إلا على ما غلب عليه في يقظته ولا يستيقظ إلا على ما كان عليه في نومه , فكذلك لا يموت المرء إلا على ما عاش عليه , ولا يحشر إلا على ما مات عليه , وتحقق قطعاً ويقينا أن الموت والبعث حالتان من أحوالك , كما أن النوم واليقظة حالتان من أحوالك , وآمن بهذا تصديقاً باعتقاد القلب إن لم تكن أهلا لمشاهدة ذلك بعين اليقين ونور البصيرة , وراقب أنفاسك ولحظاتك , وإياك أن تغفل عن الله طرفة عين , فإنك إذا فعلت ذلك كله كنت مع ذلك في خطر عظيم فكيف إذا لم تفعل " . 119

الطالحين وسوء الخاتمة
وها هي بعض الصور المظلمة من سوء الخاتمة لكثير من العصاة والجبابرة والزنادقة قديماً وحديثاً لننظر ما قاله هؤلاء عند موتهم ، وما ماتوا عليه .
رجموه بالحجارة بعد الموت
إنه عدو الله تعالى أبي لهب الذي عادي الله ورسوله  أشد العداء ، وحارب دعوته أشد المحاربية ، فلما جاء اليوم الذي مات فيه ، وإذا بالذل والهوان يلحقه ويختم له بخاتمة أهل الشقاء .
قال أبو رافع مولى رسول الله  :
رما الله أبي لهب بالعدسة ـ مرض ـ فقتلته ، فلقد تركه ابناه بعد موته ثلاثاً ما دفناه حتى أنتن ، وكانت قريش تتقي هذه العدسة ، كما تتقي الطاعون ، حتى قال لهم رجل من قريش : ويحكما ، ألا تستحيان أن أباكما قد أنت في بيته لا تدفنانه ؟ فقالا : إنا نخشي عدوة هذه القرحة ، فقال : انطلقا فأنا أعينكما عليه ، فوالله ما غسلوه إلا قذفاً بالماء من بعيد ما يدنون منه ، ثم احتملوه إى أعلى مكة ، فأسندوه إلى جدار ، ثم رجموا عليه بالحجارة . 120
أما إنه من أهل النار
عن سهل بن سعد الساعدي  أن رسول الله  ألتقى هو والمشركون فاقتتلوا , فلما مال رسول الله  إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم , وفى أصحاب رسول الله  رجل لا يدع لهم شاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان , فقال رسول الله  : " أما إنه من أهل النار " , فقال رجل من القوم : أنا صاحبه أبدا , قال : فخرج معه كلما وقف وقف معه , وإذا أسرع أسرع معه , قال : فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت , فوضع نصل سيفه بالإرض وذبابه بين ثدييه , ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه , فخرج الرجل إلى رسول الله  فقال : أشهد أنك رسول الله , قال : " وما ذاك " , قال : الرجل الذى ذكرت آنفاً أنه من أهل النار فاعظم الناس ذلك , فقلت : أنا لكم به , فخرجت في طلبه حتى جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالإرض وذبابه بين ثدييه , ثم تحامل عله فقتل نفسه , فقال رسول الله  عند ذلك : " إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار , وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة " . 121
ذبح في المنام
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
قال بعض السلف : كان لي جار يشتم أبا بكر وعمر  , فلما كان ذات يوم أكثر من شتمهما , فتناولته وتناولني , فأنصرفت إلى منزلي وأنا مغموم حزين فنمت وتركت العشاء , فرأيت رسول الله  في المنام , فقلت : يا رسول الله فلان يسب أصحابك , قال : " من أصحابي ؟ " قلت : أبو بكر وعمر , فقال : " خذ هذه المدية ـ السكين ـ فأذبحه بها " , فأخذتها فأضجعته وذبحته , ورأيت كأن يدي أصابها من دمه , فألقيت المدية وأهويت بيدي إلى الأرض لأمسحها فأنتبهت وأنا أسمع الصراخ من نحو داره , فقلت : ما هذا الصراخ ؟ قالوا : فلان مات فجأة , فلما أصبحنا جئت فنظرت إليه فإذا خط موضع الذبح " . 122
يا عبد الله . . النار . . النار
كان باراً بإمه ، وبعد وفاة أبيه كان هو العائل الوحيد لأسرته , قال على إخوته اليتامى فأحسن تربيتهم ، وملأ البيت حباً وعطفاً وحناناً , أحبته أمه حباً شديداً فجعلت من إخوته خدماً له , تقف أخته الصغرى عند الباب لاستقباله ونزع حذائه ، بينما يبتسم الجميع فرحاً بقدومه .
وتمضي الأعوام ، ويكبر الإخوة ، ويفكر عبد الله بالزواج لإكمال نصف دينه ، فيستشير والدته ، وتُسر بذلك ، وتختار له فتاة ذات مال وجمال , لكنها تفتقر إلى الآداب الإسلامية , غنية بمالها وجمالها ، فقيرة في دينها وخُلقها . .
لقد نسيت تلك الأم أن الجمال الحقيقي هو جمال الروح والخُلق , لا جمال الصورة والمنظر ، كما نسيت وصية المصطفى  : " فاظفر بذات الدين تربت يداك " .
وتزوج عبد الله ، لكنه سرعان ما انقلب رأساً على عقب , فقد عصته زوجته الجميلة على أمه ، فأطاعها وعق أمه , وأصبح مخلوقاً آخر فما هو بالذي كانت تعرف .
ولم تكن زوجته الحسناء بأحسن حال منه ، فقد كانت هي الأخرى عاقه بوالديها اللذين ربما بخلت عليهما بحساء ساخن في أيام الشتاء الباردة .
وتمضي الأيام , وتحصل هذه الزوجة على ترقية عالية في عملها ، فتقيم احتفالاً بهذه المناسبة في أفخم فندق من فنادق المدينة , دعت إليه خواص زميلاتها اللاتي يماثلنها في الثراء أو يتظاهرن بذلك , وأرادت أن يكون احتفالاً متميزاً يسمع به القاصي والداني ، فاستقدمت له فرقة موسيقية بعشرات الآلاف من الريالات .
وبعد ليلة صاخبة أنفق فيها الكثير ، عادت إلي بيتها ، وألقت بنفسها على فراشها الوثير , وفجأة . . صرخت بأعلى صوتها : عبد الله . . عبد الله . . النار .. النار . . تحرقني . . أحس بأظافر من حديد تنهش جسمي . . وتكرر ذلك على زوجها : عبد الله . . النار . . النار . . ولم يكن زوجها يرى ناراً ، ولكنه ذهب مسرعاً وأحضر ماءً بارداً وصبه عليها ، فما زادت إلا صراخاً ، ولا النار إلا توهجاً في جسمها ، وما هي والله بنار ، ولكنها سكرات الموت : { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيدُ } ق : 8 .
ولعلها كانت بداية لعذاب الآخرة جزاء ما اقترفته من معاص وآثام .
وبعد ساعة من الصراخ والعذاب والألم لفظت أنفاسها الأخيرة على فراشها الوثير , مودعة هذه الدنيا إلى عالم النسيان , أين جاهُها , الذي احتفلت من أجله ؟
أين مالها الذي أنفقته في البذخ والإسراف واللهو والغناء ؟
أين جمالها الذي كانت تفخر به ؟
أين وأين وأين . . لقد انتهى كلُ ذلك ولم يبق إلا العمل . . 123
نهاية شارب الخمر
في ليلة من ليلي الربيع المقمرة ، جلس مجموعة من الشباب الصالحين على كثبان الرمل في منطقة معروفة ، وبينما هم يتجاذبون أطراف الحديث إذ سمعوا صوتاً مفزعاً ، تبعه دوي هائل اشتعلت على إثره النيران , نظروا باتجاه الصوت ، فرأوا ناراً تشتعل , انطلق اثنان منهم مسرعين صوب النار حتى وصلا إلى الشارع العام ، فوجدا سيارتين محطمين إحداهما تحترق وقد أخرج منهما رجلان , أحدهما قد فارق الحياة ، والآخر ما زال يلفظ أنفاسه الأخيرة , حملاه إلى أقرب مركز صحي أملاً في إنقاذه ، لكن الأجل لم يمهله ففارق الحياة وهم في الطريق . .
ليس هذا هو المؤلم ، فإن الآجال محدودة ، والأنفاس معدودة ، وقد اعتاد الناس سماع مثل هذه الأخبار والحوادث , ولكن المؤلم أن اللذان لقيا حتفهما كانا . . مخمورين . . نعم مخمورين كما يقال - حتى الثمالة ـ نعوذ بالله من ميتة السوء . 124
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
الوقت فجراً . . الأمطار تهطل بغزارة . . والرعد يزمجر . . والبرق يكاد
يخطف الأبصار .
صوت استغاثة يصدر من إحدى الشقق . . امرأة بلا شعور تستغيث , يسمعها الجيران فيأتون مسرعين . . إنها جارتهم . . زوجها قد خرج إلى العمل فما الذي حدث ؟!
رجل عارٍ ممدد على الأرض قد فارق الحياة . . قلبوه . . حركوه . . إنه جارهم الآخر ، وبعد التحقيق تعترف المرأة . . كانت على موعدٍ معه بعد خروج زوجها . . وأثناء ممارسته لجريمته القذرة دوّى صوت الرعد مسبحاً لله عز وجل فأصيب الرجل بالهلع ، ولقي حتفه على تلك الحال . . سبحانك ربنا ما أعدلك . . سبحانك ربنا ما أحلمك . . كم من عاص لك قد سترته . . وكم من مذنب قد بارزك بالعصيان فتجاوزت عن ذنبه وغفرته . . ولكن ، هل نغتر بعفو الله وحلمه ؟ .
يا ساهر الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحاراً 125
نهاية المجاهرة بالمعاصي
قال الراوي : كنت في مصر أثناء أزمة الكويت ، وقد اعتدت دفن الموتى منذ أن كنت في الكويت ، واشتهرت بذلك ، وذات ليلة اتصلت بي فتاة تطلب مني دفن أمها المتوفاة . . فلبيت طلبها ، وذهبت إلى المقبرة . . وانتظرت عند مكان التغسيل . . وفجأة ، أربع فتيات محجبات يخرجن مسرعات . . لم أسأل عن سبب خروجهن وسرعتهن في الخروج ، لأن ذلك أمر لا يعنيني .
وبعد مدة وجيزة ، خرجت المُغَسلة وطلبت مساعدتها في تغسيل الجنازة ، فقلت لها : إن هذا لا يجوز ، فلا يحل للرجل أن يطلع على عورة المرأة ، فَعللت ذلك بضخامة جسم الميتة وصعوبة تغسيلها ! . . لكنها عادت وأتمت تغسيلها ثم كفنتها ، وأذنت لنا في الدخول لحملها . . دخلنا ، وكنا أحد عشر رجلاً ، وكان الحمل ثقيلاً جداً ، ولما وصلنا إلى فتحة القبر - وكعادة أهل مصر فإن قبورهم مثل الغرف ، ينزلون من الفتحة العلوية إلى قاعة الغرفة يسلم ثم يضعون موتاهم بلا دفن ! ـ فتحتا الباب العلوي ، وأنزلنا الجنازة من على أكتافنا لإدخالها ، لكنها - لثقلها - انزلقت وسقطت منا داخل الغرفة حتى سمعنا قعقعة عظامها وهي تتكسر من جراء السقوط . . .
قال : فنظرت ، فإذا الكفن قد انفتح قليلاً وظهر شيء من الجسم ، فنزلت مسرعاً إلى الجثة وغطيتها ، ثم سحبتها بصعوبة بالغة إلى اتجاه القبلة ، وكشفت عن بعض وجهها , فرأيت منظراً مفزعاً ، عينين جاحظتين مخيفتين ، ووجهاً مسوداً ، فداخلني رعب عظيم ، وكدت أصعق من هول ما رأيت ، فخرجت مسرعاً وأغلقت باب القبر . . وفور وصولي إلى البيت ، اتصلت بي إحدى بنات المتوفاة ، واستحلفتني بالله أن أخبرها بما جرى لوالدتها . . حاولت إخفاء الحقيقة لكنها ألحّت ، فأخبرتها بالذي رأيت . . فقالت : إن هذا هو الذي دعانا إلى الخروج من مكان التغسيل بتلك السرعة . . وأجهشت بالبكاء . . فصبرتها . . ثم سألتها عن حال والدتها ، وهل كانت قبل موتها مقيمة على شيء من المعاصي ؟ فأجابت والحسرة تكاد تقتلها : يا شيخ ، إن والدتنا لم تصل لله ركعة ، وقد ماتت وهي متبرجة . 126
تحول وجهه عن القبلة
قال الشيخ القحطاني :
خرجت ذات يوم من المقبرة بعد صلاة العصر ، وكنا قد قبرنا رجلاً وكان الطين عالقاً في يدي ، فأردت أن أغسلها ، إذ جاءت جنازة , فقال أحدهم : وكانوا في حدود الخمسين رجلاً : بالله عليك أن تساعدنا في دفن هذا الرجل ، فوالله لا نحسن الدفن ، فسلك الرجل من جهه الرجلين وكان ثقيلاً فأعانني عليه بعضهم فوضعته في القبر , وطلبت لبناً أضعها تحت رأسه وقد حللت الأربطة فنظرت فإذا برأس هذا الميت قد تحول ـ عياذاً بالله ـ من القبلة هكذا , فحول الشيخ رأسه ، فقمت برد هذا الميت إلى القبلة وأخذت اللبنة الثانية ولكنى في هذه المرة وجدت عينيه قد فتحتا وأنفه وفمه يصبان الدم الأحمر القاني ، فداخلنى الخوف والوجل حتى إن رجلى لم تستطعا أن تحملاني داخل القبر ، وقد رأي معي اثنان أو ثلاثة هذا المشهد االغريب الخطير ، ثم أعطوني اللبنة الثالثة , فوجدت أنه تحول في المرة الثالثة , فتركته وهربت من القبر نهائياً ، فقام الذين كانوا معي وتولوا عملية الدفن فردموه بالتراب , ولم يغلقوا اللحد من شدة الخوف ، ثم صرت أرى هذا الميت في المنام سبع أو ثماني مرات , حتى سكن الله قلبي عندما ذهبت إلى العمرة وجلست هناك في حدود خمسة عشر يوماً حتى نسيت وعدت إلى الرياض .
وداعاً أيتها الحياة
ليس مشهداً من فيلم أو مسلسل تلفزيوني ، أو قصة نسجها مؤلف أو قاص ، ولكنه واقع أليم شهدته مدينة . . لشاب لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره .
كان فتى يافعاً ممتلئاً نشاطاً وقوة ، لكنه لم يترب تربية إسلامية صحيحة ، ولم يُقَدر له أن يواصل تعليمه كسائر إخوانه وأترابه . . ضاقت به الحياة داخل أركان غرفته المتواضعة التي مكث فيها سنوات بلا عمل سئم الفراغ ، انتابته حالة نفسية حبسته بين الجدران ليل نهار , ولضعف إيمانه أدمن المخدرات . .
وذات ليلة . . وبعد أن انتهى من سماع أغنية لمطرب مشهور , خر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الموت وأحواله Empty
مُساهمةموضوع: الموت وأحواله   الموت وأحواله I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 05, 2013 5:24 pm

الداهية الثانية
سكرات الموت
  والداهية الثانية من دواهي الموت هى " سكرات الموت " , قال تعالى : { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } ق : 19
  والسكرات : جمع سكرة , وهى مأخوذة من السُكر .
  والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله .
  وأكثر ما يستعمل : فى الشراب المسكر .
  ويطلق فى : الغضب , والعشق , والألم , والنعاس , والغشى الناشئ عن الألم , والأخير :هو المراد هنا .     129
  إن الموت أشد ما يحاول المخلوق البشري أن يروغ منه ، أو يبعد شبحه عن خاطره , ولكن أنى له ذلك : والموت طالب لا يمل الطلب ، ولا يبطئ الخطى  ولا يخلف المعياد , وذكر سكرة الموت كفيل برجفة تدب في الأوصال ! وبينما المشهد معروض يسمع الإنسان : { ذلك ما كنت منه تحيد } . وإنه ليرجف لصداها وهو بعد في عالم الحياة ! فكيف به حين تقال له وهو يعاني السكرات .
  ويلفت النظر في التعبير ذكر كلمة الحق : { وجاءت سكرة الموت بالحق } وهي توحي بأن النفس البشرية ترى الحق كاملاً وهي في سكرات الموت , تراه بلا حجاب ، وتدرك منه ما كانت تجهل وما كانت تجحد ، ولكن بعد فوات الأوان حين لا تنفع رؤية ، ولا يجدي إدراك ، ولا تقبل توبة ، ولا يحسب إيمان , وذلك الحق هو الذي كذبوا به فانتهوا إلى الأمر المريج ! . .
  وحين يدركونه ويصدقون به لا يجدي شيئاً ولا يفيد!
  قال الطاهر ابن عاشور :  
  " والسَّكرة : اسم لما يعتري الإنسان من ألم أو اختلال في المزاج يحجب من إدراك العقل , فيختل الإدراك ويعتري العقل غيبوبة , وهي مشتق من السَّكر بفتح فسكون وهو الغلق لأنه يغلق العقل ومنه جاء وصف السكران " .    130
  وقال ابن جرير الطبري :  
  " في قوله : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } وجهان من التأويل ، أحدهما  وجاءت سكرة الموت وهي شدته وغلبته على فهم الإنسان ، كالسكرة من النوم أو الشراب بالحق من أمر الآخرة ، فتبينه الإنسان حتى تثبته وتعرفه .
  والثاني : وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت " .    131
  وقال الألوسي :  
  " و{ سَكْرَةُ الْمَوْتِ } شدته مستعارة من الحالة التي تعرض بين المرء وعقله بجامع إن كلاً منهما يصيب العقل بما يصيب ، وجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية , ويجعل إثبات السكرة له تخييلاً ، وليس بذاك ، والباء إما للتعدية كما في قولك : جاء الرسول بالخبر ، والمعنى أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الذي نطقت به كتب الله تعالى ورسوله   وقيل : حقيقة الأمر وجلية الحال من سعادة الميت وشقاوته ، وقيل : بالحق الذي ينبغي أن يكون من الموت والجزاء فإن الإنسان خلق له " .    132
  ( موعظة ) : فيا من يجول في المعاصي قلبه وهمه , يا مؤثر الهوى على التقى لقد ضاع حزمه , يا معتقداً صحته فيما هو سقمه , يا من كلما زاد عمره زاد إثمه , يا طويل الأمل وقد رق عظمه , أما وعظك الزمان وزجرك ملمه , أين الشباب قل لي قد بان رسمه , أين زمان المرح لم يبق إلا اسمه , أين اللذة ذهب المطعوم وطعمه , كيف يقاوي المقاوي والموت خصمه , كيف خلاص من قد أغرق فيه سهمه , يا لديغ الأمل قد بالغ فيه سمه , يا قليل العبر وقد رحل أبوه وأمه , يا من سيجمعه اللحد عن قليل ويضمه , كيف يوعظ من لا يعظه عقله ولا فهمه , كيف يوقظ من نام قلبه لا عينه ولا جسمه .
   ولقد شبه الله تعالى الذي يخاف خوفاً شديداً بمن هو في سكرات الموت فقال  { فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } الأحزاب : 19 .
  كما سمى الله عز وجل سكرات الموت بالغمرات فقال : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ } الأنعام : 93
  قال ابن جريرالطبري :
  " و( الغمرات) جمع " غمرة " ، وغمرة كل شيء : كثرته ومعظمه ، وأصله : الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها ، ومنه قول الشاعر :
وَهَلْ يُنجِي مِنَ الغمَرَاتِ إلا         بُرَاكاءُ القِتَالِ أوِ الفِرَارُ
  يقول تعالى ذكره لنبيه  : ولو ترى يا محمد ، حين يغمر الموت بسكراته هؤلاء الظالمين العادلين بربهم الآلهة والأنداد ، والقائلين : ما أنزل الله على بشر من شيء ، والمفترين على الله كذبًا ، الزاعمين أن الله أوحى إليه ولم يوح إليه شيء ، والقائلين : سأنزل مثل ما أنزل الله ، فتعاينهم وقد غشيتهم سكرات الموت ، ونزل بهم أمر الله ، وحان فناء آجالهم ، والملائكة باسطو أيديهم يضربون وجوههم وأدبارهم " .     133
السكرات في نظر الطب  
  والسكرات فى نظر الطب : عبارة عن توقف الأعمال الحيوية فى الجسم , نتيجة لتوقف أجهزة وضعها البارى سبحانه وتعالى فى البدن .
  وهذه الأجهزة هى : الجهاز الدورى , الجهاز العصبى , الجهاز التنفسى .
  وبهذا التوقف : يكون الشخص غير قابل للإنعاش , ثم تحدث تغيرات بالجسم تمنعه من العودة إلى الحياة وهنا يقال : إن الشخص قد مات .
  ( موعظة ) : فيا دائماً على هجره وإعراضه , يا ساعياً في هواه وأغراضه , يا من قد أخذ بناء جسمه في انتقاضه , عليل الخطايا لا يزال في إمراضه , هذا عسكر الممات قد دنا بارتكاضه , هذا برق العتاب قد لج بإيماضه , كيف قدر جفن العاصي على إغماضه , كيف ينسى ما قد مات قدما من أبعاضه , لو سمع صخر الفلاة لومك أو ذاق الألم من إمضاضه , لعادت جلاميد الفلا كرضراضه , يا من يعلم غلط عذره ووجه إدحاضه , يا ساعيا إلى ما يؤذي بركاضه , يا هاجراً نصيحه ليته أبغض قبيحه كإبغاضه , استقرض المالك بعض مالك وتقعد عن إقراضه , لقد أنذرك سهم الردى وقوعه قبل إنباضه , فأحد حد حديدته وأسنه بمقراضه .
شدة السكرات
  إن عملية الموت هذه تستغرق من الزمن حوالى عشر دقائق .
  نعم : عشر دقائق فقط !!.
  إنه لأمر هين , يسير , بمقياسنا للزمن !!.
  لكنه صعب , شديد , طويل , بمقياس الله تعالى : { وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ .
  لكنه صعب , شديد , طويل , بمقياس الألم .
  الألم الذى يهون بجواره كل ألم !!.
  قال أبي حامد الغزالي :
  " اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت بمجردها لكان جديراً بأن يتنغص عليه عيشه , ويتكدر عليه سروره , ويفارقه سهوة وغفلته , وحقيقاً بأن يطول فيه فكره , ويعظم له استعداده , لا سيما وهو في كل نفس بصدده .
  كما قال بعض الحكماء : كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك .  
  وقال لقمان لابنه : يا بني أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك .
  والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات , وأطيب مجالس اللهو فانتظر أن يدخل عليه أحد فيضربه خمس ضربات لتكدرت عليه لذته , وفسد عليه عيشه , وهو في كل نفس بصدد أن يدخل عليه ملك الموت بسكرات النزع وهو عنه غافل , فما لهذا سبب إلا الجهل والغرور .
  واعلم أن شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها بالحقيقة إلا من ذاقها , ومن لم يذقها فإنما يعرفها إلا بالقياس إلى الآلام التي أدركها , وإما الاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه , فأما القياس الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم , فإذا كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح , فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سرى الأثر إلى الروح , فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم , والمؤلم يتفرق على اللحم والدم وسائر الأجزاء , فلا يصيب الروح إلا بعض الألم , فإن كان في الآلام ما يباشر نفس الروح ولا يلاقي غيره فما أعظم ذلك الألم وما أشده .
   والنزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح فاستغرق جميع أجزائه , حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم , فلو أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي أصابته الشوكة , وإنما يعظم أثر الاحتراق لأن أجزاء النار تغوص في سائر أجزاء البدن فلا يبقى جزء من العضو المحترق ظاهراً وباطناً إلا وتصيبه النار , فتحسه الأجزاء الروحانية المنتشرة في سائر أجزاء اللحم .
   وأما الجراحة فإنما تصيب الموضع الذي مسه الحديد فقط , فكان لذلك ألم الجرح دون ألم النار , فألم النزع يهجم على نفس الروح , ويستغرق جميع أجزائه , فإنه المنزوع المجذوب من كل عرق من العروق , وعصب من الأعصاب , وجزء من الأجزاء , ومفصل من المفاصل , ومن أصل كل شعرة وبشرة من الفرق إلى القدم , فلا تسأل عن كربة وألمه .
  حتى قالوا : إن الموت لأشد من ضرب بالسيف , ونشر بالمناشير , وقرض بالمقاريض , لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح , فكيف إذا كان المقاول المباشر نفس الروح , وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته في قلبه وفي لسانه , وإنما انقطع صوت الميت وصياحه من شدة ألمه لأن الكرب قد بالغ فيه وتصاعد على قلبه وبلغ كل موضع منه , فهد كل قوة وضعف كل جارحة , فلم يترك له قوة الاستغاثة .
  أما العقل فقد غشيه وشوشه . .  
  وأما اللسان فقد أبكمه . .
  وأما الأطراف فقد ضعفها . .  
  ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح والاستغاثة , ولكنه لا يقدر على ذلك , فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها خواراً وغرغرة من حلقه وصدره , وقد تغير لونه واربد , حتى كأنه ظهر منه التراب الذي هو أصل فطرته , وقد جذب منه كل عرق على حياله فالألم منتشر في داخله وخارجه , حتى ترتفع الحدقتان إلى أعالي أجفانه , وتتقلص الشفتان ويتقلص اللسان إلى أصله , وترتفع الأنثيان إلى أعالي موضعهما وتخضر أنامله .
  فلا تسل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه , ولو كان المجذوب عرقاً واحداً لكان ألمه عظيماً , فكيف والمجذوب نفس الروح المتألم لا من عرق واحد بل من جميع العروق .
   ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجاً , فتبرد أولا قدماه , ثم ساقاه , ثم فخذاه , ولكل عضو سكرة بعد سكرة , وكربة بعد كربة , حتى يبلغ بها إلى الحلقوم , فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها , ويغلق دونه باب التوبة وتحيط به الحسرة والندامة " .   134
  قال عيسى  : " يا معشر الحواريين ادعوا الله تعالى أن يهون على هذه
السكرة ـ يعني الموت ـ فقد خفت الموت مخافة أوقفني خوفي من الموت على الموت " .
  وكان علي  يحض على القتال ويقول : " إن لم تقتلوا تموتوا , والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من موت على فراش " .
  وقال شداد بن أوس : " الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن وهو أشد من نشر بالمناشير , وقرض بالمقاريض , وغلي في القدور , ولو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بالموت ما انتفعوا بعيش ولا لذوا بنوم " .
  وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال : " إذا بقي على المؤمن من درجاته شيء لم يبلغها بعمله شدد عليه الموت ليبلغ بسكرات الموت وكربه درجته في الجنة وإذا كان للكافر معروف لم يجز به هون عليه في الموت ليستكمل ثواب معروفه فيصير إلى النار " .  135
   وعن بعضهم أنه كان يسأل كثيراً من المرضى كيف تجدون الموت ؟
   فلما مرض قيل له : فأنت كيف تجده ؟ , فقال : " كأن السموات مطبقة على الأرض وكأن نفسي يخرج من ثقب إبرة " .  136
  ولما احتضر عمرو بن العاص سأله ابنه عن صفة الموت ، فقال : " والله لكأن جنبي في تخت ، ولكأني أتنفس من سم إبرة ، وكأن غصن شوك يجر به من قدمي إلى هامتي " .  137
  وقيل لرجل عند الموت : كيف تجدك ؟
  فقال : " أجدني أجتذب اجتذاباً ، وكأن الخناجر مختلفة في جوفي ، وكأن جوفي تنور محمى يلتهب توقداً " .  138
  وقال عمر  لكعب الأحبار : يا كعب حدثنا عن الموت .
  فقال : نعم يا أمير المؤمنين , إن الموت كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل , وأخذت كل شوكة بعرق , ثم جذبه رجل شديد الجذب , فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى "  .  139
  ( موعظة ) : فيا من لا يتعظ بسلف آبائه , يا من لا يعتبر بتلف أو دائه , يا أسير أغراضه وقتيل أهوائه , يا من عجزت الأطباء عن إصلاح دائه , يا مشغولاً بذكر بقائه عن ذكر فنائه , يا مغروراً قد حل الممات بفنائه , يا معجباً بثوب صحته يمشي في خيلائه , يا معرضاً عن نصيحه مشمتاً لأعدائه , يا من يلهو بأمله ويا من أجله من ورائه , يجمع العيب إلى الشيب وهذا من أقبح رائه  كم رأيت مستلباً من سرور ونعمائه , كم شاهدت مأخوذاً عن أحبابه وأبنائه , بينا هو في غروره دب الموت في أعضائه , بينا جرع اللذة فيه شرق بمائه , بينا ناظر النظير يعجبه صار عبرة لنظرائه , ماله ضيع ماله وبقي في بلائه .
النبي  في سكرات الموت
  عن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت :
  " ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذى رأيت من شدة موت رسول الله " .  140
  وعن أنس  قال : لما ثقل رسول الله  جعل يتغشاه فقالت فاطمة : واكرباه لكربك يا أبتاه ! وهو يقول : " لا كرب على أبيك بعد اليوم " .  141
  وروي أن النبي  كان بين يديه ركوة , أو علبة فيها ماء , فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول : " لا إله إلا الله إن للموت سكرات " .  142
التوبة تقبل إلا في حالتين اثنتين
  من رحمه الله تعالى أن جعل باب التوبة مفتوح لكل مذنب وعاصي ، فقال عز وجل : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر : 53 .  
  وقال تعالى : { غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }غافر : 3 .
  وقال النبي  : " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل  . . " .   143
  ولكن توجد حالتين اثنتين فقط لا يقبل الله عز وجل التوبة من عبده . .
  الحالة الأولى : حينما تبلغ الروح إلى الحلقوم ، ويري المحتضر صفحة وجه ملك الموت ، حينها يغلق باب التوبة أمامه . .
  قال النبي  : " إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " .   144
  أما الحالة الثانية : فعند خروج الشمس من المغرب وغروبها في المشرق ، وهي علامة من علامات الساعة الكبري . .
  قال النبي  : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت  فرآها الناس آمنوا جميعاً ، فذاك حين لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " .  145
  ( موعظة ) : فيا من ذنوبه كثيرة لا تعد , ووجه صحيفته بمخالفته قد اسود , كم ندعوك إلى الوصال وتأبى إلا الصد , أما الموت قد سعى نحوك وجد , أما عزم أن يلحقك بالأب والجد , أما ترى منعماً أترب الثرى منه الخد  كم عاينت متجبراً كف الموت كفه الممتد , فاحذر أن يأتي على المعاصي فإنه إذا أتى أبى الرد .
  كم أسمعك الموت وعيدك , فلم تنتبه حتى قطع وريدك , ونقض منزلك وهدم مشيدك , ومزق مالك وفرق عبيدك , وأخلى دارك وملأ بيدك , أما رأيت قرينك أما أبصرت فقيدك , يا ميتاً عن قليل ممهد تمهيدك , وانظر لنفسك مجتهدا وحقق تجويدك , لقد أمرضك الهوى وفي عزمه أن يزيدك .
الذي لا يشعر بالسكرات
  كما سبق يظهر لنا مدي شده سكرات الموت على عامة البشر ، حتى على النبي  فقد عان من شدة سكرات الموت ما عان .
  ولكن السؤال الآن : هل يوجد من ينجو من هذه السكرات ؟!
 والجواب : نعم ، يوجد صنف واحد فقط لا يشعر بسكرات الموت ، ولا بألم الموت ، ولا بغصصه , بل تخرج روحه في منتهي اليسر , ألا وهو الشهيد .
  عن أبي هريرة  قال : قال النبي  : " الشهيد لا يجد من ألم القتل إلا كم يجد أحدكم ألم القرصة " .     146
  ولله در القائل :
أقولُ لها وقد طارتْ شعاعــــــاً     من الأبطالِ ويحكِ لن تراعــــــــــــــــي
فإِنكِ لو سألتِ بقاءَ يــــــــــــومٍ     على الأجلِ الذي لكِ لن تطاعــــــــــــــي
فصبراً في مجالِ الموتِ صبـراً      فما نيلُ الخلودِ بمستطــــــــــــــــــــــاعِ
ولا ثوبُ البقاءِ بثوبِ عــــــــــزٍ     فيطوى عن أخي الخنَعِ اليــــــــــــــراعِ
سبيلُ الموتِ غايةُ كلِّ حــــــــيٍ      فداعِيهِ لأهلِ الأرضِ داعــــــــــــــــــي
ومن يُعتبط يسأمْ ويَهْــــــــــــرَمْ      وتسلمُه المنونُ إِلى انقطــــــــــــــــــاعِ
وما للمرءِ خيرٌ من حيـــــــــــاةٍ      إِذا ماعُد من سقطِ المتـــــــــــــــــــــاعِ
            

الداهية الثالثة
هول المطلع
  أما الداهية الثالثة للموت هي " هول المطلع " , والمقصود منها هو رؤية وجه ملك الموت عند حالة الاحتضار , وتبشيره الميت إما برضوان الله جل وعلا ، وإما بسخط الله تعالى .
  وملك الموت ملك كريم من ملائكة الله جل وعلا ، خلقه الله جل وعلا لهذه المهمة ، وهي قبض أرواح العباد ، وقد ورد أن اسمه " عزرائيل " وهذا  الاسم لم يرد في القرآن ولا في السنة المطهرة ، ولكنه جاءنا عن طريق أهل الكتاب ، والاسم الذي سماه الله به هو " ملك الموت " .  
  قال تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}السجدة :11
  قال الألوسي في تفسير هذه الآية :
 { قُلْ } رداً عليهم { يتوفاكم مَّلَكُ الموت } يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئاً من أجزائها , أولاً يترك شيئاً من جزئياتها ولا يبقى أحداً منكم ، وأصل التوفي أخذ الشيء بتمامه .
  وفسر بالاستيفاء لأن التفعل والاستفعال يلتقيان كثيراً كتقضيته واستقضيته وتعجله واستعجلته .
  ونسبة التوفي إلى ملك الموت باعتبار أنه عليه الصلاة والسلام يباشر قبض الأنفس بأمره عز وجل كما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى { الذى وُكّلَ بِكُمْ }
أي بقبض أنفسكم , ومعرفة انتهاء آجالكم " .    147
  وقد ذكر الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ في " تذكرته " سبب اختيار الله تعالى لملك الموت في قبض أرواح العباد فقال :
  روى الزهري ووهب بن منبه و غيرهما ما معناه : إن الله أرسل جبريل  ليأتيه من تربة الأرض , فأتاها ليأخذ منها فاستعاذت بالله من ذلك فأعاذها فأرسل ميكائيل فاستعاذت منه فأعاذها , فبعث عزرائيل فاستعاذت منه فلم يعذها , فأخذ منها , فقال الرب تبارك و تعالى : أما استعاذت بي منك ؟ قال : نعم , قال : فهلا رحمتها كما رحمها صاحباك ؟ قال : يا رب طاعتك أوجب علي من رحمتي إياها .
  قال الله عز و جل : اذهب فأنت ملك الموت سلطتك على قبض أرواحهم فبكى فقال ما يبكيك ؟ فقال : يا رب إنك تخلق من هذا الخلق أنبياء و أصفياء و مرسلين وإنك لم تخلق خلقاً أكره إليهم من الموت , فإذا عرفوني أبغضوني و شتموني .
قال الله تعالى : " إني سأجعل للموت عللاً و أسباباً ينسبون الموت إليها ولا يذكرونك معها " , فخلق الله الأوجاع و سائر الحتوف .    148
  وصح عن مجاهد أنه قال عن ملك الموت : " حويت له الأرض فجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء " .  149
  وقال ابن عباس  : " خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب " .  150
  وقال الحسن : "  ما من يوم إلا وملك اليوم يتصفح كل بيت ثلاث مرات فمن وجده منهم قد استوفى رزقه وانقضى أجله قبض روحه , فإذا قبض روحه أقبل أهله برنة وبكاء , فيأخذ ملك الموت بعضادتي الباب فيقول : والله ما أكلت له رزقاً ولا أفنيت له عمراً ولا انتقصت له أجلاً , وإن لي فيكم لعودة بعد عودة حتى لا ابقي منكم أحداً .
  قال الحسن : فوالله لو يرون مقامه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم " .  
  وقال يزيد الرقاشى : " بينما جبار من الجبابرة من بني إسرائيل جالس في منزله قد خلا ببعض أهله , إذ نظر إلى شخص قد دخل من باب بيته , فثار إليه فزعاً مغضباً فقال له : من أنت ؟ ومن أدخلك على داري ؟
  فقال : أما الذي أدخلني الدار فربها , وأما أنا فالذي لا يمنع من الحجاب ولا استأذن على الملوك , ولا أخاف صولة المتسلطين , ولا يمتنع مني كل جبار عنيد ولا شيطان مريد , قال : فسقط في يد الجبار وارتعد حتى سقط منكباً على وجهه ثم رفع رأسه إليه مستجدياً متذللاً له فقال له : أنت إذن ملك الموت , قال أنا هو , قال : فهل أنت ممهل حتى أحدث عهداً ؟ قال : هيهات انقطعت مدتك وانقضت أنفاسك , ونفدت ساعاتك , فليس إلى تأخيرك سبيل , قال : فإلى أين تذهب بي ؟ قال : إلى عملك الذي قدمته , وإلى بيتك الذي مهدته , قال : فإني لم أقدم عملاً صالحاً , ولم أمهد بيتاً حسناً , قال : فإلى لظى , نزاعة للشوى , ثم قبض روحه , فسقط ميتا بين أهله فمن بين صارخ وباك " .
  وعن الأعمش عن خيثمة قال : "  دخل ملك الموت على سليمان بن داود  فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه , فلما خرج قال الرجل من هذا ؟ قال : هذا ملك الموت , قال : لقد رأيته ينظر إلى كأنه يريدني , قال فماذا تريد ؟ قال : أريد أن تخلصني منه فتأمر الريح حتى تحملني إلى أقصى الهند , ففعلت الريح ذلك , ثم قال سليمان لملك الموت بعد أن أتاه ثانيا : رأيتك تديم النظر إلى واحد من جلسائي .
  قال : نعم , كنت أتعجب منه لأني كنت أمرت أن أقبضه بأقصى الهند في ساعة قريبة وكان عندك فعجبت من ذلك " .  151
  وقال ابن بطة : " الإيمان بملك الموت أنه يقبض الأرواح ، ثم ترد في الأجساد في القبور ، وهو يتصف بصفات من القدرة والسلطان وعظم الخلق وغيرهما من الصفات التى جعلته قادراً على قبض أرواح كثيرة في أماكن مختلفة بعيدة الأطراف في لحظة واحدة " .   152
 وملك الموت قد جعل الله له أعواناً معه من الملائكة يتوفون روح العبد ، قال
تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ }الأنعام : 61 .
  وقال تعالى : {  فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ{83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ{84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ{85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ{86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{87} } .  
  يقول صاحب الظلال  :
  يصور الموقف التصوير القرآني الموحي ، الذي يرسم ظلال الموقف كلها في لمسات سريعة ناطقة بكل ما فيه ، وبكل ما وراءه ، وبكل ما يوحيه .
  { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ{83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ{84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ } .
  لنكاد نسمع صوت الحشرجة ، ونبصر تقبض الملامح ، ونحس الكرب والضيق من خلال قوله : { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ } . . كما نكاد نبصر نظرة العجز وذهول اليأس في ملامح الحاضرين من خلال قوله : { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } . .
  هنا , في هذه اللحظة , وقد فرغت الروح من أمر الدنيا , وخلفت وراءها الأرض وما فيها , وهي تستقبل عالماً لا عهد لها به ، ولا تملك من أمره شيئاً إلا ما أدخرت من عمل ، وما كسبت من خير أو شر .
  هنا , وهي ترى ولا تملك الحديث عما ترى , وقد انفصلت عمن حولها وما حولها , الجسد هو الذي يراه الناظرون , ولكنهم ينظرون ولا يرون ما يجري ولا يملكون من الأمر شيئاً .
  هنا تقف قدرة البشر ، ويقف علم البشر ، وينتهي مجال البشر .
  هنا يعرفون - ولا يجادلون - أنهم عجزة عجزة , قاصرون قاصرون .
  هنا يسدل الستار دون الرؤية , ودون المعرفة , ودون الحركة .
  هنا تتفرد القدرة الإلهية ، والعلم الإلهي , ويخلص الأمر كله لله بلا شائبة ولا شبهة ولا جدال ولا محال .
  { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ } !
  وهنا يجلل الموقف جلال الله ، ورهبة حضوره - سبحانه وتعالى - وهو حاضر في كل وقت , ولكن التعبير يوقظ الشعور بهذه الحقيقة التي يغفل عنها البشر , فإذا مجلس الموت تجلله رهبة الحضور وجلاله فوق ما فيه من عجز ورهبة وانقطاع ووداع .
  وفي ظل هذه المشاعر الراجفة الواجفة الآسية الآسفة يجيء التحدي الذي يقطع كل قول وينهي كل جدال : { فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ{86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
  فلو كان الأمر كما تقولون : إنه لا حساب ولا جزاء , فأنتم إذن طلقاء غير مدينين ولا محاسبين , فدونكم إذن فلترجعوها - وقد بلغت الحلقوم - لتردوها عما هي ذاهبة إليه من حساب وجزاء , وأنتم حولها تنظرون , وهي ماضية إلى الدينونة الكبرى , وأنتم ساكنون عاجزون !
  هنا تسقط كل تعلة , وتنقطع كل حجة , ويبطل كل محال , وينتهي كل جدال  ويثقل ضغط هذه الحقيقة على الكيان البشري ، فلا يصمد له ، إلا وهو يكابر بلا حجة ولا دليل !
  ثم يمضي السياق في بيان مصير هذه الروح الذي يتراءى لها من بعيد حين تبلغ الحلقوم ، وتستدبر الحياة الفانية ، وتستقبل الحياة الباقية .  153
أخا الإسلام :
الردى للأنام بالمرصـــــــــــــادِ    كل حي منه على ميعـــــــــــــادِ
كيف يرجى ثباتُ أمرِ زمــــــانٍ    هو جارٍ طبعاً على الأضـــــــدادِ
فإِذا سَر ساءَ حتماً ويقضــــــــي    بوجودٍ إِلى بلىً ونفــــــــــــــــادِ
نحنُ في هذه الحياة كسفـــــــــــرٍ   ربما أعجلوا عـــــــــــن الإِروادِ
      عرسوا ساعة ثم نــــــــــــــــادى    بالرحيل المُجد فيهم منـــــــــــادِ
كم أب وله بثكلِ بنيـــــــــــــــــهِ    كم يتيم فينا مــــــــــــــن الأولادِ
فعلامَ المشاجراتُ وفيمــــــــــــا    ولماذا تحاسُد الحُســــــــــــــادِ ؟
يَدعي المــــرءُ إِرث أرض ودار    سَفَها غير لائق بالســـــــــــــدادِ
وهو موروثها إِذا كان يبقــــــــى    وهي تبقى على مَدَى الآبــــــــادِ
وقصاراه أن يُشيع محمـــــــــولاً    بأكفانهِ على الأعــــــــــــــــــوادِ
وإِذا الأهلُ والأقاربُ والأحبــابُ     راحُوا فأنت في الإِثْرِ غـــــــــادِ
 ( موعظة ) : عجباً لمن عرف الدنيا ثم اغتر , أما يقيس ما بقي بما مر أيؤثر لبيب على الخير الشر , أيختار الفطن على النفع الضر .
  كم نعمة عليك قد سلفتها , وما قمت بفريضة كلفتها , إذا دعيت إلى التوبة سوفتها , وإن جاءت الصلاة ضيعتها , وإذا قمت في العبادة خففتها , وإذا لاح لك وجه الدنيا ترشفتها , لقد آفتك آفة الدنيا وما أفتها , إنها لدار قلعة تضيفتها أو ليس قد شبت وما عرفتها , كم حيلة في مكاسبها تلطفتها , ولو شغلتك عنها آيات تأففتها , كم بادية في أرباحها تعسفتها , كم قفار في طلبها طفتها , كم كذبات من أجل الدنيا زخرفتها , لقد استشعرت محبتها إي والله والتحفتها تحضر المسجد وقلبك مع التي ألفتها , أو ما يكفيك أموالك وقد ألفتها , تالله لو علمت ما تجني عفتها , أنسيت تلك الذنوب التي أسلفتها , ألست الذي تذكرتها ثم خفتها , آه لمراحل أيام قطعتها وخلفتها , آه لبضائع عمر بذرت فيها وأتلفتها لو أردت خيراً وبختها وعفتها , لو قبلتها بالوفاق فهلا خالفتها .
قبض روح المؤمن
  مما لا شك فيه أن المؤمن حين تقبض روحه يختلف اختلافاً شاسعاً بينه وبين قبض روح الكافر أو الفاسق أو العاصي , فروح المؤمن تخرج بكل سهولة ويسر ، على نقيض روح الكافر ، وفي هذا الجزء نوضح بإذن الله الفارق بين قبض روح المؤمن ، وقبض روح الكافر ، ونبدأ أولاً بقبض روح المؤمن :
  قلت ـ المصنف ـ : جاءت آيات وأحاديث كثيرة وآثار تبين لنا كيف تقبض روح العبد المؤمن ، وما يحدث له بعد موته من الخير والبشارة من الله جل وعلا .
  قال تعالى : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } النحل : 32 .  
  قال الطبري :
  وقوله : { يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ } يعني جل ثناؤه أن الملائكة تقبض أرواح هؤلاء المتقين ، وهي تقول لهم : سلام عليكم صيروا إلى الجنة بشارة من الله تبشرهم بها الملائكة .
  وعن محمد بن كعب القرظي قال : " إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال : السلام عليك يا وليّ الله ، الله يقرأ عليك السلام ، ثم نزع بهذه الآية  { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ . . } إلى آخر الآية .   154
  وقال تعالى  : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } فصلت : 30 .  
  لما بين الله تعالى حال الكافرين في الدار الآخرة وهو أسوأ حال , بين حال المؤمنين في الآخرة وهي أحسن حال وأطيب مآل , فقال : إن الذين قالوا ربنا الله , أي لا رب لنا غيره , ولا إله لنا سواه ، ثم استقاموا , فلم يشركوا به في عبادته أحداً فأدوا الفرائض واجتنبوا النواهي وماتوا على ذلك , هؤلاء تتنزل عليهم الملائكة , أي : تهبط عليهم وذلك عند الموت بأن تقول لهم : لا تخافوا على ما أنتم مقدمون عليه من البرزخ والدار الآخرة , ولا تحزنوا على ما خلفتم وراءكم , وأبشروا بالجنة دار السلام التي كنتم توعدونها في الكتاب وعلى لسان الرسول  , نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا إذا كنا نسددكم ونحفظكم من الوقوع في المعاصي ، وفي الآخرة نستقبلكم عند الخروج من قبوركم حتى تدخلوا جنة ربكم , ولكم فيها أي في الجنة ما تشتهي أنفسكم من الملاذ ولكم فيها ما تدعون أي تطلبون مما ترغبون فيه وتشتهون .  
  نزلا : أي قرىً وضيافة من لدن رب غفور لكم رحيم بكم , لا إله إلا هو ولا رب سواه .
  قال العلامة السعدي :
  " يخبر تعالى عن أوليائه ، وفي ضمن ذلك تنشيطهم ، والحث على الاقتداء بهم ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } أي : اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى ، واستسلموا لأمره ، ثم استقاموا على الصراط المستقيم ، علمًا وعملا فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
  { تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ } الكرام ، أي : يتكرر نزولهم عليهم ، مبشرين لهم عند الاحتضار , { أَلا تَخَافُوا } على ما يستقبل من أمركم ، { وَلا تَحْزَنُوا } على ما مضى ، فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل ، { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فإنها قد وجبت لكم وثبتت ، وكان وعد الله مفعولا ويقولون لهم أيضا - مثبتين لهم ، ومبشرين ـ : { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } يحثونهم في الدنيا على الخير ، ويزينونه لهم ، ويرهبونهم عن الشر ، ويقبحونه في قلوبهم ، ويدعون الله لهم ، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف ، وخصوصًا عند الموت وشدته ، والقبر وظلمته ، وفي القيامة وأهوالها ، وعلى الصراط ، وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم .  155
  وقال تعالى : { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } الواقعة : 88 ـ 90 .
  قال العلامة السعدي :
  ذكر الله تعالى أحوال الطوائف الثلاث : المقربين ، وأصحاب اليمين ، والمكذبين الضالين ، في أول السورة في دار القرار .
  ثم ذكر أحوالهم في آخرها عند الاحتضار والموت ، فقال : { فَأَمَّا إِنْ كَانَ } الميت { مِنَ الْمُقَرَّبِينَ } وهم الذين أدوا الواجبات والمستحبات ، وتركوا  المحرمات والمكروهات وفضول المباحات.
  { فـ } لهم { رَوْحٌ } أي : راحة وطمأنينة ، وسرور وبهجة ، ونعيم القلب والروح ، { وَرَيْحَانٌ } وهو اسم جامع لكل لذة بدنية ، من أنواع المآكل والمشارب وغيرهما ، وقيل : الريحان هو الطيب المعروف ، فيكون تعبيراً بنوع الشيء عن جنسه العام  .
  { وَجَنَّةُ نَعِيمٍ }  : جامعة للأمرين كليهما ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن
سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة التي تكاد تطير منها الأرواح من الفرح والسرور .
  كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أن لا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نزلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } .
  وقد أول قوله تبارك تعالى : { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } أن هذه البشارة المذكورة ، هي البشرى في الحياة الدنيا .
  وقوله : { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } وهم الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات ، و {إن} حصل منهم التقصير في بعض الحقوق التي لا تخل بتوحيدهم وإيمانهم{ فـ } يقال لأحدهم : { سَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } أي : سلام حاصل لك من إخوانك أصحاب اليمين , أي : يسلمون عليه ويحيونه عند وصوله إليهم ولقائهم له ، أو يقال له : سلام لك من الآفات والبليات والعذاب ، لأنك من أصحاب اليمين الذين سلموا من الذنوب الموبقات.    156
  ( فائدة ) : ومن الأحاديث والآثار التى وردت في كيفية قبض روح المؤمن :
  عن أبي هريرة  قال : قال رسول الله  : " إن الله قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب , وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه  وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به , ويده التي يبطش بها , ورجله التي يمشي بها , وإن سألني لأعطينه , ولئن استعاذني لأعيذنه , وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته " .  157
  وفي هذا الحديث كناية عن لطف الله جل وعلا وشفقته بعبده المؤمن بعدم الإسراع في قبض روحه , لإن في ذلك ما يكره المؤمن .
  وحديث البراء بن عازب المشهور الذي يصف لنا ماذا يحدث للعبد المؤمن والعبد الكافر من لحظة خروج الروح إلى القبر .
  فعن البراء بن عازب قال :
  خرجنا مع رسول الله  في جنازة رجل من الأنصار , فانتهينا إلى القبر و لم يلحد بعد , قال : فقعدنا حول النبي  فجعل ينظر إلى السماء و ينظر إلى الأرض ـ وفي رواية : وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير , وفي يده عود ينكت به في الأرض ـ و جعل يرفع بصره و يخفضه ثلاثاً ثم قال : " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر " , ثم قال : " إن الرجل المسلم ـ وفي رواية المؤمن ـ إذا كان في إقبال من الآخرة , و انقطاع من الدنيا , جاء ملك الموت فقعد عند رأسه , و ينزل ملائكة من السماء كأن وجوههم الشمس , معهم أكفان من أكفان الجنة  و حنوط من حنوط الجنة , فيقعدون منه مد البصر , قال : فيقول ملك الموت : أيتها النفس المطمئنة , أخرجي إلى مغفرة من الله و رضوان , قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء , فلا يتركونها في يده طرفة عين فيصعدون بها إلى السماء , فلا يمرون بها على جند من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ .
 فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه , فإذا انتهى إلى السماء فتحت له أبواب السماء , ثم يشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة ثم يقال : اكتبوا كتابه في عليين , ثم يقال : ارجعوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم إني منها خلقتهم , و فيها أعيدهم , و منها أخرجهم تارة أخرى , فترد روحه إلى جسده فتأتيه الملائكة فيقولون  من ربك ؟ .
 قال : فيقول : الله .
 فيقولون : ما دينك ؟ .
 فيقول : الإسلام .
 فيقولون : ما هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ .
 قال : فيقول رسول الله .
 قال : فيقولون و ما يدريك ؟ .
 قال : فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به و صدقت .
 قال : فينادي مناد من السماء أن صدق فأفرشوه من الجنة , و ألبسوه من الجنة , و أروه منزله من الجنة .
 قال : و يمد له في قبره و يأتيه روح الجنة وريحها , قال : فيفعل ذلك به و يمثل له رجل حسن الوجه , حسن الثياب , طيب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد .
 فيقول : من أنت فوجهك وجه يبشر بالخير ؟ .
 قال : فيقول : أنا عملك الصالح , قال : فهو يقول : رب أقم الساعة , كي أرجع إلى أهلي و مالي ثم قرأ { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }. . " 158  
  وفي هذا الحديث يوضح لنا النبي   ما يحدث للعبد المؤمن حين موته , فإذا كان العبد من المؤمنين الموحدين , فيأتيه عند موته ملائكة بيض الوجوه ، بيض الثياب ، فيجلسون منه علي مد بصره , وهذه كرامة ورحمه من الله عز وجل بالمؤمن .
  ثم يأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه ثم يقول : أخرجي أيتها الروح الطيبة  كانت في الجسد الطيب ، فتخرج الروح تسيل من الجسد بكل سهولة ويسر ، كما تسيل قطرة الماء من في السقاء , فيصعد بروح المؤمن إلى الله عز وجل ، حتى يقف بين يدي الله تعالي ، فيقول المولي جل جلاله : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وما أدراك ما عليون . . . الخ .
  وقال  : " لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله فإن نفس المؤمن تخرج رشحاً ونفس الكافر تخرج من شدقه كما تخرج نفس الحمار " .  159
 وقال رسول الله  : " إن المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء ، فيقولون : اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله تعالى وريحان  ورب غير غضبان ، فتخرج كأطيب ريح المسك حتى إنه ليتناول بعضهم بعضاً فيسمونه بأحسن الأسماء له حتى يأتوا به باب السماء فيقولون : ما أطيب هذه الريح التى جاءت من الأرض ! ! كلما أتوا سماء قالوا كذلك , حتى يأتوا به أرواح المؤمنين , فهم أفرح به من أحدكم بغائبه إذا قدم ، فيسألونه ما فعل فلان ؟ فيقولون : دعوه حتى يستريح ، فإنه كان في غم الدنيا " . 160  
  ( موعظة ) : أخا الإسلام :  إلى متى هذا التخليط , والموت بك محيط , أين الأخ والخليط , بادرهما موت نشيط , كيف يلهوا هذا الشميط , وله أسد مستشيط , وعليه وسخ وما يميط , لا بل دم عبيط , يا ربما انقبض النشيط , فتيقظ فكم هذا الغطيط , اقبل نصحي واسمع من الوسيط .
  يا ذا التحرك في الهوى لا بد له من سكون , على هذا كانت الدنيا وعليه تكون , لا يغرنك سهلها فبعد السهل حزون , لا تنظر إلى فرحها فكل فرح محزون , تأمل فعلها بغيرك فبغض المقبح يهون , إن روحك دين الممات وستقضى الديون , ما فرحها مستتم ولا ترحها مأمون , ما أضحكت السن إلا وأبكت العيون , إياك وإيا المومس الخثون , إنها لدار الغرور ومنزل للمنون كم نلوم على الغبن وما يعقل المغبون , مهلاً أضعتم المواعظ قلب هذا مفتون يا لائماً لي في الهوى ماذا هوى هذا جنون !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الموت وأحواله Empty
مُساهمةموضوع: الموت وأحواله   الموت وأحواله I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 05, 2013 5:26 pm

قبض روح الكافر
  أما في قبض الروح الكافر فالحال يختلف تماماً ، حيث تنزع روحه بشدة وقسوة ، إلى جانب ما يشاهدة هذا الصنف من البشر من الهوان والذل من الله تعالى عند خروج الروح .
  قال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ  } الأنفال :50 .
  قال الإمام الطبري :
  " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد  : ولو تعاين يا محمد ، حين يتوفى الملائكة أرواحَ الكفار ، فتنزعها من أجسادهم ، تضرب الوجوه منهم والأستاه  ويقولون لهم : ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم يوم ورودكم جهنم " .  161
  وقال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } الأنعام : 93 .  
  قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ :
  " أي : بالضرب لهم حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم , ولهذا يقولون لهم : { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ } وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال ، والأغلال والسلاسل ، والجحيم والحميم ، وغضب الرحمن الرحيم .
   فتتفرق روحه في جسده ، وتعصى وتأبى الخروج ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم : { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } أي : اليوم تهانون غاية الإهانة ، كما كنتم تكذبون على الله ، وتستكبرون عن اتباع آياته ، والانقياد لرسله " .  162
  وقال السعدي :
 { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ } أي : شدائده وأهواله الفظيعة ، وكربه الشنيعة , لرأيت أمرا هائلاً , وحالة لا يقدر الواصف أن يصفها.
  { وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ } إلى أولئك الظالمين المحتضرين بالضرب والعذاب ، يقولون لهم عند منازعة أرواحهم وقلقها ، وتعصيها للخروج من الأبدان : { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } أي : العذاب الشديد  الذي يهينكم ويذلكم والجزاء من جنس العمل ، فإن هذا العذاب { بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ } من كذبكم عليه ، وردكم للحق الذي جاءت به الرسل . { وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } أي : تَرَفعون عن الانقياد لها ،  والاستسلام لأحكامها , وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه ، فإن هذا الخطاب والعذاب الموجه إليهم ، إنما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده .
وفيه دليل على أن الروح جسم ، يدخل ويخرج ، ويخاطب ، ويساكن الجسد ، ويفارقه ، فهذه حالهم في البرزخ " .  163
  ومن الأحاديث والتى وردت في هذا الشأن :
  ما رواة البراء بن عازب عن النبي  قال : " . . . .، وأما الفاجر ـ وفي رواية الكافر ـ : فإذا كان في قبل من الآخرة , وانقطاع من الدنيا أتاه ملك الموت فيقعد عند رأسه , و ينزل الملائكة سود الوجوه , معهم المسوح , فيقعدون منه مد البصر , فيقول ملك الموت : أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله و غضب , قال : فتفرق في جسده , فينقطع معها العروق و العصب , كما يستخرج الصوف المبلول بالسفود ذي الشعب .
  قال : فيقومون إليه فلا يدعونها في يده طرفة عين , فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون على جند من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟
  قال : فيقولون : فلان بأقبح أسمائه .
  قال : فإذا انتهى به إلى السماء غلقت دونه أبواب السماوات , قال : و يقال اكتبوا كتابه في سجين , قال : ثم يقال : أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم , و فيها أعيدهم , و منها أخرجهم تارة أخرى .
  قال : فيرمى بروحه حتى تقع في جسده , قال : ثم قرأ { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } .
  قال : فتأتيه الملائكة فيقولون : من ربك ؟
  قال : فيقول : لا أدري ـ وفي رواية : فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولون له : لا دريت ولا تليت ـ  فينادي مناد من السماء : أن قد كذب فأفرشوه من النار , وألبسوه من النار , و أروه منزله من النار , فيضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه .
  قال : و يأتيه ريحها و حرها , قال : فيفعل به ذلك , و يمثل له رجل قبيح الوجه , قبيح الثياب , منتن الريح , فيقول : أبشر بالذي يسؤك هذا يومك الذي كنت توعد .
  قال : فيقول : من أنت , فوجهك الوجه يبشر بالشر ؟ .
  قال : فيقول : أنا عملك الخبيث .
  قال : و هو يقول : رب لا تقم الساعة " .
  والمعنى :  أن العبد الفاجر , أو العبد الكافر شتان بينه وبين العبد المؤمن ، فالحال عند موت هذا الأخير هو الضدُ تماماً , فهو مغاير كلياً وجزئياً عند هذا الأخير , نسأل الله عز وجل السلامة .    
  فهذا الأخير عند موته ، وعند خروج روحه تأتيه ملائكة سود الوجوه ، سود الثياب ، رائحتهم منتنة ، فيجسلون منه علي مد بصره ـ ألم أقل أن هنا هو الضد تماماً ـ .
  ثم يأتيه ملك الموت فيجلس عند رأسه ويقول : أخرجي أيتها الروح الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث ، أخرجي إلى سخط من الله وغضب , فتخرج روحه بشدة وبصعوبة ، فتنتزع روحه كما ينتزع الكلوب ـ حديدة يعلق عليها اللحم لها أطراف ـ المحمي من الصوف المبلول ، فلا يخرج هذا الكلوب إلا وقد مزق هذا الصوف تمزيقاً , هكذا تخرج روح الفاجر أو الكافر .
  فما أن تخرج روحه فيأخذونها الملائكة من يد ملك الموت فلا يدعونها في يده طرفة عين ، ثم يصعدون بها إلى السماء ، فلا تفتح لها أبواب السماء ، وكلما مرت بجمع من الملائكة قالت :  لمن هذه الروح الخبيثة المنتنة ؟ .
 فتجيب الملائكة : هذه روح فلان بن فلان , وينادونه بأقبح أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا .
 ثم يقال : اجعلوا كتاب هذه العبد في سجين ـ وما أدراك ما سجين ؟ ـ وأعيدوه إلى الأرض , فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم . .
 فيتركونها الملائكة من أيديهم , فتسقط إلى الأرض حتى ترتطم بجسد الميت بقوة وشدة ، وهذا قول الله جل وعلا : { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } .
  وقال  : " لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله فإن نفس المؤمن تخرج رشحاً ونفس الكافر تخرج من شدقه كما تخرج نفس الحمار " .  164
 ( موعظة ) : فيا مشغولاً بما لديه عما بين يديه , يا غافلاً عن الموت وقد دنا إليه , يا ساعياً إلى ما يضره بقدميه , يا مختار المؤذي له من حالتيه يأمن الدهر وقد رأى صرفيه , كم عاين ميتاً لو اعتبر بعينيه , إنما أغار على شبابه هاجم على فوديه , أينفعه يوم الرحيل دمع يملأ خديه .
  يا من يصير عن قليل إلى حفرة , تنبه لنفسك من هذه السكرة , لو أنك تذكرت لحدك , كيف تبيت وحدك , ويباشر التراب خدك , وتتقسم الديدان جلدك , ويضحك المحب بعدك ناسيا عنه بعدك , والأهل قد وجدوا المال وما وجدوا فقدك , إلى متى وحتى متى تترك رشدك , أما تحسن أن تحسن قصدك الأمر مجد جداً فالزم جدك .
   أزِفَ الرحيلُ وليسَ لي مــــــن زادِ   غيرُ الذنوبِ لشقْوتي ونكـــــــــادي
   يا غفلتي عما جنيتُ وحيرتَـــــــــي    يوماً ينادي للحسابِ منــــــــــــــادِ
   غلبت عليَّ شقاوتي ومطامعـــــــي    حتى فنيتُ وما بَلغتُ مـــــــــرادي
   يا غافلاً عما يرادُ به غــــــــــــــداً     في موقفٍ صَعْب على الــــــوُرَّادِ
   اقرأ كتابَكَ كل ما قدمتَه  يحْصَــــى    عليك بصيحةِ الميعـــــــــــــــــــادِ
   كيفَ النجاةُ لعبدِ سوءٍ عاجــــــــــزٍ     وعلى الجرائمِ قادرٍ مُعتـــــــــــادِ
   ياغافلاً من قبلِ موتكَ فاتعــــــــــظ      والبسْ ليومِ الجمع ثوبَ حــــــدادِ
            

علامات الموت
  قديماً لم تكن توجد الوسائل الطبية الحديثة التي تؤكد موت الإنسان ، ولكن ذكر العلماء علامات تظهر على جسد الميت تدل وتؤكد على موته , وهذه العلامات في الغالب تظهر على كثير مِن المُحتَضرين ومن نزل بهم الموت ، وقد عرفت هذه العلامات بدليل الحس والمشاهدة وتَتَبع لكثير من المحتَضرِين ومن هذه العلامات :  
  1- بُرودة الأطراف والقدمين : لأن الروح أول ما تخرج من القدمين , وهذا عُرف بالنظر وتَتَبع أحوال المُحتَضرين ، فيضع الجالس يده على قدمي المُحتَضِر فيجدها باردة ، ثم يضع يده على الساق فيجده حاراً , وبعد فترة من الزمن يجد أن القدمين والساقين قد بردتا , فيضع يده على الفخذ فيجده حاراً , فيعرف أن الروح وصلت هنا , وبعد فترة يجد أن النصف السفلي من الجسد بارد والعلوي حار فيتتبع الروح ويعرف أين وصلت من الجسد .
  2 ـ عرق الجبين : عن بُريدة  قال الرسول  : " موت المؤمن بِعَرَق الجَبِين " ، وهو عبارة عن عَرَق أصفر مائل إلى السواد يخرج من الجبين , وهذا مُلاحظ بالنظر والمُشاهدَة لكثير من المُحتَضرين .
  3- الهذيان والهلع : عند نزول ملك الموت , فإن بعض المُحتَضرين لما يراه تصيبه حالة غريبة , بحيث قد يتكلم بكلام لا يعيه ولا يُفهم ، ويُغمى عليه تارة ويفيق تارة , وهذا من شدة ما يرى .
  4- الحشرجة : وهي في الصدر يُسمع صوت حشرجة الروح في صدره ويضيق نَفَسه بحيث يتنفس بصعوبة .
  5- الغرغرة : وهي في الحلق ، قال تعالى : { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ }الواقعة : 83 ـ 84 .
  6- النشاط والخفة : فبعض المُحتَضرين يجد قبل موته خِفة ونشاطاً لم يُعهد عليه من قبل ، كأن يكون مريضاً ومُغمى عليه فترة طويلة ، ثم قبل وفاته يستيقظ من إغمائه ، وكأنه صحيح مُعافى ، ويجد هذا النشاط وهذا ليس على الإطلاق .
  ومن هذه الأعراض أيضاً :
  1- شخوص العينين مع إغوارها ، بحيث تدخل العينان دخولاً يسيراً ، ويكون فيها حَوَل قليل , لأن البصر يتبع الروح ـ كما ذكرنا سابقاً ـ عندما تخرج من الجسم , فتشخص العينان .
  2- انعواج وميل أرنبة الأنف إلى اليمين أو اليسار , لأن الأنف مشدود بعصب من اليمين واليسار , فإذا مات الميت انحل هذا العصب .
  3- انخفاض الصدغين : وهما عصبان يوجدان في أعلى اللحيين اللذين في الوجه , فينحلان بمجرد موت الإنسان ، ويُسبب ذلك سقوط الفك السفلي وانفتاح الفم .
  4- تصلب الجسم وقَسْوته ، خاصة إذا كان الميت قد مات منذ عدة ساعات .
  5- تغير رائحة الميت ، خاصة إذا كان الميت قد مات منذ وقت طويل .
  6- غيبوبة سواد عيني الميِت ، خاصة في البالغين ، فتجد مثل الغشاء الرقيق على العين .
  ( تنبيهات ) :1- إذا مات الميت فجأة فلا بُد من الانتظار حتى تظهر بعض هذه العلامات ، خصوصاً إذا لم يوجد طبيب أو مستشفى يُنقَل إليه .
  2- لا بُد من التأكد من هذه العلامات , فقد يكون المريض عنده سكتة قلبية أو مغمى عليه . ويمكن التأكد في العصر الحاضر بواسطة المستشفيات والأطباء .  165
  إخوة الإسلام :    
وكأن بالداعِ قد يبكـــــــــــــــــــــــي      عليه اقربـــــــــــــــــــــــــــــــوهُ
و كأن القوم قد قامـــــــــــــــــــــــوا       فقالوا : أدركـــــــــــــــــــــــــوهُ
سائلوه ، كلمـــــــــــــــــــــــــــــــوهُ       حرّكوه ، لقـنـــــــــــــــــــــــــوهُ
حرِّفوه ، وجِّهــــــــــــــــــــــــــــوهُ        مدِّدوه ، غمضــــــــــــــــــــــوهُ
عجَّلوه لرحيــــــــــــــــــــــــــــــــلٍ       عجّلوا لا تحبســــــــــــــــــــــوهُ
ارفعوه ، غسلـــــــــــــــــــــــــــــوهُ       كـفـِّـنوه ، حنّطـــــــــــــــــــــــوهُ
فإذا ما لُفَّ في الأكفــــــــــــــــــــان        قالوا : فاحملـــــــــــــــــــــــــوهُ
أخرجوه فوق أعــــــــــــــــــــــــواد      المنايا شيّعــــــــــــــــــــــــــــــوهُ
فإذا صلوا عليــــــــــــــــــــــــــــــه       قيل : هاتوا و اقبــــــــــــــــــروهُ
فإذا ما استودعـــــــــــــــــــــــــــوه       الأرض رهناً تركـــــــــــــــــــوهُ
خلـفـوه تحت رمــــــــــــــــــــــــسٍ       أو قـروهُ ، أثـقـلــــــــــــــــــــــوهُ
أَبعدوهُ ، أَسحَقــــــــــــــــــــــــــــوه       أوحَدوه ، افــــــــــــــــــــــــردوهُ
ودّعوه ، فارقـــــــــــــــــــــــــــــوه       اسلموه ، خلـــفـــــــــــــــــــــــوه
و انثنوا عنه و خلـــــــــــــــــــــــوه       كأن لم يعرفـــــــــــــــــــــــــــوهُ
  أيها الغافل : يا من كلما جذب عن لهوه رسب , هذا بريد الموت لك في الطلب , بادر قبل الفوات فالزمان ينتهب , وانتظر سلب الدهر ما وهب , أين الجامع المانع للمذهب ذهب , أين مخاصم الأقدار قل لي من غلب , أتاه الفاجع فاقترب وما ارتقب , وأبرزه من قصره ولطالما احتجب , يا معرضاً عنا عناك التعب , يا هاجراً لنا إلى كم ذا الغضب , يا مضغة يا علقة خدمتنا نسب , يا مؤثراً غيرنا بعت الدر بالخشب .
  وقال الدكتور / مؤنس محمود غانم   : 166
  تبدأ الوفاة مباشرة للجسد البشرى بصفة عامة عدة تبدلات : فيزيائية , وكميائية , وجرثومية , وهذه التبدلات هى :
  1 ـ التلون الرمى :
  وهو ظهور بقع زرقاء كبيرة أو صغيرة , فى بعض مناطق الجسم المنخفضة .
  والسبب فى ذلك هو انحدار الدم ـ بتأثير الجاذبية الأرضية ـ إلى هذه المناطق المنخفضة مثل : الظهر , الإليتين , الوجه الخلفى للأطراف .
  وهذا التلون يظهر بعد ساعتين من الوفاة .
  وهذا التبدل يساعد فى كثير من الحالات فى تحديد وضع الميت وهيئته ساعة الوفاة .
  2ـ التيبس الرمى :
  وهو : انقباض عضلات الجسم , الإرادية واللاإرادية .
  والسبب فى ذلك : تحول السكر المختزن فى العضل إلى حمض اللبن , مع خسارة الطاقة المختزنة فى جزئيات الفليكوجين .
  وهذا يفقد الخيوط العضلية خاصية المرونة والتقلص , وهذا التيبس يبدأ بعد ساعتين من الوفاة , ويزداد تدريجياً , حتى يعم الجسم كله بعد اثنتى عشرة ساعة .
  ويبدأ التيبس أولاً : فى عضلات الفك السفلى , ثم الوجه , ثم الجذع , والطرفين العلويين . . وهكذا .
  ويدوم انقباض العضلات بهذا الشكل لمدة يومين بعد الوفاة , ثم يزول بسبب تأثير التفسخ الذى يقلب التفاعل الكيماوى للأنسجة الميتة فى التفاعل الحمضى إلى التفاعل القلوى .
  3 ـ التعفن الرمى :
  وهو : تعفن جسد الميت , انطلاق الغازات العفنة والكريهه منه .
  والسبب فى ذلك : أولاً : تأثير الجراثيم الهوائية , واللاهوائية التى كانت عاطلة فى الأمعاء قبل أن تجتاز الأغشية المخاطية للجسم عن طريق الدم .
  هذا التأثير : يفسد المواد العضوية فى الجثة , ومنها ـ وبسببها ـ تنتشر الغازات العفنة الكريهة .
  ثانياً : تحول الأنسجة الشحمية فى الجثة إلى مادة شمعية لبنية , ذات أحماض شمعية مشبعة , كريهة الرائحة بشكل لا يوصف .
  وتبعاً لهذا وذاك : يتشهوه منظر الجثة , حيث ينتفخ البطن , وكيس الصفن وثم يتبعه : الوجه , والمقلتان , حيث تجحظان , ثم اللسان , حيث يبرز من الفم , وبفضل انطلاق الغازات يخرج ما بالأحشاء من جميع الفتحات وهو على هذا الشكل القبيح , والرائحة المنفرة .
  وهذا التعفن يبدأ بعد يومين من الوفاة , ويستمر حتى أسبوع .
  4 ـ التفسخ الرمى :
  وهو : تحلل الجسم وتفسخه , وتحوله تتدريجياً إلى : سوائل , ثم غازات , ثم يتبخر فى الهواء .
  وذلك يتم بقدرة الله سبحانه وتعالى , وفقاً لعمليات كيماوية كثيرة , ومعقدة , ويساعد على هذا التفسخ عوامل أهمها :
  درجة حرارة الوسط المدفون به الجثة , فهو بالصيف أكثر وأسرع منه بالشتاء , ويتوقف نهائياً فى درجة الصفر . . لذا : عند وضع الجثث فى المبردات " الثلاجات " لظروف أو لأخرى , توقف عملية التفسخ وقتياً بسبب درجة الرطوبة .
  ولذلك نجد أن الأنسجة قليلة الماء ـ كالعظام والأسنان ـ لا تتفسخ , وفى نفس الوقت : سرعان ما تتفسخ جثث الغرقى .
  وعملية التفسخ هذه : تبدأ بعد أسبوع من الوفاة , وتتكامل خلال شهر .
  وإلى هنا يكون تراباً وعظماً رميماً !! .
  وصدق الله العظيم حينما قال : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } .
  5 ـ العظام النخرة :
  وهى : الحالة التى يظل عيها ما بقى من الجثة , لا يعتريه التحول ما دامت لم تتعرض لعوامل غير طبيعية إلى ما شاء الله تعالى .
  وهى فى هذه الحالة تسمى بالعظام النخرة , قال تعالى على لسان منكرى البعث الكفرة : { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } .
  ولله در القائل :
ضعوا خدي على لحدي ضعـــــــــوه        و من عفر التراب فوســــــــدوه
و شقوا عنه أكفاناً رقاقــــــــــــــــــــاً        و في الرمس البعيد فغيبــــــــوه
فلو أبصرتموه إذا انقضـــــــــــــــــت       صبيحة ثالث أنكرتمــــــــــــــوه
و قد سالت نواظر مقلتيـــــــــــــــــــه       على وجناته و انفض فــــــــــوه
و ناداه البلا : هذا فـــــــــــــــــــــلان        هلموه فانظروا هل تعروفـــــــه
حبيبكم و جاركم المفــــــــــــــــــــدى        تقادم عهده فنسيتمــــــــــــــــوه
وقالوا :
إِني سألتُ القبرَ : ما فعلــــــــــــــــتْ         بعدي وجوهٌ فيك مُنعَفـــــــــرَهْ
فأجبني : صيَرْتَ ريحَهُــــــــــــــــــمُ         تؤذيكَ بعدَ روائحٍ عَطِـــــــــرَهْ
وأكلتُ أجساداً منعمـــــــــــــــــــــــة          كان النعيمُ يَهُزها نَضِـــــــــرَه
لم أبقِ غيرَ جماجمٍ عَـــــــــــــــــرَتْ          بيضٍ تلوحُ وأعظم نَخِــــــــرَهْ
  أخا الإسلام : كم ليلة سهرتها في الذنوب , كم خطيئة أمليتها في المكتوب , كم صلاة تركتها مهملاً للوجوب , كم أسبلت ستراً على عتبة عيوب , يا أعمى القلب بين القلوب , ستدري دمع من يجري ويذوب , ستعرف خبرك عند الحساب والمحسوب , أين الفرار وفي كف الطالب المطلوب .
  تنبه للخلاص أيها المسكين , أعتق نفسك من الرق يا رهين , اقلع أصل الهوى فعرق الهوى مكين , احذر غرور الدنيا فما للدنيا يمين , يا دائم المعاصي سجن الغفلة سجين , تثب على الخطايا ولا وثبة تنين , كأنك بالموت قد برز من كمين , وآن الأمر فوقعت في الأنين , واستبنت أنك في أحوال عنين , كيف ترى حالك إذا عبثت الشمال باليمين , ثم نقلت ولقبت بالميت الدفين , وآأسفاً لعظم حيرتك ساعة التلقين .

أحكام الجنائز  167
  بعد أن استعرضنا أخي القارئ ما يحدث للميت من الأهوال والدواهي الخاصة بالموت وما قبله وما بعده , نشرع بإذن الله في أهم ما في الموضوع ، ألا وهو أحكام الجنائز .    
  حيث قد أشرت في المقدمة أن هذا الفصل الخاص بأحكام الجنائز والفصل الذي يليه الخاص بأخطاء وبدع الجنائز هما السبب الذي أفضي بي إلى تصنيف هذا الكتاب .
  وذلك لكثره ما أراه بعيني يحدث من العديد من الناس من الأخطاء والبدع والمخالفات الشرعية التى تحدث في باب الجنائز ، والتى قد شاعت وانتشرت  وعمت وطمت في مناطق عديدة من بلاد الإسلام .
  فنوضح بإذن الله في هذا الفصل أحكام الجنائز في ضوء الكتاب والسنة .
  وأيضاً ما يجب على أهل الميت فعله حيال المتوفى , وذلك لما يقع من كثير منهم عند الوفاة من التخبط وسوء التصرف الشئ الكثير , والتى قد تفضي في كثير من الأحيان إلى إقاع كثير من الأخطاء الفاحشة في حق الميت .
  لذلك كان هذا الفصل الذي بين أيدينا ، والفصل الذي يليه ـ كما قلنا في المقدمة ـ هو السبب المفضي إلى جمع هذا الكتاب وتصنيفه , نسأل الله تعالى
أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه ولى ذلك والقادر عليه .
  والجنازة : هي جمع جنازة بكسر الجيم وفتحها , قال ابن قتيبة وجماعة والكسر أفصح , وحكى صاحب المطالع أنه يقال بالفتح للميت , وبالكسر للنعش عليه الميت ويقال عكس ذلك .
  والجنازة مشتقة من : جنز إذا ستر , قاله ابن فارس وغيره , والمضارع يجنز بكسر النون , قاله النووي , والجنائز بفتح الجيم لا غير قاله النووي والحافظ وغيرهما .   168
ما يجب على المريض فعله
  هناك أشياء يجب على المحتضر أو المريض أن يقوم بها :
  أولاً : على المريض أن يرضى بقضاء الله تعالى ، ويصبر على قدره ، ويحسن الظن بربه ، ذلك خير له ، قال رسول الله  : " عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذاك لاحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " .  169
  وقال  : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى " .  170
  ثانياً : وإذا كان عليه حقوق فليؤدها إلى أصحابها ، إن تيسر له ذلك .
  وإلا أوصى بذلك ، فقد قال  : " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه  أو ماله ، فليؤدها إليه ، قبل أن يأتي يوم القيامة لا يقبل فيه دينار ولا درهم , إن كان له عمل صالح أخذ منه وأعطي صاحبه ، وإن لم يكن له عمل صالح أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه " .  171
  وقال  : " أتدرون من المفلس ؟ " , قالوا : المفلس فينا من لا دراهم له ولا متاع ، فقال : " إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته , فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " .  172
  وقال  أيضاً : " من مات وعليه دين ، فليس ثم دينار ولا درهم ، ولكنها الحسنات والسيئات " .  173
  ثالثاً : وجب عليه أن يكتب وصيته ، لقول النبي  : " ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شئ يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه " .  174
  قال ابن عمر  : " ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله  قال ذلك إلا وعندي وصيتي " .
  قال الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ :  
  ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا الزمان الابتداع في دينهم ، ولا سيما فيما يتعلق بالجنائز ، كان من الواجب أن يوصي المسلم بأن يجهز ويدفن على السنة عملا بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } سورة التحريم : 6.
  ولذلك كان أصحاب رسول الله  يوصون بذلك ، والآثار عنهم بما ذكرنا كثيرة ، فلا بأس من الاقتصار على بعضها :
  عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه قال في مرضه الذي مات فيه : " ألحدوا لي لحداً ، وانصبوا علي اللبن نصباً ، كما صنع برسول الله  " .  175
  وعن أبي بردة قال : " أوصى أبو موسى  حين حضره الموت قال : إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا بي المشي ، ولا تتبعوني بمجمر ، ولا تجعلن على لحدي شيئاً يحول بيي وبين التراب ، ولا تجعلن على قبري بناء ، وأشهدكم أني برئ من كل حالقة ، أو سالقة ، أو خارقة ، قالوا ، سمعت فيه شيئاً ؟ قال : نعم من رسول الله  " .  176
  ( فائدة ) : من حديث النبي  والذي قال فيه : " ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شئ يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه " , غفل كثير من الناس عن كتابة هذه الوصية في حياتهم وقبل مماتهم ، مع أن النبي  قد أمر بها ، وهي كما قال العلماء ليست من الواجبات ، ولكن تستحب  
  وهذا مثال لنص الوصية التى يستحب أن يكتبها كل مسلم في حياته ـ على سبيل المثال ـ :
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4 / 1428هـ
  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد وعلى آله وصحبه ، والتابعين أجمعين .
  وبعد :
  فهذا ما أوصي به - أنا فلان بن فلان - الفقير إلى عفو ربه وأنا في حالة معتبرة شرعاً , من كمال عقلي ، وسلامة إدراكي :
  أوصي - وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها , وأن الله يبعث من في القبور : -
  أوصي ذريتي وأهل بيتي وأقاربي بتقوى الله ، وطاعته ، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، في السر والعلانية , والمنشط والمكره , والمحافظة على الصلوات الخمس ، والتراحم والترابط وعدم التقاطع , والتواصي على الخير وفعله ، وصلة الرحم ، والتمسك بدين الإسلام والثبات عليه ، وأن يبادروا بقضاء ما علي من ديون - إن وجدت - : ففلان بن فلان له دين 100 جنيه ، وفلان له كذا وكذا . . . .
  وأوصي بأن يكون ربع مالي في أعمال البر , كالمساعدة في بناء المساجد وتكييفها وتنويرها ووضع الماء فيها ، والصدقة في رمضان , وكالمساعدة في طباعة كتب العلم النافعة للإسلام والمسلمين , ومساعدة من يجاهد لإعلاء كلمة الله ، وكذا يصرف من هذا الربع على الأقارب والفقراء والمحتاجين .
  وأوصي أن يحضرني حين احتضاري وموتي بعض العلماء والصالحين , ليذكروني بحسن الظن بربي ، ورجاء رحمته ومغفرته , وأن يلقنوني كلمة التوحيد - لا إله إلا الله -  وإذا فاضت روحي فليغمضوا بصري ، ويدعوا لي بخير ، ويعجلوا في تجهيزي ودفني حسبما صح عن النبي  , وإني أشهد الله أني برئ من كل فعل يخالف هدي النبي   بعد مماتي من لطم الخدود , وشق الجيوب  والنياحة علىّ . . .  
أوصي بذلك وأشهد على ذلك ، وكفى بالله شهيدا .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الموت وأحواله Empty
مُساهمةموضوع: الموت وأحواله   الموت وأحواله I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 05, 2013 5:28 pm

ما يجب على الحاضرون فعله قبل الموت
   أولاً : تلقينه الشهادة .
 فعن أبي سعيد الخدري  قال : قال رسول الله  : " لقنوا موتاكم لا إله إلا
الله "  177, والمراد : ذكروا من حضره الموت ( لا إله إلا الله ) فتكون آخر كلامه ، كا في حديث أنس أن النبي  دخل على رجل من بني النجار يعوده ، فقال له رسول الله  : " يا خال , قل لا إله إلا الله " , فقال : أوخال أنا أم عم ؟ فقال النبي  : " لا ، بل خال " , فقال له : " قل : لا إله إلا الله " , قال : هو خير لى ؟ قال : " نعم " .     178
  وذلك رجاء أن يكون آخر كلامه قبل موته : لا إله إلا الله ، فقد قال النبي   " من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله , دخل الجنة " .   179
  وقد أجمع العلماء على هذا التلقين ، وينبغي أن يكون في لطف ومداراة ، وألا يكرر عليه لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه ، فيكره ذلك بقلبه ، ويتكلم بما لا يليق ، وإذا قالها مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعدها بشئ آخر ، فيعاد تلقينه لتكون لا إله إلا الله آخر كلامه .  180
  صفة التلقين :
  1- يُوضع في فمه قطرات من ماء ليبل حلقه وشفتيه , ليسهل عليه النطق بالشهادة ، وذلك بواسطة سواك أو قطنة تبل في الماء ، ثم يقطر بواسطتها في الفم ، ولا يُمنع من شرب الماء إلا إذا ظن به الشرق .
 2- مسح وجهه وجبينه بخرقَة مبلولة بماء , حتى تخفف عليه سكرات الموت
كما كان الرسول  يفعله عند وفاته , قالت السيدة عائشة : " كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء , فيمسح وجهه ويقول : " لا إله إلا الله , إن للموت سكرات "  .   181
  3- حبذا لو أعطي السواك - إن كان يستطيع التسوك - كما في حديث وفاة الرسول  عندما دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر  ، وفي يده سواك , فنظر إليه الرسول  فَعلمت عائشة أنه يريد السواك فتناولته ولينته له , فاستاك به .  182
  4- يقعد عند رأسه ويلقنه الشهادة : كما في الحديث عن أنس  قال : " كان غلام يهودي يخدم النبي  مرض , فأتاه النبي  يعوده , فقعد عند رأسه ، فقال له : " أسلم " ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له : أطع أبا القاسم  . فأسلم , فخرج النبي  وقال : " الحمد لله الذي أنقذه من النار " .  183
  ويكون التلقين بطريقتين :
  الأولى : بالأمر , وهي أن يقول الملقن : يا فلان - ويناديه بأحب اسمائه - ،
أو يا عبد الله ، أو يا أمة الله , قل : لا إله إلا الله ، يقول ذلك ثلاثًا : ودليل هذه الطريقة حديث أنس : " أن رسول الله  عاد رجلاً من الأنصار فقال : " يا خال , قل لا إله إلا الله " . فقال : أخال أم عم ؟ فقال : " لا , بل خال " . فقال : فخير لي أن أقول لا إله إلا الله ؟ فقال النبي  : " نعم " .
  فإن لم يقلها ينتقل الملقن إلى الطريقة الثانية :
  الثانية : التعريض ، وذلك إن لم يستجب بتلقين الأمر فينتقل إلى هذه الطريقة ، وفائدتها تذكيره بالشهادة وبرحمة الله , مثل أن يقول الملقن قال الرسول  : " من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " 184  ، وكذلك يُعرض له ببعض الآيات ويُلمح له .
  ( فائدة ) : ينبغي أن يُنظر إلى حال المُحتَضِر ، فإن كان قوي الإيمان ، أو كان المُحتَضر كافرا , فإنه يلقن بصيغة الأمر : قل لا إله إلا الله , ودليل ذلك أمر النبي  عمه أبا طالب عند وفاته بالشهادة ، ولعموم الحديث : " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " , وإن كان مسلماً ضعيف الإيمان فإنه لا يلقن بصيغة الأمر , وإنما يُعرض له كما سبق وأن أشرنا , فإن ضعيف الإيمان قد يحصل له ردة فعل , فقد يضيق صدره ويغضب ويكره ذلك , فبعض الناس في حال حياته في الدنيا إذا كان غاضباً و قيل له : الله يهديك ، أو قل : لا إله إلا الله ، فإنه يكره ذلك ولا يقوله غضباً ، وهذا في حال حياته ، فما بالك عند احتضاره وما يُعانيه من سكرات الموت ؟!
   ثانيا : توجيهه إلى القبلة .
  فقد جاءت جملة أحاديث مرسلة تتقوي بمجموعها وترقى إلى الحسن ، أن النبي  حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور , فقالوا : توفي ، وأمر بثلثه لك يا رسول الله ، وأوصى أن يوجه إلى القبلة لما احتضر ، فقال رسول الله  : " أصاب الفطرة , وقد رددت ثلثه على ولده " , ثم ذهب فصلى عليه فقال : " اللهم اغفر له وارحمه وأدخله جنتك ، وقد فعلت " .  185
  ويكون توجيهه إلى القبلة : إما أن يستلقي على ظهره وقدماه إلى القبلة ، ويرفع رأسه قليلاً ليصير إلى القبلة .
  وإما أن يضطجع على جنبه الأيمن , مستقبلا بوجهه القبلة ، وهذا هو الأرجح .  186

ما يجب على الحاضرين فعله بعد الموت
   أولاً : الصبر والاسترجاع والرضا بقضاء الله تعالى .
  قال تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَالأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } البقرة  155ـ 157 .
  ولحديث أنس بن مالك  قال : " مر رسول الله  بامرأة عند قبر وهي تبكي ، فقال لها : " اتقي الله واصبري " ، فقالت : إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ! قال : ولم تعرفه ! فقيل لها : هو رسول الله  ، فأتت النبي  فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك , فقال : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " .  187
   ثانيا : استحباب اعلام قرابته وأصحابه بموته .
  استحب العلماء إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه وأهل الصلاح بموته ليكون لهم أجر المشاركة في تجهيزه .
  لما رواه الجماعة عن أبي هريرة  أن النبي  نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى ، فصف أصحابه وكبر عليه أربعاً .  188
  وروى أحمد والبخاري عن أنس  : أن النبي  نعى زيداً ، وجعفراً وابن رواحة ، قبل أن يأتيهم خبرهم ، قال الترمذي : لا بأس بأن يعلم الرجل قرابته وإخوانه بموت الشخص .
  وقال البيهقي : وبلغني عن مالك بن أنس أنه قال : لا أحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد ، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس .
  وأما ما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن حذيفة قال : إذا مت فلا تؤذني بي أحداً ، فإني أخاف أن يكون نعياً , وإني سمعت رسول الله  ينهى عن النعي  فإنه محمول على النعي الذي كانت الجاهلية تفعله .
  وكانت عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكباً إلى القبائل ، يقول : نعاء فلاناً , أي : هلكت العرب بمهلك فلان ، ويصحب ذلك ضجيج وبكاء .
   ثالثاً : تغميض عينيه .
  فعن أم سلمة قالت : دخل رسول الله  على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه , ثم قال : " إن الروح إذا قبض تبعه البصر . . . " .  189
  والحكمة فيه : ألا يقبح بمنظره لو ترك إغماضه .
 ( فائدة ) : أمور أخرى ذكرها الفقهاء 190   :
 1 ـ أن يشد تحت لحييه عصابة عريضة تربط من فوق رأسه , كيلا يسترخي لحيه الأسفل ، فينفتح فمه وييبس فلا ينطبق .
 2 ـ خلع ثيابه ، لئلا يخرج منه شئ يفسد به ويتلوث بها إذا نزعت عنه .
 4 ـ أن يوضع الميت على سرير ونحوه ليكون أحفظ له ، ولا يترك على الأرض لأنه أسرع لفساده .
 5 ـ وضع شئ ثقيل على بطنه لئلا ينتفخ .
  6ـ تحريك مفاصله وتليينها حتى لا تتصلب ، فهناك مادة توجد بين الأطراف إذا مات الميت تصلبت هذه المادة , فيصعب ويشق على الغاسل عند التغسيل غسل الميت نتيجة هذا التصلب .
  7 ـ جمع رجليه وربطها بِرباط , حتى لا يخرج من دبره شىء ، وكذلك تجمع يداه وتوضع على صدره ، وتربط بِرباط - من باب الحفاظ عليها - , حتى لا تسقط وتضرب في شىء عند نقله من مكان إلى مكان .
   رابعاً : الدعاء له .
  لتمام حديث أم سلمة السابق : " . . . فضج ناس من أهله فقال  : " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " , ثم قال : " اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وافتح له في قبرره ونور له فيه " .
   خامساً : تغطيته .
  يجب على أهل الميت تغطيته لئلا ينكشف ، فعن عائشة : " أن رسول الله  حين توفي سجي ببرد حبرة " .  191
   سادساً : المبادرة إلى قضاء دينه .
  يجب أن يبادر بعض أقربائه بقضاء دينه من ماله ، ولو أتى عليه كله ، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه ، فإن لم تفعل  وتطوع بذلك بعضهم جاز , لحديث أبي هريرة أن النبي  قال : " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه " .  192
  وعن جابر بن عبد الله  قال : " مات رجل ، فغسلناه وكفناه وحنطناه ، ووضعناه لرسول الله  حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله  بالصلاة عليه ، فجاء معنا ، فتخطى ثم قال " لعل على صاحبكم دينا ؟ " قالوا : نعم ديناران ، فتخلف , قال : " صلوا على صاحبكم " ، فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة : يا رسول الله هما علي ، فجعل رسول الله  يقول : " هما عليك وفي مالك ، والميت منهما برئ " , فقال : نعم ، فصلى عليه فجعل رسول الله  إذا لقي إبا قتادة يقول : " ما فعل الديناران ؟ " قال : قد قضيتهما يا رسول الله ، قال : " الآن حين بردت عليه جلده " .  193
   سابعاً : الإسراع في تجهيزه وإخراجه .
  ودليل ذلك في الصحيح من حديث أبي هريرة : قال  : " أسرعوا بالجنازة  فإن تَك صالحة فخير ، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابِكم " .   194
  قلت ـ المصنف ـ : وأما ما نراه اليوم من تأخير الجنازة بحجة أن أحد أقرباء الميت لم يحضر بعد ، سواء كان مسافراً ، أو غير ذلك فهذا كله مخالف لكلام
النبي  الذي أمر بالإسراع بالجنازة .  

ما يجوز للحاضرين فعله
   أولاً : كشف وجهه وتقبيله .
  يجوز لمن حضر الميت أن يكشف وجهه ويقبله , فعن جابر بن عبد الله  قال : " لما قتل أبي ، جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي ، ونهوني ، والنبي  لا ينهاني ، فأمر به النبي  فرفع ، فجعلت عمتي فاطمة تبكي ، فقال النبي  : " تبكين ، أولا تبكين ، مازالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه " .  195
  وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : " أقبل أبو بكر  على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل على المسجد ، وعمر يكلم الناس , فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها ، فتيمم النبي  وهو مسجى ببردة حبرة ، فكشف عن وجهه ، ثم أكب عليه فقبله بين عينيه ، ثم بكى فقال : بأبي أنت وأمي يا نبي الله , لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي عليك فقد متها " .  196
   ثانياً : البكاء على الميت فقط .
  يجوز البكاء على الميت فقط ، ما لم يكن مصحوباً بالصياح والعويل والتسخط واللطم ونحوها ، فعن أنس  قال : " دخلنا مع رسول الله  أبي سيف - وكان ظئراً لإبراهيم ـ ، فأخذ رسول الله  إبراهيم فقبله وشمه ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله  تذرفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : " يا ابن عوف ! إنها رحمة " ، ثم أتبعها بأخرى فقال : " إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا
نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " .  197
( مسألة ) : عن أبي بردة عن أبيه قال : لما أصيب عمر  جعل صهيب يقول وا أخاه , فقال عمر : أما علمت أن النبي  قال : " إن الميت ليعذب ببكاء الحي " .   198, وفي رواية : " أن الميت يعذب بما نيح عليه " .    
   قد يقول قائل :  أليس هذا الحديث يخالف قول الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } , أليس هناك تناقض بين الحديث والآية , وما الذي جناه الميت حتى يعذب ببكاء أهله ، أو بنياحهم عليه ؟  
  والجواب : أجاب عن هذه السؤال الإمام الكبير العَلم ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ , حيث قال في شرح هذا الحديث :
  " المعنى : أن الذي يعذب ببعض بكاء أهله من كان راضياً بذلك , بأن تكون تلك طريقته .
  ولذلك قال المصنف ـ البخاري ـ :  فإذا لم يكن من سنته , أي : كمن كان لا شعور عنده بأنهم يفعلون شيئاً من ذلك , أو أدى ما عليه بأن نهاهم , فهذا لا مؤاخذه عليه بفعل غيره , ومن ثم قال ابن المبارك : إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئاً من ذلك بعد وفاته لم يكن عليه شيء .
  ولقد أنكرت هذا السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ بقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } , أي : ولا تحمل حاملة ذنباً ذنب أخرى عنها .
  وقيل : عنى التعذيب : توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به , كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعاً : " الميت يعذب ببكاء الحي " , إذا قالت النائحة وا عضداه , وا ناصراه , وا كاسياه , جبذ الميت وقيل له : أنت عضدها , أنت ناصرها , أنت كاسيها , ورواه ابن ماجة بلفظ : يتعتع به , ويقال : أنت كذلك ورواه الترمذي بلفظ : ما من ميت يموت فتقوم نادبته فتقول  واجبلاه , واسنداه , أو شبه ذلك من القول إلا وكل به ملكان يلهزانه : أهكذا كنت , وشاهده : ما روى المصنف ـ البخاري ـ  في " المغازي " , من حديث النعمان بن بشير  قال : أغمي على عبد الله بن رواحة , فجعلت أخته تبكي وتقول واجبلاه , واكذا , واكذا , فقال حين أفاق : ما قلت شيئا إلا قيل لي : أنت كذلك .
  وقيل : معنى التعذيب : تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها , وهذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين , ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه , ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين , واستشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة وهي بفتح القاف وسكون التحتانية .
  وقيل : يحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلاً : من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته , أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه .
  ومن كان ظالماً فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به .
  ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها , فإن كان راضياً بذلك
التحق بالأول , وأن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي .
  ومن سلم من ذلك كله , واحتاط فنهى أهله عن المعصية , ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره , وإقدامهم على معصية ربهم والله أعلم . أ هـ .   199

ما يحرم على أقارب الميت فعله
   أولاً : النياحة .
  قلت ـ المصنف ـ : نحن لا نطيل الكلام فيما يقع من النساء خاصة في الجنائز والمآتم ، فإن قبحه صار معروفاً للعامة والخاصة , حتى أصبحت النساء من الأمراض التى أعيت أطباء الناصحين ، وصارت أكبر عون للشيطان على تنفيذ كل ما يمليه عليهن من عادات الجاهلية في الندب والنياحة وشق الجيوب ولطم الخدود وصبغ الوجوه والأيدي بالنيلة ، ورفع الأصوات والتكلم بكلمات الكفر والتسخط على القدر , والاعتراض على الله تعالى ، وهو القاهر فوق عباده , إلى غير ذلك من قبائحهن المشهورة .
  والنياحة هي : أمر زائد على البكاء , والنوح ما كانت الحاهلية تفعل ، كان النساء يقفن متقابلات يصحن ، ويحثين التراب على روءسهن ويضربن وجوههن , وهو محرم ، لأنه يهيج الحزن ، ويرفع الصبر ، وفيه مخالفة للتسليم لقضاء الله تعالى والإذعان له .
  وقد ورد في هذا الأمر أحاديث كثيرة تنهي عن ذلك منها :
  قال رسول الله  : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة " .
  وقال  : " النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب " .  200
  وقال  : " اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت " .  201
  وعن عن النعمان بن بشير  قال : " أغمي على عبد الله بن رواحة  فجعلت أخته عمرة تبكي : واجبلاه ، واكذا ، واكذا تعدد عليه ، فقال حين أفاق  ما قلت شيئاً إلا قيل لي كذلك ! فلما مات لم تبك عليه " .  202
   ثانياً : ضرب الخدود وشق الجيوب .
  لقوله  : " ليس منا من تلطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعى بدعوى الجاهلية " .   203
  وشق الجيب هو : شق المرأة ثوبها من فتحة الصدر .
  قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ :
  قوله : " ليس منا " : أي : من أهل سنتنا وطريقتنا , وليس المراد به إخراجه عن الدين , ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغه في الردع عن الوقوع في مثل ذلك , كما يقول الرجل لولده عند معاتبته لست منك ولست مني , أي : ما أنت على طريقتي .
  وقال الزين بن المنير : والأولى أن يقال : المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يهجر ويعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديباً له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبحها الإسلام .
  قوله : " لطم الخدود " خص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك , وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك  , قوله : " وشق الجيوب " جمع جيب بالجيم والموحدة , وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس , والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره , وهو من علامات التسخط  .
  قوله : " ودعا بدعوى الجاهلية " , في رواية مسلم بدعوى أهل الجاهلية أي : من النياحة ونحوها , وكذا الندبة كقولهم : واجبلاه , وكذا الدعاء بالويل والثبور " .   204
  وقال المناوي :
  قوله : " ودعى بدعوى الجاهلية " وهي زمن الفترة قبل الإسلام , أي نادى بمثل ندائهم الغير الجائز شرعاً , كأن يقول : واكهفاه , واجبلاه , وتفسيره بأن عادتهم أن الرجل إذا غلب في الخصام نادى بأعلى صوته : يا آل فلان لقومه فيبادرون لنصره ظالماً أو مظلوماً لا يليق بالسياق , والنفي الذي حاصله التبري يقع بكل واحد من الثلاثة ولا يشترط وقوعها كلها معاً , وأصل البراءة الإنفصال من الشيء , فكأنه توعده بأنه لا يدخله في شفاعته مثلاً , وهو يدل على عدم الرضى وسببه ما تضمنه من عدم الرضى بالقضاء " .    205
   ثالثاً : حلق الشعر ونشره وتفريقه .
  لحديث أبي بردة بن أبي موسى قال : " وجع أبو موسى وجعاً فغشي عليه ، ورأسه في حجر امرأة من أهله ، فصاحت امرأة من أهله ، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً ، فلما أفاق قال : إنا برئ ممن برئ منه رسول الله  فإن رسول الله  برئ من الصالقة , والحالقة ، والشاقة " .  206
  والصالقة : هي التى ترفع صوتها عند المصيبة .
  والحالقة : هي التى تحلق رأسها عند المصيبة .
  والشاقة : هي التى تشق ثوبها عند المصيبة .
  ونشر الشعر ، لحديث امرأة من المبايعات قالت : " كان فيما أخذ علينا رسول الله  في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه ، وأن لا نخمش وجهاً , ولا ندعو ويلاً ، ولا نشق جيباً ، وأن لا ننشر شعرا " .  207
  ونشر الشعر : هو نفشه ونشره وتفريقه عند المصيبة ، وهذا وما سبق كله
حرام ، فليتنبه لذلك .
   رابعاً : إعفاء بعض أهل الميت لحاهم .
  نري كثير من الرجال يعفون لحاهم أياماً قليلة حزناً على ميتهم ! فإذا مضت عادوا إلى حلقها ! فهذا الإعفاء في معنى نشر الشعر كما هو ظاهر ، يضاف إلى ذلك أنه بدعة ، وقد قال  : " كل بدعة ضلالة " .  208
   خامساً : الإحداد على الميت أكثر من ثلاثة أيام .
  الإحداد لغة : المنع , وفي الاصطلاح : امتناع المرأة من الزينة وما في معناها مدة مخصوصة في أحوال مخصوصة .
  والإحداد المنهي عنه هو أن تحد المرأة على ميت لها أكثر من ثلاثة أيام ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، فتمتنع المرأة من التزين والتجمل لزوجها ، وتظل تلبس الأسود من الثياب ، مما يوقع بينها وبين زوجها الكثير من البغضاء والشحناء ، لذلك وجب على المرأة المؤمنة بعد مرور ثلاثة أيام من الوفاة أن تقوم بتغيير ملابسها ، وأن تتزين لزوجها وتتجمل له ، حتى لا يقع بينهما عداوة ، وحتى تستمر بينهما المودة والألفة .  
  قال النبي  : " لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج : أربعة أشهر وعشراً " .  209
            
غسل الميت  210
  ذهب جمهور العلماء إلى أن غسل الميت فرض كفاية ، بل نقل النووي الإجماع على ذلك , واستدلوا بقول النبي  لأم عطيه والنسوة واللواتي غسلن ابنته : " اغسلنها ثلاثاً أو خمساً . . . " .
  وقوله  في المحرم الذي وقصته دايته فمات : " اغسلوه بماء وسدر . . " .
  ـ ويستحب أن يقوم أولي الناس بالغسل هم أهل الميت ـ إذا توفر في المغسل الصلاح والخبرة بالغسل ـ لأن الذي غسل الرسول  هم على وأهل قرابته .
  ـ ويجوز أن يتولى الغسل غير قرابته , لا سيما إن كانوا أعلم بشئونه فرسول الله  لم يأمر أقارب ابنته بتغسيلها ، بل غسلتها أم عطية وغيرها كما ورد .
  شروط المغسل :  
  وينبغي أن يتوفر فيمن يقوم بغسل الميت أمران :
 1 ـ الصلاح والتقوي : لأن أهل الصلاح أعرف بحدود الله وشرائع دينه ،
فيسترون على الميت لقوله  : " ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة "     211
ولا يتعرضون له بسب أو شتم ونحوه , فقد قال النبي  : " لا تسبوا الأموات
فإنهم أفضوا إلى ما قدموا " .    212
  وعن أبي رافع  قال : قال رسول الله  : " من غسل ميتاً فكتم عليه غفر له أربعين مرة ، ومن كفن ميتاً كساه الله من السندس وإستبرق الجنة ، ومن حفر لميت قبراً فأجنه فيه أجري له من الأجر كأجر مسكن أسكنه الله إلى يوم القيامة " .  213
  معنى : " فكتم عليه " : أي : ستره ولم يخبر بالعيوب الحسية التي لا يرضى الميت إظهارها في حياته , من جروح ، أو ضربات ، وبعض الأمراض التي لا تظهر - مثل أن يكون الميت به برص في جسده - ، ولا يحب أن يعرف أحد عنه في حياته ، فكذلك بعد موته لا بد من احترامه ، وكذلك ستر العيوب المعنوية , مثل : اسوداد الوجه وعبوسه ، وبعض علامات سوء الخاتمة التي تظهر - والعياذ بالله - أما من اشتهر بفسقه وبدعته عند الناس : فقال أهل العلم : ليس من السنة ستره , بل يظهر شره , ليعتبر به الناس ويحذروا معاصيه أو بدعته .
  ومعنى " فأجنه " : أي : أدخله في قبره ودفنه .
 2 ـ الخبرة بالغسل : إن العالم بأمر الغسل يقيم فيه سنة رسول الله  فيحسنإلى الميت ويحسن تغسيله ، ولذا أرسل النبي  إلى أم عطية لتغسل ابنته ، وقد ذكر النووي أن أم عطية كانت غاسلة الميتات .
  ( فائدة ) قلت ـ المصنف ـ : أصبح الآن هذان الأمران من الأمور التى لا
يخفى على أحد أنها تركت ، وترك العمل بها ، فنجد على سبيل المثال في أغلب الأحيان أن المغسل الذي يقوم بالغسل رجل من عوام الناس ، لا يتحلى بالتقوي والصلاح ، وقد يكون من المجاهرين بالمعاصي .
  إلى جانب ذلك أن كثير من هؤلاء لا يفقهون شئ في هذا الأمر ، ومنهم من يتخبط ولا يدري ماذا يفعل ، ومنهم من أخذ هذا الأمر بالوراثة  . . الخ .
   ولذلك يقع من كثير من هؤلاء أخطاء فادحة عند تغسيلهم للميت ، لا يعلمها إلا الله جل وعلا .
   وسبب هذا الأمر تقصير شديد من ناحية كثير من المسلمين في هذا الشأن ،  حيث أصبح الآن فقه الغسل فقهاً متروكاً , فتري كثير منهم يتركون المغسل وحده في غرفة الميت ، وقد يكونوا يعلمون تمام العلم بقله علم هذا المغسل وفقهه ، إلا أنهم لجهلهم وقلة علمهم يتركونه وحدة مع الميت يتخبط ولا يدري ماذا يفعل .
  من ذلك كان من الضرورة على أغلب المسلمين أن يتعلموا هذا الفقة ، فقه الغسل والتكفين ، حتى إذا صدر من المغسل شئ خطأ ، يستطيع أحد الحاضربن علاج وتصويب هذا الخطأ .
  شروط مكان التغسيل :
  1- أن يكون طاهراً نظيفاً , فلا يُغسل الميت في الكَنيف ( الحمامات ) ؛ لأنه موضِع النجاسات ، وتتأذى الملائكة من هذه الأماكن ، وفيه إهانة للميت .
  2- أن يكون مستوراً مسقوفا : فقد ورد أن ابن سيرين استحب أن يكون البيت الذي يُغسل فيه الميت مُظلماً , حتى لا يستقبل السماء بِعورته ، ولا يحضر من لا يعين على تغسيله .
  وذكر عن الإمام أحمد أن يكون بينه وبين السماء سِتر .
  3- أن يكون خالياً من الصور والمجسمات ذوات الأرواح , لأن الملائكة تحضر وتؤمن على الدعاء : قال الرسول  : " إذا حضرتم المريض أو الميت , فقولوا خيراً , فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " . والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة , فعن أبي طلحة أن الرسول  قال : " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة " .    214
  تنبيهات قبل الغسل :
 1- التأكد من موته , وذلك بظهور علامات الموت عليه ، أو بكشف الأطباء عليه .
 2- يُوضع الميت على سرير مرتفع , ذي فتحات , حتى يخرج الماء والنجاسات من هذه الفتحات , فلا تَعلق بالميت .
  3- حبذا لو وجد مبخرة تبخر المكان بالعود والطيب أثناء التغسيل , لأن الميت قد تخرج منه بعض الروائح الكريهة مما يؤذي المُغسل ومن معه والملائكة .
  4- يُوضع الساتر على الميت - الذي يستر ما بين الركبة والسرة - .
  5- يُجرد الميت - بخلع ثيابه - ، إن تيسر ، فإن كان هناك مشقة , تقص هذه الثياب بالمقص ، مع الحرص على عدم النظر إلى العورة بتثبيت الساتر: فيقص كم يده اليمنى إلى عنقه ، وكذلك اليسرى ، ثم يقص من أول نحره إلى قدميه ، ثم تجمع ثيابه ، ويقلب على الجهة اليمنى ، وتجمع تحته ، ثم يقلب من الجهة الأخرى ، وتسحب من تحته , ولأن تجريده أمكن في تغسيله وتنظيفه  لقول الصحابة بعد وفاة رسول الله  : " أنجرد رسول الله من ثيابه كما نجرد موتانا ؟ "   ، فاستدل بذلك أن غير الرسول  يجرد من ثيابه , وغسل الرسول  وعليه قميصه ولم يجرد ، وهذا من خصائص الرسول  .
  6- إذا كان الميت متصلباً - بحيث يصعب غسله وتكفينه - مثل أن تكون يده مرتفعة للأعلى : فعلى الغاسل أن يقوم بتليين مفاصل الميت بِرفق ولين , حتى تلين , فإن شق عليه - لقساوة جسم الميِت وتصلب جسده - , تَركه , لأنه لا يؤمن أن تنكسر أعضاؤه , فيقع في الإثْم .
  والتليين يكون برد الذراعين إلى العضدين ، والعضدين إلى جنبه ، ثم يردهما ، ويرد الساق إلى فخذه ، وفخذه إلى بطنه ثم يردهما ويكرر ذلك حتى تلين بإذن الله .
  7 - يَحرم النظر إلى عورة الميت : لحديث عليّ أن النبي  قال له : " لا تبرز فخذك ، و لا تنظرن إلى فخذ حي ولا ميت " .  216
  8 - يستحب الرفق بالميت ، في تقليبه ، وعرك أعضائه ، وعصر بطنه ، وتليين مفاصله ، وسائر أموره , احتراماً له , فإنه مثل الحي في حرمته ، ولا يُأمن إن عنف به أن ينفصل منه عضو , فيكون مثلة به , فيقع في الإثْمِ ، وقد قال  : " كَسر عظم الميت كَكَسر عظم الحي في الإثْم "217   ، وقال  : " إن الله يحب الرفق في الأمر كله " .   218
  9- يَحرم حلق العانة والأخذ منها , لأنه لا يتم الحلق إلا بالنظر إلى العورة ، وهذا مُحرم ، ثم إنه لم يثبت دليل شرعي في ذلك , أما الأظافر وشعر الإبطين والشارب إذا كانت طويلة طولاً فاحشاً فإنها تقص وترمى ولا توضع في الكفن  لأنها عبارة عن فضلات .
  10- إذا كانت الجنازة فيها بعض الجروح ومتسخة ، أو قد يكون الجرح ينزف دماً : فإنه يؤخذ ماء مع بعض المطهرات - مثل ديتول وصابون مبشور -  وتخلط مع بعضها ، وينظف المكان الذي فيه هذه الأوساخ والدماء جيداً ، ويغطى الجرح بالضمادات .
  أما إذا استمر الجرح ينزف دماً : فإنه يسد بتراب المسك أو يوضع عليه المجلط - وهو مادة طبية توقف نزيف الدم - ويوضع عليه شىء من القطن واللاصق الطبي ، ويسد الجرح , حتى لا يدخل الماء فيه أثناء الغسل .
  وإذا كان الميت عليه جبيرة ، أو قدم اصطناعية ، أو به بعض اللصقات و  
الضمادات على جسده أو عدسات لاصقة للعينين : فإن هذه كلها تنزع برفق ولين , ولكن إذا خشي من نزعها إيذاء الميِت وجرحه ، أو سقوط عضو ، والمثلة به فإنها تترك على ما هي عليه .
  12- ينبغي ألا يمس الغاسل جسد الميت إلا بحائل - مثل القفازين ، أو يلف على يده خرقة - .
  13- لا يكب الميت على وجهه أثناء الغسيل , بل يقلبه على جنبه الأيمن و الأيسر ويغسل ظهره .
  14- عند غسل وجه الميت يضع الغاسل يده اليمنى على فم وأنف الميت ويسدهما بها , حتى لا يدخل الماء في فمه أو أنفه فيحرك ما في جوفه ، أو يضع قطنة ويسد الفم والأنف بعد الوضوء ، ثم ينزعها بعد أن ينتهي من الغسل .
  صفة الغسل :
  العمدة في صفة الغسل هو حديث أم عطية  لأنها شهدت غسل ابنه رسول الله  وحكت ذلك فأتقنت ، وكان جماعة من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة يأخذون عنها غسل الميت ، وكذلك عول عليه الأئمة في غسل الميت  
  عن أم عطية  قالت : دخل علينا رسول الله  ونحن نغسل ابنته ـ زينب ـ فقال : " اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا ، فإذا فرغتن فآذنني " , فلما فرغنا آذناه ، فألقى إلينا حقوة ـ إزاره ـ فقال : " أشعرنها إياه " .  219
  ويمكن تلخيص أفعال غسل الميت على ما ورد في حديث أم عطية وغيره مما ذكره أهل العلم فيما يأتي :
  أولاً : بعد وضع الميت على السرير المعد للغسل ، وتجريده من ملابسه مع ستر عورته بالساتر - من الركبة إلى السرة - : يبدأ الغاسل فيحني الميت حنياً رفيقاً ، ويجلسه نصف جلسة أو قريب من الجلوس , ثم يمر بساعد يده اليمنى على بطن الميت ، ويعصره عصراً خفيفاً ، ثلاثاً أو خمساً , ليخرج ما هو قابل للخروج من الفضلات , وليس القصد من هذا العصر إخراج ما في جوفه وإنما إخراج ما هو متهيأ للخروج , لأنه إذا لم يخرج في البداية فقد يخرج من أثناء الغسل أو التكفين , فيضطر إلى إعادة الغسل أو الوضوء .
  ودليل ذلك أن أم سليم قالت : قال رسول الله  : " إذا توفيت المرأة فأرادوا غسلها , فليبدأ ببطنها , فليمسح مسحاً رفيقاً - إن لم تكن حبلى - ، فإن كانت حبلى فلا يحركها " .   220
  ثانيا : يلبس الغاسل قفازين - إن تيسر ذلك - ، وإن لم يتيسر ذلك , لف على يده اليسرى خرقة ثم ينجي الميت من تحت الساتر يحاول بقدر الإمكان أن يبسط كفه أثناء تنجية ذكر الميت حتى لا يجسم ويعرف حجم الذكر , وهذا من باب احترام الميت , أما من ناحية دبره : فإنه يحرك يده وأصابعه كيف يشاء وينظف , وأثناء التنجية يصب الماء معاونه .
  ثالثاً : يغير الغاسل قفازيه أو الخرقة التي نجى بها الميت بقفازين جديدين - إذا أمكن - من باب النظافة .
  رابعاً : يوضأ الميت وضوءه للصلاة : فيبدأ ويسمي الله الغاسل ، ويغسل كفي الميت ثلاثاً ، ثم يأخذ قطنة صغيرة ويبلها بالماء ويمسح بها فم الميت و أسنانه ولثته ، ويفعل ذلك ثلاث مرات ويغير القطنة في كل مرة - إذا أمكن - . ثم يأخذ قطنة جديدة ويمسح وينظف بها الأنف من الداخل ثلاث مرات - كالسابق - وهذه الطريقة نيابة عن المضمضة والاستنشاق , لأنه لو مضمضه بالماء دخل الماء في جوفه وحرك ما فيه , مما يسبب المثلة بالميت ، وقد يخرج شىء من جوفه .
  ثم يكمل وضوءه : فيغسل الوجه ثلاث مرات ، مع سد الفم والأنف , ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً , ثم يمسح رأسه مع الأذنيين , ثم يغسل رجليه إلى الكعبين .
  ولا يوضىء الميت أكثر من مغسل واحد ، إلا إذا دعت الحاجة .
  خامساً : بعد ذلك يشرع في الغسل : وهو عبارة عن ثلاث غسلات :
  الغسلة الأولى : بالماء والسدر , والغسلة الثانية : بالماء والسدر كذلك , والغسلة الثالثة : بالماء والكافور .
  بعض المغسلين يجعل الغسلة الأولى بالماء ، والثانية بالماء والسدر ، والثالثة بالماء و الكافور ، وهذا لا بأس به , ولكن الأفضل - وهو السنة - هي الطريقة الأولى ، وهي أقوى في تنظيف الجنازة : كما في حديث أم عطية السابق وحديث : " اغسلوه بماء وسدر " ، ولم يذكر الماء وحده فقط , بل جمع بين السدر والماء .
  الغسلة الأولى بالماء والسدر : والسدر هو شجر النبق ، وله ورق يؤخذ وييبس ، ثم يطحن حتى يصبح ناعماً , وهو عبارة عن مادة منظفة تشبه الصابون والشامبو ، وله خاصية عجيبة في التنظيف ، وقديماً كان يوجد عندهم الصابون ، لكنه ليس بالصفة التي في عصرنا ، وكان السدر يقوم مقامه ويتم تجهيز السدر مع الماء وفق الأتي :
  1- يجهز الغاسل إناء من الماء - حسب الكمية المطلوبة وباعتبار حجم جسم الميت - فمثلاً الصغير له جالون سعته ستة لترات تقريباً ، والكبير له إناء سعته ستة عشر لترا , ويضع فيه من السدر تقريباً فنجان شاي ونصف ، أو كوب من السدر وهذا لكل جنازة , أما إذا كانت الجنازة سقطاً أو طفلاً فيكفيه نصف هذه الكمية وهذا التقدير ليس بنص شرعي إنما بالخبرة والتجربة والممارسة .
  وكلما احتاجت الجنازة إلى زيادة في التنظيف زيد في كمية السدر ، ثم يصب الماء على السدر ، مع تحريكهما حتى يختلطا وتظهر رغوة السدر - وهي تشبه رغوة الصابون - .
  2- يأخذ الغاسل رغوة السدر ، ويغسل بها رأس الميت ووجهه وإبطيه .
  3- ثم يغسل بالماء المخلوط بالسدر رأس الميت كله ، ثلاث مرات .
  4ـ ثم بعد ذلك يغسل ميامن الميت , فيغسل اليد اليمنى - من المنكب إلى الكف -  وصفحة عنقه اليمنى ، وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه الأيمن ، يغسل الظاهر من ذلك ، ويكون الميت مستلقياً على ظهره ، ويصب الماء من فوق الساتر ومن تحته بحيث لا يكشف العورة ، و يصنع مثل ذلك بالجانب الأيسر .
  5- ثم يقلب الميت على جنبه الأيسر , حتى يغسل جانبه الأيمن من ظهره ، ولا يكبه على وجهه , فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ، ثم يرجعه كما هو مستلقياً على ظهره , ويغسل كذلك شقه الأيسر كالشق الأيمن تماماً .
  6- ثم يعمم على جسده الماء ، من رأسه إلى رجليه ، وهو مستلق على ظهره ، ولا يكبه على وجهه .
  وهذا الغسل يشبه الغسل من الجنابة للحي , وهناك صفة أخرى وهي أن يقلب الميت على شقه الأيسر ويغسل شقه الأيمن من جهة البطن والصدر ، ومن جهة ظهره كذلك ، ثم يقلبه على شقه الأيمن ويغسل شقه الأيسرمن جهة البطن والصدر ومن خلفه , ثم يرده مستلقياً على ظهره ويعمم عليه الماء كاملا لحديث أم عطية وقال لنا : " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " .

  الغسلة الثانية بالماء والسدر : يفعل فيها كما فعل في الغسلة الأولى ، ولكن لا يعيد وضوءه , فالوضوء في الغسلة الأولى فقط , فيغسل الرأس ، ثم الشق الأيمن ، ثم الشق الأيسر ، ثم الشق الأيمن من الظهر ثم الأيسر ، ثم يعمم الماء على جسده .
  الغسلة الثالثة بالماء والكافور : والكافور مادة تتميز بعدة مميزات , منها : أنه طيب ومبرد للجسم والعروق ، مانع للنزيف ، ومبعد للهوام والحشرات بإذن الله , بسبب رائحته القوية التي تقتلها لوجود السم فيها .
  ويكفي الجنازة متوسطة الحجم ثمانية مكعبات ، أما إذا كانت طفلاً أو سقطاً  فالنصف , ويدق هذا الكافور ، أو يفت باليد ، ويوضع في إناء سعته ستة عشر لتراً تقريباً للجنازة متوسطة الحجم ، ويزاد وينقص في حجم الإناء بحسب الحاجة ، وبحسب جسم الميت , ويخلط الكافور بالماء ، بعد ذلك يغسل الرأس ثلاثاً ، ثم الشق الأيمن ثم الأيسر ، من أمامه ومن خلفه ، ثم يعمم الماء على جسده كما في الغسلتين السابقتين ، ولا يعيد الوضوء ولا يدلك الجسم , لأن الكافور طيب وليس منظفاً , وهذه الغسلة تزيل ما علق بالجنازة من السدر وتنقيها وتطيب الجنازة حيث تبقى حبيبات الكافور على جسم الميت .
  أما إذا رأى الغاسل أن الجنازة لم تنظف : فإنه يزيد على هذه الغسلات الثلاث إلى خمس غسلات , لتصبح الغسلة الرابعة بالماء والسدر ، والخامسة بالماء والكافور , فإن لم تنظف : يزيدها إلى سبع غسلات ، لتكون الغسلة السادسة بالماء والسدر ، والسابعة بالماء والكافور .
  وهذا يرجع كله إلى اجتهاد المغسل , وإلى حاجة جسد الميت.
  ويدل على ذلك حديث أم عطية : " اغسلنها ثلاثا أو سبعا أو أكثر من ذلك ، إن رأيتن ذلك " قالت : قلت وتراً ؟ قال : " نعم واجعلن في الآخرة كافورا "
  وجميع الغسلات بالماء والسدر ، وآخر غسلة بالماء والكافور - كما في الحديث - .
  سادساً : تنشيف الجنازة : يتم من خلال خرقة توضع عليها ، وينشف بها كامل الجسد , حتى لا يبل الكفن : كما في حديث أم سليم : " فإذا فرغتن منها فألقى عليها ثوباً نظيفاً " , وذكر القاضي في حديث أبي العباس في غسل النبي  : " فجففوه بثوب " .
  سابعاً : بعد ذلك يغير الغاسل السترة التي على الجنازة - لأنها قد تبللت وظهر عليها أثر السدر والكافور - بسترة جديدة , وطريقة ذلك : أن يضع السترة الجديدة ويفرشها فوق السترة القديمة التي تغطي عورة الميت ، ثم يسحب السترة القديمة من تحت السترة الجديدة برفق , بحيث لا تنكشف عورة الميت .
  ثامناً : ينقل الميت بالحامل الطبي إلى مكان التكفين لتبدأ بعد ذلك المرحلة التي بعدها وهي تكفين الميت وسيأتي بسط الكلام عنها .
 ( فائدة ) : ما يخرج من جوف الميت أثناء الغسل وبعده : فلا يخلو من أربعة أحوال : إذا خرج أثناء الغسل شيء من السبيلين : فإنه يغسل المكان ، ويوضئه ، ويزيد إلى خمس غسلات ، فإذا خرجت نجاسة بعد ذلك : وضأه ثم غسله إلى سبع ، ويسد المكان بقطنة وتراب المسك الأبيض ، وكانوا قديماً يضعون الطين الحر ، والأفضل تراب المسك .
  الحالة الثانية : أن تخرج ما في جوفه بعد تغسيله : فيكتفي بتوضئته ، ولا يعاد غسله , دفعاً للمشقة ، ولأنه لا يأمن أن يخرج منه شيء مرة أخرى .
  الحالة الثالثة : أن يخرج ما في جوفه بعد تكفينه : فإذا كان الخارج قليلاً لا يعاد وضوؤه ولا تغسيله , إنما يغسل المكان المتسخ في الكفن , وإذا كان الخارج كثيراً فاحشاً فإنه يعاد تغسيله .
  الحالة الرابعة : أما إذا كان الخارج من غير السبيلين كدم أو قيح أو أي شيء  فلا يوضأ ولا يعاد تغسيله , وإنما يغسل المكان وينظفه فقط ، وهذا إذا كان الخارج قليلاً ، أما إذا كان كثيراً فيعاد الغسل والوضوء من جديد .
 ( مسألة ) : بالنسبة لغسل المرأ فإنها تغسل بنفس الطريقة التي يغسل فيها الرجل والتي سبق ذكرها ، غير أنها تزيد عن الرجل - بعد إتمام غسلها - بنقض شعرها وجعله ثلاث ضفائر : الأولى : من ناصيتها ، والثانية والثالثة : من قرنيها ( أي من جنبي رأسها الأيمن والأيسر ) ، ثم ترمى وراء ظهرها .
  ودليل ذلك : حديث أم عطية : " فضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث : قرنيها وناصيتها ، وألقيناها خلفها " .
            
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الموت وأحواله Empty
مُساهمةموضوع: الموت وأحواله   الموت وأحواله I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 05, 2013 5:31 pm

تكفين الميت
أجمع العلماء على أن تكفين الميت بما يستره فرض كفاية ، وقد دلت النصوص على ذلك .
فعن ابن عباس أن رجلاً وقصه بعيره ونحن مع النبي  وهو محرم فقال النبي  : " اغسلوه بماء وسدر , وكفنوه في ثوبين ، ولا تمسوه طيباً ، ولا تخمرو رأسه ، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً " . 221
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن قيمة الكفن وتكاليف الغسل والدفن من رأس مال الميت .
صفة التكفين :
يؤخذ قياس الكفن للميت ، وذلك على النحو التالي : الطول : يؤخذ طول الميت من رأسه إلى رؤوس أصابع قدميه ، بالمتر العادي ، ثم يزاد على هذا الطول ( سبعين سم ) .
مثال : لو قست طول الميت 150 سم : تزيد 70 سم , فيصبح طول الكفن الذي يكفن فيه الميت هو 220 سم ، وهذا على وجه الاحتياط لستر الميت .
العرض : يؤخذ عرض الميت من أول كتفه الأيمن إلى نهاية كتفه الأيسر ، ثم يضرب هذا العرض في ثلاثة .
مثال : لو كان عرض الميت 50 سم : تضرب في 3 , فيصبح عرض الكفن الذي يكفن فيه الميت يساوي 150 سم ، وهذا على وجه الاحتياط لستر الميت .
( تنبيه ) : الأكفان تختلف في العرض عند شرائها , فبعضها عرضه 90 سم ، والبعض 120 سم ، والبعض 150 ، والبعض 180 سم , فلا بد من التأكد من عرض الكفن الذي يناسب الجنازة , حتى لا يتحرج المغسل عندما يضع الجنازة على الكفن , فلا يمكن إدراجه ولف الكفن على الميت لقصر العرض .
وأفضل الأكفان ما كان طوله 280 سم وعرضه 180 سم , فهو ينفع لأغلب الجنائز .
ثم يقص الكفن بالمقاس الذي حدد للميت , تقص سبعة أربطة لربط الكفن ، ويكون طول الرباط على حسب حجم الجنازة وعرضها ، ويكون طول الرباط 80 سم وعرضه 10 سم ، ثم يبرم الرباط برماً باليد حتى يكون قوياً لا ينقطع.
يقص التبان : وهو عبارة عن حفاظة للميت تقي الكفن من النجاسة إذا خرجت ، عرضها حوالي 30 سم ، وطولها بحسب الجنازة وحجمها ، وفي الغالب الجنازة العادية طول التبان تقريباً 100 سم ، يقص من نفس كفن الميت
( مسألة ) : كل ما ذكرناه من مقاسات مترية ليست مقدرة شرعاً , بل هي قابلة للزيادة والنقص ، إلا أننا قدرناه حسب التجربة .
يوضع النعش - وهو السرير الذي يحمل عليه الميت - قريباً من الميت ، على سرير آخر غير الذي غسل عليه الميت ، أو على الأرض إذا لم يتوفر .
توضع الأربطة على النعش ، وتكون وتراً ، ثم توزع من جهة الرأس ، ومن عند الصدر ، ومن جهة البطن ، ومن جهة الفخذين ، ومن جهة الركبة وأسفل القدمين , وفائدة هذه الأربطة أنها تربط الكفن حتى لا ينتشر ويتفرق , فينكشف جسم الميت أثناء حمله ودفنه , لأن الأصل في الميت الستر ، ولأنه بعد موته يصبح كله عورة , ولذلك إذا وضعت الجنازة في القبر تحل هذه الأربطة , لأنها إذا تركت ولم تحل فقد تسبب أذى لجسد الميت , لأن الميت بعد ثلاثة أيام ينتفخ جسمه ويتحلل مما يسبب تقطع لحمه إذا تركت هذه الأربطة .
تبسط اللفافة الأولى ، ويستحب أن تكون أحسن اللفائف وأنظفها , لتظهر للناس بشكل حسن , ويجعل زيادة من جهة الرأس بمقدار 50 سم , لشرفه ولأنه أحق بالستر من الرجلين ، ولكي يعرف جهة رأس الميت ليلاحظ ذلك عند الصلاة والدفن , و20 سم من جهة الرجلين تقريباً .
ثم تبسط اللفافة الثانية فوق الأولى مباشرة بالتساوي ، وكذلك اللفافة الثالثة , فتصبح كأنها لفافة واحدة .
ثم يوضع التبان فوق الكفن ، ويكون قريباً من جهة الرجلين , بحيث يوضع مكان إلية الميت ، ثم يوضع القطن على التبان .
ثم ينثر الحنوط - تراب المسك الأبيض ، وتراب المسك الأسود - أو غير ذلك من الحنوط ، على الكفن والتبان ، ويحاول أن يعم الكفن جميعه .
ثم بعد ذلك يحمل الميت برفق ، مع الحرص أن يكون الساتر على العورة ، ويوضع على الكفن ، مع مراعاة أن يكون الرأس من الجهة الزائدة من الكفن ، وأن توضع الإلية على التبان .
تبعد الرجلان عن بعضهما ، حتى يشد الغاسل التبان من تحت الساتر ، ليجمع إلية الميت وأنثييه ، وذلك بسحب التبان إلى بطن الميت ، ثم تجمع الرجلان مرة ثانية .
يطيب الميت : لحديث الرجل الذي وقصته ناقته قال : " لا تطيبوه ولا تخمروا رأسه ... " ، فدل أن غير المحرم يطيب و لفعل كثير من السلف , فقد ورد أن ابن سيرين طلى ميتاً من قرنه إلى قدميه ، وطلى ابن عمر إنساناً بالمسك .
وأفضل الطيب المسك , لقول الرسول  : " المسك أطيب الطيب " . 222
ويطيب مواضع السجود من الميت ( الجبهة والأنف والكفين والركبتين والقدمين ) ، ويطيب المغابن ( الإبطين وباطن الكفين والركبتين والقدمين ) ، ولو طيب كل جسمه فحسن .
ثم تؤخذ اللفافة العليا ، ويثنى طرفها على شق الميت الأيمن ، ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر ، وتدرج إدراجاً ، ثم يسحب الغاسل الساتر من جهة رجلي الميت - وذلك بوضع يده داخل الكفن - ، ويسحب الساتر ، بحيث لا ترى العورة .
ثم تدرج اللفافة الثانية ، ويحسن اللف ، ثم ينثر عليها مقدار فنجال من الكافور , لأنه طيب قوي الرائحة ويبعد الهوام عن الميت في قبره , ثم يدرج اللفافة السفلى ولا يضع شيئاً عليها , لأن الحنوط يكون بين الأكفان فقط .
يعقد الأربطة جيداً : يجعل العقدة على شكل نصف دائرة ، أو وردة ، ويجعل العقدة من الجانب الأيسر من الميت , لأن الميت سوف يوضع في القبر على جنبه الأيمن , فيسهل حلها .
يغطى الميت - بعد ذلك - بلحاف ، أو عباءة ، أو نحوه ليكون أبلغ في الستر.
( مسألة ) : تكفين المرأة : تكفن المرأة في خمسة أثواب ، ولم يثبت بذلك دليل صحيح , إنما ذكره العلماء ، وتعارف الناس على ذلك وهي على النحو التالي :
لفافتان : وهي ما يعم بها جميع البدن - مثل اللفائف التي يكفن بها الرجل - ، يؤخذ المقاس طولاً وعرضاً - كالسابق - .
الإزار : - ما يؤتزر به ، ويكون أسفل البدن - ، يؤخذ المقاس من السرة إلى رؤوس القدمين ، مع زيادة 20 سم .
القميص : - الدرع - ، ومقاسه : طول الميتة ، مضروب في اثنين أي : ضعف الطول , ثم يطوى طيتين ، ويقص من المنتصف بمقدار 15 سم تقريباً
الخمار : ـ وهو ما يغطى به الرأس - طوله 90 سم ، وعرضه 90 سم .
صفة تكفين المرأة :
1- تفرق الأربطة على النعش ، وتكون الأربطة وترا .
2- تبسط اللفافة الأولى ثم الثانية ، ويجعل زيادة الكفن من جهة الرأس ، والزيادة الثانية من جهة القدمين ، - مثلما فعلنا بكفن الرجل - .
3- ثم يبسط نصف القميص ، بحيث يتساوى مع اللفافتين ، ويجمع النصف الآخر ويترك على نهاية النعش من جهة الرأس .
4- يبسط الإزار - بعد ذلك - ، ويوضع أسفل الكفن , بحيث يلف في المنطقة التي تكون من السرة إلى القدمين - أسفل البدن - .
5- يوضع التبان وعليه القطن ، ثم ينثر الحنوط ، ويوزع على الكفن ، ثم توضع الميتة ، مع الحفاظ على ستر عورتها .
6- يلف الإزار ويدرج عليها ، والزائد يوضع تحت الرجلين ، ثم تدخل المغسلة يدها تحت الإزار وتسحب الساتر من فوق العورة , بحيث لا تراها .
7- يبسط القميص من الطرف الذي جمع سابقاً على الميتة ، ويجعل الزائد تحت جنبي الميتة .
8- بعد ذلك يغطى رأس الميتة ووجهها كله بالخمار .
9ـ ثم تؤخذ اللفافة العليا ، ويثنى طرفها على شق الميتة الأيمن ، ثم يرد طرفها الآخر على شقها الأيسر ، وتدرج إدراجاً ، ثم ينثر شىء من الكافور على الكفن ، ثم تلف وتدرج اللفافة السفلى .
10- تربط الأربطة على الكفن ، وتكون العقد وتراً - كما في كفن الرجل - ، وتجعل العقد من الجنب الأيسر من الميتة .
11- تغطى بعباءة - أو لحاف - حتى يكون أبلغ في الستر .

آداب اتباع الجنائز
حمل الجنازة واتباعها من حقوق الميت على المسلمين ، لحديث أبي هريرة قال  : " حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " . 223
وقد أجمع أهل العلم على أن حمل الجنازة فرض على الكفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين ، وذهب جمهورهم إلى أن اتباعها وتشييعها سنة .
والسنة أن تحمل الجنازة على الأعناق ، فعن أبي سعدي الخدري أن النبي  قال : " إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدمونى قدمونى ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها . . " . 224
وفيه أنه لا يشرع للنساء حمل الجنازة سواء كان الميت ذكراً أو أنثى ، ولا خلاف في هذا ، لأن النساء يضعفن عن الحمل ، وربما انكشف منهن شئ لو حملن ، ويضاف إلى هذا ما يتوقع منهن من الصراخ عند حمله ووضعه ، ولأن الجنازة لابد أن يشيعها الرجال ، فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال فيفضي إلى الفتنة . 225
ويشرع الإسراع بالجنازة لقول النبي  : " أسرعوا بالجنازة ، فإن تك
صالحة فخير تقدمونها إليه , وإن يك سوي ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " 226
والمراد بالإسراع : الزيادة على المشي المعتاد , لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة للميت أو مشقة على الحامل أو المشيع .
ولاتباع الجنازة فضل كبير ، فعن أبي هريرة أن النبي  قال : " من شهد جنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن ، فله قيراطان " قيل يارسول الله : وما القيراطان ؟ قال : " مثل الجبلين العظيمين " , وفي رواية : " كل قيراط كجبل أحد " . 227
ويجوز أن يمشي المشيعون خلف الجنازة وأمامها ، وعن يمينها وعن يسارها ، فعن أنس  : " أن رسول الله وأبا بكر وعمر ، كانوا يمشون أمام الجازة وخلفها " 228 , لكن الأفضل المشي خلفها لأنه مقتضي الأدلة الآمرة باتباع الجنازة ، ويؤيده قول على بن أبي طالب  : " المشي خلفها أفضل من المشي أمامها ، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا " . 229
ومن آداب اتباع الجنازة :
1 ـ عدم اتباعها بنار أو بمبخرة .
فقد اتفق الفقهاء على أن الجنازة لا تتبع بنار في مجمرة ( مبخرة ) ولا شمع ونحوه إلا لحاجة الضوء أو نحوه ، لحديث أبي هريرة عن النبي  قال : " لا تتبع الجنازة بصوت أو بنار " 230, وفي سنده مقال ، إلا أنه يتأيد بما صح عن عمرو بن العاص أنه قال في وصيته : " فإذا أنا مت ، فلا تصحبني نائحة ولا نار " . 231
2 ـ الصمت عند اتباع الجنازة .
فلا يجوز رفع الصوت مع الجنازة لا بالذكر ولا بغيره ، فعن قيس بن عباد قال : " كان أصحاب النبي  يكرهون رفع الصوت عند الجنائز " . 232
ولأن فيه تشبهاً بالنصارى ، فإنهم يرفعون أصواتهم بشئ من أناجيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتخزين .
قال النووي ـ رحمه الله ـ :
" واعلم أن الصواب المختار , وما كان عليه السلف السكوت في حال السير مع الجنازة ، فلا يرفع صوت بقرأءة ولا بذكر ولا غير ذلك ، والحكمة فيه ظاهرة ، وهى أنه أسكن للخاطر ، وأجمع لفكره , فيما يتعلق بالجنازة ، وهو المطلوب في هذا الحال , فهذا هو الحق ، ولا تغتر بكثرة من يخالفه " .233
وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وأحمد وإسحاق قول القائل خلف الجنازة : استغفروا له .
وقال الأوزاعي : بدعة.
وقال فضيل بن عمرو : بينا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلاً يقول : استغفروا له غفر الله له .
فقال ابن عمر : لا غفر الله لك . 234
قلت ـ المصنف ـ : وأما ما اعتاده الناس في زماننا هذا من الذكر أمام الجنازة ، وقول أحدهم " وحدوه ! " ورد المشيعين عليه أو قوله " اشهدوا له " فبدعة نص الفقهاء على نحوها .
3ـ عدم جلوس المشيعين قبل وضع الجنازة .
عن أبي سعيد أن النبي  قال : " إذا رأيتم الجنازة فقوموا , فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع " . 235
والمراد حتى توضع على الأرض عن الأعناق ، وقيل : حتى توضع في اللحد .

صلاة الجنازة
الصلاة على الجنازة فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين , فعن أبي هريرة  : أن النبي  كان يؤتى بالرجل المتوفي عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلاً ؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلي ، وإلا قال للمسلمين : " صلوا على صاحبكم " . 236
فضلها : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله  : " من شهد الصلاة حتى يصلي عليها فله قيراط , ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان " , قيل : وما القيراطان ؟ قال : " مثل الجبلين العظيمين " . 237
وعن عائشة عن النبي  قال : " ما من ميت يصلى عليه أمه من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه " . 238
وقد يغفر للميت ولو كان العدد أقل من مائة إذا كانوا مسلمين لم يخالط توحيدهم شئ من الشرك لقوله  : " ما من رجل مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً ، لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه " . 239
ويستحب أن يصفوا وراء الإمام ثلاثة صفوف , فصاعدا لحديثين رويا في ذلك , الأول : عن أبي أمامة قال :
" صلى رسول الله  على جنازة ومعه سبعة نفر , فجعل ثلاثة صفاً ، واثنين صفا واثنين صفا " . 240
وعن مالك بن هبيرة قال : قال رسول الله  : " مامن مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسامير إلا أوجب ـ وفي لفظ : إلا غفر له ـ " .
قال : ـ يعني مرثد بن عبد الله اليزني  ـ : " فكان مالك إذا استتاره أهل
الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف للحديث " . 241
وأما وقوف الإمام من الجنازة ، ففي جنازة الرجل يقف الإمام حذاء رأسه ، وفي جنازة المرأة يقف في وسطها ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق .
وقال ابن حزم : ويصلي على الميت بإمام يقف ويستقبل القبلة والناس ورائه صفوف , ويقف من الرجل عند رأسه ومن المرأة عند وسطها . 242
كما يجوز أن تصلي النساء على الجنازة إذا لم يتبعن الجنازة , بل توافق وجودهن حيث يصلى عليها , حيث لا يجوز أن تتبع النساء الجنازة لقول أم عطية : " نهينا عن اتباع الجنازة لوم يعزم علينا " . 243
( مسألة ) : أين يصلى على الجنازة ؟
يستحب أن يصلي على الجنازة في مصلى خاص بذلك , لأن الغالب من صلاة النبي  على الجنائز كان في المصلى في مكان معد لذلك .
فعن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقاً بمسجد النبي  من ناحية جهة الشرق .
وعن عبد الله بن عمر  قال : " أن اليهود جاءوا إلى النبي  برجل منهم وامرأة زنيا ، فأمر بهما فرجما قريباً من موضع الجنائز عند المسجد " . 244
وقال ابن حجر : " ودل حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليه " . 245
صفة صلاة الجنازة :
الحاصل في صفة الصلاة على الجنازة أن يكبرعليها أربع تكبيرات ، يقرأ في التكبيرة الأولى بالفاتحة , وفي التكبيرة الثانية يصلى علي النبي  وأكملها الصيغة التى تقال في التشهد في الصلاة , وفي باقي التكبيرات يدعو فيها للميت .
أما بالنسبة للتكبيرات : فعن أبي هريرة  : " أن رسول الله  نعي النجاشي في اليوم الذي مات فيه , وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم ، وكبر عليه أربع تكبيرات " . 246
ويجوز أن يزيد في عدد التكبيرات ، فلقد وردت عن الصحابة آثار صحيحة في التكبير على الجنازة أربعاً ، وخمساً ، وستاً ، وسبعاً .
وأما قراءة الفاتحة : لحديث طلحة بن عبد الله بن عوف قال : صليت خلف ابن عباس  على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، وجهر حتى أسمعنا ، فلما فرغ أخذت بيده ، فسألته ؟ قال : " إنما جهرت لتعلموا أنا سنة وحق " . 247
وأما الصلاة على النبي  والدعاء للميت : لحديث أبي أمامة أنه أخبره رجل من أصحاب النبي  : " أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه ، ثم يصلي على النبي  ، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات الثلاث ، لا يقرأ في شئ منهم ، ثم يسلم سراً في نفسه " . 248
ويستحب إخلاص الدعاء للميت ، فعن أبي هريرة  قال : سمعت النبي  قال : " إذا صليتم على الجنائز فاخلصوا لها الدعاء " . 249
ومن صيغ الدعاء في صلاة الجنازة : " اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلا خيراً من أهله ، وزوجاً خيراً من زوجه ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار " . 250
أو " اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده " . 251
( فائدة ) : وإذا كان الميت طفل فمن الأدعية التي ذكرها الفقهاء - : " اللهم اجعله ذخراً لوالديه ، وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً ، اللهم ثقل به موازينهما ، وأعظم به أجورهما ، وألحقه بصالح سلف المؤمنين ، واجعله في كفالة إبراهيم ، وقه برحمتك عذاب الجحيم " .
وإذا كان الميت امرأة فإنه في الدعاء لها يأتي بضمير التأنيث ، ولا يقال : " اللهم أبدلها زوجاً خيراً من زوجها " , لاحتمال أن تكون لزوجها في الجنة , فإن المرأة لا يمكن الشركة فيها ، بخلاف الرجل .
( مسألة ) : هل ترفع اليد في كل التكبيرات ؟
لم يصح في هذا الباب حديث مرفوع عن النبي  ، وأهل العلم فيه فريقان :
الأول : قالوا : يرفع يديه في التكبيرة الأولى فقط , وهو مذهب الثورى ورواية عن أبي حنيفة ومالك وابن حزم واختاره الألباني ، رحمهم الله جميعاً .
الثاني : قالوا : يرفع يديه في جميع التكبيرات , وبه قال أكثر أهل العلم ، الشافعي وأحمد وإسحاق ، وهو رواية عن أبي حنيفة ومالك ، وحجتهم :
ما يروى عن ابن عمر  : " أن النبي  كان إذا صلي على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة " . 252 , والصواب وقفه على ابن عمر ، وهو الآتي بعده .
ما ثبت عن ابن عمر  : " أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة ، وإذا قام من الركعتين " . 253
    

ما ينتفع به الميت من أعمال الأحياء
1 ـ دعاء المسلمين له .
وينتفع الميت من عمل غيره بأمور : أولاً : دعاء المسلم له ، إذا توفرت فيه شروط القبول ، لقول الله تبارك وتعالى : { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } الحشر : 10 .
وأما الأحاديث فهي كثيرة جداً , ومنها قوله  : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير ، قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل " . 254
2 ـ قضاء الدين عنه من أي شخص .
لما تقدم من قضاء أبي قتادة لدين الرجل الذي مات .
3 ـ قضاء وليه الصوم عنه .
لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله  قال : " من مات وعليه صيام , صام عنه وليه " . 255
4 ـ ما يفعله الولد الصالح من أعمال البر .
فإن لوالديه مثل أجره ، دون أن ينقص من أجره شئ ، لأن الولد من سعيهما وكسبهما ، والله عز وجل يقول : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى }، وقال رسول الله  : " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه " 256
وقال  : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " . 257
5 ـ ما يخلفه الميت من أثار صالحة وصدقات جارية .
لقوله تبارك وتعالى : { ونكتب ما قدموا وآثارهم } ، وفيه أحاديث :
عن أبي هريرة  قال : قال رسول الله  : " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ، علما علمه ونشره , وولداً صالحاً تركه ، ومصحفاً ورثه ، أو مسجداً بناه ، أو بيتاً لابن السبيل بناه ، أو نهراً أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته " . 258
( مسألة ) : ما حكم إهداء ثواب قراءة القرآن للميت ؟
قال تعالى : { وليس للإنسان إلا ما سعى } ، فالأصل أن لا ينتفع الميت بشئ من فعل الأحياء إلا ما خصه الدليل من هذا العموم مما تقدم ذكره ، وأما ما عدا ذلك فإنه باق على العموم كما هو مقرر في علم الأصول .
ولهذا لم يحث النبي  الأمة على إهداء ثواب القراءة للأموات ، ولم يدلهم
ولم يرشدهم إلى ذلك ، ولم ينقل هذا عن أحد من الصحابة ـ فيما نعلم ـ وإنما أرشد النبي  للاستغفار للميت فقال : " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل " . 259
قال علماء اللجنة الدائمة :
" لم يثبت عن النبي  ـ فيما نعلم - أنه قرأ القرآن ووهب ثوابه للأموات من أقربائه أو من غيرهم ، ولو كان ثوابه يصل إليهم لحرص عليه ، وبينه لأمته لينفعوا به موتاهم ، فإنه  بالمؤمنين رؤوف رحيم ، وقد سار الخلفاء الراشدون من بعده وسائر أصحابه على هديه في ذلك  ، ولا نعلم أن أحدًا منهم أهدى ثواب القرآن لغيره ، والخير كل الخير في اتباع هديه  وهدي خلفائه الراشدين وسائر الصحابة  والشر في اتباع البدع ومحدثات الأمور , لتحذير النبي  من ذلك بقوله : " إياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " ، وقوله  : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " , وعلى هذا لا تجوز قراءة القرآن للميت ، ولا يصل إليه ثواب هذه القراءة , بل ذلك بدعة " . 260
    

أخطاء وبدع الجنائز
بعد أن استعرضنا في الفصل السابق أحكام الجنائز في ضوء الكتاب والسنة وما يجب على أهل الميت فعله تجاه الميت ، وما يحرم فعله ، وما يجب على الحاضرين الذين شهدوا الوفاة أن يفعلوه , نستعرض بإذن الله الأخطاء والبدع التى تحدث من كثير من المسلمين في هذا الزمان .
وقبل أن نتحدث في موضوع الأخطاء , نحب أولاً أن نحرر مسألة البدعة وخطورة فعلها ، وعظم جرم مرتكبها ، حتى يكون الكلام بإذن الله نافعاً ومجدياً إذا تكلمنا عن هذه البدع التى تقع في الجنائز ، فنقول وبالله التوفيق :
تعريف البدعة
البدعة لغة :
قال ابن منظور : " بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه : أنشأه وبدأه , وبدع الركية : استنبطها وأحدثها , والبديع والبدع : الشيء الذي يكون أولاً " .
وفي التنزيل : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} أي : ما كنت أول من أرسل قد أرسل قبلي رسل كثير .
وفلان بدع في هذا الأمر أي : أول لم يسبقه أحد , وأبدع وابتدع وتبدع : أتى ببدعة ، قال الله تعالى :{ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا }.
والبديع : من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها , وهو البديع الأول قبل كل شيء ، ويجوز أن يكون بمعنى مبدع ، أو يكون من بدع الخلق أي بدأه ، والله تعالى كما قال سبحانه : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : خالقها ومبدعها ، فهو سبحانه الخالق المخترع لا عن مثال سابق .
مما تقدم يتيبن لنا أن معنى ( بدع ) يقصد به غالباً الإحداث والاختراع على غير مثال سابق .
البدعة في الاصطلاح :
قال الشاطبي : البدعة هي : " طريقة في الدين مخترعة , تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " .
وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة ، وإنما يخصها بالعبادات , وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول : " البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية " . 261

تحذير النبي  من البدعة
حذر النبي  أمته من البدع تحذيراً شديداً ، وتوعد كل من يخالف سنته  برد عمله عليه وعدم قبوله .
فعن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله : " من أحدث في
أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " . 262
وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلمه  فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات .
وعن جابر بن عبد الله  قال : كان رسول الله  إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا وصوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : " صبحكم ومساكم " ، ويقول : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ، ويقول : " أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " . 263
وعن ابن مسعود  مرفوعاً وموقوفاً أنه كان يقول : " إنما هما اثنتان الكلام والهدي ، فأحسن الكلام كلام الله ، وأحسن الهدي هدي محمد  ألا وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلاله " . 264
وعن العرباض بن سارية  قال : صلى بنا رسول الله  ذات يوم ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسيرا اختلافاً كثيراً , فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعضو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . 265
أخي في الله : هل تعتقد وفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وهل الرسول  لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جئت أنت ومن على شاكلتك فأحدثتوا في شرع الله ما لم يأذن به ، زاعمين : أن ذلك مما يقربكم إلى الله , هل تعتقد ذلك ؟!!! .
وهذا بلا شك فيه خطر عظيم ، واعتراض على الله سبحانه ، وعلى رسوله  ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين ، وأتم عليهم النعمة .
والرسول  قد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة ، كما ثبت في الحديث الصحيح ، عن عبد الله بن عمرو  ، قال رسول الله  : " ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم , وينذرهم شر ما يعلمه لهم " . 266
ومعلوم أن نبينا  هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأعمهم بلاغاً ونصحاً ، فلو كان هذه الذي يُفعل من البدع في الجنائز وغير الجنائز من الدين الذي يرضاه الله سبحانه , لبينه الرسول  للأمة ، أو فعله في حياته ، أو فعله أصحابه  فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول  منها أمته ، كما تقدم في ذكر الأحاديث السابقة.

آثار البدعة
وللبدعة أثار وخيمة على صاحبها وعلى المجتمع ككل , ومن أهم الآثار الضارة للبدعة :
إماتة السنة : لأنه ما ظهرت بدعة إلا وماتت سنة من السنن ، لأن البدعة لا تظهر وتشيع إلا بعد تخلي الناس عن السنة الصحيحة ، فظهور البدع علامة دالة على ترك السنة , وهذا واضح جداً في باب الجنائز ، فعلى سبيل المثال من السنة عند الدفن أن يدعوا الواقفين على القبر للميت ، كما ثبت عن النبي  ولكنك تجد رجلاً يقف فوق القبر ثم يشرع في تلقين الميت بالطريقة المعلومة لدي الجميع ، معتمداً في ذك على حديث باطل لا يصح ، وبذلك تركت السنة التى حض عليها النبي  وهي الدعاء للميت وأحييت هذه البدعة
الجدل : من الآثار المترتبة على الوقوع في البدع الجدل بغير حق ، والخصومات في الدين ، وقد حذر الله سبحانه وتعالى من ذلك بقوله عز وجل { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } , فقد نهى سبحانه وتعالى عن الفرقة والاختلاف ، بعد مجيء البينات ، الكتاب والسنة , حتى لا نكون كالأمم السابقة التي تفرقت واختلفت بسبب بدعهم وأهواءهم .
ومن آثار البدع : اتباع أهلها لأهوائهم وعدم التقيد بما شرع الله , ولاشك أن هذا عين الضلال ، قال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ } ، وقال تعالى :{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } , واتباع الهوى أمر باطن لا يظهر ، ولكن يتبين بعرض أعمال صاحبه على الشرع ، فعند عرضها على الشرع نرى أنها لا تمثل إلا هوى صاحبها ، ولا تصدر إلا من مبتدع جاهل ، يقول في الأمور بغير علم ، وخاصة أمور الدين .
ومن آثار البدع : أن المبتدعة لا يقتصر ضلالهم على أنفسهم ، وإنما يشيعونه بين الناس ، ويدعون إليه قولاً وعملاً ، بالحجة الباطلة والتأويل الزائغ والهوى المتسلط ، فيتحملون إثمهم وإثم من عمل بهذه البدعة إلى يوم القيامة ، قال تعالى :{ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } .
ومن آثار البدع : أن صاحب البدعة إذا أصابه مرضها ، لا يرجع عن بدعته بل يستمر فيها ، مبعدة إياه عن طريق الحق ، حتى يصعب عليه الرجوع والتوبة ، إلا من رحم الله ، قال  : " إن بعدي من أمتي - أو سيكون بعدي من أمتي - قوماً يقرأون القرآن ولا يجاوز حلوقهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه ، هم شرار الخلق والخليقة " . 267
    

بدع الجنائز
1ـ قراءة الفاتحة .
هذه البدعة ليست موجودة في الجنائز وحسب ، بل موجودة في كثير من المراسم ، ويرددها كثير من الناس ، على سبيل المثال تجد قارئ القرآن بعد الإنتهاء من القراءة يقول : الفاتحة , وتجد من يقف على القبر بعد الإنتهاء من دفن الميت يقول : الفاتحة لروح فلان , إلى جانب ذلك أن كثير من الناس حينما يذهبون إلى المقابر يقرؤن الفاتحة على روح الميت . . الخ .
قلت ـ المصنف ـ : وهذا كله لم يثبت عن النبي  ، فلم يثبت عنه في حديث واحد أنه لما ذهب إلى المقابر قرأ الفاتحة ، أو وهب ثواب قرائتها للأموات ، فنقول لمن يفعلون هذا الفعل : من أين أتيتم بهذه البدعة التى لم يفعلها النبي  ولم يفعلها أحد من الصحابة .
ولقد سُئلت اللجنة الدائمة للفتاوي عن هذه البدعة ما حاصله : ما حكم الفاتحة على روح فلان ، أو الفاتحة إن الله ييسر لنا ذلك الأمر ، وبعد ذلك يقرؤون سورة الفاتحة ، أو بعد أن يقرأ القرآن وينتهي من قراءته يقول الفاتحة ويقرؤها الحاضرون ؟
فأجابت : قراءة الحاضر الفاتحة بعد الدعاء أو بعد قراءة القرآن بدعة , لأن ذلك لم يثبت عن النبي  ولا عن أحد من صحابته  ، وقد ثبت عن النبي  أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .
وقال العلامة ابن باز :
يسن للرجال من المسلمين زيارة القبور كما شرعه الله سبحانه لقول النبي  " زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " . 268
وكان النبي  يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا : " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين , وإنا إن شاء الله بكم لاحقون , نسأل الله لنا ولكم العافية " . 269
وصح عنه  من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنه كان إذا زار القبور يقول : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين , وإنا إن شاء الله بكم لاحقون , يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين , اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد " . 270
ولم يكن حال الزيارة  يقرأ سورة الفاتحة ولا غيرها من القرآن , فقراءتها وقت الزيارة بدعة , وهكذا قراءة غيرها من القرآن , لقول النبي  : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " . 271
2 ـ قولهم : البقية في حياتك .
هذه الكلمة يرددها العديد من الناس عندما يذهبون لتعزية أهل الميت ، جاهلين بما فيها من الأخطاء والمخالفات ، وإذا قالها أحد المعزين لأحد أقارب الميت يرد عليه , ويقول له : " في حياتك الباقية " ، وهذه أيضاً من الكلمات
المخالفة التى لا تصح ولا تجوز .
وسبب ذلك أن معنى هذه الكلمة " البقية في حياتك " أي : أن الله جل وعلا توفي هذا الميت دون أن يكتمل أجله وعمره ـ حاش لله ـ وبقي في عمره بعض الوقت ، فكأن قائل هذه الكلمة يقصد : أن هذا الوقت الذي بقي من عمر الميت يضاف إلى عمر هذا الحي فيزيد في عمره !!! .
وأما الكلمة الثانية " في حياتك الباقية " فمعناها : أن هذا العمر الذي بقي من الميت يضاف جزء منه إلى عمرك !!! .
قلت ـ المصنف ـ : إن لله وإنا إليه راجعون ، كيف ذلك والله جل وعلا يقول { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } الأعراف : 34
أخا الإسلام : إن الأجل إذا انقضى وانتهى لا يستطيع أحد مهما كانت منزلته أو مرتبته أن يرد قضاء الله تعالى وقدره ، ولا يستطيع أحد أن يرد الموت عن أي كائن على وجه الأرض إذا جاء وقته المعلوم ، ولا يؤخر هذا الأجل ولا يستقدم ساعة واحدة من ليل أو نهار ، فإن الأجال مكتوبة عند الله تعالى لا تتغير ولاتتبدل ، فكيف يقول إنسان عاقل مثل هذا الكلام ؟!
إن التعزية التى جاء بها الشرع غير ذلك تماماً , بل هو كلام طيب حسن يحض على الصبر والاسترجاع ، ليس كهذا الكلام الذي نسمعه .
والذي ورد قوله  : " لله ما أخذ , وله ما أعطي ، وكل شئ عنده بأجل
مسمى . . . فلتصبر ولتحتسب " . 272
أو أن يقول : أحسن الله عزاءك ، وجبر مصيبتك ، وأعظم أجرك ، وغفر لميتك . . ونحو ذلك .
3 ـ تأخير تجهيز الميت .
من الأشياء الخاطئة التى يفعلها البعض تأخير تجهيز الميت ودفنه ، بحجه أن أحد أقربائه لم يأت بعد من السفر ، أو أن أحد من معارفه يود أن يراه قبل الدفن , مما يجعل أهل الميت يأخرون دفن ميتهم يوم أو يومين حتى يأتي قريب هذا الميت !
وهذا كله مخالف لكلام النبي  وذلك لأنه  قال : " أسرعوا بالجنازة ، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ، وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " 273, وفيه تنبيه على الإسراع بتجهيزه أيضًا ليعجل به إلى الخير، أو ليستراح منه .
4 ـ كلمة " المرحوم " أو " المغفور له " .
كثير من الناس حينما يذكر الميت يقولون فلان : " المرحوم " , أو فلان : " المغفور له " وهذا كله لا يجوز ، لإن ثبوت مغفرة الله لشخص أو رحمته سبحانه إياه بعد موته من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله تعالى , ثم من أعلمه الله بذلك من ملائكته ورسله وأنبيائه ، فإخبار شخص غير هؤلاء عن ميت بأن الله قد غفر له أو رحمه لا يجوز , إلا من ورد فيه نص عن المعصوم  وبدون ذلك يكون رجمًا بالغيب ، وقد قال الله تعالى : { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } ، وقال: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا }{ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ }، ولكن يرجى للمسلم المغفرة والرحمة ودخول الجنة فضلًا من الله ورحمة ، ويدعى له بالمغفرة والرحمة بدلًا من الإخبار عنه بأنه مرحوم مغفور له ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } .
وعن خارجة بن زيد بن ثابت " أن أم العلاء - امرأة من الأنصار قد بايعت النبي  - أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة , فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في بيوتنا , فوجع وجعه الذي توفي فيه , فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله  فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله ، فقال رسول الله  : " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ " فقلت : بأبي أنت يا رسول الله ، فمن يكرمه الله ؟ فقال : " أما هو فقد جاءه اليقين ، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " قالت : فوالله لا أزكي أحدًا بعد أبدًا " 274, وقوله  : " والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " , هذا كان قبل أن ينزل الله قوله تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }{ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } ، وقبل أن يعلمه سبحانه أنه من أهل الجنة . 275
5 ـ بدعة الإسعاد .
وهى من عوائد الجاهلية في مآتمهم ، وقد نهي عنها الدين الحنيف ، ولكنها أعيدت هذه الأزمان وانتشرت بين النساء حتى صارت من السنن المألوفة ، فتراهن يسرعن لمساعدة صاحبة الميت في النوح والبكاء ، ولا يعرفن في التعزية غرضاً سوي ذلك ، وتصير المساعدة ديناً في ذمة المرأة المصابة ترى وجوب تأديته لكل من ساعدها ، وذلك محظور ينهي عنه الشارع .
فعن أنس  أن رسول الله  أخذ على النساء حين بايعهن ألا ينحن , فقلن يا رسول الله إن نساء أسعدتنا في الجاهلية أفنسعدهن ؟ فقال رسول الله : " لا إسعاد في الإسلام " . 276
والإسعاد : إعانة النساء بعضهن على بعض في النياحة بموت الميت .
عن عبيد بن عمير قال : قالت أم سلمة : لما مات أبو سلمة قلت : غريب وفي أرض غربة , لأبكينه بكاء يتحدث عنه , فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني , فاستقبلها رسول الله  وقال : " أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه ؟ " مرتين , فكففت عن البكاء فلم أبك . 277
6 ـ قولهم : ماذا تشهدون فيه ؟
ومن البدع أيضاً قول البعض عقب الصلاة على الجنازة بصوت مرتفع : ما تشهدون فيه ؟ فيقول الحاضرون كذلك ، كان من الصالحين ونحوه ، فإن ذلك الاستشهاد لم يقع في عهد النبي  ولا في عهد القرون المشهود لهم بالخير ولأنه مدعاة للإخبار بالكذب ، فإن جوابهم على هذا الاستشهاد مطرد بأنه من أهل الخير , حتى في الأموات المعروفين بالفسق المجاهرين بالفجور ، وهؤلاء الأولى حينئذ ذكرهم بالشر للتحذير من طريقهم والاقتداء بهم ، والتخلق بأخلاقهم .
7 ـ بدع المآتم .
وأما ما يحدث في المآتم فمعلوم أن كل مجتمع للحزن على الميت لا يخلوعن المحظورات شرعاً من الندب والنياحة ولطم الخدود وشق الجيوب والتهتك بكشف العورات ، وإضاعة الكثير من الأموال إلى غير ذلك مما عمت به البلوي حتى استعصي الداء وعز الدواء ، وأما اجتماع الرجال في المآتم لداعية الحزن على الميت فمعلوم أيضاً ما يستلزمه هذا الاجتماع عادة من النفقات الطائلة لغرض المباهاة والرياء بإعداد محل الاجتماع ، وإحضار البسط والكراسي المذهبة ونحوها , ولا شك في حرمة ذلك لما فيه من إضاعة المال لغير غرض صحيح ، ولا يفيد الميت شيئاً ، ويعود بالخسارة على أهله.
والجمهور على كراهة ذلك لأنه يجدد الحزن ويكلف المعزي .
قال الإمام الأذرعي : " الحق أن الجلوس للتعزية على الوجة المتعارف في زماننا مكروه أو حرام " .
وقال الإمام النووي في شرح المهذب : " وأما الجلوس للتعزية فنص الإمام
الشافعي وسائر الأصحاب على كراهته " . 278
8 ـ بدعة التلقين .
نري بعض الناس بعد أن يتوفي الميت يقفون على قبره ثم يلقنونه ، ويقولون يا فلان يا ابن كذا اذكر ما خرجت عليه من الدنيا . . . الخ .
قلت : لا شك لكل منصف أن هذه التلقين فوق القبر بدعة قبيحة مذمومة ، حيث التلقين الذي ورد عن النبي  إنما يكون قبل الموت ، كما قلنا سابقاً ، أما هذا التلقين بهذه الكيفية فهو لم يرد عن النبي  ، ولو ورد عن النبي  لعلمناه من خلال أصحابه ، ولكن لم يفعله أحد من الصحابة ولا التابعين .
وقد اعتمد من يجيزون هذا الفعل على حديث رواة الإمام الطبراني عن سعيد بن عبد الله الأودي قال : " شهدت أبو أمامة وهو في النزع فقال : إذا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله  أن نصنع بموتانا , أمرنا رسول الله  فقال : إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره , فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل : يا فلان بن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب , ثم يقول : يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعداً , ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول : أرشدنا رحمك الله , ولكن لا تشعرون , فليقل : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله , وأنك رضيت بالله رباً , وبالإسلام ديناً , وبمحمد نبياً , وبالقرآن إماماً , فإن منكراً ونكيراً يأخذ واحد منهما بيد صاحبه ويقول : انطلق بنا ما نقعد عند من قد لقن حجته , فيكون الله حجيجه دونهما , فقال رجل : يا رسول الله فإن لم يعرف أمه ؟ قال : فينسبه إلى حواء يا فلان بن حواء " .
وهذا حديث ظاهر في نكارته وبطلانه ، وقد علق عليه أئمتنا من العلماء المحدثين , قال النووي في " المجموع " ( 5 / 304 ) والعراقي في " تخريج الإحياء " ( 4 / 420 ) : " إسناده ضعيف " .
وقال ابن القيم في " زاد المعاد " ( 1 / 206 ) : " حديث لا يصح " .
وقال الإمام الألباني في : " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 64 ) : " منكر " .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
الصحيح من قولي العلماء في التلقين بعد الموت أنه غير مشروع ، بل بدعة وكل بدعة ضلالة ، وما رواه الطبراني في الكبير عن سعيد بن عبد الله الأودي عن أبي أمامة  في تلقين الميت بعد دفنه ذكره الهيثمي في الجزء الثاني والثالث من مجمع الزوائد ، وقال : في إسناده جماعة لم أعرفهم . أهـ .
وعلى هذا لا يحتج به على جواز تلقين الميت ، فهو بدعة مردودة بقول رسول الله  : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " , وليس مذهب إمام من الأئمة الأربعة ونحوهم كالشافعي حجة في إثبات حكم شرعي ، بل الحجة في كتاب الله وما صح من سنة النبي  في إجماع الأمة ، ولم يثبت
في التلقين بعد الموت شيء من ذلك فكان مردوداً . 279
9 ـ بدعة الأربعين والسنوية .
ومن البدع أيضاً ما يسمي بالأربعين أو بالسنوية ، وهو أن يجتمع الناس بعد أربعين يوم ليقيموا ليلة يذكرون فيها ميتهم ، أو يجتمعون بعد سنة من بعد رحيل الميت !!
وهذا كله مخالف لهدي النبي  ، ولم يرد أي نص في القرآن أو في السنة يجيز ذلك الفعل .
وهذا نص من فتاوي الأزهر يوضح حكم هذا الفعل :
إن إقامة مأتم الأربعين بدعة مذمومة يحرص كثير من الناس الآن على إقامة مأتم ليلة الأربعين ولا يختلف عن مأتم يوم الوفاة ، فيبلغون عنه فى الصحف , ويقيمون له السرادقات ، ويحضرون القراء وينحرون الذبائح .
ويفد المعزون فيشكر منهم من حضر ويلام من تخلف ولم يعتذر .
وتقيم السيدات بجانب ذلك مأتماً آخر فى ضحوة النهار للنحيب والبكاء وتجديد الأسى والعزاء .
ولا سند لشىء من ذلك فى الشريعة الغراء ، فلم يكن من هدى النبوة ولا من عمل الصحابة ولا من المأثور عن التابعين .
بل لم يكن معروفاً عندنا إلى عهد غير بعيد .
وإنما هو أمر استحدث أخيراً ابتداعاً لا اتباعاً , وفيه من المضار ما يوجب النهى عنه .
ففيه التزام عمل ممن يقتدى بهم وغيرهم ، ظاهره أنه قربة وبر ، حتى استقر فى أذهان العامة أنه من المشروع فى الدين , وفيه إضاعة الأموال فى غير وجهها المشروع ، فى حين أن الميت كثيراً ما يكون عليه ديون أو حقوق لله تعالى أو للعباد لا تتسع موارده للوفاء بها , مع تكاليف هذا المأتم ، وقد يكون الورثة فى أشد الحاجة إلى هذه الأموال ، ومع هذا يقيمون مأتم الأربعين استحياء من الناس ودفعاً للنقد ، وكثيراً ما يكون فى الورثة قصر يلحقهم الضرر بتبديد أموالهم فى هذه البدعة .
وفيه مع ذلك تكرير العزاء وهو غير مشروع , وغيره من المفاسد الدينية والدنيوية أهبنا بالمسلمين أن يقلعوا عن هذه العادة الذميمة التى لا ينال الميت منها رحمة أو مثوبة .
بل لا ينال الحى منها سوى المضرة إذا كان القصد مجرد التفاخر والسمعة أو دفع الملامة والمعرة .
وأن يعلموا أنه لا أصل لها فى الدين , قال تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر : 7 . 280
    
الخاتمة
وأخيراً : بعد أن طوفنا في هذا الموضوع الهام وهو الموت وما يتعلق به من مسائل ، نسأل الله تعالى أن نكون قد وفقنا بإذن الله في عرض قضية الموت عرضاً جيداً مقبولاً .
ولا ننسى أن ننبه على أن هناك جزءاً آخر من هذا الكتاب ، بعنوان " القبر وأهواله " نتناول فيه قضية القبر وما يتعلق به من مسائل والله المستعان .
وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يكون هذا العمل متقبلاً ولجهه خالصاً وأن ينفعنا به يوم نلقاه إنه ولى ذلك والقادر عليه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
حامل المسك
المدير العام للمنتدى
المدير العام للمنتدى



عدد المساهمات : 1631
تاريخ التسجيل : 21/03/2012

الموت وأحواله Empty
مُساهمةموضوع: الموت وأحواله   الموت وأحواله I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 05, 2013 5:38 pm

1
أخرجه مسلم رقم : ( 1046 ) .
  2أخرجه الترمذي والنسائي ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم : ( 1210 )
 3 أنظر : " تاج اللغة " للجوهري 1/419 .
 4 أنظر : " لسان العرب " لابن منظور 1/774 .
  5أنظر : " لسان العرب " لابن منظور 3/547 .
 6 أنظر : " لسان العرب " 3/547 .
 7 أنظر : " لسان العرب " 1/773 .
  8أنظر : " القيامة الصغرى " د . عمر سليمان الاشقر ( ص : 14 ) .  
9 أنظر : " التبصرة " لابن الجوزى  .
10 أنظر : مقدمة " الموت في الفكر الغربي " د . إمام عبد الفتاح .  
 11أنظر : " مشكاة الحياة " د . زكريا إبراهيم ( ص : 202 ) .  
12 أنظر : مقدمة " الموت في الفكر الغربي " د. إمام عبد الفتاح .
13 أنظر : " التبصرة " لابن الجوزى 1/293 .
 14  أنظر : " المعجم الكبير " للطبراني 222/7 .
  15 أنظر : " إحياء علوم الدين " للغزالي
 16أنظر : " من قصص الصالحين " لمجدي الشهاوي .
17 أنظر : " التبصرة " لابن الجوزي 2/204 .
 18أنظر : " نفح الطيب فى غصن الأندلس الرطيب " للمقرى 6/328.
19 القصيدة من قول الإمام : " زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب " .
20 أنظر : " التبصرة " لابن الجوزي .
21 أنظر : " التذكرة " للقرطبي 1/47 .
22 أنظر : " فيض القدير شرح الجامع الصغير " للمناوي 2/85 .
23 أنظر : " فيض القدير شرح الجامع الصغير " للمناوي 2/86 .
 24 أخرجه ابن ماجة والحاكم وحسنة الألباني في " السلسة الصحيحة " رقم :  ( 1384 ) .
 25أنظر : " فيض القدير شرح الجامع الصغير " للمناوي 2/85 .
26 أنظر : " الزهد والرقائق " لابن المبارك ( ص: 88 ) .
27 أنظر : " فيض القدير شرح الجامع الصغير " للمناوي 2/85 .
28 أنظر : " إحياء علوم الدين " للغزالي 4/451 .
 29صحيح : أخرجه أبي دواد رقم : ( 3235 ) وصححه الألباني .
30أنظر : " التذكرة " للقرطبي 1/13 .
 31 أنظر : " إحياء علوم الدين " للغزالي 4/452 .
 32 أخرجه البخاري رقم : ( 6053 ) .
 33 أنظر : " عمدة القاري شرح صحيح¬ البخاري " لبدر الدين العيني .
 34 صحيح : صححه الألباني في " صحيح الجامع رقم : ( 1077 ) .
  35أنظر : " فيض القدير شرح الجامع الصغير " للمناوي 2/16 .
  36حسن : حسنه الألباني في " صحيح الجامع " رقم : ( 3845 ) .
  37أنظر : " الزهد الكبير " ( ص : 248 ) .
 38 أنظر : " إحياء علوم الدين " للغزالي 4/377ـ388 بتصرف .
 39 أنظر : " العاقبة في ذكر الموت " لابن عبد الحق ( 171ـ173 ) .
 40 أنظر : " معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية " د . محمود عبد الرحمن 1/750 .  
 41 أنظر : " معجم المقاييس " لأحمد بن فارس ( ص : 342 ) .
42  أخرجه أحمد في : " المسند " 5/224 .
 43 صحيح : أخرجه الترمذي وصححه الألباني في " اسلسلة الصحيحة رقم ( 1334 ) .
44  أخرجه أحمد رقم ( 12235 ) وقال شعيب الأرنؤوط : صحيح على شرط الشيخين .
45  أخرجه البخاري رقم : ( 6128 ) .  
 46 أنظر : " شرح صحيح البخاري " لابن بطال .
 47 أخرجه البخاري رقم : ( 4666 ) .
  48صحيح : صححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " رقم : ( 283 ) .
  49أنظر : " فيض القدير شرح الجامع الصغير " للمناوي 6/226 .
 50 أنظر : " جامع العلوم والحكم " لابن رجب ( ص : 57 ) .
 51 أنظر  " الجواب الكافي " لابن القيم : ( ص : 117 ) .
 52 أنظر : " يقظة أولي العتبار " للقنوجي ( ص : 210ـ213 ) .
 53 أخرجه البخاري رقم : ( 6243 ) .
 54 أخرجه الإمام أحمد رقم : ( 2654 )
 55 أنظر : " إحياء علوم الدين " للغزالي 4/172
56 أنظر : " حلية الاولياء " لأي نعيم 7/51 .
 57أنظر : " حلية الاولياء " لأبي نعيم 2/383 .  
 58 أنظر : " جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي ( ص : 58 ) .
59 أنظر : " جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي 1/389 .
60 أنظر : " الزهد " لابن المبارك ( ص : 473 ) .
 61أنظر : " تفسير السعدي " للعلامة السعدي ( ص : 748 ) .
 62رواة الطبراني في " الأوسط " وصححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم ( 1905 )
63 أخرجه الإمام مسلم  7/209 .
 64أنظر : " مسلم بشرح النووي " للنووي 17/210 .
65 أنظر : " فيض القدير " للمناوي 6/589 .
 66رواة ابن ماجة رقم : ( 4261) وحسنه الألباني في الصحيحة رقم : ( 1015 ) .  
 67رواة الترمذي عن أنس ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 7987 ) .
  68رواة أبو داود وحسنه الألباني في " الإرواء " رقم : ( 686 ) .
  69رواة أحمد رقم : ( 1384 ) , وصحح إسناده أحمد شاكر .
  70رواة الإمام أحمد 5/37 , والنسائي 1/259 وحسنه الحاكم 1/361 ووافقه الذهبي .
  71أنظر : " فيض القدير " للمناوي 6/329 .
 72 حسن : رواة أحمد والترمذي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم ( 5773 ) .
 73 أنظر : " فيض القدير " للمناوي 5/673 .
 74 رواة البزار وأحمد وصححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم ( 622 ) .
  75رواة الإمام أحمد 5/391 , وقال الألباني : اسناده صحيح .
  76رواة الإمام أحمد والترمذي , وصححه الألباني في " صحييح الجامع " رقم ( 305)
  77أخرجه مسلم رقم : ( 949 ) .
  78صحيح : صححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم : ( 2175 ) .
  79أخرجه البخاري رقم : ( 1302 ) .
 80 أنظر : " إحياء علوم الدين " للغزالي 4/179 .
  81رواة الطبراني في " الكبير " وصححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم ( 6226 )
  82رواة أبو داود والحاكم ، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " رقم ( 6413 ) .
 83 رواة ابن قانع ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم : ( 3953 )
  84رواة الحاكم ، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " رقم : ( 3675 ) .
  85رواة أبو داود وأحمد ، وصححه أحمد شاكر .
 86 رواة البخاري رقم :  (1387) .
 87 أنظر : " صفة الصفوة " لابن الجوزى 1/105 .
 88 أنظر : " طبقات ابن سعد " لابن سعد 3/360 .
  89ذكره الهيثمي في " المجمع " 7/232 وقال : رجاله ثقات .
  90أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 1/239 .
 91 أنظر : " سير أعلا النبلاء " للذهبي   " 1/359.
 92 أنظر " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19/1328 .
 93 أنظر " الثبات عند المممات " لابن الجوزي ( ص : 137 ) .
 94 أنظر " الثبات عند الممات " لابن الجوزي ( ص : 138 ) .
 95 أنظر " مختصر تاريخ دمشق " لابن منظور .
 96 أنظر " الثبات عند الممات " لابن الجوزي ( ص : 142 ) .
  97أنظر " الثبات عند الممات " ( 146 ) .
 98 أنظر " الثبات عند الممات " ( ص : 151 ) .
 99 أنظر " الثبات عند الممات " ( ص : 153 ) .
  100والخبر في : " طبقات السبكي " 2/233 .
  101أنظر " الثبات عند الممات " لابن الجوزي ( ص : 154 ) .
 102 أنظر " الثبات عند الممات " لابن الجوزي ( ص : 154 ) .
 103 أنظر " الثبات عند الممات " لابن الجوزي ( ص : 159 ) .
 104 أنظر " الثبات عند الممات " لابن الجوزي ( ص : 161 ) .
105  أنظر " الثبات عند الممات " لابن الجوزي ( ص : 174 ) .
  106أنظر " الثبات عند الممات " لابن الجوزي ( ص : 177 ) .
 107 أنظر " اللحظات الحاسمة " لمحمد بن عبد العزييز المسند .
 108 أنظر " رحلة على الدار الآخرة " لمحمود المصري ( ص : 65 ) .
 109 أنظر " اللحظات الحاسمة " لمحمد بن عبد العزيز المسند .
  110أنظر " اللحظات الحاسمة " لمحمد بن عبد العزيز المسند .
 111 أنظر  : " إحياء علوم الدين " للغزالي 4/174 .
  112رواة الشيرازي والحاكم وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " رقم ( 73 ) .
 113 أنظر  : " إحياء علوم الدين " للغزالي 4/176ـ177 .
  114أنظر  : " الداء والدواء " لابن القيم ( ص : 51ـ52 ) .
115  أنظر  : " الداء والدواء " لابن القيم ( ص : 62 ) .
 116 أنظر  : " إحياء علوم الدين " للغزالي 4/178 .
  117صحيح : صححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " رقم : ( 505 ) .
  118أخرجه البخاري رقم : ( 6128 ) .  
 119 أنظر : " إحياء علوم الدين " للغزالي 4/179 .
 120 أنظر : " البداية والنهاية " لابن كثير 3/309 .
 121 أخرجه البخاري رقم : ( 4114 ) ومسلم رقم ( 2652 ) .
 122 أنظر : " الروح " لابن القيم ( ص : 19 ) .
 123 أنظر : " اللحظات الحاسمة " لمحمد بن عبد العزيز المسند .  
124  أنظر : " المصدر السابق .
  125المصدر السابق .
  126المصدر السابق .
  127المصدر السابق .
 128 المصدر السابق .
 129أنظر : " فتح الباري " لابن حجر 11/362 .
 130 أنظر تفسير : " التحرير والتنوير " للطاهر ابن عاشور .
 131 أنظر : " تفسير الطبري " 22/346 .
 132 أنظر : " تفسير روح المعاني " للألوسى 26/182 .  
133  أنظر : " تفسير الطبري " 5/268 .
 134 أنظر : " أحياء علوم الدين " للإمام الغزالي 4/462 .
 135 أنظر : " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي 4/463 .
 136 أنظر : " جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلى ( ص : 370 ) .  
 137 أنظر : " الطبقات الكبري " لابن سعد 4/196 .
 137 أنظر : " جامع العلوم والحكم " لابن رجب ( ص : 370 ) .
  139أنظر : " حلية الأولياء " لأبي نعيم 5/365 .  
 140 صحيح : رواة الترمذي رقم : ( 979 ) وصححه الألباني .
  141أخرجه البخاري رقم : ( 4462 )
  142أخرجه البخاري رقم : ( 6145 ) .
  143أخرجه مسلم 17/76 . كتاب التوبة .
  144أخرجه الإمام أحمد رقم : ( 6160 ) وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن .
 145 أخرجه مسلم 18/87 .
 146 أخرجه النسائي وصححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم ( 3746 ) .  
 147 أنظر : " تفسير روح المعاني " للألوسى 21/125 .
148  أنظر : " التذكرة " للقرطبي .  
 149أنظر : " تفسير الطبري " 21/98 .
 150 أنظر : " العظمة " لأبي الشيخ 3/924 , و" الأسماء والصفات " للبيهقي ( 505 )
 151 أنظر : " إحياء علوم الدين " للغزالي ( ص : 139ـ141 ) .
152  أنظر : " البداية والنهاية " لابن كثير 1/47 . و " شرح الطحاوية " ( ص : 40 ) .
  153أنظر : " في ظلال القرآن " لسيد قطب .
 154 أنظر : " تفسير الطبري " للطبري 17/198 .
 155 أنظر : " تفسير السعدي " 1/748 .
 156 أنظر : " تفسير السعدي " 1/836 .  
 157 أخرجه البخاري رقم : ( 6137 ) .
  158رواة أبو داود والحاكم وأحمد وابن خزيمة ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم (1676) .  
  159حسن : حسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " رقم : ( 2151 ) .
 160 أخرجه ابن منده " الإيمان " 2/968 , وأحمد 2/364 .
161  أنظر : " تفسير الطبري " 13/15 .
 162 أنظر : " تفسير القرآن العظيم " لابن كثير 2/157 .
 163 أنظر : " تفسير السعدي " للسعدي ( ص : 264 ) .
 164 حسن : حسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " رقم : ( 2151 ) .
 165 أنظر : " كيف تغسل ميتاً " لأسامة الغامدي .
  166أنظر : " أسرار الموت بين العلم والدين " د . مؤنس غانم .
  167سنقتصر في هذا الجزء فقط على ذكر أحكام الجنائز وأخطائها المتعلقة بالموت وما فيه ، دون ذكر الأحكام الخاصة بالقبر والدفن ، فإنها ستأتي بإذن الله تعالى في الجزء الثاني من هذا الكتاب تحت اسم " القبر وأهواله " والله المستعان  .  
 168 أنظر : " عون المعبود شرح سنن ابي داود " للمباركفوري 4/43 .
  169أخرجه مسلم رقم : ( 2999 ) .
 170 أخرجه مسلم رقم : ( 2877 ) .  
  171أخرجه البخاري رقم : ( 6169 ) .  
 172 أخرجه مسلم رقم : ( 2581 ) .
 173 أخرجه الحاكم 2/27 , وأحمد 2/70 .
174 أخرجه البخاري رقم : ( 2587 ) ومسلم : ( 1627 ) .
  175أخرجه مسلم رقم : ( 966 ) .
 176 أخرجه أحمد 4 / 397 , والبيهقي 3 / 395 بهذا التمام ، وابن ماجه بسند حسن .
 177 أخرجه مسلم رقم ( 916 ) وأبي داود رقم : ( 3117 ) وغيرهم .
178  صحيح : أخرجه أحمد 3/152 .
 179 صحيح : أخرجه أبي داود رقم ( 3100 ) .
180 أنظر : " شرح مسلم " للنووي 2/580 , و " المغنى " لابن قدامة 2/450 .
 181 أخرجه البخاري رقم :  ( 4184 ) .
 182 أخرجه البخاري رقم :  ( 4184 ) .
 183 أخرجه البخاري رقم : ( 1290 ) .
 184 أخرجه مسلم رقم : ( 26 ) .
  185حسن بطرقه : أخرجه الحاكم 1/353 ، والبيهقي 3/384 .
  186أنظر : " المجموع " للنووي 5/116 .  
 187 أخرجه البخاري رقم : ( 1283 ) ومسلم رقم : ( 926 ) .  
 188 أخرجه مسلم رقم : ( 951 ) .
189 أخرجه مسلم رقم : ( 920 ) وأبو داود رقم : ( 3101 ) .  
 190أنظر : " المغني " لابن قدامة 2/451 , و " الأم " 1/248 , و " مواهب الجليل " 2/222 , و " البدائع " 1/300 .
 191أخرجه البخاري رقم : ( 1241 ) ومسلم رقم : ( 942 ) .
 192صحيح : أخرجه الترمذي ( 1078 ) وغيره وصححه الألباني في " المشكاة " ( 2915)
 193أخرجه الحاكم 2 / 58 والسياق له , والبيهقي 6 / 74 - 75  ,والطيالسي (167 3) وأحمد 3 / 330 بإسناد حسن كما قال الهيثمي 3 / 39 .
194 أخرجه البخاري رقم : ( 1315 ) ومسلم رقم : ( 944 ).  
195 أخرجه البخاري رقم : ( 3852 ) ومسلم رقم : ( 2471 ) .
 196 أخرجه البخاري رقم : ( 4187 ) .
197  أخرجه البخاري رقم : ( 1241 ) ومسلم رقم : ( 2315 ) .
 198 أخرجه البخاري رقم : ( 1226 ) , و مسلم رقم : ( 927 ) .
 199 أنظر : " فتح الباري شرح صحيح البخاري " لابن حجر العسقلاني 3/152 ، 155 .
 200 أخرجه مسلم رقم : ( 934 ) .
 201 أخرجه مسلم رقم : ( 67 ) .
 202 أخرجه البخاري رقم : ( 4020 ) .
  203أخرجه البخاري رقم : ( 1232 ) ومسلم رقم : ( 103 ) .  
 204 أنظر : " فتح الباري شرح صحيح البخاري " لابن حجر 3/163ـ164 .
 205 أنظر : " فيض القدير شرح الجامع الصغير" للمناوي 5/387 .
 206 أخرجه البخاري رقم : ( 1234 ) ومسلم رقم : ( 104 ) .
  207صحيح : أخرجه أبي داود رقم : ( 3131 ) وصححه الألباني .
  208أخرجه مسلم رقم : ( 867 ) .
  209أخرجه البخاري رقم : ( 5334 ) ومسلم رقم : ( 1486 ) .
 210 هذا الفصل والذي يليه مأخوذ من كتب أهل العلم الثقات في هذا الشأن , وعلى رأس هذه الكتب كتاب : " كيف تغسل ميتاً " لأسامه الغامدي .  
  211أخرجه البخاري رقم : ( 2442 ) ومسلم رقم : ( 2580 ) .
 212 أخرجه البخاري رقم : ( 1393 ) .
  213حسن : أخرجه الحاكم 1/354 , والبيهقي 3/395 .
214 أخرجه مسلم رقم : ( 2104 ) .
215 حسن : أخرجه أبي داود رقم : ( 3141 ) وحسنه الألباني .  
 216 أخرجه أبو داود ( 3140 ) ، وضعفه الألباني .
  217رواه ابن ماجه ( 1617 ) - واللفظ له - ، وأحمد 6 / 58  ، وأبو داود ( 3207 ) ، وابن حبان ، والبيهقي 4 / 58 . وصححه الألباني في " أحكام الجنائز " .
 218 أخرجه البخاري (5678) ومسلم (2165) .
 219 أخرجه مسلم رقم : ( 939 )
 200 أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " رقم (67650 ) .
 221 أخرجه البخاري رقم : ( 1267 ) ومسلم رقم : ( 1206 ) .
 222 أخرجه البيهقي (10899) .
  223أخرجه البخاري رقم : ( 1240) ومسلم رقم : ( 2161 ) .
  224أخرجه البخاري رقم : ( 1314 ) والنسائي 1/270 .
 225 أنظر : " جامع أحكام النساء " لمصطفي العدوي 1/535 .
 226 أخرجه البخاري رقم : ( 1315 ) ومسلم رقم : ( 944 )  
 227 أخرجه البخاري رقم : ( 1325 ) ومسلم رقم : ( 945 ) .
  228صحيح : أخرجه ابن ماجة ( 1483 ) وابي داود ( 3179 ) وصححه الألباني .
  229حسن : أخرجه ابن أبي شيبة 4/101 , وحسنه الحافظ وقال : له حكم الرفع .
 230 قواه الألباني بشواهده : أخرجه أبي داود ( 3171 ) وأحمد 2/427 .
 231 أخرجه مسلم رقم : ( 121 ) وأحمد 4/199 .
  232رجاله ثقات : أخرجه البيهقي 4/74 ، وابن المبارك في الزهد ( 83 ) .
 233 أنظر : " الأذكار " للنووي ( ص : 203 ) .
 234 أنظر : " فقة السنة " للسيد سابق 1/538 .
  235أخرجه البخاري رقم : ( 1310 ) ومسلم رقم : ( 959 ) .
 236 أخرجه البخاري رقم : ( 1251 ) والنسائي رقم : ( 1960 ) .
  237أخرجه مسلم رقم : ( 945 ) .
 238 أخرجه مسلم رقم : ( 947 ) .
 239 أخرجه مسلم رقم : ( 948 ) .
  240رواه الطبراني في " الكبير " ، قال الهيثمي في " المجمع " 3 / 432 : وفيه ابن لهيعة  وفيه كلام .
 241 أخرجه أبو داود 2 / 63 والسياق له , والترمذي 2 / 143 , وابن ماجه 1 / 454 والحاكم 1 / 362 ، 363 وقال : " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي !
 242 أنظر : " المحلى " لابن حزم 5/123 .
243 أخرجه البخاري رقم : ( 1278 ) ومسلم : ( 937 ) .
 244 أخرجه البخاري رقم : ( 1329 ) .
 245 أنظر : " فتح الباري " لابن حجر 3/237 .
 246 أخرجه البخاري رقم : ( 1333 ) ومسلم ( 951 ) .
  247أخرجه البخاري رقم : ( 1335 ) وأبي داود رقم ( 3182 ) والترمذي ( 1032 )
 248 أخرجه الشافعي في " الأم " 1 / 239 - 240 ومن طريقه البيهقي 4 / 39 .
  249صحيح : أخرجه ابي داود ( 3197) وابن ماجة ( 1497 ) وابن حبان ( 3077 ) .
 250أخرجه مسلم رقم : ( 963 ) .
 251إسنداه صحيح : أخرجه أبي داود ( 3201 ) والترمذي ( 1023 ) وابن ماجة ( 1498)
 252أعل بالوقف : أخرجه الدارقطني في " العلل " .  
 253أخرجه البخاري في " رفع اليدين " ( 110 ) .
254 أخرجه مسلم رقم : ( 2732 ) .
 255أخرجه البخاري رقم : ( 1851 ) ومسلم رقم : ( 1147 ) .
256 أخرجه أبو داود 2 / 108 , والنسائي 2 / 211 , والترمذي 2 / 287 وحسنه .
257 أخرجه مسلم رقم : ( 1631 ) , وأبي داود ( 2863 ) والترمذي ( 1390 ) .
258 أخرجه ابن ماجة 1/106 بإسناد حسن .
 259صحيح : أخرجه أبي دواد رقم : ( 3221 ) وغيره .
260 أنظر : " فتاوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " الفتوي رقم : ( 2232 ) .
 261أنظر : " الاعتصام " للشاطبي 1/37 .  
262  أخرجه مسلم رقم : ( 1718 ) .
 263أخرجه مسلم رقم : ( 867 ) .  
264 أخرجه ابن ماجة 1/18 .
265 أخرجه أحمد في " المسند " 4/126 .  
266 أخرجه مسلم رقم : ( 1844 ) .  
 267أخرجه مسلم رقم : ( 1063 ) .
 268 أخرجه مسلم رقم : ( 976 ) والنسائي ( 2034 ) وأبي داود ( 1569 ) .
 269 أخرجه مسلم رقم : ( 975 ) والنسائي ( 2040 ) وابن ماجة ( 1547 ) .  
 270 أخرجه مسلم رقم : ( 974 ) والنسائي ( 2039 ) .
 271 أنظر : " فتاوي ابن باز " 5/346 .  
  272أخرجه البخاري رقم : ( 1224 ) ومسلم ( 923 ) .
  273أخرجه البخاري رقم : ( 1252 ) ومسلم رقم : ( 944 ) .
 274 أخرجه البخاري رقم : ( 1186 ) .
 275 أنظر : " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " الفتوى رقم ( 8217 ) .
  276صحيح : أخرجه النسائي رقم : ( 1852 ) .
  277أخرجه مسلم رقم : ( 922 ) .
 278 أنظر : " الإبداع في مضار الإبتداع " للشيخ على محفوظ ( ص : 227ـ228 ) .
  279أنظر : " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " فتوى رقم : ( 3159 ) .
 280 أنظر : " فتاوى الأزهر " من الأزهر الشريف .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hamelelmesk.yoo7.com
 
الموت وأحواله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ديني مؤثر: فيديو قوي جدا عن الموت
» نباتات تعود للحياة بعد الموت
»  ديني مؤثر: بينه وبين الموت دقيقة
» ديني مؤثر: وجاءت سكرة الموت بالحق
» ديني مؤثر : مع المغسل ورجل يخرج منه نمل عند الموت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع فرع الجمعية الشرعية بقرية البطاخ :: كتابات وأبحاث مشرف الدعوة بالفرع :: الرقاق والمواعظ والمنوعات :: الموت وأحواله-
انتقل الى: